العدالة أحد أسئلة وقف الحرب في السودان
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
د. الشفيع خضر سعيد
نكرر قناعتنا الثابتة بأن أي مجهود لوقف الحرب الدائرة الآن في السودان، لن يأتي أُكله إلا إذا طرح وأجاب على ما أسميناه بالأسئلة الصعبة المتعلقة بهذه الحرب، وهي:
1 ـ ماهي الخيارات المتاحة حول مستقبل ودور قيادة القوات المسلحة في السودان بعد انتهاء الصراع؟ 2 ـ ما هي الخيارات حول مستقبل قوات الدعم السريع ومستقبل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى على أساس مبدأ بناء الجيش المهني الواحد في البلاد؟ 3 ـ كيف ننتعامل مع البعدين الدولي والإقليمي في الحرب؟ 4 ـ كيف نحافظ على جذوة الثورة متقدة رغم الحرب، ورغم أن الغدر والخيانة لازما الثورة منذ لحظة الإطاحة برأس نظام الإنقاذ في أبريل/نيسان 2019؟ 5 ـ كيف نطور إطارا للعدالة والعدالة الانتقالية يضمن المساءلة عن جريمة الحرب وإنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب؟ 6 ـ ما هي تفاصيل العملية السياسية من حيث أجندتها وأطرافها؟
وعلى امتداد مقالاتنا الخمس السابقة تناولنا الأسئلة الأربعة الأولى، وندلف اليوم إلى السؤال الخامس حول العدالة والعدالة الانتقالية حيال جريمة إشعال الحرب وما ارتكب من آثام وانتهاكات قبلها وأثناءها.
حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، هي جريمة مكتملة الأركان وتستوجب مساءلة وعقاب كل من تسبب فيها ويؤجج نيرانها. قبل اندلاع الحرب، وإبان المناقشات والمفاوضات حول الاتفاق الإطاري، كتبنا بأن أي اتفاق، إطاري أو خلافه، لن يحل الأزمة في البلاد، والتي استفحلت عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ما لم يتضمن معالجات حاسمة لأربع قضايا رئيسية تشمل قضية العدالة والعدالة الانتقالية، ومسألة الإصلاح الأمني والعسكري، ومراجعة اتفاق جوبا لسلام السودان، وتفكيك نظام الإنقاذ. وأشرنا في مقال لاحق إلى أن الفشل في التوصل إلى تفاهمات حاسمة حول هذه القضايا الأربع كان أحد مصادر قدح شرارة الحرب التي لاتزال تدمر وتحرق الوطن. وقلنا إن قضية العدالة تأتي على رأس هذه القضايا الأربع، فهي القضية المركزية ومفتاح الحل للخروج من حالة التأزم آنذاك، وما كان تأجيل حسمها سوى وضع للعربة أمام الحصان. واليوم نقول، إن قضية العدالة يجب أن تكون على رأس أجندة أي عملية تفاوضية لوقف الحرب، وإذا كان بعض هذه الأجندات يسمح بخضوعه للتنازلات من هنا وهناك أثناء الحوار والتفاوض، فهذا غير وارد بالنسبة لقضية العدالة والتي إذا لم يتم مخاطبتها بشكل مباشر وجدي يضع النقاط علي الحروف، ستصيب أي عملية سياسية تفاوضية لوقف الحرب بالسكتة الدماغية.
إن المبدأ الرئيسي بالنسبة لحيثيات قضية العدالة التي ستطرح على طاولة التفاوض هو أنه لا يمكن
التغاضي عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت قبل الحرب وأثناءها، بما في ذلك جريمة إشعال الحرب، وكذلك الجرائم التي أرتكبت منذ الثلاثين من يونيو/حزيران 1989. فهذه قضية يجب أن تتصدر جدول أعمال أي منبر تفاوضي لوقف الحرب، ونحن إذا أغمضنا أعيننا عن هذه الجرائم والانتهاكات تحت دعاوى التسوية، سنكون مشاركين أصيلين في هذه الجرائم، ومرتكبين لجريمتين أخريين هما المساعدة في الإفلات من العقاب وتهيئة الظروف لإعادة إنتاج الأزمة في البلاد. ومن هنا تأتي ضرورة توافق القوى المدنية والسياسية على موقف تفاوضي حيال قضية العدالة أساسه عدم التغاضي عن المساءلة والمحاسبة حول ما ارتكب من جرائم، والتمسك بمبدأ عدم الإفلات من العقاب من خلال تطبيق إجراءات العدالة الجنائية أو العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى جبر الضرر. وهذا الموقف التفاوضي لا تصنعه قيادات القوى السياسية والمدنية وحدها، بل لزاما على هذه القيادات التشاور حوله مع المكونات الإجتماعية القاعدية، وبالأخص مع مبادرات أسر الشهداء، والتوافق معها حول تفاصيله.
وفي جانب العدالة الانتقالية، نشير إلى ثلاث ركائز جاءت ضمن مبادرة منظمة أسر الشهداء التي أطلقتها بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني 2022. أولها، أن أسر الشهداء قرروا السمو فوق الجراحات وآلام الفقد والحرمان، واعتبروا أن تحقيق ما استشهد من أجله فلذات أكبادهم بتوافق مختلف القوى في البلاد على السير في تنفيذ الانتقال الديمقراطي والشروع في تأسيس سودان الحرية والعدالة وسيادة حكم القانون والسلام، هو ثمن لدماء بناتهم وأبنائهم التي سفكت منذ تفجير ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018. والركيزة الثانية تتعلق بإصلاح المنظومة العدلية، بما في ذلك القضاء والنيابة العامة والشرطة، وكذلك المراجع العامة، بما يكفل مهنيتها وقوميتها بعيدا عن التغول السياسي، والتأكيد علي تحقيق المساواة في الوصول إلى هذه الأجهزة، وأن يكفل التعيين وقواعد وأنظمة نظام العدالة استقلالية القضاء وكفاءته ومهنية أدائه، وأن تظل السلطة القضائية، لا سيما على مستوى المحكمة العليا والدستورية، هي الآلية الحاكمة والمستقلة لحل النزاعات ضد إساءة استخدام السلطة من قبل أولئك الحكام الذين يديرون شؤون البلاد. أما الركيزة الثالثة، فتتناول إصلاح منظومة الأمن والدفاع في اتجاه بناء جيش وطني واحد وموحد قومي وبعيدا عن الاختراق السياسي، وكذلك إعادة بناء أجهزة الأمن والمخابرات على أساس قومي وبعيدا عن الولاءات السياسية، تخدم الشعب وتحفظ أمنه، محكومة بالقانون وخاضعة لمؤسسات عدلية مستقلة، مع آلية رقابة ومساءلة مدنية، تضمن سيادة حكم القانون. كما يتضمن الإصلاح وضع استراتيجية للأمن القومي في المرحلة الانتقالية تتولى توجيه عملية إعادة الدمج والتسريح لكل حاملي السلاح، وذلك وفق الحاجة الوطنية التي تحددها الاستراتيجية، وعلى أساس الالتزام بالمبادئ التأسيسية للدولة المدنية الديمقراطية في السودان، مع التأكيد على أن عمليات إعادة بناء مؤسسات القطاع العسكري والأمني يجب أن تكون مضبوطة بآليات رقابة مدنية فعالة في إطار الحكم الديمقراطي وسيادة القانون. نشير إلى أن مفهوم الرقابة المدنية ضروري وملزم ويجب تضمينه في القوانين كأحد أهم الحقوق الدستورية لضمان الضوابط والتوازنات الصحيحة للسيطرة علي الاحتكار القسري للعنف في يد الدولة، والحيلولة دون اتخاذه كذريعة لانتهاك حقوق الإنسان وممارسة القهر السياسي.
نقلا عن القدس
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العدالة الانتقالیة قضیة العدالة لوقف الحرب فی السودان فی البلاد
إقرأ أيضاً:
شعب بلادنا في زمن الحرب والكوليرا والمجاعة!
منظمة اليونسيف تحذر ان الكوليرا المنتشرة في ولاية النيل الأبيض تهدد حياة مئات الوف الأطفال، وقد قضى المئات من الموطنين خلال الفترة الماضية بسبب تلوث المياه وفقر المنظومة الصحية او انعدامها.
نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين، انها اعلنت اليوم (الجمعة) (إنه لا سبيل لمواجهة المجاعة في السودان سوى توقف القتال الدائر في البلاد منذ ما يقرب من عامين.
وأضافت ماكين في حسابها على منصة «إكس» أن نصف السودانيين يعانون من الجوع الحاد، وأن توقف القتال سيفسح المجال لبرنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة وشركائه لتوفير الغذاء والإمدادات الإنسانية الحيوية)
المنظومة الكيزانية التي تدير الحرب وترفض اية محاولات لوقفها. لا تهمها حياة الناس، بالعكس يبدو كأن هذه المنظومة التي سعت لإشعال نار الحرب كانت تسعى ومنذ بداية الحرب لتوسيع شقة الانتهاكات فيها بانسحابات الجيش من المدن وترك المدنيين عرضة للانتهاكات بعد الاحتفال معهم بانتصارات غير متحققة. بل انّ هذه المنظومة الاجرامية كانت ترتكب جرائم القتل بحق المواطنين في المناطق التي يتم تحريرها من المليشيا بدعوى تعاونهم مع الدعم السريع. جرائم كانت تستهدف ايضا زيادة الفتن بين المكونات السكانية وتوسيع شقة عدم الثقة بين أبناء الوطن تمهيدا لتقسيمه مرة أخرى.
بسبب استهداف محطات الكهرباء يتوقع فشل الموسم الزراعي في الولاية الشمالية وبسبب الحرب فشلت مواسم زراعية في الجزيرة وكردفان ودارفور وشرق السودان. الحرب استهدفت ضمن تدميرها لهذه البلاد البنية التحتية والمصانع والمؤسسات العامة.
السيدة ماكين قالت الكلام الصحيح الذي قال به العقلاء منذ انفجار هذه الحرب، بل ان قوى الحرية والتغيير سعت حثيثا لوقف الحرب قبل اندلاعها، لكن جهدها اصطدم بصخرة إصرار الحركة الإسلامية على الحرب للهروب من استحقاقات المحاسبة على جرام عقودهم الثلاثة ولمحاولة العودة الى السلطة عبر بوابة حرب جديدة تراكم جرائم جديدة تغطي على جرائم الثلاثة عقود التي وضعت بذور هذه الفتنة الكبرى.
لابد من وقف الحرب لوقف سفك دماء الأبرياء واستعادة دور الدولة في حماية المواطن الذي تقع عليه الان انتهاكات كل أطراف الحرب.
وقف الحرب أصبح ضرورة قصوى لإنقاذ هذه البلاد من التشرذم والضياع واستعادة مؤسسات الدولة من صحة وتعليم وإنقاذ الأطفال من ضياع مستقبلهم ومن الأوبئة التي تهدد حياتهم. لا بد من وقف الحرب فورا لإبعاد شبح المجاعة الذي بات يتهدد مواطني هذه البلاد حتى في قلب عاصمتهم.
أحمد الملك
ortoot@gmail.com