المقاومة المجدية: مقاطعة شعبية لمنتجات حلفاء «إسرائيل»
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
للغرب الأطلسي، الأمريكي – الأوروبي، وللكيان الصهيوني الدور الأول والأفعل في زعزعة الاستقرار في عالم العرب، لاسيما في مشرقه. هما يتصارعان مع تركيا وإيران على النفوذ والمصالح في منطقة غرب آسيا الممتدة من شواطئ البحر المتوسط جنوباً إلى بحر قزوين شمالاً. في مواجهة الغرب الأطلسي والكيان الصهيوني تتصدى قوى مقاوِمة عربية متعددة المذاهب والمشارب، أقدمها تاريخاً وتجربةً المقاومةُ الفلسطينية بشتّى فصائلها، أقواها ممارسةً ومثابرةً المقاومةُ اللبنانية المتمثلة بحزب الله وحلفائه من الأحزاب القومية والإسلامية.
تعرّضت قوى المقاومة العربية أخيراً إلى ضربة قاسية نتيجةَ نجاح الولايات المتحدة الأمريكية، بالتوافق مع تركيا وفصائل مسلحة إسلامية الهوى والهوية، في ممارسة ضغوط سياسية وميدانية شديدة، أدت إلى انهيار النظام السياسي السوري وتنحي رأسه، بشار الأسد، ورحيله إلى روسيا. نجمت عن انهيار النظام السوري جملةُ تداعيات وتحديات، لعل أبرزها وأخطرها ثلاثة:
*أولاها، تفكيك وحدة سوريا بما هي «قلب العروبة النابض»، كما كان يحلو لجمال عبد الناصر أن يدعوها، إلى عدّة كيانات ومناطق تسيطر عليها، كليّاً أو جزئياً، اثنتان أو ثلاث طوائف من طوائف سوريا الست والعشرين.
*ثانيتها، قيام «إسرائيل» باحتلال قرى وبلدات ومواقع حاكمة في جنوب سوريا تربو مساحتها على نحو خُمس المساحة الإجمالية للبلاد ما أدى، بالإضافة إلى تداعيات أخرى، إلى تعطيل نشاط المقاومة على جبهة لبنان المواجهة لـِ»إسرائيل» في شمال فلسطين المحتلة.
*ثالثتها، توافر بوادر صراع مصالح وتوجّهات بين الولايات المتحدة وتركيا من جهة، والقوى الوطنية السورية والعربية من جهة أخرى على إعادة تشكيل سوريا دولةً وهويةً وتوجّهاً حضارياً.
هذه التداعيات والتحديات لا تشكّل تهديداً لأمن سوريا القومي وسيادتها فحسب، بل للأمن القومي العربي أيضاً، ما يتطلّب ارتفاع القيادات المسؤولة جميعاً، حاكمين ومعارضين ومقاومين، إلى مستوى الأخطار المحدقة بسوريا، كما بالأمة واتخاذ المواقف والتدابير العملية الكفيلة بمواجهتها والتغلّب عليها، لذا يقتضي أن تدرك القوى الوطنية عموماً وقوى المقاومة الفلسطينية والسورية والعربية خصوصاً، أنها ليست في مواجهة ضارية ضد الكيان الصهيوني العدواني فحسب، بل في مواجهةٍ غير مباشرة أيضاً مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الإقليميين وأذرعها المحليين، ذلك كله يستدعي، في ضوء ما جرى ويجري، استخلاص الدروس والعِبر، والشروع تالياً في وضع استراتيجية جديدة متكاملة للمقاومة العربية، قطرياً وقومياً، تراعي الحقائق والمتطلّبات الآتية:
أولاً: السلاحان الأمضى للعدو الصهيوأمريكي: التفرقة والاقتصاد، تنطوي كينونة معظم بلدان المشرق العربي على تعدّدية عميقة ومؤثّرة، ما حمل دول الغرب الأطلسي، لاسيما الولايات المتحدة، على اعتماد التفريق والتمزيق نهجاً لتفكيك كلٍّ من لبنان وسوريا والعراق إلى مجموعة كيانات ترسو على أسس مذهبية، أو إثنية أو قَبَلية تتنازع في ما بينها، ليسهل على أمريكا كما على «اسرائيل» السيطرة عليها.
إلى ذلك، حرصت الولايات المتحدة على استخدام الاقتصاد والحصار الاقتصادي وسيلةً لإضعاف البلدان العربية المستهدَفَة. ولعل أفعل وأخطر وسائلها في هذا المجال «قانون قيصر»، الذي حرّم على الدول والشركات والهيئات والأفراد التعامل مع سوريا تحت طائلة عقوبات اقتصادية وجزائية وسياسية تُفرض على المخالفين. وقد فعل هذا الإجراء العقابي فعلَه في سوريا (إلى جانب الفساد الهائل المستشري) ما أدى إلى إفقار البلاد وتحويل جيشها، ضباطاً وجنوداً، إلى جماعة من الجياع فاقدي الإرادة والقدرة على القتال.
ثانياً: ضرورة مقاومة أمريكا بالتزامن مع مقاومة «إسرائيل»، تنشط المقاومةُ ضد «إسرائيل» حاليّاً بأشكال متعددة وبدرجات متفاوتة من الفعالية. غير أن ذلك وحده لا يكفي للحدّ من ضراوة الهجمة التي تشنها «إسرائيل» بدعمٍ سافر من الولايات المتحدة، ما يستوجب مقاومة أمريكا بالتزامن مع مقاومة الكيان الصهيوني.
صحيح أن الولايات المتحدة دولة كبرى قوية وغنية ومسيطرة في أنحاء ومواقع شتى في العالم، لكن ذلك لا يحول دون التصدي لها ومواجهتها ودحرها. ألم تُهزم في أفغانستان واضطرت إلى الانسحاب منها بصورة مهينة؟ ألم تُضطر، قبل ذلك، إلى سحب قواتها المحتلة من العراق سنة 2009 تحت وطأة مقاومةٍ فاعلة ومتصاعدة من العراقيين الأحرار؟ نعم، تستطيع فصائل المقاومة العربية مقاومة أمريكا ومشاغلتها في ساحات عدّة وإلحاق الأذى بها وإرهاقها، ذلك أن لا سبيل إلى إلحاق هزيمة كاسحة ونهائية بالكيان الصهيوني، إلاّ بنجاح الفلسطينيين والعرب بإلحاق أضرار وخسائر فادحة بأمريكا تشعر جرّاءها بأن «إسرائيل» باتت عبئاً ثقيلاً عليها.
ثالثاً: المقاومة المجدية هي المقاطعة الشعبية لمنتجات حلفاء «إسرائيل»، في الصراع حاليّاً ما زال ميزان القوى مائلاً لمصلحة العدّو الصهيوأمريكي. ذلك يستوجب، في ضوء التطورات الميدانية والسياسية الأخيرة في لبنان وسوريا، إعادة النظر باستراتيجية قوى المقاومة العربية على نحوٍ يؤدي إلى اعتماد المقاومة المدنية بالدرجة الأولى والتركيز عليها، ذلك لا يعني التخلي عن المقاومة الميدانية، بل إعطاء الأولوية للمقاومة المدنية لأنه، في حال اعتماد المقاطعة الشعبية لمنتجات دول الغرب الأطلسي المتحالفة مع «إسرائيل»، تصبح المقاومة المدنية أوسع وأفعل من المقاومة الميدانية.
لتفعيل المقاومة المدنية، وجوهرها المقاطعة الشعبية لمنتجات دول الغرب الأطلسي المتحالفة مع «إسرائيل»، مسوّغات وشروط أبرزها أربعة:
(ا) أرجحية نجاحها، لأنه لا قدرة البتة للسلطات الحاكمة الممالئة للعدو الصهيوأمريكي على أن تملي على المواطنين وسائر السكان رغبات وأذواق دون غيرها، ما يتيح لهم حرية واسعة في شراء منتجات معينة، أو الامتناع عن شراء واستهلاك منتجات أخرى.
(ب) من شأن المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول المتحالفة مع العدو تشجيع المنتجات الوطنية وتسويقها واستهلاكها، الأمر الذي يعزّز الاقتصاد الوطني بكل مرافقه.
(جـ) إن فعالية حملة المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول المتحالفة مع العدو الصهيوأمريكي تتوقف على مدى اتساعها، الأمر الذي يستوجب أن تكون بشتى فعالياتها على مستوى الوطن العربي برمته.
(د) كلّ ما تقدّم بيانه يستوجب أن تكون لحملة المقاطعة الشعبية المطلوبة قيادة عربية مركزية عليا، وقيادات قطرية متفرّغة لأفرعها الممتدة على مدى عالم العرب، على أن تكون كلها مستقلة تماماً عن السلطات الحاكمة وقادرة على الصمود والمثابرة.
إن عدم الاستهانة بأهمية المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول المتحالفة مع العدو الصهيوأمريكي مبني على وجود طاقات بشرية عربية مليونية مستهلِكة لآلاف ملايين الأطنان من مختلف أصناف المنتجات الأجنبية المدّرة على صانعيها ومسوّقيها الأجانب ودولهم من المداخيل والضرائب تريليونات الدولارات من جهة، ومن جهة أخرى لأن مردودها العملي ايضاً سيكون بالتأكيد كبيراً جداً على الصعيد السياسي والاقتصادي والمعنوي، ما يعزّز قدرات العرب على مواجهة العدو، والتغلب عليه في زمنٍ تشكو فيه الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية المتحالفة معها تداعيات سلبية عالية التكلفة لانعكاس التضخم inflation على اقتصاداتها المنهَكَة.
عسى ألاّ يفوّت المقاومون والنهضويون العرب على فلسطين وشعوب الأمة هذه الفرصة الثمينة.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاطعة غزة الاحتلال المقاطعة مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك من هنا وهناك سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الغرب الأطلسی المتحالفة مع من جهة
إقرأ أيضاً:
يديعوت: إسرائيل تسعى لتقاسم النفوذ في سوريا مع تركيا
تتجه إسرائيل إلى طرح رؤية جديدة في التعامل مع ما تعتبره تهديدات إقليمية قادمة من الساحة السورية بحيث تتجنب مواجهة مباشرة مع أنقرة، وذلك بتقديم عرض غير معلن لتقاسم مناطق النفوذ هناك مع القوى الكبرى، في مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، مقابل ضمان استمرار احتفاظ إسرائيل بالمنطقة العازلة في الجولان.
ففي تحليل عسكري مطول نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، عبّر المحلل العسكري الأبرز رون بن يشاي عن قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مما وصفه بمحاولة تركيا ملء الفراغ الناتج عن تفكك نظام بشار الأسد، وتقديم نفسها كقوة مهيمنة بديلة في سوريا، عبر تشكيل "محور إسلامي سني" ليحل محل "المحور الشيعي بقيادة إيران".
وقال بن يشاي إن إسرائيل بعثت برسالة واضحة لأنقرة عبر سلسلة هجمات جوية مركّزة شنّها سلاح الجو الإسرائيلي الأسبوع الماضي، استهدفت 4 قواعد جوية عسكرية سورية، أبرزها مطار "تي 4" (T-4) في محافظة حمص، وذلك بزعم نية تركيا إدخال أنظمة رادارات ودفاعات جوية إلى هذه القواعد.
وقد جاء هذا التحرك بعد يوم واحد فقط من تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيها "ندعو الله أن يقهر الكيان الصهيوني الظالم".
وتزامن الرد الإسرائيلي مع تحذيرات مباشرة أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس للرئيس السوري أحمد الشرع، فيما بدا وكأنه يحمّل دمشق مسؤولية أي تموضع لقوات "معادية لإسرائيل" على الأراضي السورية.
إعلانوقال كاتس: "لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل"، مضيفًا أن الهجمات الجوية في محيط دمشق وحماة "هي رسالة تحذير للمستقبل".
ورغم أن تركيا لم تُذكر صراحة في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فإن بن يشاي يؤكد أن الرسالة كانت موجهة بشكل مباشر للرئيس أردوغان، وتهدف إلى "منع ترسيخ الوجود التركي العسكري في جنوب سوريا".
ويسلط المحلل العسكري الضوء على ما يصفه بـ"إستراتيجية العثمانيين الجدد"، التي تسعى من خلالها تركيا إلى إعادة تموضعها كقوة إقليمية ذات نفوذ في الشرق الأوسط، من خلال استغلال كل فراغ سياسي وأمني في دول الإقليم.
ووفق بن يشاي، فإن تركيا أقامت قواعد عسكرية دائمة في 8 دول منها شمال سوريا وشمال العراق في إطار طموحاتها للسيطرة على خطوط الطاقة والغاز شرق البحر المتوسط، ولعرقلة مشاريع إسرائيلية مصرية في هذا المجال.
ويعتبر المحلل أن طموحات تركيا الاقتصادية للسيطرة لا تقف فقط على حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، ولكنها تسعى أيضا لمنع دول البحر المتوسط من تجارة الغاز ونقله مع أوروبا، ولذلك فهي تسعى لمنع بناء خط أنابيب غاز تحت الماء يفترض أن ينقل الغاز من مصر وإسرائيل وقبرص إلى أوروبا، وهو ما يشكل عاملا رئيسيا في الاحتكاك بين إسرائيل وتركيا، حسب قوله.
كما يشير إلى أن تركيا لا تخفي علاقتها الوثيقة بالتنظيمات العسكرية السنية التي قاتلت النظام السوري، لا سيما "هيئة تحرير الشام" التي قادها الرئيس السوري الحالي، والذي تقول مصادر إسرائيلية إنه تلقى عرضًا من أنقرة لإعادة بناء الجيش السوري من مقاتلي الهيئة.
من منظور أمني، يرى بن يشاي أن السيناريو الأخطر الذي تخشاه إسرائيل هو أن يتحول الجيش السوري إلى ما يشبه "جيشا سنيا مواليا لتركيا" يتمركز في جنوب سوريا، ويشكّل تهديدًا مشابهًا لما تمثله حركة حماس في قطاع غزة، أو حزب الله على الحدود الشمالية.
ويؤكد أن إسرائيل تعلّمت من درس "السابع من أكتوبر"، ولذلك فهي لن تسمح لأي تموضع عسكري قريب من حدودها، مشيرًا إلى أن وجود بطاريات دفاع جوي تركية في مطارات مثل T-4 وحمص وحماة، قد يشل قدرة إسرائيل على تنفيذ ضربات جوية تصفها بالوقائية ضد أهداف في سوريا أو حتى في إيران.
ويكشف المحلل العسكري أن القلق العميق لدى الأجهزة الأمنية لا يقتصر على التهديدات المباشرة، بل يتعداها إلى المخاوف من تشكل "محور إخواني سني" تقوده تركيا ويمتد من شمال سوريا، إلى الأردن، والضفة الغربية، وغزة، على أنقاض ما كان يُعرف بمحور المقاومة الشيعي بقيادة إيران.
إعلانويضيف أن هذه الرؤية الإسرائيلية باتت أكثر وضوحًا بعد انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وهو الحدث الذي فتح الباب أمام سباق على النفوذ في سوريا بين مختلف القوى.
دعوة لتقاسم النفوذ
ورغم التصعيد العسكري، فإن الصحيفة تكشف أن إسرائيل لا تستبعد التفاهم مع تركيا على تقاسم النفوذ في سوريا، ضمن خطة أوسع تنسقها الولايات المتحدة، وتوزع النفوذ فيها كالتالي: روسيا في الساحل الغربي، تركيا في الشمال، إسرائيل في الجنوب، والولايات المتحدة في الشرق الغني بالنفط، على أن تدار بقية المناطق من قبل نظام مؤقت، بانتظار تشكّل حكومة سورية مستقرة خلال عدة سنوات.
ورغم الخصومة الأيديولوجية مع تركيا، يرى بن يشاي أن لدى إسرائيل قدرة على التواصل معها بوسائل دبلوماسية، بخلاف الوضع مع إيران. فأنقرة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وحليف للولايات المتحدة، كما أن قنوات الاتصال الاستخباري والاقتصادي بين البلدين لا تزال فعالة، رغم الخلافات الحادة حول حماس والقضايا الإقليمية.
ويختم المحلل مقاله بالإشارة إلى أن قضية الوجود التركي في سوريا ستكون من أبرز الملفات التي ستُطرح في القمة المرتقبة هذا الأسبوع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى جانب قضايا أخرى ملحة مثل النووي الإيراني والأسرى في غزة.