أخطاء سياسة واشنطن تعرقل تحقيق أمن الطاقة في أوروبا
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
قبل أسابيع قليلة من عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، عرقل سفير أمريكي مشروع خط أنابيب غاز استراتيجي يمكن أن يزيد صادرات الغاز الطبيعي الأمريكي إلى أوروبا، ويقلل اعتمادها على الغاز الروسي.
وبتصرفه هذا ألحق السفير الأمريكي ضرراً بالسيادة الوطنية لإحدى الدول وزاد حدة عدم الاستقرار في منطقة البلقان، تحت شعار "سياسة الهوية" الذي ترفعه وزارة الخارجية الأمريكية، في التعامل مع الدول الخارجة من الحروب أو الصراعات.
Identity Politics Is Holding Up A Balkan Energy Development https://t.co/nDYV36UpnF via @TheNatlInterest
— Nino Brodin (@Orgetorix) December 29, 2024 إنهاء الاعتماد على روسياوفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية تناول ماكس بريموراك الباحث الزميل في برناج مركز مارجريت تاتشر للحرية التابع لمؤسسة هيرتديج الأمريكية أزمة خط أنابيب الربط الجنوبي للغاز الطبيعي الذي تنفذه كرواتيا وتستهدف مده إلى جمهورية البوسنة والهرسك المجاورة لنقل الغاز الطبيعي الأمريكي إليها وإنهاء اعتمادها على استيراد الطاقة من روسيا.
ففي عام 2019 تحدت حكومة كرواتيا ضغوط جماعات الدفاع عن المناخ وأقامت محطة عائمة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال لتقليل اعتماد أوروبا الشرقية على الطاقة الروسية. وهذه الأهمية الاستراتيجية للمشروع يمكن أن تساعد في جعل الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. كما تريد كرواتيا تمديد خط أنابيب نقل الغاز إلى دول أخرى في المنطقة.
ويقول بريموراك إن وزارة الخارجية الأمريكية تعرقل خطة تمديد خط أنابيب الربط الجنوبي إلى البوسنة والهرسك بسبب ما تعتبره مشروع بناء الدولة البوسنية الذي يستهدف إجبار الأقليتين الكاثوليكية الكرواتية والأرثودوكسية الصربية في جمهورية البوسنة والهرسك على التخلي عن هويتيهما الكرواتية والصربية وتبني الهوية البوسنية التي تتبانها فقط القيادة المسلمة لهذه الجمهورية ذات الأغلبية المسلمة.
والحقيقة أن كثيرين من البوسنيين المسلمين أنفسهم حصلوا على الجنسية الكرواتية وهو ما يعني أنهم لا يؤمنون فعلياً بوجود هوية بوسنية، على حد قول ماكس بريموراك القائم بعمل مدير العمليات في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سابقاً.
والمعروف أن جمهورية البوسنة والهرسك التي كانت إحدى جمهوريات دولة يوغوسلافيا السابقة لم تخرج من إطار اتفاقيات دايتون للسلام عام 1995 التي أنهت الحرب في منطقة البلقان.
Milanović v Zamorac je nezanimljiva trka s aspekta interesa BiH. Dvije verzije ekstremnog nacionalizma, kolonijalizma i teritorijalnog ekspanzionizma.
Hrv je odlaskom Mesica prema Bosni postala kopija Srbije. Jedino oko cega vazne pol figure imaju koncenzus je mrznja prema BiH
ومنذ ذلك الوقت تعيش هذه الدولة أسيرة إطار دستوري غير عملي، حيث سعى الدبلوماسيون الدوليون إلى فرض أجندة أيديولوجية "مناهضة للقومية" في حين يتمتعون بالسلطة القانونية النهائية على البلاد. ويحكم الصرب نصف البلاد، ويحكم الكروات وعدد أكبر من المسلمين البوسنيين النصف الآخر بشكل مشترك. ولا يتمتع أي من الكيانين بالسيادة، وهو ما جعل جمهورية البوسنة والهرسك "دولة فاشلة" حتى الآن.
وقدم قانون جديد لتفويض تمديد خط الأنابيب، للسفير الأمريكي المنتهية ولايته مايكل مورفي فرصة أخيرة لفرض ما تعرف بسياسة الهوية التي تنتهجها وزارة الخارجية على الدولة البلقانية من خلال إجبار البرلمانيين الكرواتيين على تسليم السيطرة على خط الأنابيب إلى شركة الغاز الحكومية الفاسدة والمثقلة بالديون في سراييفو في بلد يصنف مستوى الفساد فيه على أنه أسوأ من مستوى الفساد في أوكرانيا.
يتألف فريق إدارة شركة بي.إتش غاز بالكامل من البوسنيين، مما يعكس التمييز المنهجي في التوظيف الذي أدى إلى تقليص عدد السكان الكرواتيين في الدولة إلى النصف. ويسعى القادة الكرواتيون إلى إنشاء كيان جديد لإدارة المشروع. ومع ذلك، تم تمرير القانون دون أصوات كرواتية، مما أدى إلى تفاقم التوترات بين الطائفتين.
وقد انتقد نائب رئيس البرلمان الوسني ملادن بوسكوفيتش وهو من الكروات القانون قائلا إنه "تمت صياغة هذا القانون بطريقة تم بها استبعاد الكروات من المشاركة في عملية تصميم وتوجيه خط أنابيب الغاز. وهو ما يجعل جميع قرارات الشركة تحت السيطرة الكاملة للطرف البوسني".
ووجه الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش، أحد مؤيدي خط الأنابيب توبيخاً حاداً للسفير الأمريكي متهماً "جهات أجنبية بإذلال البوسنة والهرسك وتفكيكها بشكل منهجي كدولة".
Kosovo PM Kurti confirms Vucic swore in Serbian during Brussels meetings, trying to provoke him:
He started as a football hooligan; that's his culture. pic.twitter.com/AT2iOtl8VG
وكان تدخل مورفي الصريح لإقرار قانون الغاز البوسني غير مسبوق. فقد اتهم النواب من أصل الكروات علناً بالتواطؤ مع روسيا لمعارضتهم للقانون، واتهم زعيمهم المنتخب بالسعي إلى "المنافع السياسية والاقتصادية الشخصية". ، في حين كان المدير السابق لشركة بي.إتش جاز قد استقال في وقت سابق حتى لا يصبح "شريكا في الأفعال الإجرامية التي ترتكبها الشركة".
وقد لاحق حوالي 12 موظفاً في السفارة الأمريكية البرلمانيين الكروات في مكاتبهم أثناء إجراءات التصويت على القانون، مما دفع بعض هؤلاء النواب إلى مغادرة المبنى احتجاجا على الضغوط الأمريكية. ووفقا لوسائل الإعلام المحلية، فقد مورفي هؤلاء النواب بفرض عقوبات عليهم.
كما هدد الدبلوماسيون الأمريكيين البرلمانيين المسلمين، الذين شعروا بعدم الارتياح إزاء كسر تقليد قاعدة إقرار التشريعات الرئيسية بإجماع النواب المسلمين والكروات، بالفصل من البرلمان إذا صوتوا ضد مشروع القانون.
وتعتبر منطقة خط الأنابيب المنتظر مألوفة لملايين الكاثوليك الأمريكيين، حيث يمر الخط عبر قرية مديوغوريه، التي يزورها 40 مليون حاج مسيحي يعتقدون أنها استضافت ظهورات العذراء مريم.
في الوقت نفسه يشكل الجمع بين الحماسة المسيحية والمنافع الاقتصادية التي تجنيها هذه المنطقة عقبة أمام الحملة العالمية لإدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن من أجل السماح بالإجهاض ودعم المثلية الجنسية، وهي الحملة التي قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنها تصب "بشكل عميق في مصلحتنا الوطنية".
ويقول ماكس بريموراك إن روسيا هي المستفيد الأكبر من هذا القانون الذي ضغط السفير الأمريكي من أجل تمريره، لآنه من غير المرجح مضي كرواتيا قدماً في مشروع خط الأنابيب، مادام تم استبعاد الأقلية الكرواتية من المشروع.
كما تستفيد الصين من التوترات المتنامية داخل أوروبا، وكذلك تركيا، نظراً لعلاقاتها القوية مع القيادة المسلمة في سراييفو وطموحها العالمي للترويج للإسلام السياسي.
في المقابل تضم قائمة الخاسرين الكروات البوسنيين الذين لا يرون أن لهم مصلحة كبيرة في دولة تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية. كما أن قانون مورفي يقوض احتمالات تأمين الهيمنة الأمريكية على سوق الطاقة في أوروبا.
والآن ينتقل قانون الغاز إلى مجلس الشعوب وهو الغرفة العليا للبرلمان البوسني حيث يحتاج إلى موافقة أغلبية الأعضاء المسلمين والصرب والكروات، حيث تتمتع كل كتلة من الثلاث كتلات بحق النقض (الفيتو). ومن المتوقع أن يخسر الكروات هذه الحماية الدستورية أيضاً، فضلاً عن الممثل الأعلى للبلاد، وهو دبلوماسي أوروبي منحته اتفاقية دايتون حق القول الفصل في كل قوانين البوسنة والهرسك.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية وزارة الخارجية الوكالة الأمريكية المستفيد الأكبر عودة ترامب الاتحاد الأوروبي أمريكا روسيا كرواتيا جمهوریة البوسنة والهرسک خط الأنابیب خط أنابیب
إقرأ أيضاً:
هل تعيد سوريا إحياء مشروع خط الغاز مع تركيا وقطر وصولاً إلى أوروبا؟
الاقتصاد نيوز - متابعة
قد تكون سوريا الجديدة، بعد سقوط نظام الأسد الذي استمر أكثر من نصف قرن، مؤهلة أكثر من أي وقت مضى للاضطلاع بدور الممر الاستراتيجي لنقل الطاقة من منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز إلى أوروبا. لكن هذا الطموح، رغم دعمه بعوامل محلية وإقليمية، يواجه عقبات سياسية وأمنية واقتصادية.
شهدت السنوات الماضية طرح عدة أفكار لمشاريع خطوط لأنابيب الغاز التي تربط الشرق الأوسط بأوروبا النهمة للطاقة، من بينها خط الغاز العربي الذي استهدف ربط مصر بالأردن ولبنان وسوريا، ومن ثم تركيا وينتهي بأوروبا.
كما برزت فكرة إنشاء خط ينقل الغاز الإيراني إلى تركيا، وآخر يربط الغاز العراقي بالقارة الأوروبية عبر أنقرة أيضاً. لكن من بين أبرز تلك المشاريع وأكثرها طموحاً هو إنشاء أنبوب الغاز الذي كان مخططاً له أن يبدأ من قطر، ويمر بالمملكة العربية السعودية والأردن، ومن ثم يصل إلى سوريا وتركيا وبلغاريا.
فكرة مشروع خط الغاز تعود فكرة إنشاء خط الغاز القطري التركي مروراً بالدول العربية آنفة الذكر إلى عام 2009، عندما تمت مناقشة المشروع في قمة استضافتها إسطنبول بين رجب طيب أردوغان، وكان آنذاك رئيس وزراء تركيا، وأمير قطر حينها، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وكان الهدف من المشروع ربط حقل الشمال القطري للغاز مع تركيا بخط طوله 1500 كيلومتر، بتكلفة 10 مليارات دولار في ذلك الوقت.
لكن المشروع لم ير النور، حيث كان يتطلب آنذاك موافقات الدول التي سيمر بها المشروع وهي: السعودية، والأردن، وسوريا. وتلا ذلك قيام الحرب في سوريا عام 2011، مما أوقف المشروع بصورة كاملة.
كما أن “بعض الدول التي كان من المخطط أن يمر بها الأنبوب وضعت شروطاً صعبة لمروره في أراضيها آنذاك”، بحسب مسؤول سابق في وزارة الطاقة القطرية تحدث مع “الشرق” شرط عدم الإفصاح عن هويته.
لماذا يعود خط الغاز القطري-التركي للواجهة الآن؟ اختلفت الأمور بعد انتهاء حكم بشار الأسد، الذي كان معارضاً للمشروع بسبب تحالفه مع روسيا، ورغبة منه في عدم في الإضرار بهيمنتها على تصدير الغاز إلى أوروبا، بحسب موقع “إنرجي إنتلجنس” اللندني.
علاوة على ذلك، لم يعد الاتحاد الأوروبي يعتمد على الغاز الروسي بشكل رئيسي بسبب الحرب مع أوكرانيا التي بدأت في 2022، بل إن فكرة إنشاء خط الأنابيب قد تكون أكثر قبولاً للقارة العجوز حالياً.
من شأن خط الأنابيب الجديد أن يعزز تنويع إمدادات الطاقة في أوروبا، ويقلص اعتمادها أكثر على الغاز الروسي، ويعزز دور تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) كمركز حيوي للطاقة.
انخفضت حصة الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب من 40% في 2012 إلى حوالي 8% في 2023، وبالنسبة للغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب وشحنات الغاز المسال إجمالاً، شكلت روسيا ما يقل عن 15% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الإجمالي بحسب بيانات المجلس الأوروبي.
إلى جانب ذلك، يمثل الغاز القطري إضافة مهمة لأوروبا. وتملك الدوحة احتياطيات غاز تُقدر بحوالي 900 تريليون قدم مكعب، أو ما يعادل 14% من الاحتياطي العالمي، بحسب مجلة “أويل آند غاز”. لكن الغاز القطري لم يكن محط اهتمام الأسواق الأوروبية بسبب غياب خط أنابيب يصلها بقطر، وبات الاعتماد فقط على شحنات الغاز المسال المكلفة.
من جانبه، قال وزير النفط العراقي السابق وخبير الطاقة الدولي عصام الجلبي لـ”الشرق” إن خط الأنابيب القطري-التركي المقترح لن يعوض بالكامل الغاز الروسي إلى أوروبا، مضيفاً أن إنشاء الخط سيعتمد أيضاً على “المواقف السياسية للدول الأوروبية وخاصة الشرقية منها والأقرب إلى روسيا”.
تأييد تركي ومكاسب سورية يكتسب إحياء مشروع خط الأنابيب دعم وزير الطاقة والموارد الطبيعة التركي ألب أرسلان بيرقدار. وأشار في تصريحات صحفية لوسائل إعلام محلية مؤخراً إلى أن المشروع يمكن أن يمضي قدماً مع تحقيق الاستقرار في الأراضي السورية، مؤكداً الحاجة إلى توافر الأمن أولاً.
تركيا كانت من أكبر المناصرين للتغيير في دمشق، خاصة في ظل علاقتها الوطيدة مع “هيئة تحرير الشام” التي قادت المعارضة للإطاحة بنظام الأسد. وكشفت أنقرة عن رغبتها في المساهمة بزيادة إنتاج النفط والغاز الطبيعي في سوريا، وهي خطوة ضمن جهود أنقرة لتعميق مشاركتها في إعادة إعمار البلد الذي دمرته الحرب، بحسب ما قاله وزير الطاقة التركي قبل أيام.
من ناحية أخرى، سيوفر المشروع دعماً مالياً تشتد حاجة الحكومة السورية إليه لإعادة إعمار البلاد. وتكشف تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن تكاليف ضخمة لإعادة الإعمار، تتراوح بين 250 و300 مليار دولار.
قد يعزز المشروع أيضاً قطاع الطاقة في سوريا الذي يحوي قدرات كامنة. والقطاع مرشح لأن يمثل شريان حياة لجهود بناء الدولة، إذا ما استطاعت سوريا العودة إلى مستويات إنتاجها النفطي قبل اندلاع الحرب في عام 2011، والبالغة نحو 400 ألف برميل يومياً (حتى أن بعض التقارير تشير إلى أنها ناهزت بمرحلة ما نصف مليون برميل يومياً)، إذ قد تحقق عوائد سنوية تناهز 15 مليار دولار بسعر 70 دولاراً لبرميل النفط، وهي في أمس الحاجة الآن إلى تلك الموارد لإعادة إعمار بنيتها التحتية التي تدمرت إبان حرب ضروس.
تكتسب فكرة المشروع جاذبية مع إمكانية ربطة مع خط أنابيب الغاز العربي، رغم أن الدول العربية التي سيمر بها الأنبوب ستكون هي نفسها في حاجة إلى إمدادات الغاز القطري بدلاً من تصديره إلى أوروبا.
خط الغاز العربي الذي يمتد بطول 1200 كيلومتر تبلغ طاقته القصوى 10.3 مليار متر مكعب وتكلف المشروع قرابة 1.2 مليار دولار واكتمل خلال 6 سنوات في الفترة من 2003 إلى 2009. وكان من المقرر أن يمتد إلى تركيا لنقل الغاز إلى أوروبا لكن تلك المرحلة توقفت قبل الحرب السورية وفقاً لمنصة “الطاقة” المتخصصة في القطاع.
عوائق في الطريق رغم الطموحات المرتفعة، يُتوقع أن تعترض عقبات كبيرة سبل إحياء فكرة المشروع، وأهمها حاجة سوريا إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، والعوامل الجيوسياسية بين دول مرور الخط والتي قد تتعارض مصالحها الاقتصادية.
يشكل الأمن تحدياً مهماً إذ لا بد أن يكون مسار خط الأنابيب آمناً لضمان استقرار التدفقات وعدم المخاطرة باستثمارات بمليارات الدولارات، خاصة في ظل الوضع الحالي للبلاد بعد سنوات من الحرب الأهلية.
كما يتطلب تحقيق الاستقرار السياسي في سوريا قطع خطوات مهمة نحو إرساء الديمقراطية وإجراء الانتخابات والحصول على دعم دولي لكي تستطيع البلاد أن تشرع في إعادة الاعمار وهوا ما قد يستغرق سنوات. فضلاً عن ذلك، يتطلب إصلاح وتطوير البنية التحتية تمويلاً ضخماً، في البلد الذي يفتقر إلى كل شيء تقريباً.
كما يتعين على المشروع أن يواجه المقاومة الإقليمية ومتطلبات السوق المتغيرة. وشأنه شأن مشروعات خطوط الأنابيب الأخرى في المنطقة، يواجه خط الأنابيب المقترح معارضة من المنتجين واللاعبين الإقليميين والدوليين، بما في ذلك البلدان ذات المصالح الجيوسياسية المتنافسة، أو تلك المستفيدة من طرق توصيل الطاقة الحالية.
تركيز قطر على الغاز المسال قد تمتد العراقيل أيضاً إلى المورد الرئيسي للمشروع وهو قطر والتي اتجهت مؤخراً للتركيز على مشاريع استراتيجية لزيادة صادراتها من الغاز المسال. ولدى الدولة خطط لتعزيز قدرتها الإنتاجية من الغاز المسال، الذي يُشحن بالسفن، من 77 مليون طن سنوياً إلى 142 مليون طن سنوياً بحلول 2030، من خلال مشروعات عملاقة.
يؤكد المسؤول القطري السابق هذا الاتجاه، مدللاً على ذلك بسعي بلاده لتوسعة أسطولها من ناقلات الغاز المسال أيضاً لمواكبة زيادة قدرتها التصديرية. وقال المسؤول إن الدوحة تسعى لإضافة 100 سفينة جديدة إلى أسطولها من ناقلات الغاز.
في أحدث تحرك بهذا الصدد، اختارت شركة الطاقة الحكومية “قطر للطاقة” في وقت سابق من الشهر الجاري تحالف شركة “ميتسوي أو إس كيه للخطوط البحرية” اليابانية، وشركة “كوسكو للملاحة البحرية واستثمارات الغاز الطبيعي المسال (شنغهاي)” الصينية، لامتلاك وتشغيل ست ناقلات من طراز كيو سي-ماكس.
وقالت حينها إن هذه السفن تشكل الدفعة الأخيرة من أصل 128 ناقلة كجزء من برنامج قطر للطاقة لبناء أسطول سفن الغاز الطبيعي المسال، والذي يتكون من 104 ناقلات متطورة من الحجم التقليدي، و24 من طراز كيو سي-ماكس.
وتعكف الدوحة أيضاً على إبرام عقود طويلة الأجل مع دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا لبيع إنتاجها من الغاز مما يهدد بعدم وجود فائض يُنقل عبر الأنابيب.
“ليس لدينا أي فائض حالياً من الإنتاج لكي نحتاج لبناء خط أنابيب جديد للغاز.. جميع الغاز المنتج والذي سيُنتج تم التعاقد لبيعه لسنوات طويلة مقبلة”، بحسب المسؤول القطري السابق.
كانت “بلومبرغ” أوردت في مارس الماضي أن العقود طويلة الأجل التي أبرمتها قطر ستؤدي إلى تأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال بعد عام 2050. ووقعت نحو 20 دولة، من الهند إلى إيطاليا، بالفعل على صفقات طويلة الأجل لشراء الغاز المسال من “قطر للطاقة”، مع احتمال ظهور المزيد من المشترين.
من سيتحمل كلفة الإنشاء؟ يبرز عنصر التكلفة كتحدٍّ مهم، إذ سيكون إنشاء الخط مكلفاً للغاية خاصة لسوريا التي لا تملك أي موارد مالية حالياً. ورغم غياب تقديرات حديثة للتكلفة إلا أنه بالمقارنة مع خط أنابيب ممر الغاز الجنوبي الذي يمتد بطول 3500 كيلومتر وتكلف نحو 40 مليار دولار، نستطيع القول إن خط الأنابيب القطري التركي بنصف الطول سيكلف على أقل تقدير حوالي 20 مليار دولار، مما يثير تساؤلات حول من الذي سيتحمل كلفة الإنشاء.
بطبيعة الحال، يحتاج المشروع إلى تمهيد الأرض عبر تحقيق استقرار في الوضع الداخلي السوري، والذي يحتاج إلى جهود على مسارات مختلفة أولها رفع العقوبات الدولية عن البلاد، واستتباب الأمن في دولة لا زالت غير مستقرة سياسياً واقتصادياً، فضلاً عن تنسيق الدعم الدولي للمشروع من مختلف أصحاب المصلحة، وضمان استفادة جميع الدول التي سيمر بها خط الأنابيب، وفي ظل كل هذا يظل المشروع احتمالاً قائماً ولكنه بعيد المنال.