مستشفى القاسمي بالشارقة ينجح في تركيب دعامة “فانتوم انفورس” لمريض يبلغ 55 عاماً
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
حقق فريق أطباء القلب في مستشفى القاسمي بالشارقة، التابع لمؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، إنجازاً طبياً بارزاً تمثل في إجراء عملية تركيب دعامة فانتوم انفورس”Fantom Encore” المتطورة والقابلة للتحلل الحيوي لمريض يبلغ من العمر 55 عاماً، كان يعاني من ألم في الصدر وذبحة صدرية مستقرة، حيث تكللت العملية بالنجاح التام وغادر المريض المستشفى بحالة صحية ممتازة.
وأجرى الفريق الطبي في المستشفى العملية بقيادة الدكتور عارف النورياني، مدير مستشفى القاسمي بالشارقة، والدكتور أحمد خشبة، أستاذ أمراض القلب واستشاري القسطرة العلاجية، حيث يعدّ هذا الإنجاز الرائد خطوة مهمة نحو إعادة استخدام هذا النوع من الدعامات الحيوية القابلة للتحلل بشكل طبيعي بعد علاج الشرايين، باعتبارها خياراً علاجياً متطوراً، يتفوق على الدعامات المعدنية التقليدية من حيث القدرة على تحسين النتائج طويلة الأمد والحفاظ على الوظائف الطبيعية للأوعية الدموية.
وتعدّ دعامات ” فانتوم انفورس “، التي طورتها شركة “بي براون” باستخدام تقنية متقدمة، الجيل الثالث من الدعامات القابلة للامتصاص الحيوي، وتتفرد بعدة ميزات، من بينها وضوح الرؤية أثناء العملية وسهولة التركيب، ويساعد التصميم المبتكر للدعامة على معالجة الأوعية الدموية والتحلل بأمان، خلافاً للدعامات الدائمة التي تبقى داخل الأوعية، مما يعدّ تقدماً مهماً في مجال الرعاية القلبية.
وأوضح الدكتور عارف النورياني أن دعامة ” فانتوم انفورس ” تستخدم حمض تيروزين الأميني، مما يجعلها أكثر فعالية وقابلية للتحلل بأمان، وتتميز بسهولة التركيب وكفاءة عالية في علاج الأوعية ومن ثم التحلل، حيث تساعد على الحفاظ على حركة الأوعية ووظائفها الطبيعية، مضيفاً: “تسعدنا عودة هذه التقنية إلى السوق بعد انقطاعها في الفترة الماضية، إذ نعتقد أنها ستسهم في إحداث تحول كبير في الرعاية القلبية من حيث الحفاظ على الوظائف الطبيعية للأوعية بعد العلاج.”
من جانبه، أكد الدكتور أحمد خشبة أن هذه التقنية المبتكرة تشكل نقطة تحول للمرضى، بفضل ما توفره من وضوح أكبر في الرؤية تحت الأشعة وخلال التصوير داخل الأوعية، إضافةً إلى سرعة امتصاصها وتوفرها بأحجام مختلفة، متيحةً علاجات مخصصة للحالات المختلفة، مضيفاً: “لا تحافظ دعامات ” فانتوم انفورس ” على الفسيولوجيا الطبيعية للأوعية فحسب، بل تسهم أيضاً في تنويع خيارات العلاج لتغطي عدداً أكبر من الحالات، حيث ستساعدنا هذه التقنية الجديدة على تقديم رعاية قلبية أفضل لمرضانا”.
وتسهم الدعامات الحيوية من الجيلين الثاني والثالث، مثل ” فانتوم انفورس “، في تقديم حلول مبتكرة للتحديات المرتبطة بالتقنيات السابقة من خلال توفير رؤية أوضح وعلاج أكثر فعالية، حيث تضمن هذه التحسينات سهولة أكبر في التركيب وتعزيز تعافي الأوعية وتحقيق نتائج أفضل على المدى الطويل، مما يمهّد الطريق لاعتماد هذه التقنية على نطاق أوسع.
ويأتي هذا الإنجاز الجديد الذي حققه مستشفى القاسمي بالشارقة ليؤكد على التزام مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية بتوظيف أحدث التقنيات التكنولوجية لتقديم حلول رعاية صحية عالمية المستوى.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
هل ينجح المغرب في تطوير صناعة السفن؟
في خطوة تعكس طموحات المملكة المغربية لتعزيز موقعها البحري الإستراتيجي، أطلقت الحكومة المغربية مناقصة دولية تهدف إلى استقطاب شركات عالمية متخصصة لتشغيل أكبر حوض لبناء السفن في القارة الأفريقية، يقع في مدينة الدار البيضاء على المحيط الأطلسي. وتأتي هذه الخطوة ضمن إستراتيجية وطنية متكاملة تستهدف توطين صناعة بحرية قوية وتقليل الاعتماد على الخارج في صيانة وتوفير السفن.
التحركات المغربية لم تكن محلية الطابع فقط، بل امتدت إلى محاور التعاون الدولي، حيث برزت زيارة وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور، إلى كوريا الجنوبية ولقاؤه بقيادات من شركة "هيونداي للصناعات الثقيلة"، كإشارة واضحة على الانفتاح نحو شراكات آسيوية تملك خبرة راسخة في صناعة السفن. هذه الزيارة، وفق مراقبين، تعكس التوجه الجاد للمغرب في بناء صناعة بحرية متطورة، قادرة على التفاعل مع الأسواق الإقليمية والدولية.
جذور بحرية ضاربة في التاريخيؤكد الباحث في الجغرافيا الإستراتيجية، بدر الدين محمد الرواص، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، أن اهتمام المغرب بصناعة السفن ليس جديدًا، بل يعود إلى ما قبل الميلاد بحوالي 200 سنة، وازدهر بشكل ملحوظ خلال عهود المرابطين والموحدين والمرينيين.
إعلانكما شهد العصر العلوي، خاصة في عهد السلطان محمد بن عبد الله في القرن الـ18، طفرة في الصناعة البحرية، إذ أنشأ دورًا لصناعة السفن في سلا والعرائش، وبنى سفينة ضخمة استنزفت ميزانية الدولة آنذاك، وأثارت إعجاب القوى الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وإسبانيا والبرتغال.
الرواص يربط بين ذلك الإرث البحري العريق والطموح المعاصر، حيث يرى أن المغرب اليوم يدرك أهمية موقعه الإستراتيجي على المحيط الأطلسي والمتوسط، ويسعى لامتلاك عرض مينائي متكامل وأسطول وطني قادر على مواكبة التطورات الحديثة في قطاع النقل البحري العالمي.
وتشير تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي إلى أن المملكة أنفقت أكثر من 14 مليار درهم (1.4 مليار دولار) على واردات السفن بين عامي 2002 و2022، في وقت لم تتجاوز فيه مداخيل قطاع بناء وإصلاح السفن 500 مليون درهم (50 مليون دولار) سنويًا خلال الفترة ما بين 2012 و2023. كما لا تتجاوز مساهمة هذا القطاع 0.17% من القيمة المضافة و0.01% من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو ما يعكس الهوة الكبيرة بين الطموح والواقع.
ووفق التقرير، فإن عدد الشركات العاملة في هذا القطاع تراجع بشكل مقلق من 40 شركة سنة 2000 إلى 10 شركات فقط في عام 2023، بينما لا يتعدى عدد فرص العمل المحدّثة سنويًا في هذا القطاع 700 فرصة.
ضرورة وطنية قبل أن تكون خيارا اقتصادياويرى الخبير الإستراتيجي هشام معتضد أن مشروع توطين صناعة السفن لم يعد رفاهية صناعية أو خيارًا اقتصاديًا لتحسين الميزان التجاري، بل أصبح ضرورة سيادية ترتبط بالأمن الاقتصادي واللوجستي للمغرب. ويقول في حديثه للجزيرة نت: "الرهان لا يتعلق فقط بتقليص الاستيراد أو خفض النفقات، بل بإرساء استقلالية تقنية وتحكم إستراتيجي في مفاصل أساسية تؤثر في استقرار البلاد خلال الأزمات".
إعلانويضيف معتضد أن المغرب يطمح إلى بناء ما يُعرف بـ"الاستقلال اللوجستي"، وهو ما يتطلب منظومة متكاملة تشمل التصنيع، الصيانة، التكوين المهني، والخدمات المالية المصاحبة. ويؤكد أن امتلاك أسطول وطني قوي يجب أن يُفهم كاختبار لقدرة الدولة على بناء سلسلة قيمة بحرية مغربية كاملة، قادرة على الاستجابة للطلب المحلي والتعامل مع الطوارئ، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19 واضطرابات سلاسل الإمداد.
الأسطول المغربي بين الواقع والطموحوبحسب الخبير الإستراتيجي محمد الطيار، فإن المغرب يُجري تحركات لبناء أسطول بحري تجاري مكون من 100 سفينة بحلول 2030، كاستجابة مباشرة للنواقص التي أشار إليها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ويُذكر أن 97% من المبادلات التجارية المغربية تتم عبر النقل البحري، بينما لا تمتلك البلاد سوى 9 شركات بحرية تشغل 16 سفينة فقط، وهو ما يطرح تحديًا لوجستيًا كبيرًا في ظل موقع المغرب كمحور عبور إقليمي.
ويمتلك المغرب ثروة بحرية ضخمة، تشمل 3500 كلم من السواحل، و75 ألف كلم مربع من المياه البحرية الإقليمية، و1.2 مليون كلم مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة. كما يضم 14 ميناء للتجارة الخارجية، أربعة منها مجهزة لاستقبال سفن الركاب، ما يجعل البلاد مؤهلة لتكون منصة بحرية قارّيّة.
تحول إستراتيجي نحو الاقتصاد الأزرقويشير معتضد إلى أن مشروع بناء صناعة بحرية لا ينبغي أن يُقرأ فقط من منظور تصنيع السفن، بل باعتباره بوابة نحو اقتصاد بحري متكامل يشمل الطاقات البحرية المتجددة، والتقنيات الصديقة للبيئة، والصناعات الدفاعية المرتبطة بالمجال البحري.
ويضيف أن الرهان الحقيقي يكمن في تحويل ميناء طنجة المتوسط إلى منصة إنتاجية وليس مجرد مركز لوجستي، مستفيدًا من تراكماته في مجال التوزيع العالمي. كما توفر السواحل الأطلسية إمكانيات هائلة لإنشاء أحواض بناء وصيانة مخصصة للأسواق الأفريقية وأميركا اللاتينية.
وتُعد الشراكة مع كوريا الجنوبية، وتحديدًا مع شركة "هيونداي"، خطوة محورية ضمن هذا التوجه. ويؤكد معتضد أن هذا التعاون ليس فقط ذا طابع صناعي، بل يحمل بعدًا دبلوماسيًا إستراتيجيًا، حيث يسعى المغرب لتوجيه شراكاته نحو نقل التكنولوجيا وتوطينها، وبناء نموذج إنتاجي يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الاقتصادية والجغرافية المغربية.
إعلانويضيف أن تجربة الشراكة مع قوى صناعية صاعدة يمكن أن تساعد المغرب في تطوير سياسة بحرية هجينة تجمع بين الاستفادة من التجربة الآسيوية والملاءمة مع التحديات الإقليمية.
بين قوانين التمويل والتكوينورغم الفرص الواعدة، لا تخلو الطريق من تحديات معقدة. فصناعة السفن قطاع يتطلب استثمارات ضخمة، وأطرًا قانونية دقيقة، وموارد بشرية عالية التأهيل. ويشير الأكاديمي محمد الطيار إلى أن المغرب يعمل على تطوير ترسانة قانونية متماشية مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بالأمن والسلامة البحرية وحماية البيئة.
كما يعمل على تحسين جودة التكوين البحري ومواءمته مع احتياجات السوق، لكن يبقى التحدي قائمًا في إعداد رأس مال بشري مؤهل في مجالات تقنية متقدمة مثل التصميم والهندسة البحرية.
في السياق ذاته، يؤكد معتضد ضرورة بناء نظام مالي محفز يشجع الاستثمار في قطاع عالي المخاطر مثل صناعة السفن، مشيرًا إلى أن نجاح المشروع يتوقف على قدرة الدولة في توفير بيئة اقتصادية مشجعة وخطط تمويل مرنة ومستقرة.
وفي ضوء هذه المعطيات، يتضح أن المغرب لا يسعى فقط إلى تأسيس صناعة بحرية، بل إلى إعادة تعريف موقعه في الاقتصاد البحري العالمي. فالسؤال لم يعد: هل يمكن للمغرب بناء سفن؟ بل: هل يستطيع بناء منظومة بحرية مستدامة تُمكنه من قيادة تحول إستراتيجي نحو اقتصاد أزرق يضمن الأمن، التنمية، والسيادة؟