من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. أحفاد السّراب
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
أحفاد السّراب
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ … 1 / 7 / 2017
كل ما قامت به، أنها عندما رأت أبناء فصيلتها من الإبل قطعت عقالها وانفلتت منه لتلحق بصويحباتها، شاهدها كُليب غريبة عن قطيعه فأخذته العزّة بالإثم، رماها بسهم في ضرعها فماتت على الفور، صاحت البسوس على ناقة جارها سعد بن شمس الجرمي وألقت قصيدة تستنهض الهمم بالثأر لناقة الجار (ليست ناقتها).
هذه خلطة العرب الأولى، وكرة الحرب التي تتدحرج منذ 496م. أي قبل 1500عام.. سيّد قبائل تغلب يضع عقله بعقل ناقة فيقتلها.. فتنوح البسوس متبرّعة بالحزن والعويل عن جارها الذي لم يكن له أي ردّة فعل تذكر.. فيتحمس جسّاس ابن أخت البسوس ليثأر لناقة جار خالته الغريب.. فيقتل سيد قومه وملك منطقته فيطيح برأس كليب مقابل رأس الناقة “سراب” ناقة سعد الجرمي!! تخيّلوا منذ 1500عام ونحن ننوب عن الغريب بقتل الأخ، نستثار بقصيدة ولا نستثار بدم الحقيقة.. نعرف كيف نشعل الحروب ولا نعرف كيف نخمدها، لا تغرّكم كل هذه الحضارة التي ندّعيها والأبراج الزجاجية التي نلامس بها قرص الشمس، بعض الهجاء وادّعاء السيادة والزعامة كفيل أن ينقضَ كل شيء ويعيد للخيمة هيبتها!!.
حزنت جدّاً عندما شاهدتُ بعض الجمال العربية ماتت ظمأ في الصحراء، عندما طردت وتاهت في بحر الكثبان لا تعرف أين تمضي وكل الرمال متخاصمة، ففقدت سفينة الصحراء منارتها وارتطمت في جليد الخلافات الذي لا يذوب أبداً
**
التاريخ لا يعيد نفسه وحسب، التاريخ يرتدي مثلنا لباس المدنية، بدلة وربطة عنق من “بيير كاردان” أما الرأس فحقوقه محفوظة لجسّاس وكليب.. تصحو كرامتنا فجأة لأجل ناقة وتموت دفعة واحدة إذا ما استجدتنا الطفولة التي تنوء تحت القصف والكوليرا، نقسوا على الشقيق، نقتله، نتلذذ في أنين وجعه حتى نخنقه، ونصافح العدو الذي صفعنا ألف مرة ونهادنه، سوطنا لاذع وحارق على ابن أمّنا وصحرائنا ويصبح جديلة جارية يعبقها الحناء والطيب على من يرعبنا ويستعبدنا.. التاريخ لا يعيد نفسه، التاريخ يغير صلاحية الابتداء والانتهاء على أيامٍ ينتجها من نفس مصنع الزمن بنفس المقاس والمذاق والملوحة.
**
من عجائب اللغة العربية أن هناك أكثر من ألف اسم للإبل، ومن عجائب العروبة انه ليس لها مخرج آمن واحد تعبره بين الحدود الشقيقة، دون أن يقتلها عطش السياسة وقيظ الاختلاف.. حزنت جدّاً عندما شاهدتُ بعض الجمال العربية ماتت ظمأ في الصحراء، عندما طردت وتاهت في بحر الكثبان لا تعرف أين تمضي وكل الرمال متخاصمة، ففقدت سفينة الصحراء منارتها وارتطمت في جليد الخلافات الذي لا يذوب أبداً.. فماتت هذه المرة من غير كرامة.. وقد استلّت “جدّتها” سراب كل الكرامة العربية في حرب الثأر والموت والانتقام الأخوي الذي لا ينتهي بين تغلب وشيبان.. أحد “الرؤوس” لا أظنه مات عطشاً بل مات كمداً، كانت صورته تشي بفمٍ مليء بالرمل، يبدو ان لم يحتمل ما يراه فحزن وغضب على حالنا غرف بفمه الرمل المحترق وكظم غيظه وعضّ خطاه المصادرة ومات.
**
حزنت كثيراً على منظر العيس المسجاة على طريق القوافل، فالإبل العربية التي تاهت في صحراء الحقيقة، لا تعرف السياسة، وغير معنية بالحصار هي تعرف أن الشمس لكل الدنيا، وبحر المدى الأصفر يشبه عباءة العروبة الذي يفرش للضيف والشقيق على حد سواء، هي لا تعرف مصطلح قطع العلاقات أو تخفيض التمثيل او منع التحليق هي لا تعرف أن تعد للعشرة فكيف لها أن تقرأ الشروط الثلاثة عشر المطلوبة.
الإبل العربية لم تكن لترعى قرب حقول النفط يوماً ولا حقول الغاز، هي تبحث عن عشب أُبَريّ صبرَ على عطش الأرض ردحاً من الزمن ليصمد في بطنها ويصبر على عطش المسافات، أهدابها المتشابكة تقيها من العواصف اللاهبة تصبح حرساً مخلصاً للعين لكنها لا تقيها من عواصف الخصومة، تدمعها تبكيها وتعميها إن استمر الحزن الصامت يمطر الصحراء الشقيقة.
الإبل العربية هي خير من يعرف بحر الكثبان فلا تغرر بها حفنة سراب، ولا يغرها عندما ينفخ الهواء الرعاة والثياب.. هي تعرف كل شيء، وتفهم كل شيء، وتصبر على كل شيء.. وكثيراً ما تفضّل الموت على أن تفضح “الصوت”.
**
لو تــُقبل وساطة الإبل بين القلوب المتخاصمة لراغت وناحت باكية.. ثم ناخت راجية: ” لا تجعلونا أحفاد السراب”..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
مضى #182يوما … بقي #94يوما
#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي
#سجين_الوطن
#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سجين الوطن حسن الزعبی لا تعرف کل شیء
إقرأ أيضاً:
تعرف على مكان تشييع جنازة الكاتب بشير الديك
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يستعد أهالي قرية الخياطة في دمياط، لتشييع جنازة السيناريست بشير الديك من المسجد الكبير في القرية عقب وصول الجثمان من القاهرة بعد أن سادت حالة من الحزن لدى أهالي قرية الخياطة دمياط خاصة وأهالي محافظة دمياط بصورة عامة على إثر تلقي خبر وفاة الكاتب الصحفيّ والسيناريست بشير الديك بعد صراع مع المرض
والكاتب بشير صديق الديك ابن قرية الخياطة في دمياط ولد بها عام 1944 ونشأ وتعلم فيها وبدأ حياته الوظيفية بالتربية والتعليم بدمياط في الحسابات وبدأ حياته الأدبية بكتابة القصة القصيرة وانضم إلي نادي الأدب وجماعة الرواد الأدبية بدمياط في أوائل الستينيات وزامل خلالها الأدباء الدمايطة ومنهم مصطفي الأسمر وأنيس البياع والسيد النماس ويسري الجندي ومحمد السلاموني ثم انتقل إلي القاهرة وكافح حتي فرض اسمه ككاتب سيناريو متميز وكتب وأعد حوالي 50 فيلما سينمائيا وكان أول أعماله فيلم "مع سبق الإصرار"، من إخراج أشرف فهمي وبطولة محمود ياسين ونور الشريف وميرفت أمين، والذي عرض في فبراير 1979، ثم كون ثنائيا ناجحا مع المخرج عاطف الطيب في عدد من أهم أفلامه، مثل "سواق الأتوبيس"، و"ضربة معلم"، و"ضد الحكومة"، و"ناجي العلي"، و"ليلة ساخنة"، بالإضافة إلى ذلك اشترك مع المخرج الراحل محمد خان في العديد من الأفلام مثل "الرغبة"، و"موعد على العشاء"، و"الحريف". وظل بشير مرتبطا بأهله وقريته وأصدقائه في دمياط إلي وقت قريب حتي أنه قدم بعضهم في فيلمه الشهير سواق الأتوبيس الذى تم تصوير أجزاء منه في رأس البر بدمياط.
تعرض الكاتب بشير الديك منذ شهر تقريبا لازمة صحية عنيفة وعارضة نقل بسببها للرعاية المركزة بأحد المستشفيات بالقاهرة ولكن الحالة زادت سوءا مما دعا ابنته للاستغاثة بوزيري الصحة والثقافة اللذان لم يتأخرا عن اللحاق به ونقله إلي العناية المركزة في مستشفى آخر وتحسنت حالته نسبيا وعاد إلي منزله ولكن الحالة عادت للتدهور مرة أخري مما احتاج معه الأمر إلي نقله مرة أخري للعناية المركزة ووضعه علي أجهزة التنفس الصناعي.