الهدف الحقيقي لمشروع الشرق الأوسط الجديد
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
كان الهدف الأعلى والرئيس وراء إنشاء أم الكبائر (إنجلترا) لحلف بغداد عام 1955، والمتكوِّن من: إنجلترا وتركيا والعراق وإيران وباكستان، هو محاربة العروبة والمد القومي العربي بزعامة الخالد جمال عبد الناصر، رغم عنوانه الناعم والمُعلن حينها، وهو محاربة المد الشيوعي!
شجَّع هذا الحلف حينها عدنان مندريس رئيس الوزراء التركي على إحياء الحلم العثماني بالتمدُّد على حساب الجغرافية العربية، والمطالبة عام 1957 بمدينتي حلب والموصل؛ بزعم أنها أراضٍ تركية! الأمر الذي دفع بالزعيم عبدالناصر إلى التعجيل بالوحدة مع سوريا عام 1958؛ لحماية وحدة ترابها الوطني من الأطماع التركية.
وبقيام ثورة "14 يوليو 1958" بالعراق بقيادة عبدالكريم قاسم ورفاقه وسقوط الحكم الملكي، دُقَّ أول أسفين في نعش حلف بغداد الإنجليزي؛ حيث توالى الخروج من الحلف تباعًا، حتى أعلنت أم الكبائر وفاته رسميًا عام 1979، دون طقوس جنائزية أو مراسم، خاصة بعد قيام الثورة وانتصارها في إيران. وشجَّع الغرب الاستعماري- وما يزال- كل حركة أو دعوة انفصالٍ في الوطن العربي، خاصةً إذا كانت ضد العروبة، لهذا سمعنا عن حقوق الأقليات في الوطن العربي تعلو فوق كل صوت، وتزداد وتيرتها، وتتسع عامًا بعد عام وبشكل ملحوظ. ولم يقتصر الأمر على هذا؛ بل تواترت التقارير والبحوث المُزيَّفة والمُشكِّكة في العرب والعروبة، بدءًا من تحاليل الحمض النووي "دي إن إيه" تُشكِّك الكثير منها في منسوب عروبة هذا الشعب العربي أو ذاك، وصولًا الى التشكيك الجدلي بأن عربية القرآن الكريم ما إذا كانت منسوبة الى العرب أم قوة البيان. وما بين هذا وذاك تتوالى برامج التهافت على تدريس اللغات الأجنبية في المناهج التعليمية العربية بصورٍ مُقلقة ومُزعجة وعلى حساب الانتقاص وإهمال اللغة العربية، وامتد ذلك الى تفضيل اللغة الاجنبية على العربية في شروط التوظيف. وبهذا الهوس تبيَّن أن تعلُّم اللغات الاجنبية لم يعد في خانة العلم؛ بل أصبح من الهُوِّيات اللُغوية البديلة عن العربية، وهنا مَكمن الفخ والخطر. كما إن إعلان الحرب الضروس على التعليم "التقليدي" في الوطن العربي والمتمثل في الكتاتيب والزوايا والمحضرة يضع ألف سؤال وسؤال عن السبب وراء ذلك السُعار. والسبب بسيط جدًا، وهو أن ذلك التعليم يُعزِّز من الثوابت والهويات والخزين اللغوي، إلى حدٍ يُهدِّد مُخططات الأعداء ويُحصِّن الأجيال الى حدٍ كبير.
وانتزاع جغرافيات عربية من الوطن العربي اليوم، يأتي في سياق مُخطط "الشرق الأوسط الجديد"، كما إن دعوات التطبيع والإبراهيمية وأخواتها، تأتي في ذات السياق، والدعوات المدمرة للعروبة ومشتقاتها. يُضاف عليها دعوات المُتأسلمين المُتكرِّرة لعودة الخلافة- وتحديدًا العثمانية- وهي ليست نُصرةً للإسلام؛ بل مُعاداة صريحة للعروبة ومشتقاتها، لكنها مُبطَّنة بلحنِ الإسلام والأمة الإسلامية. وجميع المؤشرات السابقة والأفعال اليوم تدُل على هدفٍ واحدٍ ووحيدٍ لمشروع "الشرق الأوسط الجديد"، وهو تحطيم العروبة ومشتقاتها من هُوِيَّات لُغوية وقومية، وبالنتيجة سقوط التاريخ والدين والحضارة والمصير المشترك، وإحلال الهشاشة والتفاهة مكانها، وتفرُّد من يرغب بالانفصال عن الوطن تحت أي مسمى أو ذريعة.
حين شاور الرئيس الفرنسي شارل ديجول مستشاريه عن الرابط الاستعماري الذي يمكنه ربط شعوب مستعمراته بفرنسا بعد منحها "الاستقلال"؟ توالت المشورات عليه، لكنه لم يقتنع بأيٍّ منها؛ حيث قال لهم: "اللغة الفرنسية كفيلة ببقاء فرنسا في مستعمراتها السابقة بعد رحيلها؛ فأحرصوا على تشجيعها ودعمها"، وكان لهم ذلك!
قبل اللقاء.. حين كانت اللغة العربية في مكانتها الطبيعية توحَّد العرب والمسلمون من جميع الأعراق والطوائف والأديان والجغرافيات على لسان العرب، فارتقت الحضارة العربية الإسلامية وسادت العالم.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الوطن العربی
إقرأ أيضاً:
لماذا تعد خطة ترامب لـتطهير غزة زعزعة لاستقرار الشرق الأوسط؟
نشر موقع "ريسبونسيبل ستيتكرافت" تقريرًا يتناول فيه تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إجبار دول عربية مثل مصر والأردن على استقبال لاجئين من غزة كجزء من خطة لـ"تطهير" المنطقة، معتبرًا أن ذلك يعدّ جريمة حرب وفق القانون الدولي.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إنه في حال منح الرئيس ترامب الضوء الأخضر لتنفيذ مثل هذا المخطط، فإن النتيجة ستكون زعزعة استقرار الدول المجاورة بشكل كبير، مما يتناقض مع الهدف الذي أعلنه الرئيس الأمريكي خلال الفترة الماضية بالرغبة في تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
خطر الإطاحة بملك الأردن
وأوضح الموقع أن الأردن على وجه الخصوص سيواجه اضطرابات يمكن أن تطيح بالملك عبد الله الثاني والنظام الملكي الذي تعاون لفترة طويلة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعني أن تخسر واشنطن حليفًا وتحوّله إلى عدو، أو في أفضل الأحوال حكومة لا تهتم بالتعاون مع تل أبيب وواشنطن.
وذكر الموقع أن الأردن وقع معاهدة سلام مع "إسرائيل" في 1994، وكان أحد البنود الرئيسية في المعاهدة هو أن لا تقوم "إسرائيل" بتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها.
واعتبر أن إجبار الفلسطينيين على عبور الحدود نحو الأردن سيضع الملك عبد الله أمام خيارين: إما أن يرد على هذه الخطوة، مما قد يؤدي إلى فقدان المساعدات الأمريكية التي تساعده في الحفاظ على عرشه، أو السماح باستمرار هذه الجريمة، وهو ما قد يؤدي إلى الإطاحة به.
وأضاف الموقع أن الإخوان المسلمين في الأردن، والذين فازوا بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية في أيلول/ سبتمبر، وتعرضوا في السنوات الأخيرة لقمع متزايد من النظام وردوا عليه بمواقف أكثر تصلبا، سيكونون الأقرب إلى تولي السلطة إذا تمت الإطاحة بالملك.
وتوقع الموقع أن تكون الحكومة الناتجة عن الإطاحة بالنظام في الأردن، سواء كانت من الإخوان أو من فصيل آخر، مؤيدة بشكل كبير للقضية الفلسطينية، تناغما مع مشاعر عموم الأردنيين الذين ينحدر أكثر من نصفهم من أصول فلسطينية، وقد تجلى عمق تلك المشاعر في المقاطعة الواسعة للمنتجات والشركات الأمريكية والأوروبية، بالإضافة إلى الهجمات الأخيرة على الحدود والسفارة الإسرائيلية.
قصر نظر ترامب
وكان السيناتور ليندسي غراهام، وهو جمهوري وحليف قوي للرئيس، قد عبر عن استغرابه من تصريحات ترامب بشأن إجبار حلفاء الولايات المتحدة على قبول اللاجئين الفلسطينيين، وقال: "لا أعرف ما الذي يتحدث عنه. لكن اذهبوا وتحدثوا مع محمد بن سلمان، اذهبوا وتحدثوا مع الإمارات، اذهبوا وتحدثوا مع مصر. ما خطتهم للفلسطينيين؟ هل يريدون رحيلهم جميعًا؟".
وحسب الموقع، فإن رؤية ترامب ربما تقوم على أن حكومات الأردن ومصر تعتمد على الولايات المتحدة ولا تستطيع رفض خططه، لكن ليس من مصلحة الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية تسهيل الإطاحة بالملك عبد الله واستبداله بحاكم أقل تعاونًا.
وكان أعضاء من الكونغرس، قد ناقشوا في بداية الحرب على غزة خطة تتطلب من حلفاء الولايات المتحدة قبول اللاجئين الفلسطينيين، وتلك الدول هي مصر وتركيا والعراق واليمن، لكنها لم تشمل الأردن، وربما يعكس ذلك فهما تاريخيا عميقا بأن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن لم يسهم سابقا في حل القضية الفلسطينية، وفقا للموقع.
وكتبت وزيرة التعليم السابقة في منظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، على منصة إكس: "ملاحظة إلى الرئيس ترامب: إن فلسطين، بما في ذلك غزة، والضفة الغربية والقدس، هي أرض الشعب الفلسطيني […] إن التطهير العرقي ليس أمرًا غير إنساني وجريمة حرب فحسب، بل يمثل أيضًا تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة بأكملها ولسيادة الدول المجاورة. وهكذا تبدأ الحروب، ولا تنتهي".
وختم الموقع بأن تعهدات ترامب بإحلال السلام في المنطقة لن تتحقق بزعزعة استقرار حلفاء الولايات المتحدة مثل الأردن ومصر، لأن ذلك سيؤدي إلى عكس ما وعد به تمامًا.