مسيحيو غزة: لن نتخلى عن أرضنا رغم حرب الإبادة
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
غزة - د.حكمت المصري: داخل كنيسة "برفيريوس" بمدينة غزة القديمة التي شهدت دمارا إسرائيليا واسعا، يستعد عدد من النازحين المسيحيين لعيد رأس السنة، بعد أن وجدوا في مكان الكنيسة ملجأ لهم ليحميهم من الغارات العنيفة، لأجل "انتهاء الحرب".
لم يسلم المسيحيون في قطاع غزة من الحرب الإسرائيلية المدمرة والغارات العنيفة والمكثفة، فقد تعرضت كنيسة برفيريوس، لقصف إسرائيلي في 19 أكتوبر 2023م، أسفر عن استشهاد 18 مواطنا كانوا يتواجدون داخلها معظمهم من الأطفال والنساء.
فوق الركام يقف رامز شاهين (53) عامًا برفقة عائلته بعد ان رفض مغادرة مدينة غزة وبقي مرابطا فيها، صامتا امام مشهد الدمار، كان يتنقل ما بين الكنيسة والمركز الثقافي الأرثوذكسي الذي تعرض للتدمير بشكل كامل جراء قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي له.
كان رامز يعمل بائع للمجوهرات قبل الحرب برفقة والده واخوانه، يملكون عدة محلات تجارية في سوق الذهب المعروف بسوق "قيسارية" الذي يبلغ عمره حوالي 1500 عام الذي تعرض أيضًا للدمار.
يقول رامز الملقب ب (ابورياض) "رفضت مغادرة مدينة غزة وبقيت برفقة عائلتي وابنائي في ذات المكان الذي ولدنا فيه، كما جدران البلدة القديمة التي لا تزال تواجه آلة الدمار والموت، رغم عمرها العتيق الضارب في جذور هذه الأرض، بقينا متشبثين بأرضنا، متحدين الموت الذي لا يفارقنا للعام الثاني على التوالي، لنا حق في هذه الأرض، ورغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت اليها عائلتنا التي فقدت مصدر رزقها جراء القصف الا اننا سنبقي هنا، ندعو الله ان تنتهى هذه الحرب الشعواء".
العدوان حرمنا الاحتفالات
يقول شاهين إن العدوان الإسرائيلي حرم مسيحيي غزة منذ سنوات من "زيارة كنيسة المهد في مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، للاحتفال بعيد الميلاد"، وأضاف: "أنا وعائلتى نشعر بحزن لما آلت إليه الأوضاع في غزة".
وأشار إلى أن عشرات المسيحيين اعتادوا في أعياد راس السنة التي سبقت حرب غزة الي "قضاء أيام العيد في كنيسة المهد؛ بعد حصولهم على تصاريح إسرائيلية تسمح لهم بالتوجه نحو هذه المدينة عبر معبر بيت حانون (إيرز)، شمالي القطاع".
ويستذكر أجواء العيد في السنوات الماضية، قائلا: "كنا نضيء أنوار الكنائس ونقيم الصلوات في ليلة العيد، ونزور الأهل والأصدقاء ونخرج إلى بعض الأماكن للاحتفال".
صمود وتحدي و إصرار البقاء
وفي حديث مع إلياس الجلدة (56) عامًا الذي يعمل عضو في مجلس وكلاء الكنيسة العربية الأرثوذكسية في قطاع غزة ، عبر عن تمسك مسيحيي غزة بالبقاء في مدينة غزة، أسوة بأبناء شعبهم ورفضوا الإخلاء والنزوح وبقوا يحتمون بالكنيسة وقرروا الدفاع عنها خشية هجوم الاحتلال عليها، كما فعلوا بالمساجد.
وأكد ذلك قائلا: "كان قرارنا واضح، بأن لا نغادر المكان؛ لأننا تاريخيًا نعيش فيه، ورفضنا أن نهاجره، انتقلنا للعيش داخل الكنائس الثلاثة بغزة، والبعض استقر في مدرسة الراهبات الوردية التى تضم الكثير من النازحين من كافة الاطياف، كما تحولت ايضا جمعية الشبان المسيحية والمركز الثقافي الأرثوذكسي لمراكز ايواء منذ بداية الحرب ، لكن جميع تلك الأماكن أصبحت ركام".
وأشار الجلدة إلى "أن سلطات الاحتلال هاجمت الكنائس مرات عدة، وكذلك المراكز التابعة لها، في محاولة للضغط على السكان للرحيل نحو الجنوب، لكن السكان تمسكوا بأرضهم وصمدوا في وجه العدوان".
وتابع: "لا توجد مؤسسة مسيحية لم تتعرض للاستهداف. فقد دُمّر المركز الثقافي الأرثوذكسي بالكامل، وهو أكبر مركز ثقافي في المدينة. كما تم استهداف مدرسة العائلة المقدسة، واستشهد العشرات فيها، وقُصفت كنيستا المعمداني وبرفيريوس".
وأوضح الجلدة أن الحي المسيحي، الذي يسكنه غالبية المسيحيين في منطقة الرمال، تعرض للتدمير بشكل شبه كامل، إلى جانب تدمير مقر جمعية الشبان المسيحية، والعديد من المدارس التابعة للكنائس مثل مدرسة الراهبات الوردية. كما انتشر القناصة حول كنيسة دير اللاتين التي تعرضت لإطلاق نار متكرر.
وأكد أن الاحتلال دمّر منازل المسيحيين المحيطة بالكنائس، بالإضافة إلى استهداف المرافق الأخرى التابعة لهم.
ويعلق الجلدة بالقول: "المسيحيون في غزة مثلهم مثل أبناء شعبهم دفعوا الثمن وعاشوا كل الظروف الصعبة. قرارهم حاسم: إمّا العيش في مناطقهم شمال القطاع أو أن يُدفنوا فيها".
وأضاف أن الاحتلال دمّر البلدة القديمة في غزة، التي يعود تاريخها لأكثر من ألفي عام، وتعمّد تدمير المناطق الأثرية مثل المسجد العمري وحمام السمرة وسوق الذهب وغيرهما من المعالم التاريخية التي طالتها حرب الإبادة.
وأكد أن الاستهداف طاول الجميع، وقال: "كنا جميعًا، مسلمين ومسيحيين، نستأنس بوجود بعضنا البعض في المنطقة. الاحتلال اعتبر صمودنا في أرضنا جريمة نعاقب عليها، وكان ينتقم من أهل الشمال لأنهم أصروا على البقاء فيه".
وختم الجلدة حديثه بالقول: "يُسجل لأبناء شعبنا، بغض النظر عن دينهم أو لونهم أو توجهاتهم الفكرية والسياسية والدينية، أنهم صمدوا في وجه هذه الحرب شمال القطاع ولم يغادروه رغم القتل والتنكيل والإبادة والتجويع. ومصممون على الاستمرار في هذا الموقف".
نصلي من أجل انتهاء الحرب.
يقول المسيحي ريمون قطان (45 )عاما الذي لجأ أيضًا إلى كنيسة "برفيريوس"، وهي ثالث أقدم كنيسة في العالم (يعود تاريخ البناء الأصلي لها إلى عام 425م)، برفقة حوالي 20 شخصاً من أقاربه منذ بداية العدوان: "العائلات المسيحية لجأت إلى الكنائس بيوت الرب، للاحتماء من القصف، لم نعد نحلم إلا بانتهاء الحرب، العيد يوم مقدس بالنسبة لنا لكن انتهاء الحرب حاليا هي أهم من العيد".
وأوضح أن المسيحيين باتوا "جميعا يصلون من أجل انتهاء العدوان"، معربا عن آماله في أن "يعم الأمن والسلام قطاع غزة".
شعب واحد وعلاقة وطيدة
وقد صرح الأب لويس حنا، رئيس منظمة الشبيبة المسيحية في فلسطين في اكثر من لقاء منذ بداية الحرب على غزة إن الاحتلال لم يفرق في أي لحظة بين مكونات الشعب الفلسطيني، موضحًا أن حرب الإبادة استهدفت كل مكونات القطاع.
موضحًا أن العدوان الإسرائيلي سبقته اعتداءات خطيرة على المساجد والكنائس على يد المستوطنين المتطرفين، وشملت حتى الاعتداء الجسدي والبصاق على رجال الدين.
وأشار إلى أن صمود سكان غزة، لا سيما في البلدة القديمة، أفشل مخطط التهجير ودفع الاحتلال إلى استهداف المساجد والكنائس على حد سواء.
وقال: "عندما توقفت المآذن عن الأذان، قرعت الكنائس أجراسها ليؤذن المسلمون، والعكس. نحن جميعًا في مواجهة حرب إبادة تستهدف الحجر والشجر والكنائس والمساجد وكل المقدرات".
وأضاف: "كل ما تريده دولة الاحتلال هو إبادة هذا الشعب بكل مقدراته وأطيافه، واقتلاعه من أرضه وتجريد الأرض من وجوده، والعمل على إحلال مستوطنين يهود مكانه".
وختم بالقول إن الشعب الفلسطيني أظهر التلاحم الوطني في أبهى صوره، حيث واجه الجميع آلة الحرب الإسرائيلية بروح واحدة وصمود أسطوري.
منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 م ، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة، وقد جاء في التقرير الإحصائي اليومي لعدد الشهداء والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي المستمر لليوم ال 443 على قطاع غزة.
ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 45,259 شهيدًا و107,627 إصابة معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية من وزارة الصحة الفلسطينية بغزة .
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العدوان الإسرائیلی انتهاء الحرب مدینة غزة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
مطالبات بمحاكمة مغنٍ تونسي قاتل في صفوف الجيش الإسرائيلي
أثار المغني التونسي اليهودي شي ميمون جدلا واسعا في الأوساط المحلية بعد تداول صور ومقاطع فيديو تُظهره مرتديا الزي العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على قطاع غزة، التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الصور والمقاطع، التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت موجة غضب بين تونسيين طالبوا بمحاسبته بتهمة المشاركة في العدوان على الشعب الفلسطيني.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو للمغني المنحدر من جزيرة جربة، شي ميمون، وهو يرتدي الزي العسكري للجيش الإسرائيلي أثناء تواجده في غزة خلال حرب الإبادة الجماعية، ما أثار موجة من الغضب بين التونسيين، الذين طالبوا بمحاكمته بتهمة المشاركة في عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
Shaï Mimoun, soldat franco-israélien actuellement sur le front et chanteur de musique orientale dans la vie de tous les jours !
Il chante avec les hommes de son bataillon "השמחה תחייך, העולם לפניך"ce qui signifie "La Joie te fera vivre, le monde est devant toi" pic.twitter.com/AyXT0839JS
— NorbertArbib (@arnorber) December 25, 2023
وبعد انتشار مقاطع الفيديو والصور، قام ميمون بتقييد الوصول إلى حساباته على منصات التواصل الاجتماعي مثل "إكس" و"إنستغرام"، مع إبقاء بعض المقاطع على قناته في "يوتيوب".
إعلانيواجه الجيش الإسرائيلي تحديات في التجنيد، بما في ذلك نقص الجنود وإرهاق قوات الاحتياط، خاصة في ظل العمليات المستمرة في غزة. كما تشهد الساحة السياسية نقاشات حول فرض الخدمة العسكرية لجميع فئات المجتمع، بما في ذلك اليهود الحريديم (المتدينون)، حيث أصدرت المحكمة العليا قرارا في يونيو 2024 بإلزامهم بالخدمة العسكرية، مما أثار جدلا واسعا.
وكانت تونس أدانت بشدّة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعت إلى الوقف الفوري لهذا "العدوان" والتسريع في إيصال المساعدات الإنسانية، وإنهاء حالة الحصار على الشعب الفلسطيني.
كما جدّدت تأكيد موقفها الثابت والداعم لنضالات الشعب الفلسطيني، وحقّه في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، ودعت العالم إلى التدخل لوقف "حرب الإبادة" التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، مؤكدة دعمها غير المشروط للشعب الفلسطيني في نضاله لاسترداد حقوقه المشروعة.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت تونس حراكا شعبيا واسعا تضامنا مع الشعب الفلسطيني وقضيته، حيث نزل مئات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع في مظاهرات دعما لغزة.