سودانايل:
2025-04-30@13:51:55 GMT

العدالة أحد أسئلة وقف الحرب في السودان

تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT

د. الشفيع خضر سعيد

نكرر قناعتنا الثابتة بأن أي مجهود لوقف الحرب الدائرة الآن في السودان، لن يأتي أُكله إلا إذا طرح وأجاب على ما أسميناه بالأسئلة الصعبة المتعلقة بهذه الحرب، وهي:
1 ـ ماهي الخيارات المتاحة حول مستقبل ودور قيادة القوات المسلحة في السودان بعد انتهاء الصراع؟ 2 ـ ما هي الخيارات حول مستقبل قوات الدعم السريع ومستقبل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى على أساس مبدأ بناء الجيش المهني الواحد في البلاد؟ 3 ـ كيف ننتعامل مع البعدين الدولي والإقليمي في الحرب؟ 4 ـ كيف نحافظ على جذوة الثورة متقدة رغم الحرب، ورغم أن الغدر والخيانة لازما الثورة منذ لحظة الإطاحة برأس نظام الإنقاذ في أبريل/نيسان 2019؟ 5 ـ كيف نطور إطارا للعدالة والعدالة الانتقالية يضمن المساءلة عن جريمة الحرب وإنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب؟ 6 ـ ما هي تفاصيل العملية السياسية من حيث أجندتها وأطرافها؟
وعلى امتداد مقالاتنا الخمس السابقة تناولنا الأسئلة الأربعة الأولى، وندلف اليوم إلى السؤال الخامس حول العدالة والعدالة الانتقالية حيال جريمة إشعال الحرب وما ارتكب من آثام وانتهاكات قبلها وأثناءها.


حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، هي جريمة مكتملة الأركان وتستوجب مساءلة وعقاب كل من تسبب فيها ويؤجج نيرانها. قبل اندلاع الحرب، وإبان المناقشات والمفاوضات حول الاتفاق الإطاري، كتبنا بأن أي اتفاق، إطاري أو خلافه، لن يحل الأزمة في البلاد، والتي استفحلت عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ما لم يتضمن معالجات حاسمة لأربع قضايا رئيسية تشمل قضية العدالة والعدالة الانتقالية، ومسألة الإصلاح الأمني والعسكري، ومراجعة اتفاق جوبا لسلام السودان، وتفكيك نظام الإنقاذ. وأشرنا في مقال لاحق إلى أن الفشل في التوصل إلى تفاهمات حاسمة حول هذه القضايا الأربع كان أحد مصادر قدح شرارة الحرب التي لاتزال تدمر وتحرق الوطن. وقلنا إن قضية العدالة تأتي على رأس هذه القضايا الأربع، فهي القضية المركزية ومفتاح الحل للخروج من حالة التأزم آنذاك، وما كان تأجيل حسمها سوى وضع للعربة أمام الحصان. واليوم نقول، إن قضية العدالة يجب أن تكون على رأس أجندة أي عملية تفاوضية لوقف الحرب، وإذا كان بعض هذه الأجندات يسمح بخضوعه للتنازلات من هنا وهناك أثناء الحوار والتفاوض، فهذا غير وارد بالنسبة لقضية العدالة والتي إذا لم يتم مخاطبتها بشكل مباشر وجدي يضع النقاط علي الحروف، ستصيب أي عملية سياسية تفاوضية لوقف الحرب بالسكتة الدماغية.
إن المبدأ الرئيسي بالنسبة لحيثيات قضية العدالة التي ستطرح على طاولة التفاوض هو أنه لا يمكن

التغاضي عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت قبل الحرب وأثناءها، بما في ذلك جريمة إشعال الحرب، وكذلك الجرائم التي أرتكبت منذ الثلاثين من يونيو/حزيران 1989. فهذه قضية يجب أن تتصدر جدول أعمال أي منبر تفاوضي لوقف الحرب، ونحن إذا أغمضنا أعيننا عن هذه الجرائم والانتهاكات تحت دعاوى التسوية، سنكون مشاركين أصيلين في هذه الجرائم، ومرتكبين لجريمتين أخريين هما المساعدة في الإفلات من العقاب وتهيئة الظروف لإعادة إنتاج الأزمة في البلاد. ومن هنا تأتي ضرورة توافق القوى المدنية والسياسية على موقف تفاوضي حيال قضية العدالة أساسه عدم التغاضي عن المساءلة والمحاسبة حول ما ارتكب من جرائم، والتمسك بمبدأ عدم الإفلات من العقاب من خلال تطبيق إجراءات العدالة الجنائية أو العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى جبر الضرر. وهذا الموقف التفاوضي لا تصنعه قيادات القوى السياسية والمدنية وحدها، بل لزاما على هذه القيادات التشاور حوله مع المكونات الإجتماعية القاعدية، وبالأخص مع مبادرات أسر الشهداء، والتوافق معها حول تفاصيله.
وفي جانب العدالة الانتقالية، نشير إلى ثلاث ركائز جاءت ضمن مبادرة منظمة أسر الشهداء التي أطلقتها بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني 2022. أولها، أن أسر الشهداء قرروا السمو فوق الجراحات وآلام الفقد والحرمان، واعتبروا أن تحقيق ما استشهد من أجله فلذات أكبادهم بتوافق مختلف القوى في البلاد على السير في تنفيذ الانتقال الديمقراطي والشروع في تأسيس سودان الحرية والعدالة وسيادة حكم القانون والسلام، هو ثمن لدماء بناتهم وأبنائهم التي سفكت منذ تفجير ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018. والركيزة الثانية تتعلق بإصلاح المنظومة العدلية، بما في ذلك القضاء والنيابة العامة والشرطة، وكذلك المراجع العامة، بما يكفل مهنيتها وقوميتها بعيدا عن التغول السياسي، والتأكيد علي تحقيق المساواة في الوصول إلى هذه الأجهزة، وأن يكفل التعيين وقواعد وأنظمة نظام العدالة استقلالية القضاء وكفاءته ومهنية أدائه، وأن تظل السلطة القضائية، لا سيما على مستوى المحكمة العليا والدستورية، هي الآلية الحاكمة والمستقلة لحل النزاعات ضد إساءة استخدام السلطة من قبل أولئك الحكام الذين يديرون شؤون البلاد. أما الركيزة الثالثة، فتتناول إصلاح منظومة الأمن والدفاع في اتجاه بناء جيش وطني واحد وموحد قومي وبعيدا عن الاختراق السياسي، وكذلك إعادة بناء أجهزة الأمن والمخابرات على أساس قومي وبعيدا عن الولاءات السياسية، تخدم الشعب وتحفظ أمنه، محكومة بالقانون وخاضعة لمؤسسات عدلية مستقلة، مع آلية رقابة ومساءلة مدنية، تضمن سيادة حكم القانون. كما يتضمن الإصلاح وضع استراتيجية للأمن القومي في المرحلة الانتقالية تتولى توجيه عملية إعادة الدمج والتسريح لكل حاملي السلاح، وذلك وفق الحاجة الوطنية التي تحددها الاستراتيجية، وعلى أساس الالتزام بالمبادئ التأسيسية للدولة المدنية الديمقراطية في السودان، مع التأكيد على أن عمليات إعادة بناء مؤسسات القطاع العسكري والأمني يجب أن تكون مضبوطة بآليات رقابة مدنية فعالة في إطار الحكم الديمقراطي وسيادة القانون. نشير إلى أن مفهوم الرقابة المدنية ضروري وملزم ويجب تضمينه في القوانين كأحد أهم الحقوق الدستورية لضمان الضوابط والتوازنات الصحيحة للسيطرة علي الاحتكار القسري للعنف في يد الدولة، والحيلولة دون اتخاذه كذريعة لانتهاك حقوق الإنسان وممارسة القهر السياسي.

نقلا عن القدس  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العدالة الانتقالیة قضیة العدالة لوقف الحرب فی السودان فی البلاد

إقرأ أيضاً:

الحرب في السودان .. خسائر بمليارات الدولارات

بعد عامين من الحرب في السودان، تبرز الخسائر البشرية والمادية التي ضربت مجالات الحياة وألقت بظلالها على الشعب ودفعت ملايين للنزوح من منطقة لأخرى أو مغادرة بلادهم. وتداعيات الحرب المستمرة التي اندلعت في منتصف أبريل 2023، في العاصمة الخرطوم تمددت في ولايات الجزيرة وسنار وشمال النيل الأبيض وجنوب النيل الأزرق، ثم تراجعت نحو ولايات شمال كردفان وغربها وجنوبها وإقليم دارفور. وتشير لجنة الإنقاذ الدولية إن عدد الضحايا جراء الحرب وصل إلى 150 ألف شخص، وهو رقم أعلى من الحصيلة المعلنة للأمم المتحدة التي تتراوح حول 20 ألف قتيل. وأصدرت كلية لندن للصحة العامة في نوفمبر الماضي تقرير عن وفاة أكثر من 61 ألف شخص في الخرطوم وحدها منذ بداية الصراع في السودان وحتى يونيو الماضي بزيادة بلغت نحو 50% عن معدل الوفيات قبل الحرب. ومن هؤلاء 26 ألف حالة وفاة نتيجة عنف مباشر متعلق بالحرب.

ووثّقت وزارة الصحة مقتل 12 ألف مدني وصلوا إلى مستشفيات البلاد، وهو ما يمثل 10% فقط من إجمالي عدد القتلى في الحرب وذكرت لجنة الإنقاذ الدولية إن عدد الضحايا جراء الحرب وصل إلى 150 ألف شخص، وهو رقم أعلى من الحصيلة المعلنة للأمم المتحدة التي تتراوح حول 20 ألف قتيل، وفي السياق قد اصدزت كلية لندن للصحة العامة في نوفمبر الماضي تقريرا كشف من خلالة عن وفاة أكثر من 61 ألف شخص في الخرطوم وحدها منذ بداية الصراع في السودان وحتى شهر يونيو الماضي بزيادة بلغت نحو 50% عن معدل الوفيات قبل الحرب. ومن هؤلاء 26 ألف حالة وفاة نتيجة عنف مباشر متعلق بالحرب.

وتذهب المنظمة الدولية للهجرة في تقرير لها، إن النزاع المسلح في البلاد أدى إلى نزوح أكثر من 11.3 مليون شخص، مؤكده تضاعف حالات النزوح داخليًا حيث أضطر 8.6 ملايين شخص إلى مغادرة منازلهم داخل السودان، في حين فر 3.9 ملايين آخرين غالبيتهم عبر الحدود إلى الدول المجاورة آخرهم بولايات إقليم دارفور.
وتوقع محمد رفعت، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان، في حديثه للصحفيين عودة نحو 2.1 مليون شخص إلى الخرطوم في الأشهر الستة المقبلة، ويمثل النازحون من الخرطوم 31% من الذين غادروا مناطقهم في ولايات البلاد. فيما أعلنت وزارة الصحة أن الخسائر التي تكبدها القطاع الصحي نتيجة الحرب وصلت إلى نحو 11 مليار دولار، فقد خرجت مايقارب نحو 250 مستشفى من أصل 750 مستشفى عن الخدمة بسبب الدمار الذي لحق بها، ونهب أجهزتها ومعداتها، مما حرم الملايين من الرعاية الصحية الأساسية، حيث أكد تقرير رسمي أن هناك 70% من المستشفيات والمراكز الصحية في ولايات الخرطوم ودارفور وكردفان، خرجت عن الخدمة، كما أدى القتال إلى خروج أكثر من 60% من الصيدليات والمخازن عن الخدمة، إما بالنهب أو التلف.

وفي مجال التعليم العالي، كشف تقرير رسمي أن نحو 120 جامعة وكلية حكومية وخاصة خصوصا في ولاية الخرطوم ينتسب إليها نحو نصف مليون طالب، خسرت بنيتها التحتية بصورة شبه كاملة. كما تعرضت 6 جامعات في الولايات للتخريب والتدمير منها 4 جامعات في دارفور.
أما في قطاع التعليم العام، فإن الحرب أخرجت أكثر من 17 مليون طفل من المدارس، وألقت بهم في مناطق النزوح واللجوء، ليضافوا إلى 6.9 ملايين طفل غادروا صفوف الدراسة قبل الحرب. قبل أن تستأنف المدارس نشاطها في الولايات الآمنة والتي أعاد الجيش السيطرة عليها في الخرطوم والجزيرة وسنار ومحليات في شمال كردفان والنيل الأبيض.
ويؤكد هنا خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر في مقال سابق له إن الإحصائيات الدقيقة حول أعداد المفقودين في السودان لا تزال غير متوفرة، لتباين الأرقام بين المصادر المختلفة، بينما تقدّر المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات العدد بنحو 50 ألف مفقود، وثّقت منظمات حقوقية سودانية محلية ما لا يقل عن 3177 حالة، بينهم أكثر من 500 امرأة و300 طفل.

وبشأن العنف الجنسي، فقد كشفت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة وهي جهة حكومية- عن تسجيل 1138 حالة اغتصاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب وحتى فبراير الماضي من بينها 193 حالة بحق طفلات قاصرات، كذلك في شهر مارس الماضي أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” بأنها وثقت 221 حالة اغتصاب ضد الأطفال منذ مطلع العام الماضي، منهم 4 أطفال يبلغون عامًا واحدًا.
ووفق لدراسة حديثة أعدتها الحكومة، فإن الدمار والخسائر التي تكبدها الاقتصاد السوداني جراء الحرب يُقدر بنحو 108 مليارات دولار، في وقت قدرت وزارة الزراعة والغابات خسائر القطاع الزراعي خلال عامي الحرب، بأكثر من 10 مليارات دولار. وتم تدمير ونهب الأصول الرأسمالية من معدات ميكانيكية وحركية وتخريب كل محطات البحوث الزراعية.

ويوضح تقرير رسمي أن الدمار بسبب الحرب، والتدمير الممنهج والنهب من قوات الدعم السريع طال 90% من القطاع الصناعي؛ إذ تضررت 3493 منشأة صناعية موزعة ما بين منشآت متوسطة وكبيرة بولاية الخرطوم، بجانب ولايتي جنوب كردفان والجزيرة، ويعمل بالقطاع أكثر من 250 ألف عامل، وتقدر خسائر القطاع بحوالي 30 مليار دولار.

كما تم تقدير خسائر البنى التحتية العامة في قطاع الطيران المدني التي تشمل الأضرار الجسيمة في المطارات والطائرات الرابضة، وتدمير آليات الإسناد الأرضي، وأبراج المراقبة، وصالات الركاب، ومخازن البضائع، بحوالي 3 مليارات دولار.

أما في قطاع الكهرباء والمياه، فقد تم تدمير ونهب محطات المياه في العاصمة والولايات، وتدمير عدد كبير من محطات توليد الكهرباء ومنشآت التحويل وأبراج الضغط العالي والمنخفض. وتقدر خسائر قطاع الكهرباء والمياه بنحو 10 مليارات دولار.

وبخصوص خسائر البنى التحتية العامة في قطاع الوزارات والمؤسسات تشمل إحراق وتدمير الوزارات والمصالح والمرافق الحكومية، والجسور والطرق فتقدر هذه الخسائر بنحو 10 مليارات دولار أيضًا.

أمدرمان: الهضيبي يس

الوان

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • محكمة لاهاي تفصل قريباً في قضية السودان والإمارات
  • هل تجلب المسيرات السلام الى السودان؟
  • عندما تغفو العدالة.. الحرب المنسية على المدنيين في اليمن (ترجمة خاصة)
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • السودان.. تحديات جسيمة تعرقل عودة الجامعات إلى البلاد
  • الحرب في السودان .. خسائر بمليارات الدولارات
  • البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها
  • البلد دي ماشة وين
  • الشرع يحذر من دعوات “قسد” التي تهدد وحدة البلاد وسلامة التراب السوري
  • عمق الجروح: مرافعة من أجل عدالة انتقالية سودانية