نوافذ الأقصى.. تحف فنية أدخلها الأمويون ويصونها المقدسيون
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
القدس المحتلة- تضيء نوافذ المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة والمصنوعة من الجص والزجاج الملون العتمة في قلوب المصلين وتبث السكينة والطمأنينة في نفوسهم.
وكانت النوافذ عرضة لاعتداءات الاحتلال كما كافة محتويات المسجد، وقد تجولت الجزيرة نت في المكان لتصوير جمال تلك النوافذ والإضاءة، لإبراز مهارة تصنيعها من خلال أحد الفنيين الذي عمل في ذلك لـ4 عقود.
وحملت عشرات نوافذ المسجد الأقصى توقيع الفني والحرفي بشير الموسوس بعدما انطلق في العمل بلجنة إعمار المسجد عام 1979 متدربا على أيدي من سبقوه في حرفة صناعة النوافذ، من بينهم والده الراحل موسى الموسوس.
جهد جماعي
بخبرة عميقة يتحدث الموسوس عن مهنته التي يقول إن أحد أسرار نجاحه فيها هو ارتباطه عاطفيا بالمقدس.
واستهل حديثه بلمحة تاريخية عن الانطلاقة قائلا إن الكثير من نوافذ المصلى القبلي تضررت بفعل الحريق عام 1969، وإنه خلال تفكيكها من أجل إعادة ترميمها عثر الموظفون على اسم حُفر على معظمها وهو داود عابدين أرناؤوط، وهو مقدسي كان يعمل على ترميم النوافذ قبل احتلال القدس عام 1967.
لكن بعد الاحتلال تحول أرناؤوط إلى عمل آخر، ومع ذلك اُستدعي مجددا للعمل في الأقصى، وهذه المرة أحضر معه 3 من أصدقائه، بينهم والد محدثنا بشير.
إعلانتتلمذ بشير على أيدي زملائه، وفي عام 1982 بعد تقاعدهم تحمّل مسؤولية أكبر، لكنه أشار إلى أن أحدا لا يمكنه ادعاء أن تصنيع نوافذ الأقصى هو عبارة عن عمل فردي، لأن سلسلة من الفنيين والحرفيين والمهندسين يتعاونون من أجل إخراج النوافذ بشكلها النهائي.
"نبدأ من مرحلة فك النافذة المراد ترميمها، ثم يُحضّر الإطار الخشبي والطينة للجص والزجاج للقص والرسومات التي نحرص على عدم تغييرها إما بأشكال هندسية أو نباتية أو الاثنين معا، ويلي ذلك صب الجص ضمن تصميم معين والتفريغ والنحت لتحرير المعالم الرئيسية للنافذة، ثم نرسم بشكل يدوي على النافذة بعد طباعة الرسمة عليها وننتقل لمرحلة قص الزجاج الملون وتطعيمه داخل الجص"، يقول الموسوس.
تزيّن جدران الجامع القبلي في المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة نحو 200 نافذة من جهاته الأربع، لكل منها حكاية في التاريخ والزخرفة والجمال، وتشكل لوحة فنية يزيدها ضوء الشمس جمالا.
تعرضت بعض نوافذ المصلى القبلي لاعتداءات جنود الاحتلال خلال اقتحاماتهم للمصلى، وفي كل مرة… pic.twitter.com/4aphUlGKww
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) December 15, 2024
وقت وجهدويقول محدثنا إن العمل يتم بزوايا هندسية محددة، وكلما تعمق الفني في العمل وزادت خبرته يتمكن من حصر الظلال التي تظهر من خلف النافذة، مع تثبيت إضاءة خلفية وأمامية، فيُنتج قطعة متقنة تسر الناظرين.
"من ينظر للنوافذ يستمتع بألوانها الخلابة، لكنه لا يعلم أن تفاصيل العمل مضنية وتحتاج إلى دقة ووقت طويل يتراوح بين 120 و140 ساعة عمل للنافذة الواحدة التي تبلغ مساحتها مترين مربعين"، أضاف الموسوس.
وعند سؤاله عن طريقة اختياره ألوان الزجاج الذي يعمل على قص كل قطعة منه لتثبيتها في الجص المفرّغ، قال إن ذلك يعتمد على أمرين، الأول أنه يجب مراعاة أن تكون الألوان جاذبة وهادئة وتعزز الروحانيات، والآخر ذوق الحرفي ولمسته، وعادة ما يُستخدم الأزرق بدرجاته والأحمر والأصفر في المساجد.
إعلانوفي تفصيل اختيار الألوان، قال الموسوس إن نوافذ المنطقة الشرقية التي تتخللها أشعة الشمس من الساعة السابعة صباحا حتى الواحدة ظهرا تستخدم فيها ألوان الزجاج القاتمة، على عكس المنطقة الغربية التي تصلها أشعة الشمس بعد الظهر، فيحرص الحرفيون على استخدام الألوان الزاهية في زجاجها.
ولفت هذا الحرفي المتقاعد إلى ضرورة أن يعرف الجميع أن نوافذ المسجد الأقصى مزدوجة، وتصنع الخارجية منها من الجص والزجاج الأبيض، والداخلية من الجص والزجاج الملون، وبمجرد انطلاقه بتعداد النوافذ في المصلى القبلي توصل إلى أن عددها يفوق الـ100، لكل منها وجه داخلي وآخر خارجي، وتحمل 25 منها اسمه.
وبشأن نافذة صنعها الموسوس ولها مكانة خاصة في قلبه، تنهد وقال "أول نافذة صنعتها عام 1982 مكتوب عليها عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله ومكونة من 3 طبقات، طعّمتها بالزجاج الكحلي والأصفر والتركواز وتوجد أعلى محراب المصلى القبلي، ومن خلالها فرضت أسلوبي وثقافتي الفنية وحازت على ثقة المهندس المسؤول عني الذي ترك لي حرية الاختيار والعمل حتى تقاعدي".
قبل أن نودعه سألناه عن شعوره عندما يرى نوافذ الأقصى مهشمة بسبب الرصاص والقنابل التي تلقيها قوات الاحتلال المقتحمة للمسجد في كل مرة، فأجاب بعد تنهيدة حسرة عميقة بالقول إن الاقتحام الذي تم للمسجد قبل 3 سنوات وخلّف أضرارا في 9 نوافذ في المصلى القبلي كان 6 منها تحمل توقيعه.
"أرسلت كتابا للمهندس المسؤول بأنني على استعداد لترميم النوافذ الست دون مقابل كي تبقى حاملة اسمي، لكن للأسف لم يتم ذلك، ورغم تقاعدي أتوجه في تمام الساعة التاسعة من صباح كل يوم إلى الأقصى فأجلس في رحابه لقراءة القرآن ثم أداء صلاة الظهر، وقبل مغادرتي أنظم جولة لتفقّد النوافذ قبل المغادرة.. النوافذ التي باتت قطعة مني".
بدوره، يقول يوسف النتشة رئيس قسم السياحة والآثار في دائرة الأوقاف الإسلامية سابقا مدير مركز دراسات القدس التابع لجامعة القدس إن فلسطين اشتهرت بالزخارف الجصية في العصر الأموي وما تلاه من عصور، وخير شاهد على ذلك قصر هشام الأموي في أريحا ومبنى قبة الصخرة المشرفة الذي يضم 56 نافذة، والجامع الأقصى، وكلاهما في القدس من ضمن عمارة المسجد الأقصى.
إعلانوأضاف النتشة في حديثه للجزيرة نت أن القدس تميزت بدقة صناعة النوافذ الجصية، وكان لنسق الشبابيك دور مهم في تخطيط المباني الإسلامية، واستخدمت للاستفادة من الإضاءة الطبيعية ولإدخال الهواء إلى المباني.
وكانت النوافذ -وفقا للنتشة- تصمم بأشكال عدة، فمنها المستطيلة والمربعة والطولية والدائرية، وإذا كان ارتفاعها قريبا من مستوى الطريق تغطى بحماية معدنية، وإذا كانت مرتفعة تغطى بالزخارف الجصية الجميلة التي تطعّم بتشكيلات من الزجاج الملون الشفاف، واستمرت هذه الصناعة من الفترة الأموية مرورا بالمملوكية وصولا إلى العثمانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المصلى القبلی المسجد الأقصى
إقرأ أيضاً:
حماس تدعو لشد الرحال إلى الأقصى برمضان
دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اليوم السبت، الفلسطينيين إلى شد الرحال إلى المسجد الأقصى في القدس المحتلة والرباط والاعتكاف، وذلك مع تزايد تضييقات الاحتلال لتقييد وصول المصلين في المسجد خلال شهر رمضان.
وقالت الحركة في بيان بمناسبة حلول الشهر الفضيل، "ندعو جماهير شعبنا في عموم الضفة والقدس والداخل المحتل إلى حشدّ كلّ الطاقات في هذا الشهر عبر شدّ الرّحال إلى المسجد الأقصى والرّباط والاعتكاف فيه".
وأضافت الحركة "لتكن أيام رمضان ولياليه المباركة طاعة ورباطا ومقاومة للعدو وقطعان مستوطنيه، وذودا وحماية للقدس والأقصى حتى تحريرهما من دنس الاحتلال".
كما طالبت حماس الفلسطينيين في كافة المناطق حول العالم بإطلاق أوسع المبادرات والفعاليات التضامنية مع أهلهم في قطاع غزة والضفة والقدس.
وكانت حماس دانت -الثلاثاء الماضي- اعتزام إسرائيل تقييد وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ودعت إلى التصدي لكل محاولات "تدنيسه وفرض السيطرة عليه".
أدانت حركة حـ.ـماس -أمس الثلاثاء- اعتزام إسرائيل تقييد وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ودعت إلى شد الرحال إليه والتصدي لكل محاولات "تدنيسه" و"فرض السيطرة عليه".
وقالت الحركة -في بيان- "ندين بأشد العبارات ما أوصت به شرطة الاحتلال ومخططاتها لتقييد وصول المصلين… pic.twitter.com/2CmqgI0k91
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) February 26, 2025
إعلان
ومساء أمس الجمعة، قال خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، إن سلطات الاحتلال فرضت طوقا أمنيا مشددا على القدس، بزعم أن ذلك لأغراض أمنية، بينما الهدف الحقيقي هو تقييد وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى.
وخلال شهر رمضان في كل عام تفرض إسرائيل إجراءات للتضييق على وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى، في القدس الشرقية المحتلة.
ويعتبر الفلسطينيون تلك التضييقات ضمن إجراءات إسرائيل المكثفة لتهويد القدس والسيطرة عليها، بما فيها المسجد الأقصى، في ظل تسارع الاستيطان والتهجير، بموازاة تصعيد عسكري في الضفة الغربية وفي أعقاب حرب إبادة على قطاع غزة.
وفي وقت سابق أمس، قال مركز معلومات وادي حلوة الحقوقي في القدس إن قوات الاحتلال وضعت "الحواجز والسواتر الحديدية في الطرقات المؤدية إلى الأقصى وعلى أبوابه".
كما حذرت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين من قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بفرض واقع جديد في المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان.
وأضافت اللجنة في بيان أن "إعلان الاحتلال مضاعفة إجراءاته القمعية خلال شهر رمضان، وتحديد أعداد المصلين وقرارات الإبعاد، هدفه إفراغ المسجد الأقصى، وعزله عن محيطه الفلسطيني والاستفراد به، لاستكمال مشروعه التهويدي لمدينة القدس ومقدساتها".
وفي وقت سابق أمس، قالت القناة 14 الإسرائيلية إن الشرطة تعتزم نشر قوات إضافية في القدس، خاصة في محيط المسجد الأقصى، مع بداية شهر رمضان.
وقدرت القناة زيادة أعداد عناصر الشرطة بنحو ألفين، مشيرة إلى أن الانتشار الأمني المكثف سيكون في أماكن واسعة بمدينة القدس ومداخلها ومخارجها وعلى مفترقات كثيرة حولها.
ليلة الأول من رمضان..
قوات الاحتلال تنصب الحواجز والسواتر الحديدية في الشوارع المؤدية للمسجد الأقصى.#فلسطين pic.twitter.com/b9ia46AGan
— palgraph (@palestine_graph) February 28, 2025
إعلانوالأحد الماضي، قالت هيئة البث الإسرائيلية، إن الشرطة وضعت قواتها في حالة تأهب قصوى استعدادا لشهر رمضان، وتعتزم نشر 3 آلاف شرطي يوميا على الحواجز المؤدية إلى مدينة القدس وصولا إلى المسجد الأقصى.
وتأتي هذه التعزيزات الأمنية بعد أن قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقييد وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى، وسط تقارير عن أنها لن تسمح لأكثر من 10 آلاف من فلسطينيي الضفة بالوصول إليه خلال أيام الجمعة من رمضان.