الهيدروجين الأخضر.. هل يتحول شمال أفريقيا إلى مزود عالمي للطاقة النظيفة؟
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
توقع تقرير حديث أن يصبح شمال أفريقيا مصدرا رئيسيا للهيدروجين الأخضر، بحلول عام 2050، فيما تكون أوروبا السوق الرئيسي لصناعة لا تزال في مهدها.
ويتوقع التقرير أن يعيد الهيدروجين الأخضر "رسم خريطة الطاقة والموارد العالمية في وقت مبكر من عام 2030، وإنشاء سوق قيمتها 1.4 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2050"، وفقا لتقرير صادر عن شركة ديلويت للاستشارات.
يعد وقود الهيدروجين الذي يمكن إنتاجه من الغاز الطبيعي أو الكتلة الحيوية أو الطاقة النووية، "أخضر" وينتج عند انفصال جزيئات الهيدروجين عن الماء باستخدام كهرباء مستمدة من مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي لا تنتج انبعاثات كربونية.
يقول الخبير في المناخ، محمد بنعبو، إن "شمال أفريقيا منطقة مؤهَّلة لأن تلعب دورا طلائعيا في استعمال الطاقة المتجددة".
ويشير الخبير في حديث لموقع "الحرة" إلى أن دول شمال أفريقيا من المحتمل أن تحتل مراتب جد متقدمة في الانتقال الطاقي نحو الطاقات النظيفة، لكن لا تمتلك جميعها نفس الظروف المناخية والجغرافية لتكون التلميذ النجيب في مؤشرات الأداء الطاقي".
ويتابع "ويعود أحد أهم عوامل هذا التباين إلى كلفة إنتاج الطاقات المتجددة المرتفعة حاليا رغم تراجع هذه الكلفة نسبيا، وفي هذا الإطار يلعب المغرب دورا مهما في إنتاج الطاقات النظيفة مما يجعل من المملكة المغربية من بين الدول الأربع الكبرى في العمل المناخي، بينما على المدى الطويل، ستستفيد معظم دول شمال أفريقيا من مناخها المواتي لاستخدام الطاقة الشمسية والريحية وهذا ما سيزيد من قدرتها التنافسية في المجال الطاقي".
هدف غير سهلويعتبر أقل من واحد في المئة من إنتاج الهيدروجين في العالم مؤهلا حاليا ليُصنَّف "أخضر".
لكن أزمة المناخ، مقترنةً بالاستثمارات الخاصة والعامة، تسببت في نمو سريع في هذا القطاع.
وأشارت مجموعة الضغط "هيدروجين كاونسل" إلى أن هناك أكثر من ألف مشروع هيدروجين قيد التنفيذ في كل أنحاء العالم.
وأوضحت أن المشاريع، التي أطلقت قبل عام 2030، ستتطلب استثمارات بحوالي 320 مليار دولار.
تقول الناشطة والباحثة البيئية، نادية حيمتي، إن الهيدروجين الأخضر هو طاقة نظيفة ولكي ينتج يجب أن يلجأ لوسائل نظيفة بديلة عن الإنتاج الأحفوري وألا تكون معتمدة على البترول أو الفحم".
ورغم توقعات التقرير، تقول حميتي في حديث لموقع "الحرة" إن بلدان شمال أفريقيا لا تزال غير قادرة على التخلي عن الطاقات الأحفورية.
وترى الباحثة أن الهيدروجين الأخضر هو "حل طموح جدا، لكنه يستوجب تقنيات واستثمارات مرتفعة لإنتاجه، إذ أن إنتاجه يتطلب شروطا، وحتى نقله يتطلب شروطا" أيضا.
وتتابع في حديثها "نحن كدول متضررة من التغيرات المناخية، كقلة المياه والحرائق، سنساهم في الحل كدول متضررة، لذلك هذه المشاريع يجب أن تُموَّل بمنح، وليس بقروض، لأنه ليس من غير المعقول مطالبة بلدان متضررة بالمساهمة في حل أزمة لم تساهم فيها"، بحسب تعبيرها.
ومن فوائد الهيدروجين الأخضر، بحسب حميتي، أنه "سيساعد في مواجهة التغيرات المناخية وكذلك الوصول إلى الأهداف ومن بينها عدم تجاوز نسبة 1.5 درجة حرارة في أفق 2030".
وبحلول عام 2050، بحسب شركة ديلويت، من المرجح أن تكون المناطق الرئيسية المصدّرة للهيدروجين الأخضر شمال أفريقيا (110 مليارات دولار سنويا) وأميركا الشمالية (63 مليارا) وأستراليا (39 مليارا) والشرق الأوسط (20 مليارا).
ويمكن افتراض أن تقارير الاستشارات الإدارية تعكس مصالح عملائها من الشركات، بما فيها بعض أكبر الجهات المُلوَّثة بالكربون.
لكن الحاجة إلى تلبية الأهداف المناخية والإعانات السخية، ترفع الطلب على الطاقة النظيفة بكل أنواعها، بما فيها الهيدروجين الأخضر.
كما تسعى صناعات الطيران والشحن لمسافات طويلة، والتي لا يتوافر فيها نوع البطاريات الكهربائية التي تستخدم في المركبات البرية، إلى استخدام الهيدروجين بديلا عن الوقود الأحفوري.
شمس ورياحكذلك، يمكن لظهور سوق هيدروجين نظيف من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أن يجعل الصناعة أكثر شمولا للبلدان النامية، بحسب التقرير.
كما سيسمح لصناعات الصلب في بلدان الجنوب، على سبيل المثال، بوقف استخدام الفحم.
ورغم ذلك، في الوقت الحالي، ما زال 99 في المئة من الإنتاج العالمي "رماديا"، أي أنه يتم إنتاج الهيدروجين عبر فصل جزيئات الميثان، ما يتسبب في إطلاق غازات دفيئة بصرف النظر عن نوع الطاقة المستخدمة لإتمام العملية.
أما الأسلوب الأخضر، فيطلق الهيدروجين من جزيئات الماء الخالية من الكربون (H2O) باستخدام تيار كهربائي من مصدر طاقة متجددة.
تجربة في بدايتهاتقول شادن دياب، المختصة في الطقس والتغير المناخي، إن "الهيدروجين الأخضر له فوائد على البيئة، لكن التكنولوجيا المتعلقة به لا تزال في بدايتها، ويجب أن ننتظر لنرى إن كانت أسعار إنتاجه قادرة على منافسة إنتاج الوقود الأحفوري".
وترى الخبيرة أن هناك تحديات كبيرة، مشيرة إلى أنه "نحن في مرحلة علينا أن ننجح في ممارسة التكنولوجيا التقنية وأن تكون النتائج بأسعارها قابلة لمنافسة الوقود الأحفوري".
وعن فوائده، ترى ديان أن إنتاجه "قد ينعكس بشكل كبير في تنشيط الصناعة في شمال أفريقيا والمغرب أيضا وتصدير الطاقة إلى أوروبا، وهو ما يمكن أن يكون تجارة ناجحة تنشّط سوق العمل في شمال أفريقيا".
وتخلص المختصة أنه، مع ذلك، تبقى هناك "تحديات صناعية من أجل إنجاح العملية في السوق الداخلية ثم العمل على إنجاحها في السوق الخارجية".
وقال سيباستيان دوغيه، مدير فريق ديلويت للطاقة والنمذجة والمؤلف المشارك للتقرير الذي يستند إلى بيانات للوكالة الدولية للطاقة، إن هذا هو المكان الذي قد يكون لشمال أفريقيا دور رئيسي لتأديته.
وأوضح لوكالة فرانس برس "نحن نرى أن عددا من دول شمال أفريقيا، مثل المغرب ومصر، مهتمة بمسألة الهيدروجين، وأن 'استراتيجيات هيدروجين' تعلن هناك بعد بضع سنوات فقط من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".
وأشار إلى أن "المغرب لديه إمكانات قوية جدا لطاقة الرياح التي غالبا ما تكون مُتجاهلة، وإمكانات كبيرة للطاقة الشمسية، ومصر لديها الوسائل اللازمة لتصبح المصدّر الرئيسي للهيدروجين إلى أوروبا، في عام 2050، بفضل خط أنابيب قائم للغاز الطبيعي" يمكن تكييفه لنقل الهيدروجين.
يقول الخبير بنعبو في حديثه لموقع "الحرة" إن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يساهم في دعم اقتصاد دول شمال أفريقيا، بالأخص مع إقبال دول الخليج على هذه الطاقة.
ويشير الخبير إلى أن "العديد من الدول العربية من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتجه نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر بالموازاة مع تزايد الطلب العالمي على استهلاك هذه المادة الحيوية، خصوصا مع تهافُت دول الاتحاد الأوروبي عليها".
ويتابع أن "الإنتاج المُكثَّف للهيدروجين الأخضر بدول شمال أفريقيا سيعود بالنفع على اقتصاد هذه الدول ابتداء من التكوين الجامعي والعالي المتخصص في المجال الطاقي، وبالتالي تقوية قدرات الكفاءات الوطنية وتشغيل اليد العاملة المتخصصة في المجال، بالإضافة إلى الاستثمارات الكبرى في البنى التحتية من أجل مواكبة هذه المشاريع، إذ سيكون لها الوقع الإيجابي على الاقتصاد".
وتوقّع التقرير أن ينتهي الاستثمار، بحلول عام 2040، لاحتجاز الكربون وتخزينه كحل لانبعاثات الهيدروجين القائم على الميثان، وهي الاستراتيجية الحالية لدول الخليج الغنية بالنفط، وكذلك الولايات المتحدة والنرويج وكندا، وهذا الهيدروجين المنتج بهذه الطريقة لا يُصنّف أخضر بل "أزرق".
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
مؤتمر منتدى البحوث الاقتصادية «ERF» يناقش التحول نحو الطاقة النظيفة
ناقشت جلسة حوارية ضمن فعاليات مؤتمر منتدى البحوث الاقتصادية (ERF) بعنوان «المسارات الوطنية نحو الطاقة النظيفة والنمو المستدام: تونس والمغرب»، ضرورة أن تكون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر محور استراتيجيات التحول الطاقي، مما يستلزم إصلاحات واضحة، وحوافز مالية مستهدفة، وبرامج لبناء القدرات لتعزيز دورها في الاقتصاد الأخضر.
دور الطاقة المتجددة في التنمية الاقتصاديةأدار الجلسة الدكتور أشرف العربي رئيس معهد التخطيط القومي، حيث تناولت الجلسة دور الطاقة المتجددة في التنمية الاقتصادية، وأهمية دمج المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر (MSMEs) في عملية التحول الطاقي.
تمكين الشباب والنساءواستهدف المؤتمر تسليط الضوء على التحديات والفرص التي تواجهها هذه المؤسسات، مع التركيز على خلق فرص عمل خضراء وتمكين الشباب والنساء، ولذا يعد المؤتمر حدثًا مهمًا بمشاركة عدد كبير من الخبراء لدعم السياسات والبحوث من اجل تحقيق تنمية مستدامة وشاملة في المنطقة.
وتضمنت الجلسة عروضًا لأوراق بحثية قدمها مجموعة من الخبراء، وهم: الدكتور عادل بن يوسف، جامعة كوت دازور ومنتدى البحوث الاقتصادية، الذي تناول تجربة تونس في التحول الطاقي، في حين استعرض البروفيسور، مايكل تانشوم، معهد الشرق الأوسط استراتيجية المغرب في مجال الطاقة الخضراء.
السياسات الخاصة بالطاقة النظيفةكما شارك في الجلسة كل من سونيا محامدي، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية - تونس، مونجيونج لي، منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وخالد غزلاني المركز الدولي لبحوث التنمية، حيث ناقشوا السياسات الخاصة بالطاقة النظيفة، وتحفيز الاستثمارات، ودور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في هذا التحول.أكد المشاركون في الجلسة أنه على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته تونس والمغرب في تبني الطاقة المتجددة، إلا أن التحديات المالية والعوائق التنظيمية، إلى جانب الحاجة إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص، لا تزال تمثل عقبات رئيسية.
جدير بالذكر أنَّ منتدى البحوث الاقتصادية (ERF) يعقد مؤتمره السنوي هذا العام لمناقشة دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحرفية (MSMEs) في دعم التحول نحو الطاقة النظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.