تُعتبر المأكولات الشعبية جزءًا رئيسياً من هوية الشعوب وثقافتها، ولا يقتصر الأمر على كونها أسلوبا في الطهي، لكنها تعكس تاريخا طويلا من التفاعل بين الإنسان وبيئته ومجتمعه. إلا أن التسارع في التغيرات المناخية والتي مست أنماط الغذاء العالمي أصبحت تؤثر على استمرارية واستدامة الأطباق الشعبية.

وقد كشفت دراسات عدة مدى تأثير التغير المناخي على الغذاء التقليدي في منطقتنا العربية، وهذه التغيرات الملحوظة باتت تمس مكونات أطباق شعبية عربية من بينها طبق المنسف الأردني والمندي الخليجي، والمجدرة الشامية والكسكس الذي يشتهر به شمال أفريقيا، إلى جانب الحمص بالطحينة المشهورة في بلاد الشام والكبسة السعودية والمسخن الفلسطيني والدولمة العراقية.

الأرز مكون رئيسي في أطباق شعبية عربية (الجزيرة) المائدة العربية في خطر

تشير الدراسات إلى أن أكثر من 84% من الأراضي الزراعية في الدول العربية قد تصبح شديدة التأثر بنقص المياه نتيجة التغير المناخي، مما يؤدي إلى تقليل الإنتاجية الزراعية، خاصة في المحاصيل الأساسية مثل القمح ، وهذا الوضع يتفاقم بسبب الاعتماد الكبير على الزراعة المطرية، والتي تتأثر مباشرة بتغير أنماط الهطول ونقص الموارد المائية.

وإلى جانب ذلك، تؤكد دراسة من مؤسسة كارنيجي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه تأثيرات ملحوظة للتغير المناخي، مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي المحلي.

إعلان

ويتسبب ذلك في انخفاض مستوى إنتاج الأرز الذي يعد مكونا رئيسيا في أطباق شعبية عربية مثل المنسف الأردني والأطباق الخليجية التي تعتمد بشكل رئيسي عليه في عدة أكلات مثل الكبسة والمندي والبرياني.

في حين يتسبب نقص المياه والتقلبات المناخية في قلة إنتاج الحبوب في المغرب وشرق آسيا، بما في ذلك القمح والشعير، وهما من المكونات الأساسية لطبق الكسكس، مما يهدد استدامة هذا الطبق التقليدي.

وكشفت دراسة للمركز الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن البقوليات، مثل العدس، قد تواجه زيادة في معدلات الإصابة بالآفات والأمراض نتيجة التغير المناخي، مما يقلل من إنتاجيتها، ويعد العدس مكونا أساسيا في طبق المجدرة المعروف في الشرق الأوسط، وطبق الكشري المصري.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، وفق الخبير المختص بالأمن الغذائي عمران الخصاونة الذي يقول إن تأثيرات التغير المناخي ستطول الخضراوات إذ تشكل موجات الجفاف والحرارة الشديدة عاملا أساسيا في تقليل المحاصيل مثل الطماطم والبصل التي تُعتبر أساساً للكثير من الأطباق.

ويضيف الخصاونة -في حديثه للجزيرة نت- أن الإنتاج العالمي فقد حوالي 14% من الطماطم خلال السنوات الأخيرة بسبب تغير الطقس، في حين بات العالم يلمس قلة إنتاجية مواسم الزيتون والذي يعتبر زيته أساسيا في الأطباق العربية.

ويؤثر ارتفاع درجات الحرارة على جودة الزيت الناتج، مما يقلل من النكهة والقيمة الغذائية لزيت الزيتون. ووفقاً لدراسة في حوض المتوسط، يمكن أن ينخفض إنتاج الزيتون بنسبة 25% بحلول عام 2050، وفق الخصاونة.

طبق المسخن (غيتي)  تأثير التغير المناخي على المواشي

يتسبب التغير المناخي في تغيرات جذرية في الأنظمة البيئية والاقتصادية على حد سواء. وتؤثر هذه الظاهرة بشكل مباشر وغير مباشر على قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية التي تُعتبر مصدرًا رئيسيًا للأمن الغذائي والاقتصادي لملايين البشر حول العالم.

إعلان

وكشفت دراسة منشورة  بمجلة "غلوبال فود سيكيوريتي" عن العلاقة الوثيقة بين التغير المناخي والثروة الحيوانية، موضحة الآثار السلبية التي يسببها تغير المناخ على هذا القطاع الهام، إذ يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في زيادة الضغط الحراري على الحيوانات، مما يؤثر على صحتها وإنتاجيتها، مثل انخفاض إنتاج الحليب واللحوم.

ويؤثر الإجهاد الحراري أيضًا على القدرة التناسلية للحيوانات، مما ينعكس سلبًا على أعداد القطعان، كما يسبب التغير المناخي تغيرات في توافر المياه ومصادر الأعلاف، مما يؤدي إلى تراجع جودة وكميات الغذاء المتاحة للحيوانات ويساهم في التصحر وتدهور الأراضي الزراعية التي تعتمد عليها الثروة الحيوانية، وفق الدراسة.

ومع ذلك، تواجه المواشي تحديات كبيرة بسبب التغير المناخي، مما قد يؤثر على استمرارية تحضير الأطباق الشعبية التقليدية. لذا، فإن دعم استدامة تربية المواشي يُعد ضرورة للحفاظ على التراث الغذائي العربي والهوية الثقافية المرتبطة به.

وتقول مديرة أوراق للتنمية البيئية زينة حمدان إن التغير المناخي -كانخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة- يؤدي إلى تقليص الغطاء النباتي الذي تعتمد عليه المواشي في الغذاء، مما يزيد تكلفة تغذيتها، ويمكن أن تؤدي إلى انتشار أمراض جديدة قد تؤثر على صحة المواشي، مما يضعف إنتاجها من اللحوم والألبان

ويتسبب ذلك -وفق حمدان- في تفاقم خطر اندثار بعض الأطباق الشعبية باعتبار المواشي عنصرًا أساسيًا في الأكلات الشعبية العربية، إذ تمثل مصدرًا رئيسيًا للبروتينات من خلال اللحوم الحمراء مثل لحم الضأن والبقر، إذ تدخل في تحضير أطباق تقليدية شهيرة كالكبسة والمنسف والمشاوي والمسخن، كما تُستخدم الأعضاء الداخلية مثل الكبدة والطحال في أطباق أخرى تحمل طابعًا تراثيًا مميزًا.

وإلى جانب ذلك، تُعد منتجات الألبان المستخرجة من المواشي، مثل اللبن والجبن والسمن البلدي، مكونات أساسية في العديد من الأطباق والحلويات التقليدية، مما يعكس اعتماد المطبخ العربي على تنوع منتجات المواشي في إعداد وجبات متكاملة ومغذية.

إعلان

وبحسب حمدان، تبرز أهمية المواشي متجاوزة الجانب الغذائي لتصبح جزءًا من التراث الثقافي والاجتماعي، حيث تُعتبر رمزًا للكرم والاحتفاء بالضيوف، خاصة في المناسبات الكبيرة كالأعياد والولائم. كما أنها تلعب دورًا محوريًا في الاستدامة الغذائية من خلال الاستفادة الكاملة من كل أجزاء الحيوان.

ويتفق الخبيراء -الذين قابلتهم الجزيرة نت- على أن الأطباق الشعبية لن تندثر بالطبع لكنها ستواجه تغيرا في الجودة، وارتفاعا كبيرا في التكاليف بسبب نقص الموارد وزيادة تكلفة الإنتاج. وقد تجعل المنسف، الذي كان طبقًا شعبيًا ميسور التكلفة، باهظ الثمن وصعب التوافر للأسر الأردنية، وينطق ذلك على بقية الأطباق الشعبية في العالم العربي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأطباق الشعبیة التغیر المناخی درجات الحرارة یؤدی إلى ا رئیسی التی ت ت عتبر

إقرأ أيضاً:

المدن الاسفنجية..مساحات خضراء تواجة مخاطر تغير المناخ

تزايدت الحاجة في السنوات الأخيرة إلى الحلول القائمة على الطبيعة لمواجهة تداعيات تغير المناخ، وذلك في ظل ما تشهده المناطق الحضرية من زيادة في عدد الفيضانات المدمرة نتيجة هطول أمطار غزيرة تزداد وتيرتها مع تسارع تغير المناخ.

فقد قال تقرير حديث للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إن نحو 700 مليون شخص يعيشون في مناطق زادت فيها معدلات هطول الأمطار الغزيرة، ومن المتوقع زيادة هذا العدد مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

وتقلل المدن الإسفنجية من مخاطر هذه الفيضانات، حين توفر المدينة مساحات أكثر نفاذية للاحتفاظ الطبيعي بالمياه وترشيحها، وزيادة القدرة على التعامل مع الفيضانات والأمطار الغزيرة.

ما هي المدن الإسفنجية؟

يُستخدم مصطلح “المدن الإسفنجية” لوصف المدن والمناطق الحضرية ذات المساحات الطبيعية الوفيرة مثل الأشجار والبحيرات والمتنزهات أو غيرها من البنى والتصميمات التي تهدف إلى امتصاص مياه الأمطار والسيول وتجنب الآثار الكارثية للفيضانات والحفاظ على مياه الأمطار والاستفادة منها بشكل مستدام.

وصِيغ مصطلح “المدينة الإسفنجية” أول مرة في عام 2013 من قبل البروفيسور “كونغجيان يو” من جامعة بكين، للإشارة إلى نوع معين من المدن التي لا تعمل كنظام كتيم (أي لا ينفذ منه الماء) يمنع مياه الأمطار من الترشيح عبر الأرض، لكنها تشبه الإسفنج، إذ تمتص مياه الأمطار، والتي تصل بعد تصفيتها بشكل طبيعي بواسطة التربة إلى طبقة المياه الجوفية، حيث تُستخرج فيما بعد من خلال الآبار ومعالجتها لاستخدامها في تزويد المدينة بالمياه.

متطلبات المدن الإسفنجية

تحتاج المدن الإسفنجية إلى أن تكون غنية بالمساحات التي تسمح للمياه بالتسرب من خلالها، فبدلا من الخرسانة والأسفلت غير النفّاذين، تحتاج المدينة إلى المزيد من المساحات الخضراء المفتوحة والمتجاورة، وممرات مائية وقنوات مترابطة عبر الأحياء، والتي يمكنها احتجاز المياه وتصفيتها بشكل طبيعي. كما تساعد زراعة أسطح المباني على الاحتفاظ بمياه الأمطار قبل إعادة تدويرها أو إطلاقها في الأرض.

وتساعد التصميمات المسامية للطرق والأرصفة في جميع أنحاء المدينة على استيعاب حركة مرور السيارات والمشاة بشكل آمن عند هطول الأمطار الغزيرة، إذ تسمح هذه الطرق والأرصفة المسامية بامتصاص مياه الأمطار وتغذية المياه الجوفية منها، كما يساعد بناء أحواض التجميع وأنظمة احتجاز الجريان السطحي على إعادة توجيه مياه الأمطار إلى المساحات الخضراء لامتصاصها بشكل طبيعي.

وتحتاج المدن الإسفنجية أيضاً إلى ترشيد استهلاك المياه وإعادة تدوير المياه الرمادية على مستوى وحدات البناء، وتحفيز المستهلكين على توفير المياه من خلال زيادة حملات التوعية، وتحسين أنظمة المراقبة الذكية لتحديد التسربات والاستخدام غير الفعال للمياه.

مقالات مشابهة

  • خبراء يؤكدون على أهمية تكامل السياسات الاقتصادية لمكافحة التغير المناخي بدول المجلس
  • التغير المناخي في العراق.. قنبلة موقوتة ستفجر الأوضاع قريبا إذا لم يتم تداركها
  • «التغير المناخي»: منتجات شيبس «ليز» في الإمارات آمنة
  • التغير المناخي والبيئة: منتجات شبس Lays في أسواق الدولة مطابقة للاشتراطات المعتمدة
  • التغير المناخي إعلان حرب على كوكب الأرض.. نشاط شمسي وانفجارات بركانية وأنشطة صناعية تهدد مستقبل الإنسان (ملف خاص)
  • “التغير المناخي والبيئة” و”الفاو” تطلقان تقييم نظام الرقابة الغذائية في الإمارات
  • «التغير المناخي والبيئة» و«الفاو» تطلقان تقييم نظام الرقابة الغذائية في الإمارات
  • التغير المناخي والبيئة والفاو تطلقان تقييم نظام الرقابة الغذائية في الإمارات
  • المدن الاسفنجية..مساحات خضراء تواجة مخاطر تغير المناخ
  • دراسة تربط بين تغير المناخ ومرض الخرف