إنهم الكيزان، ملوك الفساد، وهذه أولى ملامح دولتهم المنشودة، وإنها قيادة الجيش التي لا تقل شأنًا عنهم.

السبت المنصرم، أصدر محافظ البنك المركزي في بورتسودان، برعي الصديق، قرارًا مفاجئًا ألغى بموجبه اللجنة الفنية العليا المكلفة بحرق وإبادة العملة المُستبدلة. وقضى القرار بتسريح جميع أعضاء اللجنة السابقة وتعيين لجنة جديدة.



لجنة حرق العملة المُستبدلة هذه هي لجنة كيزانية بامتياز، وما الفساد إلا (كوز) يمشي بين الناس في الأسواق ويأكل (القديد) في جميع القصعات، ومنها قصعة بنك السودان؛ حيث إن اللجنة لم تكن تحرق إلا القليل، وربما كانت تحرق ورقًا بدلًا من العملة. وكانت تبيع العملة المستبدلة إلى عصابات من التجار ورجال الأعمال الكيزانيين أنفسهم، فيعيدونها مرة أخرى لاستبدالها، وهكذا دواليك، حتى أصبحت العملة الجديدة بلا قيمة بعد أن تجاوزت المبالغ التي تم تسريبها من محرقة (برعي وبرهان) مليارات الجنيهات.

بعد اكتشاف هذا الفساد، نشبت خلافات حادة بين (دهاقنة) الفساد في البنك المركزي، حيث طالب فريق منهم بتسوية الأمر سِرًا على غرار (فقه السُترة) و(فقه التحلل)، بينما أصر فريق آخر على استبدال اللجنة الفاسدة بأخرى جديدة دون تقديم اللصوص إلى المحاكمة، وهذا ما حدث.

هذا التسريب الخطير للأموال الضخمة، التي يُرجح أنها بلغت مليارات الجنيهات، يُعتبر فسادًا غير مسبوق ويمثل اختراقًا خطيرًا في مسألة متعلقة بالأمن القومي. نعم، بالأمن القومي عامةً؛ إذ سيفقد الشعب ثقته في القائمين على أمر العملة، وربما يعود الناس إلى العصور السحيقة ليبيعوا ويشتروا بقصعة من شعير أو صاع من تمر، بعد أن فقدت العملة قيمتها في إبراء الذمة. ولا أحد يعرف حتى الآن إجمالي المبالغ المليارية المسربة من العملة القديمة، فقد تم حل اللجنة، لكن لم يُفتح تحقيق في الأمر، ولم يُحل المتهمون إلى القضاء.

هذه ليست الفضيحة الأولى، فحكومة بورتكيزان، بقيادة البرهان، التي تمثل قمة الفساد والاستهتار بالأمن القومي للدولة، ارتكبت عشرات الآلاف من الفضائح. فقد أحاط الرجل نفسه بالفاسدين من كل حدب وصوب (والطيور على أشكالها تقع). الكيزان يقفون عن يمينه ويساره، ومن خلفه جبريل ومناوي، ومن أمامه الانتهازيون واللصوص من البلابسة المخادعين.

من قال: "من لم يرَ الفساد رأي العين، فليزر بورتسودان بعد أن هرب إليها البرهان"، فقد صدق.
هل سمعتم بحكومة – أي حكومة في العالم – تقرر تغيير فئات من عملتها وتشكّل لجنة لإبادة العملة القديمة، فتقرر هذه اللجنة ألا تحرقها وإنما تسرقها وتبيع المسروقات (العملة المستبدلة) إلى بعض التجار الموثوقين في الفساد، فيعيدونها للاستبدال مرة أخرى؟

بالنسبة لي، لا أعتقد أن محافظ بنك السودان بريء، ولا أعتقد أن البرهان بريء. وإنما لم يوفق الرجلان في اختيار بعض أعضاء لجنة (الحرق والإبادة)، فكان بينهم نفر أو نفران غير فاسدين. وهؤلاء هم من كشفوا التسريب، وبالتالي وضعوا المحافظ أمام فوهة المدفع. فما كان منه إلا أن حل اللجنة القديمة، لا ليتخلص من الفاسدين، وإنما ليتخلص من النزيهين. وبهذا يكون قد غطى على الأمر وأخذ حصته من الأموال (المُدورة). وإن لم يكن كذلك، فليقدم اللجنة الفاسدة إلى محاكمة علنية. ولكنه لن يستطيع، لأنه إن فعل سيفضح نفسه ورئيسه البرهان وشركاءهما في هذه الجريمة النتنة.

أي فساد هذا؟ وأي حكومة هذه؟ وأي برهان هذا؟ وأي بنك مركزي هذا الذي يجمع العملة القديمة ليحرقها، فيسرقها؟!

منقول  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

2024 : جدل كلفة الفساد ..سوء الفهم الكبير بين الحكومة وهيئة الرشوة

أصدرت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، تقريرا لها في أكتوبر 2024، خلق جدلا واسعا بينها وبين الحكومة، على خلفية تصريحات أدلى بها رئيسها محمد البشير الراشدي، دفعت بالحكومة إلى توجيه جملة من الانتقادات الحادة إلى الهيئة على خلفية إصدار تقريرها السنوي برسم 2023، والذي تضمن تقييما سلبيا حول أداء الحكومة في مكافحة الفساد.

محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، قال في ندوة تقديم تقرير الهيئة السنوي، إن ترتيب المغرب ضمن مؤشر إدراك الفساد لم يتحسن سوى بنقطة وحيدة طيلة العقدين الماضيين، في الوقت الذي استمر تدهور ترتيبه في باقي المؤشرات الأخرى المرتبطة بمكافحة الفساد.

وقال الراشدي إن آفة الفساد لها انعكاسات اقتصادية كبيرة باتت تمس بالدول النامية كما المتقدمة، كاشفا أنها تكلف المغرب سنويا من 3,5 إلى 6 في المائة من ناتجه الداخلي الخام، أي ما يمثل 50 مليار درهم، في الوقت الذي تكلف 4 في المائة من الناتج الخام العالمي، أي ما يعادل 2000 مليار دولار.

كما قال الراشدي، إن مرسوم أكتوبر 2017، بشأن اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، ينص في مادته الرابعة على اجتماع اللجنة مرتين في السنة على الأقل، بينما لم تجتمع اللجنة إلا مرتين في 10 سنوات.

التقرير الذي أثار الجدل، كشف أيضا أن المغرب بحصوله على 38 نقطة من 100 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 يكون قد تراجع 5 نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو أمر انعكس على ترتيب وتصنيف المغرب، حيث انتقل من الرتبة 73 ضمن 180 دولة لعام 2018، إلى الرتبة 97 في 2023.

وفي تعليق للوزير مصطفى بيتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، رفض بشدة « المزايدة على الحكومة في مجال محاربة الفساد ».

وأكد بايتاس، في ندوة صحفية أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، أن الحكومة تشتغل بعمق في محاربة الفساد، منبها إلى ارتفاع عدد المتابعات القضائية المتعلقة بالجرائم المالية، والمصادقة على مرسوم الصفقات العمومية بمضامين جديدة تضمن الشفافية والنزاهة، معبرا عن اندهاشه من عدم الانتباه الى كل تلك الجهود التي تبذلها الحكومة.

وشدد المتحدث على أن معركة محاربة الفساد تدار وفق عمل تشاركي تساهم فيه الحكومة إلى جانب باقي المؤسسات الدستورية، داعيا كل من لديه ملفات أو معطيات عن الفساد إلى التوجه إلى القضاء.

وقال بيتاس معلقا على تصريحات الراشدي « لا يجب لأي أحد أن يعتقد أنه يحارب الفساد أكثر من أي طرف آخر، هذه معركة نساهم فيها جميعا على قدر المساواة، السلطة التنفيذية والمؤسسات الأخرى الدستورية التي تشتغل على هذا الموضوع.. ».

كلمات دلالية الحكومة عزيز اخنوش كلفة الفساد هيئة محاربة الرشوة

مقالات مشابهة

  • 2024 : جدل كلفة الفساد ..سوء الفهم الكبير بين الحكومة وهيئة الرشوة
  • البنك المركزي يعلن عن إيقاف العمل في نافذة بيع العملة
  • البرهان يزور بنك السودان المركزي ويقف على سير عملية استبدال العملة
  • أسوأ تجربة عملية لاستبدال العملة في تاريخ السودان الحديث
  • عقب انباء عن تسرب مبالغ..  البرهان يتفقد المركزى السوداني
  • أكثر من (60) مليار دولاراً مبيعات البنك المركزي خلال 2024 إلى مصارف أحزاب الفساد
  • البنك المركزي يقرر إيقاف عمليات السحب والإيداع لمدة أربعة أيام
  • السيسي يجتمع برئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية
  • البنك المركزي العراقي يبيع نحو 290 مليون دولار بمزاد العملة
  • «بلومبرج»: البنك المركزي البرازيلي يتدخل لدعم العملة الوطنية