صرح المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، العميد محمد علي نائيني، “بأن 23 مجموعة معارضة تتواجد حاليا على أرض سوريا، وهو ما يجعل من الصعب تشكيل حكومة مركزية فيها”.

وبحسب وكالة “إرنا” الإيرانية، قال نائيني: “توجد حاليا 23 مجموعة معارضة تعمل في سوريا، ومن الصعب تشكيل حكومة مركزية تمثل جميع المجموعات، فيما تسعى إسرائيل من خلال أفعالها إلى تدمير البنية التحتية السورية وقطع ممرات الاتصال مع جبهة المقاومة”.

وقال: إن”إسرائيل نفذت العديد من الهجمات على مراكز عسكرية سورية، بهدف تعزيز أمنها ومنع دعم جبهة المقاومة، كما حاولت قطع الطرق البرية والجوية بين إيران وسوريا، ومنع استقرار قوى المقاومة في المنطقة”.

وأضاف المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني أن “هذه التحديات تظهر أن مختلف الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية تسعى إلى تحقيق أهداف مختلفة في سوريا، وأن المصالح الوطنية للشعب السوري لا تحظى بالأولوية”.

الحرس الثوري الإيراني: لن نغفل عن الأعداء و”حزب الله” أعاد بناء نفسه واستعاد قوته

في سياق متصل، أكد العميد علي محمد نائيني، أن “الحرس الثوري يعد اليوم أقوى قوة عسكرية في غرب آسيا، مشددا على أنه لن يغفل عن الأعداء ولن يترك لهم أي فرصة”.

وأكد مساعد العلاقات العامة في الحرس الثوري، أن “الحرس الثوري الشعبي والقوي يمتلك خبرة 46 عاما من القتال على مستوى عالمي ومن المستحيل أن تنتصر إسرئيل على أهل الإيمان والإرادة الصلبة والمقاومة الراسخة”.

وأشار إلى أن “الحديث عن انتصار إسرئيل هو ضرب من الحماقة والوهم، مبينا أنهم لا يملكون أي مستقبل مشرق ويعيشون دائما في أجواء غير آمنة”.

وأضاف أن “التهديدات الرئيسية التي يواجهها الكيان اليوم تتركز في الحرب الإدراكية التي تهدف إلى زرع الشك في إرادة المسؤولين والقادة وبث الخوف في نفوس الشعب، كما أنهم يسعون إلى نشر الرعب وإثارة الانقسامات وبث روح اليأس”.

أضاف العميد علي محمد نائيني: “الوعد الصادق 2″ وعمليات حزب الله وأنصار الله في اليمن أظهرت قوة جبهة المقاومة العظيمة”.

وأكد “أن 80% من صواريخ إيران في عمليات “الوعد الصادق” أصابت أهدافها وأن إسرائيل لا تستطيع إخفاء خسائرها الكبيرة بصناعة صورة زائفة للانتصار”.

وتابع قائلا: “العدو في حرب شاملة يستهدف المقاومة الشعبية والإسلامية وأولئك الذين يفسرون الأحداث الأخيرة على أنها إضعاف أو هزيمة لإيران يجهلون طبيعة هذه الأحداث وقوة المقاومة”.

وأكد أن “تل أبيب من خلال احتلالها وقصفها للأبرياء تحاول في وسائل الإعلام أن ترسم لنفسها صورة انتصار ولكن الحقيقة مختلفة تماما”.

وتابع قائلا: “في الحرب الإدراكية هناك فجوة كبيرة بين الصور التي يظهرها العدو والحقائق على الأرض.. العدو يسعى إلى صناعة الصور.. والحرب الحالية في المنطقة هي مواجهة بين خطابين خطاب المقاومة وخطاب الاستسلام”.

واضاف العميد نائيني بالقول: “عندما تكون هناك إرادة للمقاومة والصمود يستشهد قادة حزب الله لكنه ينبعث من تحت الأنقاض ليزلزل أركان الكيان.. وعندما توجد إرادة المقاومة حتى أقوى الجيوش التي يعتقد أنها لا تهزم تتعرض للارتباك والهزيمة أمام المقاومة الفلسطينية”.

وصرح بأنه “عندما تغيب إرادة المقاومة عن شعب كما حدث في سوريا، يستغل العدو هذا الوضع ويحتل الأرض بسهولة، ولقد تعرضت سوريا للانهيار نتيجة العمليات النفسية والحرب الإدراكية”.

وأشار مساعد العلاقات العامة في الحرس الثوري إلى أن “عمليتي “طوفان الأقصى” و”الوعد الصادق” أثبتتا أن الحديث عن الدرع الدفاعية والجيش الذي لا يهزم مجرد وهم لا وجود له على أرض الواقع”.

وأوضح أن “عمليات “حزب الله” أثبتت أن حسابات إسرائيل بشأن قوة “حزب الله” كانت خاطئة تماما، فبعد اغتيال “نصر الله” وعدد من القادة الكبار والمتوسطين شعرت تل أبيب بنشوة مؤقتة، لكن حزب الله رغم خسائره أعاد بناء نفسه بسرعة واستعاد قوته وبدأ بتنفيذ عمليات أكثر دقة وعمقا وتحطيما”.

وأشار إلى أن “العملية الأخيرة التي نفذها “حزب الله” أجبرت ثلث سكان الأراضي المحتلة على اللجوء إلى الملاجئ، حيث تمكن بقوة تعدادها 15 ألف مقاتل من شل حركة الجيش الإسرائيلي المزود بأحدث المعدات والتكنولوجيا في العالم بالكامل خلال هذه الحرب”.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الحرس الثوري الإيراني حزب الله حزب الله وإسرائيل سوريا حرة الحرس الثوری الإیرانی فی سوریا حزب الله

إقرأ أيضاً:

حزب الله في لبنان.. من حرب العصابات إلى احتكار العمل المقاوم

في هذه المرحلة الدقيقة من مراحل الصراع مع إسرائيل، وفي ظل تحوّلات دراماتيكية تعيشها قوى المقاومة في لبنان وغزة والمنطقة، يبدو "حزب الله" مُحاطاً بجملة من التحديات المصيرية. فالحزب الذي نشأ في سياق مجابهة الاحتلال الإسرائيلي للبنان منذ العام  1982، وتطوّر ليصبح قوة سياسية وعسكرية يمتد تأثيرها إلى دول عديدة في المنطقة، يجد نفسه اليوم أمام امتحان صعب. إمتحانٌ لا يقتصر على الاستمرار في دوره كمقاومة مسلحة، ولا على المشاركة الفعّالة في منظومة الحكم اللبنانية المعقّدة، بل يتعداها إلى الحفاظ على فكرة "الممانعة" التي تمحور حولها تحالفٌ جمعه مع إيران وسوريا، وفصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وقوى أخرى في العراق واليمن. التحالف سُمّي بالمحور، ووُصف "حزب الله" تارة بأنه "درّة تاجه" وتارة أخرى بأنه "قلبه"، لكنّه يواجه اليوم متغيّرات استراتيجية أبرزها التحول في أولويات إيران بعد تقاربها المرحلي مع قوى غربية وإقليمية، وتبدّل التموضعات السياسية في العالم العربي والاهم من ذلك نتائج الحرب الأخيرة التي أرست قواعد اشتباك جديدة ليست في صالح الحزب ولا المحور الذي يضمه.

"عربي 21" ينشر حلقة جديدة من سلسلة مقالات حول "حزب الله"، يركّز فيها على ظروف نشأة الحزب وخلافه مع الأحزاب والمجموعات الإسلامية واليسارية الناشطة في تلك المرحلة وصولاً إلى احتكاره العمل المقاوم في لبنان طوال أكثر من 40 عاماً.

محتشمي وفضل الله والموسوي 

من الآية (56) من سورة المائدة "وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"، اختار المؤسِّسون اسم الحزب الوليد. وكان المقال السابق قد تطرق إلى ظروف نشأة حزب الله عام 1982 في خضم الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي بدعم ورعاية من الحرس الثوري الإيراني الذي أرسل عناصره للمساعدة والتدريب وكان على رأسهم رجل الدين السيد علي أكبر محتشمي بور، الذي وُصف بالأب الروحي لحزب الله إذ أدرك منذ البداية أن "القوة" الناشئة التي نجحت في ملء الفراغ الناجم عن غياب مقاومة منظمة ضد الاحتلال، ستتحول إلى حزب عسكري وسياسي قادر على تغيير المعادلات، فأسماها "حزب الله".

محتشمي بور كان صديقاً مقرباً من قائد الثورة الإسلامية آية الله روح الله الخميني خلال تواجده في المنفى، وكان قد أرسله خلال تلك المرحلة إلى الشرق الأوسط بهدف نسج علاقات مع الحركات الإسلامية ومن بينها منظمة التحرير الفلسطينية، ثم عينه بعد انتصار الثورة سفيراً لإيران في سوريا (1982 ـ  1986) فلعب دور الوسيط بين دمشق وطهران لتسهيل نقل الحرس الثوري الإيراني إلى سهل البقاع اللبناني، تحت غطاء المساعدة في "مقاومة الاحتلال الإسرائيلي" وشكّل هذا التنسيق قاعدة انطلاق لتأسيس البنية التنظيمية والعسكرية لحزب الله.

وقام محتشمي بور برعاية وتوحيد الفصائل الشيعية المسلحة (مثل حزب الدعوة، وأمل الإسلامية المنشقة عن حركة أمل وتنظيمات طلابية دينية) تحت راية واحدة، مما أدى إلى تشكيل حزب الله. وأشرف على تحويل الأموال والدعم اللوجستي للحزب في بداياته، ولعب دورًا أساسيًا في صياغة البيان التأسيسي للحزب الله، الذي تضمّن تبنّي ولاية الفقيه والانتماء للخميني كـ"قائد أعلى".

صحيحٌ أن حزب الله انبثق من الحركات الإسلامية الناشطة في تلك المرحلة، لكنه أيضاً جمع كوادر عسكرية مهمة كانت تعمل مع المقاومة الفلسطينية وبخاصة حركة فتح وكان الحاج عماد مغنية القائد العسكري الراحل للحزب أحد أبرز هذه الكوادر وقد اغتالته إسرائيل خلال تواجده في سوريا عام 2008.

ولا بدّ من الإشارة  إلى دور آية الله السيد محمد حسين فضل الله في رعاية الحزب اذ كان يوصف بمرشده الروحي جنباً إلى جنب مع السيد محتشمي بور. ومعلومٌ أن محتشمي بور تعرض لمحاولة اغتيال في العام 1984 عبر كتاب مفخخ، لدوره في تأسيس الحزب، أدت الى قطع أصابع يده وإحداث جروح في وجهه. فيما تعرّض أيضاً السيد محمد حسين فضل الله لمحاولة اغتيال فاشلة بانفجار سيارة مفخخة قرب منزله في بئر العبد عام 1985 وذلك لاعتباره قائداً للحزب وليس فقط مرشداً روحياً له. ولاحقاً، تعرّض الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي للاغتيال عام 1992 وأخيراً أمينه العام السيد حسن نصرالله.

الخلاف مع الحركات اليسارية و"أمل" و"حزب الدعوة"

لم يكتفِ "حزب الله" بتقديم نفسه كمشروع مقاومة إسلامية شيعية عقائدية بديلة للحركات المتفرقة القائمة بل سعى إلى الحلول محلها تدريجياً، عبر استقطاب عناصرها ومزاحمتها ميدانيًا. من حركة "أمل" إلى المقاومة التعددية التي كانت منتشرة منذ احتلال الجنوب عام 1978 في الجنوب أي منذ ما قبل اجتياح العام 1982 (الحزب الشيوعي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، وحزب البعث، والناصريون...) لكنّ هذا الاحتكار تطلّب معارك سقط خلالها ضحايا كثر من جميع الأطراف ولم يكن لينجح من دون عودة الأحزاب اللبنانية الى الانخراط في الحرب الاهلية والخلط بين المقاومة والحرب.

ولعل أبرز مثال على ذلك هو إحراق القرى المسيحية في منطقة شرق صيدا عام 1985 وهي المنطقة التي تفصل الجنوب الشيعي عن منطقة جزين المسيحية، نتيجة مواجهات اندلعت بين ميليشيات الأحزاب الطائفية، فيما بقي حزب الله بمنأى عن تلك الممارسات فكرّس نفسه القوة المهيمنة في ساحات المواجهة مع إسرائيل، وفق رؤيةٍ وأهدافٍ ثلاثٍ: إقامة الدّولة الإسلامية، الجهاد والتمثل بالإمام الحسين، وتبنّي مرجعية ولاية الفقيه. وقد شرح  هذه الرؤية والأهداف الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام الحالي لحزب الله في كتابه "حزب الله: المنهج، التجربة، المستقبل - لبنان ومقاومته في المواجهة".

عندما تكوّنت نواة حزب الله إبان اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 إنشق عدد من أعضاء حركة "أمل" وهي حركة شيعية كان قد أسسها الإمام موسى الصدر عام 1974، بدافع مزدوج. فهو من جهة، الولاء الأيديولوجي لنهج الثورة الإسلامية المنتصرة في إيران، ومن جهة أخرى هو تبنّي موقف أكثر راديكالية وحسمًا ضد الاحتلال الإسرائيلي مقارنةً بموقف "أمل" الذي اعتبره المؤسسون الجدد متهاونًا أو ملتبسًا خصوصا عندما انخرط زعيم الحركة المحامي الشاب نبيه بري في هيئة الإنقاذ الوطني مع كل من مؤسس القوات اللبنانية بشير الجميل، وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وزعيم حركة الوطنيين الأحرار كميل شمعون، وكان قد شكلها رئيس الجمهورية  يومذاك الياس سركيس بإشرافٍ أميركي.

لم يكتفِ "حزب الله" بتقديم نفسه كمشروع مقاومة إسلامية شيعية عقائدية بديلة للحركات المتفرقة القائمة بل سعى إلى الحلول محلها تدريجياً، عبر استقطاب عناصرها ومزاحمتها ميدانيًا. من حركة "أمل" إلى المقاومة التعددية التي كانت منتشرة منذ احتلال الجنوب عام 1978 في الجنوب أي منذ ما قبل اجتياح العام 1982 (الحزب الشيوعي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، وحزب البعث، والناصريون...) لكنّ هذا الاحتكار تطلّب معارك سقط خلالها ضحايا كثر من جميع الأطراف ولم يكن لينجح من دون عودة الأحزاب اللبنانية الى الانخراط في الحرب الاهلية والخلط بين المقاومة والحرب.وعندما عرَّف الحزب عن نفسه بأنه جزء من الأمة الإسلامية ويتبع ولاية الفقيه (أي مرجعية المرشد الأعلى في إيران) وضع نفسه على طرف نقيض من بعض الأحزاب والحركات الإسلامية الناشطة في تلك المرحلة، ما زاد من توتّر علاقته مع الدولة اللبنانية ونظامها الطائفي الذي رفض ـ في المرحلة الأولى ـ الاعتراف بشرعيته واعتبره "نتاجًا للاستعمار".

واصطدم حزب الله بدايةً مع الحزب الشيوعي اللبناني والفصائل اليسارية التي كانت قد أطلقت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) التي اتسمت بالتعددية، فوقعت اشتباكات محدودة في بيروت والبقاع بين حزب الله وعناصر المقاومة اليسارية، انتهت أغلبها بتهميش اليساريين وتكريس النفوذ الشيعي في تلك المناطق. ويتهم بعض اليساريين "حزب الله" باغتيال عدد من المفكرين المعارضين للفكر الإسلامي، مثل المفكر الشيوعي مهدي عامل (18 أيار مايو 1987) والباحث الشيوعي في الفكر الإسلامي حسين مروّة (17 شباط فبراير 1987) فيما يستبعد البعض الآخر أن يكون اغتيالهما قد تم بقرار منظم ويرجّح أن أفراداً غير منضبطين استفادوا من فوضى الحرب الأهلية لتصفية كل من يرون فيه خطراً على وجودهم.

أما على الصعيد الشيعي الداخلي، فشهدت علاقة حزب الله مع حركة "أمل" و"حزب الدعوة" تنافسًا على النفوذ ونزاعاً مبنيّاً على اختلاف أساليب العمل واختلاف المرجعية الفكرية والدينية، فتحوّل النزاع مع "أمل" إلى صراع دموي فيما بقي النزاع مع حزب الدعوة تنظيمياً.

برغم تعاون "حزب الله" و"أمل"، مبدئيًا، ضد الاحتلال الإسرائيلي إحتدم الخلاف بينهما حول الموقف من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 425 الذي انتقده حزب الله لوجود التباسات فيه ولاعترافه الضمني بـ"دولة" إسرائيل وحدث ما يشبه السباق بين الحركة والحزب على أحقيّة القيادة في الساحة الشيعية والمقاومة. وبلغت الخلافات ذروتها خلال ما عُرف بـ"حرب الإخوة" أواخر الثمانينات، حين نفّذ الطرفان سلسلة اغتيالاتٍ متبادلة استهدفت الكوادر والأعضاء. إلى أن توسّطت كل من إيران وسوريا لوقف الاقتتال بينهما وتم التوصل إلى هدنة في أوائل العام 1989 تكرست لاحقاً باتفاقٍ أبرمه الطرفان عام 1990 برعاية إيرانية ـ سورية وقد بُني على معادلة: أمل قوة سياسية، وحزب الله قوة مقاومة.

ويكشف رامي علّيق، القيادي السابق المنشق عن حزب الله، في كتابه "طريق النحل" عن بعض فصول الصراع الدامي مع حركة "أمل" ويروي تجارب الاعتقال والتعذيب المواجهات العسكرية الدموية بين الطرفين ومن بينها حادثة وقعت عام 1986 في وادي بلدة شوكين قرب النبطية حيث كان الحزب يجري تدريبات ومناورات:

"حضر أفراد الأمن في حركة أمل بعد انتهاء المناورات لسماعهم طلقات الرصاص ودويّ الانفجارات وحصل تلاسن بينهم وبين أفراد الحزب المشرفين على الدورة فصادروا الأسلحة والمتفجرات (...) بعد انتهاء الدورة كنا على وشك التوجه إلى البقاع لإجراء بعض التدريبات إلا أن التشنجات بين الفريقين أدت إلى إطلاق نار من قبل حاجز عسكري للحركة عند تقاطع بلدات حاروف والنبطية والدوير على موكب للحزب يضم شخصيات إيرانية كان متوجهاً إلى بلدة جبشيت. وشكّل هذا الحادث الشرارة الأولى للقتال بين الفريقين".

أما الخلاف مع "حزب الدعوة" الإسلامي وهو الفرع اللبناني لحزب الدعوة الذي أسسه السيد محمد باقر الصدر في العراق عام 1959 وكان الراحل السيد محمد حسين فضل لله مرشده الروحي، فبدا الخلاف فكرياً وتنظيمياً ولم يتّخذ منحى صدامياً. ذلك أن حزب الدعوة اعتمد خلال سنوات نشاطه منذ السبعينات على السرية والتنظيم تحت الأرض، مستندًا إلى تقاليد التقية الشيعية لحماية "المجتمع" من الاضطهاد، وكان مرتبطاً بالمرجعية التقليدية في النجف (العراق) فيما تبنى حزب الله نهجًا أكثر علنية في العمل السياسي والعسكري وكان مرتبطاً بولاية الفقيه بقيادة الإمام الخميني، ما أدى إلى اختلاف في التوجهات العقائدية والسياسية. ومع مرور الوقت، وخصوصًا بعد اندماج العديد من أعضاء حزب الدعوة في حزب الله، تلاشى الخلاف التنظيمي بين الحزبين منتصف العام 1984 وإن كانت التباينات الفكرية والعقائدية قد أثرت أحياناً في العلاقة بين الأعضاء الوافدين من حزب الدعوة وأولئك المنتمين أساسًا إلى حزب الله.

احتكار المقاومة

تصدّر "حزب الله" العمل المقاوم بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان وتوقيع وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي عُرفت بـ "اتفاق الطائف" في أيلول سبتمبر من العام 1989. وبموجب هذا الاتفاق جرى حلّ جميع المجموعات المسلحة في لبنان وتسليم أسلحتها للدولة، باستثناء تلك التي اعتُبرت "مقاوِمة" ضدّ الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان ما أتاح استمرار نشاط "حزب الله" في الجنوب إلى حين انسحاب إسرائيل منه عام 2000.

وكانت هيمنة النظام السوري آنذاك (نظام البعث) على القرار في لبنان طوال فترة التسعينيات وحتى العام 2005 قد لعبت دوراً مساعِداً لحزب الله وضامناً لشرعية سلاحه فصار حزب الله القوّة المقاومة الوحيدة على الأرض فيما تلاشى حضور حزب الدعوة والقوى اليسارية وتحولت حركة أمل إلى قوة برلمانية وسياسية. وانفرد حزب الله بعمليات المقاومة وبفضل تكتيكاته الفعالة في حرب العصابات وتطوير قدراته (مثل استخدام صواريخ الكاتيوشا ضد مواقع الاحتلال)، نجح الحزب في إنهاك الجيش الإسرائيلي.

في موازاة ذلك، انتقل الحزب من رافض للنظام اللبناني القائم (وفق ما ذُكر في بيانه التأسيسي 1985) إلى مشارك فيه من أجل تأمين غطاء سياسي لأجندته المقاومة وحرص على الاندماج في المؤسسات السياسية اللبنانية، ودخل البرلمان بكتلة نواب منذ العام 1992 وشارك لاحقًا في حكومات وحدة وطنية. فوصف البعض هذه الصيغة بـ"المعادلة الهجينة" التي يشكل فيها حزب الله "دولة موازية داخل الدولة اللبنانية" إذ يملك جيشاً وجهازاً أمنياً ومؤسّسات خدماتية خاصة به، وفي الوقت يشارك في صناعة القرار السيسي عبر ممثليه في البرلمان والحكومة.

انتقل الحزب من رافض للنظام اللبناني القائم (وفق ما ذُكر في بيانه التأسيسي 1985) إلى مشارك فيه من أجل تأمين غطاء سياسي لأجندته المقاومة وحرص على الاندماج في المؤسسات السياسية اللبنانية، ودخل البرلمان بكتلة نواب منذ العام 1992 وشارك لاحقًا في حكومات وحدة وطنية.وفي كتابه "حزب الله: المنهج، التجربة، المستقبل ـ لبنان ومقاومته في المواجهة" عدّد الشيخ نعيم قاسم المحطات البارزة في تاريخ حزب الله (حتى تاريخ صدور الكتاب عام 2005) ومن بينها حرب نيسان (بريل) 1996 وعملية أنصارية واستشهاد نجل الأمين العام الراحل السيد حسن نصرالله هادي نصرالله وتحرير الجنوب في أيار مايو 2000. وعن التحرير قال قاسم:

"إن قيمة الانتصار بكونه تحدياً لإسرائيل وليس تحدياً لأي طرف في منطقتنا، وهو يهدف إلى التحرير من دون المقايضة في بازار الأثمان السياسية الرخيصة، وهو حقيقة دخلت التاريخ المعاصر من أوسع أبوابه ليؤسس لحقبة جديدة تتطلب من جميع القوى والأحزاب والفاعليات إعادة النظر في منطلقاتها وتربيتها وأساليب عملها، مستفيدة من تجربة المقاومة في لبنان".

لكن إعادة النظر، في الواقع، دفعت بعض القوى والأحزاب إلى المطالبة بنزع سلاح حزب الله لانتفاء الحاجة إليه. فإصرار الجانب اللبناني أمام الأمم المتحدة على أن الانسحاب الإسرائيلي ليس كاملاً لأن منطقتي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ما تزال محتلة، لم يقنع جميع الأطراف.

وبذلك، بدأ الحديث الجدي في لبنان عن ضرورة نزع سلاح حزب الله بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار مايو من العام 2000، لكنه لم يتحوّل إلى أولوية لدى بعض الأحزاب أو إلى خطاب سياسي صريح إلا بعد العام 2005، وتحديدًا عقب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان.

وفي كل تلك المراحل، كان الحزب يشدد على أن انسحاب إسرائيل غير مكتمل وأن خطر الاعتداء ما يزال قائماً كما أن بقاء بعض الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية يمثل تحدياً يبرر الاحتفاظ بالسلاح. واقترحت بعض القوى فكرة دمج سلاح الحزب ضمن استراتيجية دفاعية وطنية داعيةً إلى تطبيق القرار 1559 الذي ينص على نزع السلاح من "الميليشيات" معتبرين أن حزب الله واحد منها. فرفض الحزب جميع هذه الدعوات، معتبرًا أن سلاحه جزء من "المعادلة الدفاعية" ضد إسرائيل، وأن القرار 1559 يخدم أجندات خارجية (أميركية وإسرائيلية). وتمسك بخطاب "الجيش والشعب والمقاومة" كمرتكز للسيادة.

إلى أن حدث التحول الكبير بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبروز تيار سياسي واسع عُرف لاحقًا بـ"قوى 14 آذار" طالب بشكل صريح بتنفيذ القرار 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية (في إشارة إلى سلاح حزب الله والسلاح في المخيمات الفلسطينية) وضم تيار 14 آذار الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وتيار المستقبل وكان خطاب هؤلاء يركّز على أن بقاء سلاح الحزب يُضعف الدولة، ويُبقي قرار الحرب والسلم خارج المؤسسات الرسمية، ويجعل من لبنان ساحة لصراعات إقليمية.

خطابٌ يتكرر اليوم بحدّة أكبر، ليعمق الانقسامات الداخلية اللبنانية، ويحوّل النقاش حول سلاح الحزب من كونه مسألة "مقاومة" إلى مسألة نزاع داخلي يتقاطع فيه الأمني بالسياسي، وتُطرح فيه تساؤلات حول مستقبل التوازن الوطني، وهو ما سيكون محور التقرير التالي الذي يتناول محطات صعود حزب الله سياسياً والنزاع الداخلي بينه وبين باقي القوى السياسية اللبنانية منذ العام 2005 حتى اليوم.

*باحثة وإعلامية لبنانية

مقالات مشابهة

  • وزير الحرس الوطني يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة 2030
  • وزير الحرس الوطني: رؤية 2030 أحدثت الكثير من التحولات الكبرى
  • قنيدي: تشكيل حكومة موحدة هو المطلب الذي تؤيده الأغلبية
  • العرفي: تشكيل حكومة موحدة ضرورة وطنية وحديث تيتيه مضيعة للوقت
  • العرفي: لابد من تشكيل حكومة موحدة.. وتصريحات تيته مضيعة الوقت
  • تحالف أحزاب التوافق: تيته منحازة للدبيبة بتجاهلها مطالب الغرب الليبي في تشكيل حكومة جديدة
  • قنيدي: تشكيل حكومة موحدة مطلب الأغلبية والرافضون قلة ولا يجوز لتيته دعمهم
  • بسبب منشور عن سلاح المقاومة.. لبنان تستدعي السفير الإيراني
  • حزب الله في لبنان.. من حرب العصابات إلى احتكار العمل المقاوم
  • الحرس الثوري الإيراني والدعم السريع نفس الملامح والشبه