سوريا والسقوط في مستنقع الطائفية
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
على الرغم من الوعود التي أطلقها أبو محمد الجولاني باحترام الأقليات العرقية والدينية، فإن هناك قلقاً بالغاً يساور أطيافاً عديدة من تلك الأقليات التي كان بعضها يدعم نظام بشار الأسد الذي سبق أن وفر لهم الحماية من العنف الذي مارسته تنظيمات مثل داعش والنصرة. فمع
انتقال السلطة إلى فصائل المعارضة المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام»، تشعر العديد من الأقليات بقلق متزايد حيال ما قد يحمله المستقبل لها، فبعض الأعمال الانتقامية التي شهدتها البلاد قد زادت من حدة الغموض الذي يواجه أمن ومستقبل تلك الأقليات، فسوريا تمر بمرحلة بالغة التعقيد تتطلب حلولاً عاجلة من أجل تهدئة المجتمع حتى لا تسقط البلاد في مستنقع الطائفية،
إذ توضح الإحصاءات المبدئية للتوزيع الطائفي والعرقي في سوريا أن المسلمين السنة يمثلون 72% من السوريين مقابل 11% من العلويين الشيعة و8% من المسيحيين و6% من الأكراد و3% من الدروز، وتكمن الخطورة في إمكانية أن تلجأ بعض القوى الإسلامية الصاعدة إلى محاولة أن تعطى لوناً طائفيّاً للمشهد السائد واعتباره صراعاً بين الغالبية السنية في مواجهة الأقلية العلوية المدعومة من الأقليات الدينية الأخرى،
فخلال حكم عائلة الأسد الذي استمر لأكثر من خمسة عقود، سيطرت الأقلية العلوية التي تنحدر منها أسرة الأسد التي حكمت البلاد طوال 54 عاماً على السلطة في الدولة السورية ذات الأغلبية السنية، إذ كانت سوريا هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي كانت إدارتها وحكمها بيد أقلية طائفية، إذ استحوذ العلويون في ظل حكم الأسد على أكثر من 80% من المناصب العليا في الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، وهم يواجهون الآن مصيراً غامضاً مليئاً بالخوف من الانتقام بسبب ارتباطهم بالنظام السابق، وتُعتبر العلوية إحدى طوائف الشيعة، ويتمركز العلويون في سوريا بشكل رئيسي في مدينتي اللاذقية وطرطوس على ساحل البحر المتوسط، وقد غادرت عائلات كثيرة الأحياء ذات الأغلبية العلوية في دمشق إلى منطقة الساحل، كما عبرت العديد من العائلات العلوية الحدود السورية اللبنانية، خاصة بعد أن تعرضت بعض ممتلكاتهم للسرقة والنهب من قِبَل عناصر هيئة تحرير الشام، وقد شهدت العديد من المحافظات السورية مظاهرات عبّر خلالها أبناء الطائفة العلوية عن رفضهم الانتهاكات ضد العلويين وتعرض مقام ديني علوي في حلب لعمليات تخريب.
كما أن القلق يساور أيضاً المجتمع المسيحي في سوريا، والذي يُعد من أقدم المجتمعات في العالم، إذ تضم البلاد أقدم الأماكن المقدسة الشهيرة، حيث تتحدث المراجع عن أول المباني المسيحية في العالم، (الكنيسة المنزلية)، التي تحتضنها سوريا قرب مدينة دير الزور، وكنيسة القديس سمعان العمودى، ودير الراهب بحيرا في بصرى، وكنيسة ازرع في محافظة درعا جنوب سوريا، ونظراً لما يتردد أنه سبق أن أيدت نسبة كبيرة من المجتمع المسيحي في سوريا حملة الأسد لسحق القوى المعارضة خلال الحرب الأهلية التي اندلعت عام 20111، فإن الشريحة الكبرى منهم تعيش حالياً في حالة خوف وترقب، خاصة بعد أن قامت مجموعة من الملثمين بحرق شجرة عيد الميلاد في ريف حماة، ويتردد أن المجتمع المسيحي في سوريا سيحاول أن يركز على تأمين وجوده فيها، وعلى الرغم من ضبابية الموقف وغياب الضمانات، فإنهم يتخوفون من انعكاسات تولى هيئة تحرير الشام بخلفيتها الأصولية التي ليست بعيدة عن الإرهاب والتطرف على مستقبل الطائفة المسيحية التي تمثل 8% من المجتمع.
وفيما يتعلق بالدروز، الذين يمثلون 3% من السكان ويتمركزون في نواحى دمشق ومدينة السويداء وجبل حوران والجولان كما يعيشون أيضاً في لبنان وإسرائيل، فقد التقى الزعيم الروحى للدروز في السويداء مؤخراً مع «أبومحمد الجولاني» بهدف مطالبته باحترام حقوق الدروز، إلا أن اللقاء، وفقاً لما أفادت به صحيفة «يديعوت أحرونوت»، انتهى بخيبة أمل عميقة للوفد، إذ شدد الجولاني على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا، داعياً إلى إبرام عقد اجتماعي يضمن العدالة الاجتماعية بين جميع المكونات، ومع ذلك، لم يقدم أي وعود تضمن الحرية الدينية للطائفة الدرزية، وقد أعرب أحد كبار مسؤولي الطائفة الدرزية عن مخاوفه مما وصفه بتوجه الجولاني لفرض «مركزية سلطة قائمة على الشريعة الإسلامية»، معتبراً ذلك تهديداً لهوية الدروز واستقلالهم الديني، وأضاف المصدر أن ما يحدث يعكس نية الإكراه الديني، «مما يزيد من قلقنا حول مستقبلنا في البلاد».
أما بالنسبة للأكراد الذين يمثلون 6% من السكان، فعلى الرغم من تأكيد «أبومحمد الجولاني» أن الأكراد جزء من الوطن وشركاء في سوريا القادمة وقيام الدائرة الذاتية الكردية برفع العَلَم السوري الجديد على كافة مؤسساتها في مناطق سيطرتها شمال شرقي البلاد، وتأكيد مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، «قسد»، الكردية، المدعومة أمريكيّاً وإسرائيليّاً، أن التغيير فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة تضمن حقوق جميع السوريين، فإن المشكلة الكردية هي في جانبها الأكبر مع تركيا، وقد تشكل صداماً بين تركيا وبين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حيث سبق أن تولت «قسد» مسؤولية محاربة تنظيم داعش، وهي تحتجز بالفعل أعداداً كبيرة من كوادر داعش وأسرهم في معسكر الهول وغيره من المعسكرات، الأمر الذي يتزامن مع مصادمات تتم من قِبَل الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا، وتكمن المشكلة بالنسبة للأكراد في توافق «أبو محمد الجولاني» مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على ضرورة حل جميع الفصائل المسلحة وتسليم سلاحها للدولة، بما في ذلك الفصائل الكردية، هذا في الوقت الذي ترى فيه تركيا أن قضية حماية الأكراد تُعد بمثابة امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يطالب بالانفصال عن تركيا لإنشاء دولة كردستان المستقلة، فهناك حشود عسكرية تركية في منطقة الحدود تتزامن مع توعد الرئيس التركي أردوجان باستهداف «قسد»، فالموقف بالنسبة للأكراد يمكن أن ينتقل من السيء الذي كانوا يعانون منه خلال حكم الأسد إلى الأسوأ بعد سقوط نظامه.
ونظراً لأن الثورات لا تنتهي بمجرد سقوط الأنظمة، فسوريا بعد سقوط نظام الأسد في حاجة إلى نظام يضمن حماية الأقليات، وهي لا تزال بعيدة تماماً عن ذلك أو عن تطبيق نتائج اجتماع العقبة الذي تناول تلك القضية تحديداً، فمع المشهد الراهن فإنه من المرجح أن تنزلق البلاد إلى مصادمات داخلية أو أن تنقسم إلى مناطق للنفوذ بما يهدد نسيج الدولة وتكامل أراضيها، فكافة الأقليات دون استثناء تشعر بقلق متزايد حيال ما قد يحمله لها المستقبل في ظل مشهد لم تكتمل كافة ملامحه بعد، خاصة أن التخلص من النفوذ الإيراني بصدد أن يحل محله نفوذ تركي بأجندة خاصة حول مستقبل سوريا التي تتواجد على أرضها 5 قوى عسكرية أجنبية، وهي قوى تركية وروسية وأمريكية وإسرائيلية وبقايا قوات إيرانية ولحزب الله وهو ما يتزامن مع محاولات لـ«أبومحمد الجولاني» للتبرؤ من انتماءاته الإرهابية السابقة لتنظيمي القاعدة وداعش بأفكارهما التي لا تحتوى على أدنى قدر من التسامح مع المعتقدات والثقافات المغايرة، لذا فنحن في حقيقة الأمر أمام أزمة ممتدة لا تجعلنا نتوقع عودة سريعة للأمن والاستقرار للبلاد بما يسمح بالاستجابة لطموحات الشعب السوري في مستقبل أفضل.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات سقوط الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
رئيس المخابرات العراقية يقود وفدا حكوميا إلى سوريا
وصل وفد عراقي حكومي يقوده رئيس المخابرات حميد الشطري العاصمة دمشق -اليوم الجمعة- للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، ولبحث التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين، وفق بيان صادر عن رئاسة الوزراء العراقية.
وقال البيان إنه بتوجيه من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وصل العاصمة السورية وفد رسمي حكومي برئاسة رئيس جهاز المخابرات الوطني.
وأبرز أن الزيارة تتضمن لقاء الوفد بالرئيس السوري وعدد من المسؤولين الحكوميين.
وتأتي الزيارة بعد 10 أيام من لقاء جمع الشرع والسوداني في الدوحة، رعاه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لـ"تعزيز العمل العربي"، وفق بيان لمتحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصاري.
كما تأتي في وقت يرفض فيه عدد من السياسيين العراقيين الموالين لإيران احتمال زيارة الشرع العراق للمشاركة في القمة العربية يوم 17 مايو/أيار المقبل تلبية لدعوة رسمية من بغداد.
ويضم الوفد العراقي -بجانب رئيس المخابرات- مسؤولين عن قيادة قوات الحدود بوزارة الداخلية، ومن وزارتي النفط والتجارة، وهيئة المنافذ الحدودية، وفق البيان ذاته.
وأشار البيان العراقي إلى أن الوفد سيبحث مع الجانب السوري "التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز الترتيبات المتعلقة بتأمين الشريط الحدودي المشترك وتقويتها من أي خروقات أو تهديدات محتملة، وتوسعة فرص التبادل التجاري بما يصب في مصلحة الشعبين الشقيقين".
إعلانكما سيتم "دراسة إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط".
وتتضمن المباحثات التأكيد على "دعم العراق وحرصه على وحدة وسيادة الأراضي السورية، وأهمية استقرار سوريا بالنسبة للأمن الوطني العراقي وأمن المنطقة"، وفق المصدر.
وتُعدّ هذه الزيارة ثاني زيارة لوفد عراقي إلى دمشق تُعلنها بغداد منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد.
وبسطت فصائل سورية في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، سيطرتها على البلاد، منهية 61 عاما من حكم حزب البعث، و53 سنة من سيطرة عائلة الأسد.
ويعتبر العراق من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقة مع نظام بشار الأسد بعد قمعه للاحتجاجات الشعبية التي بدأت عام 2011.
لكن مع سقوط نظام الأسد، قال السوداني إن بلاده "تنسق مع سوريا بشأن تأمين الحدود وعودة اللاجئين ومستعدة لتقديم الدعم، ولا تريد لسوريا أن تكون محطة للصراعات الأجنبية".
في حين أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين يوم 14 فبراير/شباط الماضي أن "العراق ليس لديه تحفظات أو شروط للتعامل مع القيادة السورية الجديدة، بل مجموعة من الآراء المتعلقة برؤيتنا حول مستقبل سوريا، ولكن بالنتيجة القرار والإرادة للشعب السوري نفسه".