سودانايل:
2025-01-30@23:26:56 GMT

تعيسة: رواية الإنسان والمكان في رحلة البحث عن الذات

تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT

بقلم إبراهيم برسي

10 يناير 2024

في رواية “تعيسة” للدكتور بشرى الفاضل، يُفتح العالم كصفحة من الرمال المتغيرة، بلا معالم واضحة، إلا تلك التي ترسمها أقدام التائهين وأحلامهم.
الهروب هنا ليس مجرد فعل جسدي؛ بل هو محاولة يائسة لإعادة صياغة الحياة خارج حدود القهر والتاريخ.
سعيد وبخيت، بحملهما المتناقض لعلاقة السيد والعبد، يشكلان محوراً إنسانياً يتقاطع فيه الماضي مع الحاضر، القهر مع المصالحة، والإنسان مع ذاته المنكسرة.



تعيسة ليست شخصية عابرة؛ إنها أيقونة للإنسان في عزلته المطلقة، كائن تتجلى فيه هشاشة الحواس وقوة الروح.
ولدت عمياء، صماء، وبكماء، ومع ذلك يشع منها جمال يعجز العقل عن تفسيره.
يقول الراوي عنها:
“كان وجهها على الدوام باسماً، مشرقاً، يشعُّ منه النور بحيث يصعب التمعن فيه”.

هذا الجمال الغريب لا يوحي فقط بالمفارقة، بل يعيد صياغة مفهوم الجمال ذاته.
تعيسة ليست كائناً إنسانياً بالمعنى التقليدي، بل هي انعكاس للوجود في شكله الخام، حيث تتحول إلى مرآة تعكس رعب الآخرين من الاختلاف.
فهؤلاء الذين يظنونها “ابنة الجن” ليسوا سوى ضحايا لرغبتهم في تصنيف ما لا يمكن تصنيفه.
بهذا، تتحول الرواية إلى نقد صامت للخوف الجماعي من الآخر، وتذكير دائم بأن ما نخشاه قد يكون تجسيداً لما نفتقده.

الصحراء، التي تمتد كأفق بلا نهاية، ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي كيان حي، نابض، يبتلع كل شيء ويعيد تشكيله.
يقول الراوي عن الرمال:
“رمال في رمال في رمال. كأن الرمال ابتلعت كل شيء، حتى القبور التي حفروها سرعان ما غمرتها الرياح، وكأن شيئاً لم يكن.”

الرمال هنا ليست سوى الزمن، ذلك العدو الأبدي الذي يمحو آثارنا ويعيد ترتيبها بعبثية مطلقة.
في هذا العالم المتغير، يصبح كل شيء هشاً، بدءاً من الهوية وصولاً إلى القيم.
سعيد، الذي يبدأ رحلته كسيد هارب من قهر الخارج، يجد نفسه محكوماً بمواجهة الداخل. وبخيت، الذي عاش حياة العبيد، يدخل الواحة ليصبح شريكاً في إعادة بناء ما تحطم، لكنه يبقى مسكوناً بشعور دائم بالدونية.

العلاقة بين سعيد وبخيت تتجاوز حدود الفرد لتصبح استعارة عن التاريخ نفسه. يقول سعيد لبخيت:
“نحن هنا بقينا أهل. بعد نعدل حالنا في بلدنا الجديدة دي، نزوج أولادك لي بناتي.”

هذه العبارة تبدو كإعلان للمصالحة، لكنها تحمل في طياتها عبء الماضي الذي لا يموت بسهولة. فرح بخيت بالعرض، لكنه في داخله ظل أسيراً لذكريات القهر.
هنا، تظهر الرواية كفحص عميق للمصالحة الحقيقية، تلك التي لا تُبنى على الأفعال وحسب، بل على تحولات داخلية شاقة.

تعيسة، الحاضرة الغائبة، تظل القلب الصامت للرواية. هي ليست مجرد شخصية، بل استعارة للوجود الإنساني في أشكاله المتعددة.
يقول الراوي عنها:
“ثمة كُحْلٌ دون كُحل في أهداب عينيها. ثمة حاجبان كأنهما خرجا للتو من أيدي خبيرة تجميل ماهرة.”

هذا الجمال المدهش الذي لا ينتمي لأي معيار تقليدي يرمز إلى الغموض الذي يكتنف الوجود الإنساني ذاته. هي ليست فقط رمزاً للجمال؛ بل هي دليل على أن الحياة في صمتها قد تحمل معاني تفوق ما نراه أو نسمعه.

موت سعيد في نهاية الرواية هو لحظة محورية. في تلك اللحظة، يغلق بخيت عيني سيده القديم للمرة الأخيرة. هذا الفعل البسيط يحمل رمزية ثقيلة؛ إنه موت السيد القديم، لكنه أيضاً ولادة عهد جديد.
الصمت الذي يخيم بعد موت سعيد ليس مجرد حداد، بل هو فراغ وجودي يدعو القارئ للتأمل: هل يمكننا حقاً دفن الماضي؟ أم أننا نحمله معنا، حتى ونحن نبني عوالم جديدة؟

“تعيسة” ليست مجرد رواية عن الحزن، بل هي قصيدة عن الجمال الذي ينبعث من قلب العزلة. إنها لوحة أدبية تتجاوز الكلمات لتخلق فضاءً مليئاً بالتساؤلات التي تظل دون إجابة.
بشرى الفاضل، بلغته الشعرية العذبة ورؤيته الفلسفية العميقة، يحول الصحراء إلى رمز للإنسان في سعيه الدائم نحو الفهم.
الواحة، التي تبدأ كملاذ، تتحول إلى استعارة عن الروح البشرية التي تبحث عن السلام، حتى وهي محاصرة بالخوف والذكريات.

في نهاية المطاف، “تعيسة” ليست عن التعاسة، بل عن الأمل الذي يزهر في أصعب الأماكن.
إنها تذكير بأن الجمال قد لا يكون في الضوء، بل في الظلال، في الصمت، وفي تلك المساحات الصغيرة بين ما نعرفه وما لا نستطيع إدراكه.

zoolsaay@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

بعد تأجيل زيارة بركة لمشروع الربط المائي بالشمال... بايتاس يقول إن الزيارة ستتم حين تنتهي التجارب

بعد تأجيل زيارة نزار بركة وزير التجهيز والماء لمشروع الربط المائي بالشمال، وما أثار ذلك من تساؤلات حول علاقة التأجيل بمشهد « انعزال » وزراء الاستقلال في البرلمان، في جلسة الأسئلة الشهرية ليوم الإثنين الماضي، خرج الناطق الرسمي باسم الحكومة، اليوم الخميس، ليؤكد في جواب عن سؤال لـ »اليوم 24″، على أن الوزير بركة سيشرف على انطلاق المشروع حين تنتهي التجارب المتعلقة بقنوات الماء.

وأضاف بايتاس في الندوة الصحافية التي تلت الاجتماع الأسبوعي للحكومة، « نفهم أن وزير التجهيز لم يذهب للزيارة، بسبب عدم اكتمال التجارب، وحين تنتهي التجارب سوف يذهب الوزير للإشراف على انطلاقته »، مشيرا إلى أن « القراءات التي نقرأ يمينا ويسارا لا مكان لها في أرض الواقع ولا في الحقيقة ».

وأوضح بايتاس، أن « نسبة إنجاز مشروع الربط المائي بين سدي وادي المخازن ودار خروفة بلغت 96 في المائة، ومن المرتقب الشروع في استغلاله خلال فبراير المقبل ».

وبينما قال بايتاس، اليوم الخميس، إنه « يتم حاليا إنجاز تجارب سلامة القنوات من التسربات على مستوى حوالي 11 كيلومترا متبقية، وسيتم الشروع في ملء القنوات مباشرة بعد الانتهاء من هذه التجارب »، كان مديرا مركزيا بوزارة التجهيز والماء، قال أول أمس الثلاثاء، في تصريح لـ »اليوم 24″، إن « الماء في القنوات الآن، وقد وصل فعليا إلى سد دار خروفة ».

وأوضح المصدر المسؤول في وزارة بركة، أن « زيارة وزير التجهيز والماء التقنية للمشروع، حُدد لها موعد يوم السبت الماضي، آنذاك لم يكن الماء قد وصل إلى سد دار خروفة، ورغم ذلك كان الوزير سينفذ زيارته قبل أن يتم تأجيلها لأسباب شخصية »، دون تفاصيل أكثر.

من جهة أخرى، قال بايتاس، إن « مشروع ربط سدي وادي المخازن ودار خروفة يندرج في إطار البرنامج الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي، الذي يحظى بعناية ملكية سامية، ويتعلق بالشطر الثاني من الربط بين منظومتي اللوكوس وطنجة، لتحويل الماء الفائض إلى المناطق المعنية، وذلك بعد الشروع في استغلال الشطر الأول سنة 2021 ».

وأوضح المسؤول الحكومي، أن « المشروع يهدف إلى تحويل 100 مليون متر مكعب من سد وادي المخازن نحو سد دار خروفة، لتأمين تزويد قطب طنجة بالماء الصالح للشرب، والحد من ضياع الفائض من المياه المسجل بسافلة سد واد المخازن خلال الفترات الممطرة، مشيرا إلى أن كلفته تبلغ 820 مليون درهم ».

مقالات مشابهة

  • ليلة شتوية لـ آمال ماهر في القاهرة (الموعد والمكان)
  • بعد تأجيل زيارة بركة لمشروع الربط المائي بالشمال... بايتاس يقول إن الزيارة ستتم حين تنتهي التجارب
  • سعيد عبدالحافظ: المنظمات الحقوقية لا يمكنها العمل بمعزل عن مؤسسات الدولة
  • إعلامي أمريكي بالرياض: المملكة ليست التي كنا نقرأ عنها بالأخبار إنها مختلفة تمامًا .. فيديو
  • رويترز: طائرة بلاك هوك العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت في رحلة تدريبية
  • آل جابر يقول بأن موقف بلاده ثابت بشأن دعم السلام في اليمن 
  • ماذا كان يقول الرسول مع استقبال أول أيام شعبان ؟
  • رعد: حق شعبنا في التصدي للإعتداءات مشروع ومقدس يمارسه في التوقيت والمكان المناسبين
  • يداً بيد نحو مجتمع مزدهر ومستقر
  • حفلات عيد الحب 2025| الشامي مع جمهوره في قطر (الموعد والمكان)