الكبسة والمنسف والمسخن أطباق شعبية تصارع تغير المناخ
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
تُعتبر المأكولات الشعبية جزءًا رئيسياً من هوية الشعوب وثقافتها، ولا يقتصر الأمر على كونها أسلوبا في الطهي، لكنها تعكس تاريخا طويلا من التفاعل بين الإنسان وبيئته ومجتمعه. إلا أن التسارع في التغيرات المناخية والتي مست أنماط الغذاء العالمي أصبحت تؤثر على استمرارية واستدامة الأطباق الشعبية.
وقد كشفت دراسات عدة مدى تأثير التغير المناخي على الغذاء التقليدي في منطقتنا العربية، وهذه التغيرات الملحوظة باتت تمس مكونات أطباق شعبية عربية من بينها طبق المنسف الأردني والمندي الخليجي، والمجدرة الشامية والكسكس الذي يشتهر به شمال أفريقيا، إلى جانب الحمص بالطحينة المشهورة في بلاد الشام والكبسة السعودية والمسخن الفلسطيني والدولمة العراقية.
تشير الدراسات إلى أن أكثر من 84% من الأراضي الزراعية في الدول العربية قد تصبح شديدة التأثر بنقص المياه نتيجة التغير المناخي، مما يؤدي إلى تقليل الإنتاجية الزراعية، خاصة في المحاصيل الأساسية مثل القمح ، وهذا الوضع يتفاقم بسبب الاعتماد الكبير على الزراعة المطرية، والتي تتأثر مباشرة بتغير أنماط الهطول ونقص الموارد المائية.
وإلى جانب ذلك، تؤكد دراسة من مؤسسة كارنيجي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه تأثيرات ملحوظة للتغير المناخي، مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي المحلي.
إعلانويتسبب ذلك في انخفاض مستوى إنتاج الأرز الذي يعد مكونا رئيسيا في أطباق شعبية عربية مثل المنسف الأردني والأطباق الخليجية التي تعتمد بشكل رئيسي عليه في عدة أكلات مثل الكبسة والمندي والبرياني.
في حين يتسبب نقص المياه والتقلبات المناخية في قلة إنتاج الحبوب في المغرب وشرق آسيا، بما في ذلك القمح والشعير، وهما من المكونات الأساسية لطبق الكسكس، مما يهدد استدامة هذا الطبق التقليدي.
وكشفت دراسة للمركز الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن البقوليات، مثل العدس، قد تواجه زيادة في معدلات الإصابة بالآفات والأمراض نتيجة التغير المناخي، مما يقلل من إنتاجيتها، ويعد العدس مكونا أساسيا في طبق المجدرة المعروف في الشرق الأوسط، وطبق الكشري المصري.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، وفق الخبير المختص بالأمن الغذائي عمران الخصاونة الذي يقول إن تأثيرات التغير المناخي ستطول الخضراوات إذ تشكل موجات الجفاف والحرارة الشديدة عاملا أساسيا في تقليل المحاصيل مثل الطماطم والبصل التي تُعتبر أساساً للكثير من الأطباق.
ويضيف الخصاونة -في حديثه للجزيرة نت- أن الإنتاج العالمي فقد حوالي 14% من الطماطم خلال السنوات الأخيرة بسبب تغير الطقس، في حين بات العالم يلمس قلة إنتاجية مواسم الزيتون والذي يعتبر زيته أساسيا في الأطباق العربية.
ويؤثر ارتفاع درجات الحرارة على جودة الزيت الناتج، مما يقلل من النكهة والقيمة الغذائية لزيت الزيتون. ووفقاً لدراسة في حوض المتوسط، يمكن أن ينخفض إنتاج الزيتون بنسبة 25% بحلول عام 2050، وفق الخصاونة.
طبق المسخن (غيتي) تأثير التغير المناخي على المواشييتسبب التغير المناخي في تغيرات جذرية في الأنظمة البيئية والاقتصادية على حد سواء. وتؤثر هذه الظاهرة بشكل مباشر وغير مباشر على قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية التي تُعتبر مصدرًا رئيسيًا للأمن الغذائي والاقتصادي لملايين البشر حول العالم.
إعلانوكشفت دراسة منشورة بمجلة "غلوبال فود سيكيوريتي" عن العلاقة الوثيقة بين التغير المناخي والثروة الحيوانية، موضحة الآثار السلبية التي يسببها تغير المناخ على هذا القطاع الهام، إذ يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في زيادة الضغط الحراري على الحيوانات، مما يؤثر على صحتها وإنتاجيتها، مثل انخفاض إنتاج الحليب واللحوم.
ويؤثر الإجهاد الحراري أيضًا على القدرة التناسلية للحيوانات، مما ينعكس سلبًا على أعداد القطعان، كما يسبب التغير المناخي تغيرات في توافر المياه ومصادر الأعلاف، مما يؤدي إلى تراجع جودة وكميات الغذاء المتاحة للحيوانات ويساهم في التصحر وتدهور الأراضي الزراعية التي تعتمد عليها الثروة الحيوانية، وفق الدراسة.
ومع ذلك، تواجه المواشي تحديات كبيرة بسبب التغير المناخي، مما قد يؤثر على استمرارية تحضير الأطباق الشعبية التقليدية. لذا، فإن دعم استدامة تربية المواشي يُعد ضرورة للحفاظ على التراث الغذائي العربي والهوية الثقافية المرتبطة به.
وتقول مديرة أوراق للتنمية البيئية زينة حمدان إن التغير المناخي -كانخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة- يؤدي إلى تقليص الغطاء النباتي الذي تعتمد عليه المواشي في الغذاء، مما يزيد تكلفة تغذيتها، ويمكن أن تؤدي إلى انتشار أمراض جديدة قد تؤثر على صحة المواشي، مما يضعف إنتاجها من اللحوم والألبان
ويتسبب ذلك -وفق حمدان- في تفاقم خطر اندثار بعض الأطباق الشعبية باعتبار المواشي عنصرًا أساسيًا في الأكلات الشعبية العربية، إذ تمثل مصدرًا رئيسيًا للبروتينات من خلال اللحوم الحمراء مثل لحم الضأن والبقر، إذ تدخل في تحضير أطباق تقليدية شهيرة كالكبسة والمنسف والمشاوي والمسخن، كما تُستخدم الأعضاء الداخلية مثل الكبدة والطحال في أطباق أخرى تحمل طابعًا تراثيًا مميزًا.
وإلى جانب ذلك، تُعد منتجات الألبان المستخرجة من المواشي، مثل اللبن والجبن والسمن البلدي، مكونات أساسية في العديد من الأطباق والحلويات التقليدية، مما يعكس اعتماد المطبخ العربي على تنوع منتجات المواشي في إعداد وجبات متكاملة ومغذية.
إعلانوبحسب حمدان، تبرز أهمية المواشي متجاوزة الجانب الغذائي لتصبح جزءًا من التراث الثقافي والاجتماعي، حيث تُعتبر رمزًا للكرم والاحتفاء بالضيوف، خاصة في المناسبات الكبيرة كالأعياد والولائم. كما أنها تلعب دورًا محوريًا في الاستدامة الغذائية من خلال الاستفادة الكاملة من كل أجزاء الحيوان.
ويتفق الخبيراء -الذين قابلتهم الجزيرة نت- على أن الأطباق الشعبية لن تندثر بالطبع لكنها ستواجه تغيرا في الجودة، وارتفاعا كبيرا في التكاليف بسبب نقص الموارد وزيادة تكلفة الإنتاج. وقد تجعل المنسف، الذي كان طبقًا شعبيًا ميسور التكلفة، باهظ الثمن وصعب التوافر للأسر الأردنية، وينطق ذلك على بقية الأطباق الشعبية في العالم العربي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأطباق الشعبیة التغیر المناخی درجات الحرارة یؤدی إلى ا رئیسی التی ت ت عتبر
إقرأ أيضاً:
خلال 2024.. البيئة: توفير دعم لـ3 مشروعات من صندوق المناخ الأخضر وتوجه لإدماج التغيرات المناخي في قانون البيئة.. خبراء: مصر تتبني المطالبة بتعويض الخسائر والأَضرار.. والتمويل والقروض الخضراء كلمة السر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تُولي وزارة البيئة اهتمامًا كبيرًا بملف التصدي للتغيرات المُناخية على الصعيدين الوطني والدولي خلال 2024، منها الحصول مع عدد من الدول على تمويل لعدد 3 مشروعات من صندوق المناخ الأخضر حول مشروعات "تخضير الأنظمة المالية وصندوق استثمار الزراعة المرنة الذكية ومرفق توسيع البنية التحتية المرنة للمياه"؛ من خلال شركاء التنمية والقطاع الخاص بحزمة تمويلية تقدر 2 مليار 687 ألف دولار، وفق التقرير الذى استعرضته وزيرة البيئة نهاية الهام الجاري.
ويري خبراء أن الدولة المصرية تسعى بخطوات جيدة للمشروعات الخضراء وتنفيذ استراتيجتها 2030 عن طريق التوسع في الطاقة النظيفة والتقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وأضافوا، أنها تلعب دور الوساطة الدولية في المحافل العالمية ومؤتمرات المناخ المختلفة ويظهر ذلك من خلال مطالبتها المستمرة في تعويض الدول النامية المتضررة وعلى الدول المتقدمة في دفع فواتير التغيرات المناخية.
علاوة عن المشاركة على الصعيد الدولي من خلال المشاركة فى مؤتمر المناخ COP29 بباكو في اذربيجان ، حيث تولت وزيرة البيئة مع نظيرها الاسترالى مهمة تسيير مشاورات الوصول لهدف جمعي كمي جديد لتمويل المناخ يتسم بالشفافية والتوازن والقابلية للتطبيق، وعقدت لقاءات متعددة مع مجموعات الدول النامية والمتقدمة .
من جانبه يقول الدكتور وحيد إمام، رئيس الاتحاد النوعي للبيئة، تبنت مصر موقف الدفاع عن الدول النامية والافريقية والمطالبة بتعويض خسائرها عن طريق تفعيل آلية الخسائر والأضرار التي أطلقتها في مؤتمر المناخ الأسبق في شرم الشيخ COP27 وصولاً لمؤتمر دبي وباكو المتتالين COP28، COP29 وقد قوبل بالتأكيد حتي تستطيع مثل هذة الدول في مواجهه أخطار الاحترار العالمي.
يضيف" إمام": التمويل المناخي هو روح البلدان حتي تستطيع التوسع في المشروعات بنوعيها سواء "تخفيف أم تكيف" وتبقي المشروعات الأنسب للقارة العجوز هي مشروعات التكيف مثل التوسع في زراعة المساحات الخضراء وإنشاء محطات مياه نظيفة وأليات لمعالجة المخلفات بطرق آمنة علاوة عن مشروعات حياة كريمة عبر السكن الملائم القادر على حماية السكام من أخطار الفيضانات .
علاوة عن عقد الدولة المصرية العديد من اللقاءات مع وفود من المجموعة العربية والاتحاد الأوروبي ومجموعة 77 والصين ومجموعة الدول الأقل نموا ، ومجموعة البيئة العالمية ، ومجموعات تحالف الدول الجزرية الصغيرة ، المفاوضين الأفارقة ، التحالف المستقل لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ، الدول النامية ذات التفكير المماثل ، والمجموعة الشاملة وهي تحالف دول أستراليا وكندا وأيسلندا واليابان ونيوزيلندا وكازاخستان والنرويج وأوكرانيا والولايات المتحدة،والمملكة المتحدة، كما عقدت عدد من اللقاءات الثنائية مع عدد من الوزراء ومسئولي المنظمات والجهات الدولية والاقليمية، لبحث سبل دفع ملف المناخ وخاصة تمويل المناخ.
ويشير أستاذ علوم المناخ، الدكتور هشام عيسي، أن هناك العديد من المشروعات التي أطلقت خلال الفترات السابقة وعلى رأسها مزارع الرياح وانتاج الطاقة النظيفة، علاوة عن أهمية إدراج بعد المناخ في قانون البيئة لأهميته وتأثيره.
ويضيف"عيسي": علينا التوسع في توفير التمويل المناخي من مصادر التمويل الخاصة لأنه كلمة السر في نجاح أية مشروعات خاصة التي تعتمد على دعم مواجهة الشعوب النامية والفقيرة على مجابهة تأثيرات التغيرات المناخية .
وأوضحت الوزيرة خلال التقرير المشروعات التى تم إطلاقها كمشروع إعداد تقارير الشفافية الأول والثاني والإبلاغ الوطني الخامس لمصر والذي تنفذه وزارة البيئة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، و مشروع "صياغة وتطوير عملية خطط التكيف الوطنية في مصر (NAP) والذي يهدف إلى تعزيز القدرات الوطنية والبشرية والمؤسسية للتكيف مع التغيرات المناخية وتحديد الاولويات ودمجها فى الموازنة والتخطيط.
وتناول التقربر أيضاً جهود الوزارة فى التنسيق مع اللجان المتخصصة بمجلسي الشيوخ والنواب لتعديل قانون البيئة وادراج بُعد تغير المناخ بمواده، كما لفت إلى قيام الوزارة بعمل المراجعة الوطنية لفصول تقرير الإبلاغ الوطني الرابع لجمهورية مصر العربية ، والذي يتم تنفيذه بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وتطرق التقرير إلى مشروع الخريطـة التفاعلية لمخاطر ظاهـرة التغيـرات المناخيــة علــى جمهوريـة مصـر العربية الجارى الإنتهاء من إعدادها بالتعاون مع إدارة المساحة العسكرية والهيئة العامة للأرصاد الجويــة ومركز بحوث المياه التابع لوزارة الموارد المائية والري.