هل تنجح فصائل الثورة السورية في تجاوز خلافاتها والتوافق على صيغة تشاركية؟
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
بدت فصائل الثورة السورية المسلحة التي شاركت في عملية "ردع العدوان" في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، والتي تكللت بإسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، أكثر تماسكا وتوحدا مما كانت عليه منذ عسكرة الثورة السورية عام 2012، والتي انضوت وتوحدت تحت مسمى "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة أحمد الشرع الملقب بالجولاني.
تشكلت إدارة العمليات العسكرية من عدة تنظيمات سورية مسلحة، من أبرزها هيئة تحرير الشام، وتعد من أقوى الفصائل المسلحة، التي أُعلن عن إنشائها عام 2017، وضمت في صفوفها مجموعة من الفصائل المسلحة، منها "جبهة فتح الشام"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين"، و"جيش السنة".
أما ثاني الفصائل التي انضمت لإدارة العمليات العسكرية فهي الجبهة الوطنية للتحرير، وتضم مجموعات وفصائل من الجيش الحر، كما شارك في عملية "ردع العدوان" جيش العزة، وحركة أحرار الشام، وصقور الشام، وكتائب نور الدين زنكي، والجيش الوطني السوري، وهو تحالف لمجموعة من الفصائل المسلحة..
إضافة لتلك الفصائل والتنظيمات التي شاركت في عملية "ردع العدوان" يتواجد على الساحة السورية تنظيمات وحركات مسلحة عديدة ففي جنوب البلاد تتواجد فصائل ومجموعات مسلحة، شاركت في عملية ردع العدوان في إطار ما يعرف بـ"غرفة عمليات الجنوب"، وهي أول فصائل المعارضة التي دخلت إلى العاصمة دمشق، وفي شمال شرق سورية تتواجد "قوات سورية الديمقراطية.. قسد" التي يقودها الأكراد، والمعروفة بعلاقتها المتوترة مع تركيا.
كما ينضوي تحت مسمى المعارضة السورية بشقها السياسي، هيئات وأطر سياسية تشكلت في الخارج بعد الثورة السورية، منها "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، تأسس عام 2012 ويضم في صفوفه قوى واتجاهات سورية معارضة، وما زال الائتلاف قائما ويرأسه هادي البحرة، كما تأسست "الهيئة العليا للمفاوضات" عام 2015، وعرفت نفسها بأنها "كيان وظيفي مهمته التفاوض مع النظام السوري ضمن مسارات ترعاها الأمم المتحدة"، ويرأس الهيئة الدكتور بدر جاموس.
في ضوء معطيات الواقع التي تشير إلى وجود اختلافات أيديولوجية وسياسية بين فصائل المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي، (سلفية وجهادية وإسلام سياسي وعلمانية وشبه علمانية)، إضافة إلى حضور التأثير الإقليمي والدولي كمصادر للدعم والتمويل، يبرز التحدي الأكبر المتمثل في قدرة فصائل المعارضة السورية على تجاوز خلافاتها والتوافق على صيغة تشاركية جامعة، توفر إطارا واسعا تندمج فيه كل الفصائل والقوى السياسية وفق مرجعية دستورية وقانونية يتوافق عليها الشعب السوري بكافة مكوناته.
وعلى صعيد تطور الأحداث مستقبلا كيف ستدير فصائل المعارضة السورية خلافاتها بعد انتهاء فترة الحكومة السورية المؤقتة.. هل ستنفرد هيئة تحرير الشام بإدارة الدولة أم أنها ستشرك جميع القوى والفصائل الأخرى؟ وهل ستتمكن من إدارة جميع الملفات الشائكة والمعقدة بعقلانية، تحفظ لجميع مكونات الشعب السوري حقوقهم المدنية والسياسية بعد التوافق على عقد اجتماعي جديد ينظم العلاقة بين الدولة والمجتمع السوري؟
في هذا السياق رأى الداعية السوري، الباحث في الفكر الإسلامي، الدكتور ماهر الشلال أن "فصائل الثورة السورية استفادت من تجربة الحركات الإسلامية سواء منها الجهادية أو حركات الإسلام السياسي، واستطاعت صناعة نموذج خاص بها، وإذا ما كُلل بالنجاح فإنه سيكون النموذج الذي سيعطي أملا لكل الدول التي قام بها الربيع العربي، ولم تكتمل ثوراتها على أن تعيد ترتيب حساباتها، بالعمل على الدمج ما بين الحالة الجهادية والحالة السياسية".
وأضاف "فعند المواجهة مع الاستبداد سيكون العمل جهاديا منضبطا بأخلاق الشريعة، وعند العمل في السياسية يؤدون عملهم كرجال دولة، وهذا ما حدث مع الثوار في سورية، ويعود ذلك إلى طول الثورة السورية 13 عاما ونيف، أدّت إلى تجارب حقيقية وطحن ومعاناة في الميدان، فكانت هذه التوليفة بين العمل العسكري والسياسي".
د. ماهر الشلال داعية سوري وباحث في الفكر الإسلامي
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "فالسوريون استفادوا كثيرا من تجربتهم الطويلة في الثورة، لكن لا نستطيع أن نضفي عليهم الصفة الملائكية، فمن الوارد أن تظهر خلافات بين فصائل المعارضة لكنها لن تكون عميقة وجذرية، بل خلافات سطحية، تدور حول آلية الخروج من التبعية إلى آلية الفاعلية، فالحكومة الانتقالية المؤقتة هي نقل لتجربة إدارة إدلب منذ 2019 لملأ الفراغ بعد سقوط النظام، وهذا ما أدهش العالم في كيفية إدارة الشأن السياسي، والسيطرة على الأوضاع بعد سقوط النظام وتوقع حالة العبثية والفوضى والدموية".
وعن المتوقع في إدارة الدولة بعد انتهاء فترة الحكومة الانتقالية إن كانت هيئة تحرير الشام ستنفرد بإدارة الدولة وإقصاء الفصائل الأخرى، أم ستشركها في ذلك، ذكر الشلال أن المتوقع "هو حل كل الفصائل المسلحة ودمجها ضمن الجيش السوري التابع لوزارة الدفاع الجديدة في سورية، ولن يكون هناك سلاح خارج الدولة" مستبعدا أن تظهر خلافات بين الفصائل على المكاسب "فهي ولغاية الآن اجترحت نموذجا طيبا يجب أن يُحتذى به، ونسأل الله أن يكلل بالنجاح، في كيفية إدارة الدولة ما بين فقه الثورة وفقه الدولة".
وفي الإطار ذاته قال الكاتب والإعلامي السوري، الدكتور أحمد موفق زيدان "بات واضحا للجميع أن القوى التي قامت بهذه العملية الكبيرة "ردع العدوان" هي مجموعة من الفصائل السورية المسلحة، يأتي في مقدمتها وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، ما يعني أنها متفقة تماما على آلية العمل، سواء العسكري أم السياسي".
وأضاف "وقد استفادت في ذلك كله من تجربتها السابقة في إدارة مناطق المحرر (إدلب) طوال السنوات السابقة، وهي متوافقة على ذلك، وقد نقلت ذلك الآن إلى دمشق، أما ما يقال عن احتمال ظهور خلافات بين هذه الفصائل وبين فصائل وهيئات أخرى، كالائتلاف الوطني ففي تقديري أن ما تحظى به فصائل ردع العدوان من تأييد شعبي واسع بعد ما قامت به من إسقاط النظام وتحرير سورية سيرجح الكفة لصالحها".
د. أحمد زيدان كاتب وإعلامي سوري
وردا على سؤال "عربي21" بشأن الخلافات التي قد تظهر بين مختلف الفصائل والقوى السورية، لفت زيدان إلى أن "طبيعة الخلافات غالبا ما ستكون حول رؤى وأفكار كيفية إدارة البلد، وهذا ما يمكن حسمه ـ في تقديري ـ بالدعوة إلى مؤتمر وطني عام، تحدد من خلاله الآليات والأطر التي يمكن أن تدار بها الدولة".
وعن إشراك مختلف الفصائل والتنظيمات والهيئات السورية رأى أنه "سيتم إشراك جميع القوى والفصائل والتنظيمات في إدارة الدولة، وهو ما كان موجودا من قبل في تجربة إدلب، فأحرار الشام موجودة، وصقور الشام موجودة، وجيش العزة موجود، وجيش النصر موجود، والعمل جاري الآن على دمج كل هذه الفصائل في وزارة الدفاع الجديدة في سورية الجديدة".
ووفقا للكاتب المصري، الخبير في الحركات الإسلامية، ماهر فرغلي فإن "فصائل المعارضة السورية متعددة الاتجاهات والانتماءات، تتراوح بين السلفية والجهادية المعولمة وحركات الإسلام السياسي، وحتى هيئة تحرير الشام تضم في صفوفها فصائل ومجموعات متنوعة أيضا، وقبل دخول حلب يبدو أنه حصل اتفاق بتنسيق تركي مباشر بين فصائل الجيش الوطني الحر وهيئة تحرير الشام ومعها فصائل أخرى".
وقال في تصريحاته لـ"عربي21": "ويذكر أن هذا التنسيق الذي قامت به تركيا يرجع إلى فشل الحوار مع النظام السوري، وعدم استجابة بشار للقاء الرئيس أردوغان، ولضغوط عربية كبيرة أيضا بسبب فشل بشار في طرد الإيرانيين من سورية، فكان لا بد من إسقاطه، ودُفعت هيئة تحرير الشام مع حلفائها من الفصائل الأخرى للتحرك بما لديها من إمكانات عسكرية وخبرة سابقة في إدارة إدلب".
ماهر فرغلي.. كاتب مصري الخبير الحركات الإسلامية
وأضاف: "ليس مستبعدا أن تشكل التباينات الفكرية تهديدا جديا للعملية برمتها، ومن المرجح أن لا يتم التوافق طوال الوقت، ومن الوارد أن تقع اختلافات سياسية حول العديد من القضايا، وفيما يتعلق بتسليم سلاح الفصائل وحلها، وفي اختيار وترشيح من يحكم، وبشأن قضية إشراك العلمانيين وقوى الفصائل الأخرى".
واستذكر فرغلي في ختام حديثه تجربة هيئة تحرير الشام في إدارة إدلب، فقد "أبعدت بعض الفصائل، وقاتلت فصائل أخرى لم تنضم إليها، وأبلغت عن قيادات فصائل أخرى، وكل ذلك معروف لكل مراقب ومتابع" على حد تعبيره. لافتا إلى أن هيئة تحرير الشام "ستحاول احتكار السلطة، وهذا واضح من طريقة الجولاني في اتخاذه قرارات منفردة، وتعيين بعض أقاربه ومعارفه، لذا أتوقع عدم استمرار الأمور على ما هي عليه الآن".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير فصائل سوريا علاقات فصائل تحولات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فصائل المعارضة السوریة هیئة تحریر الشام الفصائل المسلحة الثورة السوریة الفصائل الأخرى إدارة الدولة ردع العدوان من الفصائل بین فصائل فی إدارة فی عملیة
إقرأ أيضاً:
فصائل تعيد النظر بـانسحاب القوات الأمريكية.. كيف ستتعامل الحكومة مع هذه المتغيرات؟ - عاجل
بغداد اليوم - بغداد
بدأت بعض الفصائل العراقية المسلحة المتحالفة مع إيران بإعادة تقييم موقفها من مطلب انسحاب القوات الأمريكية، بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا. هذا التحول، الذي يأتي وسط اضطرابات إقليمية متزايدة، قد يحمل تداعيات كبيرة ليس فقط على الوضع الأمني، ولكن أيضًا على مستقبل الحكومة العراقية.
تحولات في المواقف العراقية
بحسب مصادر أمنية عراقية، شهدت الاجتماعات الأخيرة بين القيادات السياسية والعسكرية نقاشًا مكثفًا حول مستقبل القوات الأمريكية في العراق، وكشف مسؤول أمني عراقي لشبكة "أ.ب" أن "انسحاب القوات الأمريكية حاليًا قد لا يكون في مصلحة العراق، نظرًا للتهديدات المتزايدة من التنظيمات الإرهابية وعدم استقرار الوضع الإقليمي بعد انهيار نظام الأسد".
في المقابل، أكد مصدر حكومي لنفس الشبكة أن "الأطر الزمنية بين العراق والتحالف الدولي لم تتغير"، مشيرًا إلى أن بغداد مستمرة في مراجعة ترتيبات التعاون الأمني مع واشنطن لضمان استقرار البلاد.
الموقف الأمريكي: ترحيب حذر بالتغيرات الجديدة
على الجانب الأمريكي، لم يصدر رد رسمي حول تغير مواقف الفصائل العراقية، لكن مصادر دبلوماسية في بغداد أشارت إلى أن واشنطن ترحب "بأي مقاربة عقلانية" بشأن وجود قواتها في العراق، مع التأكيد على أن أي انسحاب يجب أن يكون "مدروسًا ومتدرجًا".
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، رفض الكشف عن اسمه في وقت سابق لوسائل اعلام غربية، إن "الوضع في العراق معقد، ونرى أن هناك إدراكًا متزايدًا لدى بعض الفصائل بأن الوجود الأمريكي قد يكون ضروريًا في هذه المرحلة لضمان الاستقرار".
إيران تراقب بصمت… وتعيد حساباتها
أما إيران، الحليف الأساسي للفصائل المسلحة، فلم تصدر حتى الآن موقفًا رسميًا حول هذه التغيرات، لكن مصادر مطلعة في طهران أكدت أن سقوط الأسد "وجه ضربة لمحور المقاومة" وأجبر القيادة الإيرانية على إعادة تقييم استراتيجياتها في العراق وسوريا، ويعتقد محللون أن طهران قد تتجنب التصعيد في العراق في الوقت الحالي، خاصة بعد أن أصبحت تواجه تحديات أكبر في سوريا ولبنان واليمن.
تأثير هذه المتغيرات على مستقبل الحكومة العراقية
يأتي هذا التحول في وقت حساس بالنسبة للحكومة العراقية، التي تواجه تحديات داخلية كبيرة، من بينها الضغوط السياسية من الفصائل المسلحة، والاحتجاجات الشعبية المطالبة بإصلاحات، والانقسامات داخل البرلمان.
ويرى مراقبون أن أي تغيير في موقف الفصائل المسلحة بشأن الوجود الأمريكي قد يمنح الحكومة هامشًا أكبر للمناورة، لكنه قد يثير أيضًا خلافات داخل التحالفات السياسية الحاكمة.
فبينما تسعى بعض القوى إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة، ترفض قوى أخرى أي وجود عسكري أجنبي، كما أن هذه التغيرات قد تؤثر على مستقبل الاتفاقات الأمنية مع واشنطن، حيث قد تدفع الحكومة إلى تبني سياسة أكثر براغماتية توازن بين مطالب الفصائل المسلحة والمصالح الأمنية للعراق.
قراءة في المستقبل
مع تزايد التحديات الأمنية في العراق وسوريا، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة تشكيل التحالفات والاستراتيجيات، سواء على مستوى الفصائل العراقية أو على صعيد العلاقات بين بغداد وواشنطن وطهران.
وفي ظل غياب موقف واضح من إيران، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الحكومة العراقية من استغلال هذا التحول لإرساء استقرار سياسي، أم أنها ستواجه تصعيدًا جديدًا من قبل الفصائل الرافضة لأي بقاء أمريكي؟
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات