د. لبيب قمحاوي .. التحديات التي تجابه المنطقة العربية في الحقبة القادمة
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
#سواليف
تحت عنوان “#التحديات التي تجابه #المنطقة_العربية في الحقبة القادمة ” قدم الدكتور #لبيب_قمحاوي محاضرة في #جمعية_عيبال_الخيرية في العاصمة عمان ، يوم أول أمس السبت ، قال فيها :
أود في البداية أن اتقدم بالشكر إلى جمعية عيبال على هذه الدعوة الكريمة في هذه الظروف الصعبة والخطيرة .
تجيء هذه المحاضرة في نهاية عام قاسٍ كان مليئاً بالدماء والتضحيات والبطولات في مجابهة الدمار والقتل الذي أحدثه العدو الإسرائيلي على أهلنا في فلسطين ابتداءً ، ومن ثم على الأشقاء في لبنان وسوريا على التوالي .
العنوان قد يوحي بأن هذه المحاضرة قد تكون تقليدية ، ولكنها لن تكون كذلك لأننا لن نبحث في موضوع واحد بعينه ، ولكننا سنبحث في عدة عناوين ومؤشرات تتعلق بقضايا ومواضيع مختلفة ، لها أبعادها على مستقبلنا ، وسوف نبتعد بالتأكيد عن السردية التقليدية والهتاف بأن يعيش فلان ويسقط فلان ، فهذا سلوك حقبة قد وَلَّت ولم يعد يُفيد أي قضية .
من الصعب الحديث عن منطقة ما زالت الأحداث فيها تتفاعل وما زالت قيد التشكيل ، وأمورها ليست بيدها أو بيد أبنائها ، وإنما بيد آخرين يُمْلُوا إرادتهم علينا ، كما أنه من الصعب أيضاً الحديث في قضايا عناوينها قد تختلف تماماً عن محتوياتها وفحواها مما يجعل منها ألغاماً مبعثرة هنا وهناك . بعض محترفي السياسة أو الكتابة قد يسارعوا إلى الأدلاء بدلوهم في قضايا ما زالت تتفاعل ونتائجها غير محسومة وهذا الأمر لا يسمح بإعطاء أي تحليل علمي للأحداث ضمن المصداقيه المطلوبة ولضمان الفائدة المرجوة .
في حديثنا اليوم ، سوف نسعى إلى إلقاء الضوء على مجموعة من المواضيع التي تهمنا جميعاً ونسعى إلى فهمها واستيعاب أبعادها . ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل هذه التحديات ، من المهم إعطاء تصور واضح للمتغيرات الإستراتيجية التي يمر بها العالم الآن وتؤثر بشكل أساسي على مجرى الأحداث ومداخلها ومخارجها وأسلوب التعامل معها ، لأننا لا نستطيع إستعمال أدوات عالم قديم يعيش أيامه الأخيرة للحديث في قضايا يتم تشكيلها طبقاً لأدوات جديدة ورؤية جديدة في عالم متجدد تتفاعل فيه الأمور بسرعة ملحوظة وعلى أسس تختلف عن ما عهدناه .
سوف نبدأ حديثنا اليوم باستعراض خصائص العالم الجديد الذي سيقود مسيرة التحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية من وضعها التقليدي الحالي إلى وضعها الجديد كما سيكون عليه الحال في المستقبل المنظور .
يكاد العالم ، أيها السيدات والسادة ، أن يفقد توازنه في محاولة التوفيق والموازنة بين ما هو سائد وما هو قادم . وعالمنا العربي بحكم موقعه في أسفل سلم التأثير الدولي ، ما زال يعيش في ظلال عالم قديم وأفكار بائدة وأساليب بالية في إدارة الدولة والحُكْم وبما أبقى العلم والتكنولوجيا والتطور في أدنى سُلَّم أولويات الحكم والدولة الأمر الذي حَوَّل هذا الجزء من العالم إلى مستودع للأفكار البالية والتخلف في كافة المجالات بالإضافة إلى الفساد المرتبط بالإستبداد بشكل عام .
أولويات عالم المستقبل قد إنتقلت من أولوية السياسة إلى أولوية الإقتصاد والتنمية ببعدها الكوني أولاً ، ومن السلاح التقليدي إلى سلاح التكنولوجيا العالية ، ومن الأساليب الإستبدادية المغلقة إلى عالم التواصل والانفتاح . كل هذا والعرب ما زالوا متجمدين في شرنقة من المفاهيم القديمة والأساليب البالية والأولويات التافهة والمحزنة ، لم يبرحوا مواقف وأولويات أجدادهم ، بعد أن سَلّموا مقاليدهم لأنظمة حكم عسكرية إنقلابية استبدادية ولعقود طويلة أدخلت أوطانهم وشعوبهم في قمقم الجمود والتخلف والفساد وعبادة الأشخاص .
لقد إنتهى ، أيها السيدات والسادة ، عصر الايديولوجيا والعقائد السياسية التقليدية والشعارات الرنانة والأحلام الواهمة التي عاشها العالم عموماً والعالم العربي خصوصاً منذ الحرب العالمية الثانية حيث سادت مفاهيم تتماشى ووجهة نظر الدول المنتصرة في حينها . فالمواقف السياسية المبنية على أساس الخلافات العقائدية التي رافقت الحرب الباردة مثلاً ، وكذلك النضال ضد الإستعمار في النصف الثاني من القرن العشرين، والنضال من أجل الإستقلال قد أخذت الآن تفقد أهميتها ودورها في علاقات الحرب وعلاقات السلام بين الدول والشعوب . وفي حين أن السياسة قد تبقى كعنوان في بعض الأحيان ، إلا أن الأهداف الحقيقية تبقى اقتصادية استثمارية والأدوات والوسائل أصبحت مرتبطة بالتكنولوجيا المتقدمة . ومثال على ذلك الصراع الدائر الآن بين أمريكا والصين فهو صراع كبير عنوانَهُ سياسي على زعامة العالم في حين أن محتواه إقتصادي وأدواته تنحصر في التكنولوجيا المتقدمة العالية Hi Tech وليس في السلاح التقليدي . وعلى أية حال ، فإن الأسلحة التقليدية المتطوره أصبحت الآن تـُدار وتَعْتَمد على التكنولوجيا العالية وهي التكنولوجيا التي ألحقت مثلاً أشد الأضرار بحزب الله في مدة قياسية لم يتوقعها أحد .
وهكذا ، فمن الواجب علينا نحن العرب أن نُجابه التحديات القادمة بمنظور جديد ، وأن نعيد صياغة وسائِلنَا وأهدافَنَا بما يمكننا من الانتصار أو حتى الصمود في التحديات القادمة وهي في الحالة العربية أقرب ما تكون إلى كونها امتداداً لقضايا ومشاكل العالم القديم والمقدر لها أن تبقى وتستمر وترافقنا في العالم الجديد المتجدد مثل القضية الفلسطينية .
التشفي الثأري لمن يعارض ويكره هذا النظام أو ذاك ، والبكاء على الأطلال لمن يؤيد ويحب هذا النظام أو ذاك ، لن ينفع في شئ ولن يؤدي إلى شئ . فالأمور السياسية والإستراتيجية الخطيرة لا تُدار بالهتافات والمناداة بالبقاء أو بالسقوط . يعيش العالم العربي الآن حقبة من التحديات الاستراتيجية الخطيرة التي تعتمد في مجابهتها على التخطيط والمعلومات الصحيحة واستعمال التقنيات الحديثة وليس على الشعارات والهتافات التي تمارسها عادة الشعوب المتخلفة والأنظمة الإستبدادية .
أيها السيدات والسادة ،
إن أهم التحديات التي سوف يجابهها عالمنا العربي في الحقبة المقبلة هي ما يلي :-
1- التحدي الأول : النجاح في حل القضية الفلسطينية بما يضمن الحقوق الأساسية الإنسانية والسياسية والوطنية للشعب الفلسطيني ، ومنع أي قوى أخرى من محاولات إلغائها وسحبها من التداول . إن قضية إحتلال فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني هي إمتداد لقضايا العالم القديم والقرن العشرين . وإنه لمِنَ المؤسف والمحزن أن قضية فلسطين قد إمتدت لأكثر من سبعين عاماً دون أن يتمكن العالم والعرب والفلسطينيون من حلّها ، والسبب يعود بالطبع إلى أولويات النظام الدولي السائد في حينه والذي أصبح الآن هو النظام القديم نفسه الذي سيطرت أمريكا بموجبه على العالم وفرضت عليه رؤيتها ومصالحها.
التعامل الإسرائيلي الوحشي مع الفلسطينيين سوف ينتقل قريباً إلى أساليب متطورة جداً من خلال استعماله للتقنية العالية في تعامله مع الشعب الفلسطيني المحاصر تحت الإحتلال وبشكل يُجَنّبْ الاسرائيليين ردود الفعل القاسية والعنيفة للمجتمع الدولي على جرائمهم . واستعمال التقنية الحديثة أمر خطير في التعامل مع المجتمع المدني الفلسطيني لأنه استعمال يهدف إلى الإزالة الجماعية أو الازاحة والتشتيت بشتىَّ الطرق والوسائل دون إستثارة الرأي العام العالمي بهدوء صامت ولكن قاتل ومميت .
إن قدرة الفلسطينيين على التعامل مع المتغيرات في الواقع الفلسطيني والقضية الفلسطينية تتطلب توفر القدرة على الخروج من عباءة التفكير التقليدي والدخول في عالم الحداثة ، واستيعاب المتغيرات السياسية والإقتصادية والتكنولوجية ، ومحاولة الخروج ببرنامج عمل جديد ورؤية جديدة لكيفية التعامل مع هذه المتغيرات في إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي لما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته . إن هذه الرؤية الجديدة يجب أن تشكل المدخل للتعامل الفلسطيني الجديد مع الإستعمار الإسرائيلي في الحقبة المقبلة. ومن أهم المؤشرات على هذه المتغيرات المطلوبة للحقبة المقبلة :-
المتغير الأول : استثمار التعاطف الشعبي الدولي مع الفلسطينيين نتيجة لعمليات القتل الجماعي للفلسطينيين والدمار الشامل لمدنهم في حرب إسرائيل الأخيرة على إقليم غزة الفلسطيني . لقد جاء هذا التعاطف في أصوله لأسباب إنسانية وليس لأسباب سياسية ، ومن هنا على الفلسطينيين الإستفادة من ذلك التعاطف والبناء عليه عوضاً عن الإصرار على فرض رؤيتهم السياسية على شعوب العالم ، فالنتيجة واحدة فيما لو ثابر الفلسطينيون على العمل للإبقاء على جذوة التعاطف الشعبي الدولي مع الفلسطينيين والإبتعاد عن إضعافها من خلال إدخالها في متاهة الخلافات السياسية .
المتغير الثاني : نقل القضية الفلسطينية من كونها قضية سياسية إلى كونها قضية تمييز عنصري من خلال غرس القناعة لدى شعوب العالم وحكوماته بأن النظام في إسرائيل هو نظام عنصري فاشي وتجنب الإصرار على تقديم القضية الفلسطينية بإعتبارها قضية سياسية صفرية بمعنى إمَّا الفلسطينيين أو الإسرائيليين . فالعالم الآن أكثر استعداداً لرفض أنظمة التمييز والفصل العنصري والنضال ضدها بإعتبارها تتنافى والقانون الدولي والإنساني وحقوق الإنسان أكثر من استعدادها للتحالف مع قضايا الإحتلال والتحرر الوطني والنضال المسلح . إن إستغلال المنافذ المفتوحة والمقبولة لخلق موقف شعبي دولي رافض بالنتيجة لسياسة الإحتلال الإسرائيلي العنصرية هي التغيير الأهم الذي يجب أن يسعى إليه الفلسطينيون في الحقبة المقبلة .
المتغير الثالث : التأكيد على أن مسار حل الدولتين هو الخيار الخاطئ والقاتل وليس الحل المنشود . فهذا المسار في حال قبوله سوف يكرس الإحتلال من خلال إقرار الفلسطينيين بتقسيم فلسطين التاريخية ، وتعطي الكيان الإسرائيلي الشرعية التي يفتقدها من خلال تنازل الفلسطينيين عن حقهم في الأراضي التي سوف تـُعْطَى للدولة اليهودية ، كل ذلك مقابل الحصول على شبه دويلة للفلسطينيين تدور في الفلك الإسرائيلي .
المتغير الرابع : العمل على دخول الفلسطينيين والمجتمع الفلسطيني تحت الإحتلال عالم الحداثة والتكنولوجيا المتطورة حتى يتمكنوا من بناء المصدات الإلكترونية اللازمة لحمايتهم من هجوم العدو الصهيوني من جهة ، وتعزيز قدرتهم على التواصل مع المجتمع الدولي للحفاظ على الدعم المنشود والمطلوب لقضيتهم من جهة أخرى .
أما باقي التحديات وهي كثيرة، فيمكن التركيز على تحديين إثنين بإعتبارهم الأهم:-
2- التحدي الثاني :- العمل على عدم السماح بتمزيق دول العالم العربي إلى دويلات والحفاظ على المصالح الوطنية والقومية لدول العالم العربي ، حيث أن مجرى الأمور حالياً يشير إلى بداية حقبة تهدف إلى تمزيق الدول العربية إلى دويلات طائفية أو مذهبية أو عرقية تصب في دعم المصالح الإسرائيلية وتجعل من الأسس الدينية التي قام عليها الكيان الإسرائيلي اليهودي امراً شرعياً ومقبولاً كون هذا سيكون واقع الحال في المنطقة إذا ما تم تمزيق دوَلِهِ إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية .
3- التحدي الثالث :- العمل على البناء الإقتصادي والتكنولوجي الحديث للدول العربية ونقل العالم العربي من حالته الحالية البائسة والمتخلفة في كافة المجالات، إلى عالم الحداثة من خلال تحويل دول العالم العربي إلى دول نابضة شفافة وحيوية بعيدة عن الإستبداد والفساد والتخلف تستثمر مستقبلها في حقول العلم والتكنولوجيا وتنشئة أجيال قادرة على التعامل مع التكنولوجيا العالية المتقدمة وإستغلالها وإستعمال الأساليب والأدوات ذات التقنية العالية لحماية مصالحها وبناء قدراتها .
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف التحديات المنطقة العربية القضیة الفلسطینیة العالم العربی التعامل مع فی الحقبة من خلال
إقرأ أيضاً:
ترامب ومخطط التهجير والتحدي الفلسطيني
المتابع لقرارات وتصريحات الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية رونالد ترامب، يدرك أن هناك تسونامي سياسيا يجتاح العالم في جهات الأرض الأربع تطال كندا والدنمارك والمكسيك وآخرها كولومبيا وقبلها أوروبا كلها، ويبدو أن عاصفة ترامبية هوجاء تهب على منطقتنا العربية خاصة على أهل غزة المنكوبين بشرا وحجرا وشجرا.
إن تصريح ترامب في سعيه لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن ينطوي على مخاطر عديدة:
أولها، أن هذه الخطوة قد تدخل المنطقة في أتون صراع إقليمي يشمل المنطقة برمتها، خاصة أنها تنقل الأزمة إلى بلدان تنعم نوعا ما باستقرار وسلام. وثانيها، تأتي هذه الخطوة عقب إجراءات استيطانية عديدة اتخذتها حكومة نتنياهو بتوسيع البناء الاستيطاني، وزيادة أعداد البؤر الاستيطانية وأعداد المستوطنين والذين كانوا قبل اتفاقات أوسلو يقدرون بنحو 250 ألفا وأصبحوا الآن أكثر من 750 ألفا؛ وهذا يؤكد حقيقة الكيان الاحتلالي الاستيطاني الإجلائي الاستعماري. ثالث الخطورة، إن خطة ترامب هذه تكشف عن تماهي أهداف الإدارة الأمريكية السابقة والحالية مع مصالح وأهداف حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وهذا ما يعبر عن شراكة استراتيجية بين المسيحية الإنجيلية والتيار التوراتي المحافظ. فهذه الحكومة شنت حربها تحت هذا الهدف؛ وهو تهجير الفلسطينيين القسري بعد القيام بعمليات الإبادة الجماعية المتعددة الأشكال، وهذا ما يشير بقوة إلى الشراكة الوثيقة في الجرائم التي ارتكبت بحق الغزاويين على مدى 15 شهرا.
ترامب يؤكد بخطته هذه سقوط أي مبادرة أو حل يعتمد حل الدولتين أو أي مبادرة تفضي إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وتعريض المنطقة إلى مزيد من الحروب والصراعات التي قد تهدد الأمن والاستقرار العالمي
ورابع المخاطر، إن ترامب يؤكد بخطته هذه سقوط أي مبادرة أو حل يعتمد حل الدولتين أو أي مبادرة تفضي إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وتعريض المنطقة إلى مزيد من الحروب والصراعات التي قد تهدد الأمن والاستقرار العالمي. أما خامس هذه المخاطر فيتمثل بخرق اتفاق وقف إطلاق النار واستئناف الحرب مجددا، مما يأتي على كل الجهود المضنية التي بذلها الوسطاء للوصول إلى هذا الاتفاق، ويعرض حياة آلاف الأطفال والنساء الى الخطر مجددا بما فيهم الأسرى الإسرائيليين، كما يضع إدارة ترامب أمام مسؤولياتها. وسادس هذه المخاطر، إنها تُعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية؛ لأنها تعني تطهير عرقي بحق السكان الآمنين كما نصت على ذلك بنود القانون الدولي الإنساني.
في سياق متصل، إن ما أقدم عليه ترامب يتناقض مع ما كان قد أعلنه سابقا من أنه سينهي الحروب، وأنه سيكون صانع سلام، وأنه سيجلب الاستقرار والازدهار إلى المنطقة والعالم. والسؤال هنا: هل تهجير الفلسطينيين من أرضهم وإبعادهم عن وطنهم وتحويلهم إلى لاجئين في بلدان أخرى سيجلب الاستقرار الذي تحدث عنه؟ أم أنه سيؤدي إلى اندلاع حرب لا هوادة فيها؟ وهل هذه هي وعود ترامب الانتخابية للجاليات العربية والمسلمة واللاتينية مقابل التصويت لصالحه؟
إن مخطط ترامب هذا يعدو كونه فكرة جديدة، بل إنه استكمال للاتفاقات الإبراهيمية، وهو الجزء الثاني منها وقد آن الأوان لتنفيذه، وقد سبق لترامب أن راعه صغر "مساحة إسرائيل"، فقال "يجب أن تُوسّع أراضي إسرائيل". ومهّد أركان إدارته المتصهينين مرارا وتكرارا لضم الضفة الغربية، وأنكروا وجود شعب يسمى شعب فلسطين. وفيما بعد تحدث ترامب عن غزة قائلا: "إنها مكانٌ مثير ولها موقعٌ رائع ومناخٌ جميل، يجب إعادة بناؤها بطريقة مختلفة". إن كل هذه المقدمات والتصريحات تعبّر عن تقاطع خطة ترامب مع أهداف اليمين الإسرائيلي المتطرف المتمثل بإيتمار بن غفير وسموتريتش، وتبنّاها نتنياهو.
إن ما فَشِلَ نتنياهو في تحقيقه عسكريا من خلال حرب الإبادة على غزة؛ نتيجة لصمود المقاومة وثبات أهل غزة وتجذرهم بأرضهم ووطنهم؛ يريد ترامب أن يحققه بالضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، وهكذا لا يبدو ترامب أنه يحمل مسؤولية العالم، بل إنه مطور عقاري ومستثمر يعمل لصالح دولة الكيان الصهيوني.
من جهة أخرى، وفيما فشلت في تحقيقه حرب الإبادة الفاشية الصهيو- أمريكية بكل أشكالها من قتل ونسفٍ للمربعات والأحياء السكنية، وتدمير ممنهج للبنى التحتية ومختلف جوانب الحياة ونشر الأوبئة والأمراض والتجويع والتعطيش، وقتل نحو 50 ألفا جلهم من الأطفال والنساء، وحوالي 112 ألف مصاب، وأكثر من 10 ألاف مفقود وآلاف المعتقلين المدنيين بهدف التهجير القسري، فإن الخطة الترامبية الجديدة ستفشل حتما وإن تعددت سيناريوهات هذه الخطة ومقدماتها وممهداتها؛ من عرقلة إكمال صفقة التبادل، تمهيدا لاستئناف حرب الإبادة، أو إعاقة إعادة إعمار غزة، وممارسة الضغط على نظامي الأردن ومصر، وغيرها من المعوقات والعراقيل.
اعتاد الغزيون المشهد، فلا خطة تهجير توقف عودتهم ولا حرب تهزم إرادتهم، هم فرحون وأعداؤهم غاضبون لرؤيتهم عائدين بينما تعلو وجوههم المغبرة ابتسامة التحدي والعنفوان، وعيونهم يملؤها الأمل والإصرار على حياة يستحقونها على هذه الأرض
من ناحية أخرى، إن تصرح وزير خارجية الأردن بقوله: "إن الحل للقضية الفلسطينية هو حل فلسطيني وإن الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين"، ورفض الخارجية المصرية "المساس بحقوق الشعب الفلسطيني ورفض تهجيره"، إنما يشكل ردا رسميا عربيا على خطة ترامب. أما الرد الشعبي الحقيقي كان عودة مئات الآلاف من النازحين بزحفٍ هادرٍ لم يسبق له مثيل من الجنوب إلى شمال غزة عبر شارع الرشيد مشيا على الأقدام، والإصرار للوصول إلى أماكنهم المدمرة وشوارعهم التي تملؤها الحفر والركام، وإلى المرافق التي تغيرت معالمها؛ يسارعون الخطى إلى أنقاض منازلهم وبعضهم يشدو مزهوا حاملا خيمته لينصبها فوق أنقاض منزله المدمر، والكثير من الصبية والنسوة يحملن "بقجة" العودة، والبعض الآخر اختار سقف بيته المنهار ليأوي عائلته تحته، وآخر يبحث عن ألواح من خشب وأغصان شجر ليرمم ما تبقى له من بيت، وآخرون يعيدون إعمار أجزاء من بيوتهم من بقايا الركام والأنقاض والأثاث.
لقد اعتاد الغزيون المشهد، فلا خطة تهجير توقف عودتهم ولا حرب تهزم إرادتهم، هم فرحون وأعداؤهم غاضبون لرؤيتهم عائدين بينما تعلو وجوههم المغبرة ابتسامة التحدي والعنفوان، وعيونهم يملؤها الأمل والإصرار على حياة يستحقونها على هذه الأرض.
هذا هو تحديهم وردّهم على مخططات التهجير قديمها وجديدها، وخطة الجنرالات وحروب النازية والإبادات كلها، وعاهدوا في أحاديثهم وحواراتهم تحت علم الوطن، لن تكون هناك نكبة أخرى، وما هذه إلا عودة صغرى بانتظار العودة الكبرى وتحرير كل فلسطين، وأقسموا أن لن يغادروا رمال غزة، ويتركوا شهداءها ودمارها وركامها وأنقاضها وشاطئها ومناخها الجميل؛ هو لهم ولأبنائهم ولأحفادهم من بعدهم.
[email protected]