د. حامد عمر علي

درجت بعض هيئات الامم المتحدة و أيضاً بعض المنظمات الطوعية علي انفاذ بعض المشاريع التي تستهدف وقف التدهور البيئي وإعادة الغطاء النباتي خاصة الغابات. ويعتبر الجزء الشمالي الغربي من ولاية النيل الابيض والمتاخم لولاية شمال كردفان، من أكثر المناطق تأثراً بالتدهور البيئي المتمثل في التصحر وزحف الرمال التي غطت مساحات واسعةً من الأراضي الزراعية والرعوية علاوة علي تدهور الغطاء النباتي واضمحلال وزوال الأشجار .

وللتغير المناخي اثار اخري أيضاً، تتمثل في زيادة وتيرة وتعاقب حالات الفيضانات وموجات الجفاف وتذبذب الأمطار و درجات الحرارة ، ولها كلها أثر ملحوظ في النشاط الاجتماعي والمعاشي للمجموعات البشرية خاصةً الرعاة و المزارعين. و كتيراً ما تسهم هذه الأنشطة، خاصة الاحتطاب وإنتاج الفحم في زيادة التدهور البيئي وتفاقمه وتعقيداته اذا لم يقابل ببعض التدخلات او المشاريع الناجعة كبدائل للانشطة المجتمعية السالبة التي تعتمد علي استنزاف الموارد الطبيعية. وكمثال لهذه التدخلات مشروع تعزيز خدمات المياه وسبل العيش الذي نفذته منظمة بلان سودان في بداية الألفية الثالثة بمنطقة قٌلٍي بولاية النيل الابيض. وقد شهدت تلك المنطقة تدهورًا مريعاً في القطاع النباتي و الغابي وزوال الاشجار بسبب اعتماد سكان المنطقة علي هذه الغابات في الحصول علي الحطب والفحم مما تسبب في المزيد من التدهور البيئي واستنزاف الغابات. وكان من نتيجة ذلك أن أصبح الحصول علي الحطب والفحم، بمرور الزمن، أمراً عسيراً. و إزاء هذا الوضع البيئي المتدهور لجأت الاسر الريفية في المنطقة (مضطرةً ) الي جمع روث البهائم ( الأبقار) واستخدامه كوقود عوضاً للفحم لطهي الطعام بصورة راتبة. لهذا الاستخدام المتمثل في حرق روث الابقار أضرار جمة . ويشمل ذلك الإصابات بالامراض الصدرية والتهابات الرئة والعيون والأضرار الاخري الناتجة من انبعاثات الغازات ، مثل غاز الميثان الذي يسبب الاختناق إذا تم استنشاقه بكميات كبيرة. كما أن جمع الروث نفسه وملامسته بالأيدي ونقله الي المنازل قد يساعد في إنتشار وتكاثر الحشرات خاصة الذباب والنمل والديدان، والي انتقال الامراض من الحيوان الي الانسان وتلوث المأكولات والمشروبات.
هدف المشروع الرائد الذي نفذته منظمة بلان سوزان في منطقة قٌلٍي الي إنعاش الغطاء النباتي وذلك بإدخال وتشجيع إستخدام الغاز المسال بدلاً من الفحم والحطب وروث البهائم. كما أسس المشروع صناديقً دوارة revolving funds في القري التي تم أختيارها لتمويل شراء اسطونات الغاز والبتوجازات وتوزيعها للاسر المختارة و المستوفية للشروط . وأيضاً اشرف المشروع علي تكوين وتدريب ما يعرف بلجان تنمية القري village development committees من النساء والرجال لادارة الصناديق الدوارة . وتشمل مهام هذه اللجان أيضاً اختيار الاسر المستوفية لشروط التوزيع وامتلاك الاسطوانات وكيفية التمويل والسداد . هذا وقد قامت ادارة المشروع باختيار واعتماد عدد من صغار التجار بالقري وتاهليهم ليكونوا وكلاء لأسطوانات الغاز كما قامت بتدريب المواطنين علي كيفية التعامل مع الاسطونات والبوتوجاز, بالاضافة الي التوعيه بأهمية الصحة العامة والمنزلية والنظافة الشخصية ونوع الأمراض ذات الصلة بالمياه وتلوثها والأضرار الصحية التي قد تنتج من حرق روث الحيوانات.
درجت معظم المنظمات اخضاع المشاريع بعد انتهاء الفترة المحددة لتنفيذ أنشطتها، الي ما يُعرف بالتقييم النهائي للمشروع . الهدف من هذا التقييم هو معرفة الي اي مدي تمكن المشروع من تحقيق أهدافه ، ولبي احتياجات المواطنين ، ومدى ملاءمته للمنطقة أو المجتمعات المختارة ، والاثر الاجتماعي والتنموي الذي أحدثه ، والدروس المستفادة منه ، وإمكانية تطبيقه في المناطق الأخرى . كلفتني منظمة بلان سودان برئاسة مجموعة الخبراء (د يعقوب عبدالله -عليه الرحمة - المختص في مجال البيئه والدرسات الاجتماعية، ود عبد الوهاب المكي في مجال الصحة العامه والاصحاح البيئي، ود مريم .... في مجال تنمية المرأة والنوع ) الذين اختارتهم منظمة بلان سودان لإجراء التقييم النهائي لهذا المشروع الحيوي وفقًا للمعايير المرجعية التي وضعتها المنظمة والجهات الممولة بدقة واحترافية عالية ، مما يلزم فريق التقييم بالالتزام بها قدر الإمكان . وكما هو معلوم للكثيرين فان طرق التقييم تعتمد علي مراجعة مستندات وثائق المشروع وتقاريره الدورية والزيارات الميدانية الى القري المستهدفة و اجراء اللقاءات المباشرة مع المجموعات البشرية و اعضاء لجان التنمية المستفيدة من المشروع وغيرها. وبالرغم من ان عمليات التقييم تحكمها البنود المرجعية ، الا ان الحصول علي المعلومات المناسبة التي تثري التقييم وتقريره تعتمد كذلك علي مهارات وخبرات المقيمين و مدي معرفتهم بجغرافية وثقافة وعادات المجتمع المعني. و من الاشياء المهمة في التقييم أيضا بناء الثقة بين المقيمين والمستفيدين من المشروع وتوضيح الغرض من التقييم قبل استنطاقهم . وكذلك لابد من احترام عادات المواطنين وثقافتهم ومعتقداتهم وغيرها من الاشتراطات الضرورية الاخري وفق متطلبات وحالة المكان والزمان . كما سبق القول فان الاهداف الرئيسية للتقييم تتمحور حول معرفة الاثار الايجابية والسلبية لاستخدام الغاز المسال في عمليات الطهي ومعرفة أثر المشروع علي البيئة المحيطة بالمنطقة ، مثل التناقص في معدل قطع الاشجار وأثره علي الصحة العامة مثل انخفاض معدل الالتهابات الصدرية و الاثار الايجابية الناتجة عن توفير وتحسين خدمات المياه في القري . وقف المقيمون علي كثير من النتائج الإيجابية وكذلك بعض السلبيات للمشروع ، ولكن من النتايج الايجابية التي لم تخطر علي بال فريق التقييم ، ولا حتي علي بال الذين صمموا المشروع (وأشاروا الي نتائجه المتوقعة) ، وكذلك الذين وضعوا البنود المرجعية للتقييم ، هو دور استخدام غاز الطهي في "زيادة معدل الانجاب بالمنطقة ". لقد عبر بعض رجال المنطقة في اكثر من قرية عن ذلك اثناء النقاش والحوار الجماعي group discussion عن هذا الامر بقولهم (جهرةً) ان لاستخدام الغاز المسال في الطهي المنزلي دور فعال في زيادة معدل الانجاب بالمنطقة . لقد الجمتني الدهشة وكذلك بقية الفريق من هذه الافادة ولكن سرعان ما تبددت الدهشة عندما أضاف بعض المواطنين في اكثر من قرية بقولهم " قبل استخدام الغاز، كانت النساء يستخدمن روث الابقار صباحاً و مساءً في طهي الطعام، كانت اجسامهن وملابسهن "معطنه بالدخان "وتفوح منهن رائحة الروث وهي رائحة طاردة تشعرك بالانقباض وتجبرك علي الابتعاد من النساء ، لذلك قلتْ الحميمية ، وتباعدت المراقد بيننا وبين النساء !.. ولكن بعد هذا المشروع و امتلاكنا لاسطوانات الغاز ( والبتوجازات ) وكذلك توفر الميآه النقية فارقت النساء استخدام الروث والفحم والحطب وأيضاً اصبح الحمام متاحاً يوميًا وبالتالي صارت النساء اكثر نضارة ونظافة ً وجاذبية.. طابت النفوس و تقاربت السراير (والباقي علي الله )".. وأردف المتحدث قائلا (الحمد لله كثرت المناسبات احتفاءاً بالمواليد). هذا الاثر الجانبي لاستخدام الغاز المسال في منطقة قٌلٍي او في ظروف معينة وبيئة شبيهة لها ، والذي لم يكن في حسبان مصممي المشروع ، لا شك أنه هام وغير متوقع . ورغم ذلك فإن فائدته علي مستوي سياسات التخطيط الاسري قد تحتاج الي المزيد من التحقق .إن استخدام الغاز هو لا شك عامل مساعد وهام وفق نتائج هذا التقييم ، ولكن ليس من الممكن ان ينسب له الفضل كله في زيادة معدل الانجاب. لكن ما اتفق عليه رأي المقيمين هو اهمية مراعاة ما يدعوا اليه اطباء الصحة العامة حول النظافة ، وقد تهيأت الظروف المناسبة لذلك بسبب توفر المياه النقية بالقري (كما تنبه الي ذلك المستفيدون انفسهم) وحلقات التوعيه بالصحة العامة والنظافة الشخصية،علاوة علي توقف استخدام النساء لروث البهايم في الطهي بتوفر الغاز، أدي كل ذلك الي تحسن مستوي الصحة العامة في قري المشروع وبالتالي "فإن النساء اصبحن اكثر نظافةً و نضارةً في الملبس و المظهر العام، مما قد يجعل ( الرجال اكثر انجذاباً وحميمية لهن ".
د حامد عمر
Email.hamidomer122@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: استخدام الغاز الغاز المسال الصحة العامة معدل الانجاب فی زیادة

إقرأ أيضاً:

بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير تبوك يطّلع على المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة

تبوك – واس

اطَّلع صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود بن عبدالله بن فيصل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة تبوك، على عددٍ من المشاريع البلدية والإسكانية التي تنفذها وزارة البلديات والإسكان بالمنطقة، وتنوعت ما بين مشاريع البُنى التحتية، وسفلتة الطرق، وتطوير الميادين، وأنسنة المدن، وتصريف مياه الأمطار، ودرء أخطار السيول، إضافةً إلى مشاريع إسكانية، واستثمارية وبيئية، وبُنى تحتية مستقبلية تقدر تكلفتها الإجمالية بـ 4.335 مليارات ريال.

جاء ذلك خلال لقاء سموه مساء أمس، بالقصر الحكومي، المواطنين ورؤساء المحاكم والقضاة ومشايخ القبائل ومديري الإدارات الحكومية بالمنطقة، حيث بدأ اللقاء بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ثم استُعرضت أبرز المشاريع البلدية والإسكانية والاستثمارية والخدمية، التي قدَّم أمين منطقة تبوك المهندس حسام بن موفق اليوسف عنها عرضًا مرئيًا موجزًا لسموه والحضور، تضمّنت أكثر من 43 مشروعًا يجري تنفيذ البعض منها وترسية الأخرى، بقيمة إجمالية تصل لـ674 مليون ريال، في مجالات متعددة شملت النقل العام بالحافلات، وسفلتة مخططات المنح، وتطوير الطرق الرئيسة بالمنطقة، إضافة إلى رفع كفاءة الطرق بإنشاء جسرين على تقاطع طريق الملك فيصل مع طريق الأمير فهد بن سلطان (دوار صحاري) وتقاطع طريق الأمير محمد بن سلمان مع طريق الملك فهد، وأنسنة المنطقة من خلال تطوير ساحات عدد من الجوامع، وتنفيذ شبكات تصريف مياه الأمطار، والتي ستسهم في معالجة 32 نقطة تجمع صغيرة، و3 أخرى كبيرة؛ ليصل مجموع ما تم معالجته من نقاط التجمع الكبيرة لـ 20 نقطة من أصل 24، وتنفيذ مشاريع لدرء أخطار السيول، ومشاريع مستقبلية تتجاوز تكلفتها التقديرية مليارين وست مئة مليون ريال.

وفي جانب الاستثمارات، استعرض المهندس اليوسف المشاريع الاستثمارية الجاري تنفيذها، والتي تجاوز عددها 48 مشروعًا بتكلفة إنشاء تقديرية تتخطى المليار ومئتي مليون ريال، تشمل قطاعات طبية وتعليمية ورياضية وترفيهية ولوجستية، بما يلبي احتياجات السكان والزوار، ويفتح آفاقًا جديدة لفرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ومن بين هذه المشاريع: مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بسعة 200 سرير و100 عيادة طبية، ومركز ألفا الطبي الذي يضم أربع عيادات متخصصة، وصيدلية وشققًا فندقية (90 غرفة)، ومركز رؤية الطبي الذي يحتوي على 18 قسمًا، ومركز غسيل كلى مجاني، إضافة إلى مشروع فندق المريديان الذي يضم 150 غرفة وجناحًا فندقيًا، ومركزًا لإيواء أكثر من ألفي معدة ثقيلة لضمان عدم تعطّلها داخل الأحياء السكنية.

وفي الشأن البيئي، تناول العرض مشروع المردم البيئي الجديد، الذي يمثل نقلة نوعية في إدارة النفايات بالمنطقة، حيث تم إنشاؤه بأكثر من 35 مليون ريال شرق مدينة تبوك، وبعكس اتجاه الرياح، وبمعدات أوروبية حديثة تضمن معالجة النفايات الصلبة بطريقة علمية متطورة، ويتضمن المشروع محطة طاقة استيعابية تصل إلى 80 طنًا في الساعة، وخلايا هندسية عازلة لمنع تسرب العصارات، إلى جانب منظومة متكاملة لفرز النفايات وإعادة تدوير المواد القابلة للاستفادة، وتحويل المخلفات العضوية مستقبلًا إلى طاقة بديلة وسماد عضوي.

كما اطلع سموه والحضور على مجسم لواجهة فالي تبوك والتي تقع على مساحة إجمالية تقدر بـ 778 ألف متر مربع، تتضمن 874 وحدة سكنية، و4 مساجد وجوامع، و5 حدائق ومتنزهات، وعدد 5 مراكز تجارية ومجمعات تعليمية تحتوي على 5 مدارس.

وفي ختام اللقاء، ثمّن سمو أمير منطقة تبوك جهود أمانة تبوك في تنفيذ هذه المشاريع الحيوية، مؤكدًا أهمية استكمالها بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة، وتحسين جودة الحياة، وتحقيق تطلعات سكان منطقة تبوك ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030.

وقال سموه في تصريح صحفي: “بأن هذه المشاريع و-لله الحمد- مشاريع مبشرة بالخير وتصب في خدمة المواطن والمواطنة، وتوفر الخدمات اللازمة لهم”, منوهًا بما توليه القيادة الحكيمة -أيدها الله- من اهتمام وعناية بكل ما يخدم الوطن والمواطن من المشروعات التنموية، وتسهم في رفع مستوى جودة الحياة، وتعزز النقلة الحضارية الكبيرة التي تعيشها المنطقة، داعيًا المستثمرين ورجال الأعمال للاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة التي تطرحها أمانة المنطقة والبلديات التابعة لها بالمحافظات.

مقالات مشابهة

  • تابع لشركة “WAFA DOUX “..مشروع جديد لانتاج عجينة الورق بولاية الجلفة
  • طائرات مسيرة تقصف محطة كهرباء عطبرة بولاية نهر النيل شمالي السودان
  • تحولات اجتماعية عميقة في المجتمع المغربي.. ارتفاع نسب الأسر التي تعيلها النساء وتزايد الشيخوخة
  • بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير تبوك يطّلع على المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة
  • الهلال الأحمر القطري يقف على الاحتياجات الصحية والإنسانية بولاية النيل الأبيض
  • جانب من حصاد فاكهة المانجو بجناين منطقة “طيبة” جنوب الجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض – فيديو
  • البيت الابيض: ترامب يريد وقفا دائما لإطلاق النار في أوكرانيا وليس مؤقتا
  • واشنطن تدعم مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب
  • وضع حجر أساس مشروع لتعبئة وإنتاج اسطوانات الغاز المركبة بالمنطقة الصناعية في السخنة
  • واشنطن تبدي اهتمامها بالإستثمار في مشروع أنبوب الغاز المغربي والنيجر تلغي المشاركة في المشروع الجزائري