للغرب الأطلسي، الأمريكي – الأوروبي، وللكيان الصهيوني الدور الأول والأفعل في زعزعة الاستقرار في عالم العرب، لاسيما في مشرقه. هما يتصارعان مع تركيا وإيران على النفوذ والمصالح في منطقة غرب آسيا الممتدة من شواطئ البحر المتوسط جنوباً إلى بحر قزوين شمالاً. في مواجهة الغرب الأطلسي والكيان الصهيوني تتصدى قوى مقاوِمة عربية متعددة المذاهب والمشارب، أقدمها تاريخاً وتجربةً المقاومةُ الفلسطينية بشتّى فصائلها، أقواها ممارسةً ومثابرةً المقاومةُ اللبنانية المتمثلة بحزب الله وحلفائه من الأحزاب القومية والإسلامية.



تعرّضت قوى المقاومة العربية أخيراً إلى ضربة قاسية نتيجةَ نجاح الولايات المتحدة الأمريكية، بالتوافق مع تركيا وفصائل مسلحة إسلامية الهوى والهوية، في ممارسة ضغوط سياسية وميدانية شديدة، أدت إلى انهيار النظام السياسي السوري وتنحي رأسه، بشار الأسد، ورحيله إلى روسيا. نجمت عن انهيار النظام السوري جملةُ تداعيات وتحديات، لعل أبرزها وأخطرها ثلاثة:

*أولاها، تفكيك وحدة سوريا بما هي «قلب العروبة النابض»، كما كان يحلو لجمال عبد الناصر أن يدعوها، إلى عدّة كيانات ومناطق تسيطر عليها، كليّاً أو جزئياً، اثنتان أو ثلاث طوائف من طوائف سوريا الست والعشرين.

*ثانيتها، قيام «إسرائيل» باحتلال قرى وبلدات ومواقع حاكمة في جنوب سوريا تربو مساحتها على نحو خُمس المساحة الإجمالية للبلاد ما أدى، بالإضافة إلى تداعيات أخرى، إلى تعطيل نشاط المقاومة على جبهة لبنان المواجهة لـِ»إسرائيل» في شمال فلسطين المحتلة.

*ثالثتها، توافر بوادر صراع مصالح وتوجّهات بين الولايات المتحدة وتركيا من جهة، والقوى الوطنية السورية والعربية من جهة أخرى على إعادة تشكيل سوريا دولةً وهويةً وتوجّهاً حضارياً.

هذه التداعيات والتحديات لا تشكّل تهديداً لأمن سوريا القومي وسيادتها فحسب، بل للأمن القومي العربي أيضاً، ما يتطلّب ارتفاع القيادات المسؤولة جميعاً، حاكمين ومعارضين ومقاومين، إلى مستوى الأخطار المحدقة بسوريا، كما بالأمة واتخاذ المواقف والتدابير العملية الكفيلة بمواجهتها والتغلّب عليها، لذا يقتضي أن تدرك القوى الوطنية عموماً وقوى المقاومة الفلسطينية والسورية والعربية خصوصاً، أنها ليست في مواجهة ضارية ضد الكيان الصهيوني العدواني فحسب، بل في مواجهةٍ غير مباشرة أيضاً مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الإقليميين وأذرعها المحليين، ذلك كله يستدعي، في ضوء ما جرى ويجري، استخلاص الدروس والعِبر، والشروع تالياً في وضع استراتيجية جديدة متكاملة للمقاومة العربية، قطرياً وقومياً، تراعي الحقائق والمتطلّبات الآتية:

أولاً: السلاحان الأمضى للعدو الصهيوأمريكي: التفرقة والاقتصاد، تنطوي كينونة معظم بلدان المشرق العربي على تعدّدية عميقة ومؤثّرة، ما حمل دول الغرب الأطلسي، لاسيما الولايات المتحدة، على اعتماد التفريق والتمزيق نهجاً لتفكيك كلٍّ من لبنان وسوريا والعراق إلى مجموعة كيانات ترسو على أسس مذهبية، أو إثنية أو قَبَلية تتنازع في ما بينها، ليسهل على أمريكا كما على «اسرائيل» السيطرة عليها.

إلى ذلك، حرصت الولايات المتحدة على استخدام الاقتصاد والحصار الاقتصادي وسيلةً لإضعاف البلدان العربية المستهدَفَة. ولعل أفعل وأخطر وسائلها في هذا المجال «قانون قيصر»، الذي حرّم على الدول والشركات والهيئات والأفراد التعامل مع سوريا تحت طائلة عقوبات اقتصادية وجزائية وسياسية تُفرض على المخالفين. وقد فعل هذا الإجراء العقابي فعلَه في سوريا (إلى جانب الفساد الهائل المستشري) ما أدى إلى إفقار البلاد وتحويل جيشها، ضباطاً وجنوداً، إلى جماعة من الجياع فاقدي الإرادة والقدرة على القتال.

ثانياً: ضرورة مقاومة أمريكا بالتزامن مع مقاومة «إسرائيل»، تنشط المقاومةُ ضد «إسرائيل» حاليّاً بأشكال متعددة وبدرجات متفاوتة من الفعالية. غير أن ذلك وحده لا يكفي للحدّ من ضراوة الهجمة التي تشنها «إسرائيل» بدعمٍ سافر من الولايات المتحدة، ما يستوجب مقاومة أمريكا بالتزامن مع مقاومة الكيان الصهيوني.

صحيح أن الولايات المتحدة دولة كبرى قوية وغنية ومسيطرة في أنحاء ومواقع شتى في العالم، لكن ذلك لا يحول دون التصدي لها ومواجهتها ودحرها. ألم تُهزم في أفغانستان واضطرت إلى الانسحاب منها بصورة مهينة؟ ألم تُضطر، قبل ذلك، إلى سحب قواتها المحتلة من العراق سنة 2009 تحت وطأة مقاومةٍ فاعلة ومتصاعدة من العراقيين الأحرار؟ نعم، تستطيع فصائل المقاومة العربية مقاومة أمريكا ومشاغلتها في ساحات عدّة وإلحاق الأذى بها وإرهاقها، ذلك أن لا سبيل إلى إلحاق هزيمة كاسحة ونهائية بالكيان الصهيوني، إلاّ بنجاح الفلسطينيين والعرب بإلحاق أضرار وخسائر فادحة بأمريكا تشعر جرّاءها بأن «إسرائيل» باتت عبئاً ثقيلاً عليها.

ثالثاً: المقاومة المجدية هي المقاطعة الشعبية لمنتجات حلفاء «إسرائيل»، في الصراع حاليّاً ما زال ميزان القوى مائلاً لمصلحة العدّو الصهيوأمريكي. ذلك يستوجب، في ضوء التطورات الميدانية والسياسية الأخيرة في لبنان وسوريا، إعادة النظر باستراتيجية قوى المقاومة العربية على نحوٍ يؤدي إلى اعتماد المقاومة المدنية بالدرجة الأولى والتركيز عليها، ذلك لا يعني التخلي عن المقاومة الميدانية، بل إعطاء الأولوية للمقاومة المدنية لأنه، في حال اعتماد المقاطعة الشعبية لمنتجات دول الغرب الأطلسي المتحالفة مع «إسرائيل»، تصبح المقاومة المدنية أوسع وأفعل من المقاومة الميدانية.

لتفعيل المقاومة المدنية، وجوهرها المقاطعة الشعبية لمنتجات دول الغرب الأطلسي المتحالفة مع «إسرائيل»، مسوّغات وشروط أبرزها أربعة:

(ا) أرجحية نجاحها، لأنه لا قدرة البتة للسلطات الحاكمة الممالئة للعدو الصهيوأمريكي على أن تملي على المواطنين وسائر السكان رغبات وأذواق دون غيرها، ما يتيح لهم حرية واسعة في شراء منتجات معينة، أو الامتناع عن شراء واستهلاك منتجات أخرى.

(ب) من شأن المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول المتحالفة مع العدو تشجيع المنتجات الوطنية وتسويقها واستهلاكها، الأمر الذي يعزّز الاقتصاد الوطني بكل مرافقه.

(جـ) إن فعالية حملة المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول المتحالفة مع العدو الصهيوأمريكي تتوقف على مدى اتساعها، الأمر الذي يستوجب أن تكون بشتى فعالياتها على مستوى الوطن العربي برمته.
(د) كلّ ما تقدّم بيانه يستوجب أن تكون لحملة المقاطعة الشعبية المطلوبة قيادة عربية مركزية عليا، وقيادات قطرية متفرّغة لأفرعها الممتدة على مدى عالم العرب، على أن تكون كلها مستقلة تماماً عن السلطات الحاكمة وقادرة على الصمود والمثابرة.

إن عدم الاستهانة بأهمية المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول المتحالفة مع العدو الصهيوأمريكي مبني على وجود طاقات بشرية عربية مليونية مستهلِكة لآلاف ملايين الأطنان من مختلف أصناف المنتجات الأجنبية المدّرة على صانعيها ومسوّقيها الأجانب ودولهم من المداخيل والضرائب تريليونات الدولارات من جهة، ومن جهة أخرى لأن مردودها العملي ايضاً سيكون بالتأكيد كبيراً جداً على الصعيد السياسي والاقتصادي والمعنوي، ما يعزّز قدرات العرب على مواجهة العدو، والتغلب عليه في زمنٍ تشكو فيه الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية المتحالفة معها تداعيات سلبية عالية التكلفة لانعكاس التضخم inflation على اقتصاداتها المنهَكَة.

عسى ألاّ يفوّت المقاومون والنهضويون العرب على فلسطين وشعوب الأمة هذه الفرصة الثمينة.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاطعة غزة الاحتلال المقاطعة مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك من هنا وهناك سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الغرب الأطلسی المتحالفة مع من جهة

إقرأ أيضاً:

أكثر من 200 نقطة بيع لمنتجات الصيد البحري

أكد مدير مراقبة نشاطات الصيد البحري وتربية المائيات وضبط السوق بالوزارة، عبد الرحمان هنتور، أنه تم تخصيص أكثر من 200 نقطة بيع مباشر لمنتجات الصيد البحري وتربية المائيات “من المنتج إلى المستهلك”، على المستوى الوطني خلال شهر رمضان.

وأوضح ذات المسؤول في تصريح لـ/ وأج، أن هذه العملية جاءت بهدف المساهمة في تموين السوق وضبط الأسعار، مُشيرا أن هذه الفضاءات تشمل أكثر من 150 نقطة بيع مباشرة متعاقدة مع الغرفة الجزائرية. للصيد البحري وتربية المائيات (مسمكات خاصة) إضافة إلى أكثر من 50 نقطة بيع تابعة للديوان الوطني لأغذية الأنعام (أوناب).

وتخص العملية على وجه الخصوص، سمك القاجوج “الدوراد” بنوعيه الكبير والصغير بسعر “يتراوح في حدود 1250 دج/كغ”. والبلطي الأحمر “التيلابيا” بسعر “لا يتعدى 600 دج/كغ”، بالإضافة إلى مختلف منتجات التعليب من تونة وسردين بأسعار المصنّع. حسب ذات المتحدث.

وهذه السنة انضم “أوناب” لهذه العملية منذ شهرين، ببيع منتجات الصيد البحري وتربية المائيات. عبر نقاط بيعه المباشرة المتواجدة بوسط، شرق وغرب البلاد، وذلك “تنفيذا لتعليمات وزير القطاع، يوسف شرفة. وكذا في إطار التحضيرات الاستباقية لشهر رمضان”، حسب هنتور. الذي أشار إلى أن هذا الإجراء الذي “سيستمر طوال السنة، لاقى استحسانا وإقبالا من طرف المواطنين”.

وفي ذات السياق، يرتقب انضمام بعض نقاط البيع المباشر التابعة للشركة الجزائرية للحوم الحمراء “ألفيار” لهذه العملية المباشرة. فضلا عن “تخصيصها لشاحنة منتقلة مخصصة لبيع منتجات الصيد البحري وتربية المائيات. تجوب مختلف بلديات العاصمة خلال شهر رمضان”، يضيف مدير مراقبة نشاطات الصيد البحري وتربية المائيات وضبط السوق.

وأكد هنتور أن هذه الإجراءات تهدف إلى “تمكين أكبر عدد من المواطنين من اقتناء الأسماك الطازجة المنتجة محليا بأسعار تنافسية. عبر ضمان تموين مباشر من المنتج إلى المستهلك”.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • زيلينسكي: نعوّل على دعم الولايات المتحدة لإحلال السلام
  • استباقا لأي اتفاق أمريكي روسي.. 10 حلفاء تقليديين لواشنطن يجتمعون في لندن اليوم
  • أول عقوبة من أوروبا ضد الولايات المتحدة
  • ترامب: ترحيل 8326 مهاجرا غير نظامى من الولايات المتحدة
  • عاجل | ماركو روبيو: إدارة ترامب ستستمر في استخدام كل الأدوات المتاحة للوفاء بالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل
  • ارتفاع صاروخي في أسعار اللحوم بالأقاليم الجنوبية يشعل غضب الساكنة وموجة مقاطعة تلوح في الأفق
  • ترامب: 8326 مهاجرا غير نظامي تم ترحيلهم من الولايات المتحدة
  • ترامب: 8326 مهاجرا غير نظامى تم ترحيلهم من الولايات المتحدة
  • الضربات التي أوجعت الولايات المتحدة!!
  • أكثر من 200 نقطة بيع لمنتجات الصيد البحري