(فَلَنْ يَهْتَدُوا إذًا أَبَداً)
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
طاهر القادري
هكذا وصف الله تعالى صنفاً منَ الناسِ المعْرضين عنْ آياتِ الله، وعن هَدْيهِ، ووصفهم بِأنهم أظلمُ الناس على الإطلاق حين قال: (ومَنْ أظلمُ مِمّنْ ذُكٌرَ بِآيات رَبّهِ فأَعْرَضَ عَنْهَا ونَسِيَ مَا قَدّمَتْ يَدَاهُ إنّا جعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوهُ وفي آذانِهم وقراً وَإنْ تدْعُهُمْ إلى الهُدى فلنْ يهتدوا إذًا أبَدَاً) صدق الله العظيم.
هذا كلام الله تعالى “القرآن الكريم”، الذي تؤمن به الأُمَّــة بمختلف فئاتها وأحزابها، وطوائفها.
ولكنّ البعض ينظرون إلى القرآن على أنه كتاب تحدّثَ عن أُولئك الناس الذين كانوا على عهد رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” وانتهى الأمر، وأن نصيبنا نحن -الذين لم يعاصروا نزوله- فقط هوَ أنْ نتعبّدَ اللهَ به ونتلوه في الصلاة ونحفظه وما إلى ذلك.
وهذه نظرةٌ خاطئة؛ لِأنّها تجعلنا ننظرُ إلى القرآن كتاب جامد وميت إن صح التعبير، بينما القرآن كتاب صالح لكل زمان ومكان، كتاب متجدد، كتاب عملي متحَرّك بحركة الحياة، كتابُ هدايةٍ، ليس منفصلا عن الله أَو بمنأى عن الله تبارك وتعالى، بل هوَ دستورٌ وراءه الحي القيوم، عالم الغيب والشهادة؛ لذلك يقول الله تعالى عنه: (وَإنّهُ لَكِتَابٌ عزيزٌ لا يأتيهِ البَاطِلُ مِنْ بين يديهِ ولا مِنْ خَلفهِ تنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حميد).
عندما نصحّح نظرتنا إلى القرآن سوف نهتدي به، وسوف يُعَلّمنا ويُرشِدُنَا؛ لأنّه تحدثَ عن سُنَن تعتبرُ مقاييساً ثابتةً لا نِقَاشَ ولا جِدَالَ فيها.
فَنَأْتي لِنُقَيّمَ أنفسنا أولا من خلاله، ثم لِنُقَيّمَ النّاسَ مِنْ حولِنا، ومِنْ ثَمّ نُقَيّمُ الواقع والأحداثَ في هذا العالم، القرآن لا يدعوا الناس إلى أن يحفظوهُ في زوايا المسجدِ فقط وأن يكونوا منعزلين عن العالمِ.. لا.
بل يدفع الناس إلى الاهتمام بأمور الآخرين والاحتكاك بالناس لمعرفة قضاياهم ومشاكلهم ومما يجسد ذلك “الحجّ” أَيْـضاً الصلاةُ في جماعةٍ يعني هذا دين أُمَّـة ليس ديناً فردياً أبداً.
أيْ أنهُ يُربي النّاس أن يكون لهُمْ مواقف تُجَسّدُ إيمَانهُم باللهِ، أين تَتجلى هذه المواقف؟؟
في وسط أُمَّـة فيها الكافرون والمنافقون، والمشركون؛ ليُقدّمَ المؤمنون شاهداً على عظمةِ دين اللهِ، ونُموذجاً يُجَسدُ مبادئَ وقيمَ ورحمةَ وعزّةَ وعظَمَةَ هذا الدين؛ باعتبَار الصراع قائمٌ بين الحق والباطل إلى قيام الساعة.
نموذج هذا الصراع تجلى في أرض “فلسطين” بين الحقّ الذي لا غبار عليه وهُمْ الشعب الفلسطيني المظلوم والمعتدى عليه، وبين الباطل الذي لا غبارَ عليهِ، وهم اليهود الغاصبون الظالمون المعتدون المجرمون المفسدون في الأرض.
قَدّمَ المجاهدون في “فلسطين” أعظم نموذجٍ لدين الله، جسدوا حنكة وصبر وجهاد رسول الله، فهُمْ عندما قرأوا قول الله (كُتِبَ عليكم القتال وهو كُرْهٌ لكم) تحَرّكوا وقدّموا التضحيات واستُشْهِدوا في سبيل الله.
وجَسّدَ أهل “غزة” المجتمع الحاضن، كأنهم “الأنصار” صبروا رغم المعاناة والنزوح والجوع، لم نسمع أحدا يقول هذه “المقاومة” تسببت لنا في هذا على الإطلاق، مجتمعٌ عظيمٌ.
جسّدوا قول الله (والصّابرين في البأساء والضراء وحين البأس)
وتحَرّك الكثير مِنْ أحرار العالم لمُناصرة الشعب الفلسطيني وفي مقدمة من تحَرّك “حزبُ الله” وأيضاً “أنصار الله”.
بِدافع إيمانيٍ واستشعار عظيمٍ للمسؤولية، وتحَرّك الكثير من أبناء الأُمَّــة للتشكيك في مصداقيةِ وأحَقيةِ هؤلاء الذينَ تحَرّكوا.
فقالوا: هؤلاء حزب الله هُم شيعة، وهم وإسرائيل متفقون، وهم وجهان لعملة واحدة، وإلا لِمَاذا إسرائيل لا تستهدفُ “حسن نصر الله”؟؟
ولماذا… ولماذا…
استهدفت إسرائيل “السيد نصر الله” فَسَكتوا وخمدوا لأَنّهم يحْمِلُونَ هذه الروحية (وَإنْ تدْعُهُمْ إلى الهُدى فلنْ يهتدوا إذًا أبَدَاً).
والبعض الآخر الذين أصبحوا يهودا بلا زنانير احتفلوا وفرحوا.
واليوم همْ يشككون في صدق الموقف اليمني وقيادته؛ لِأنهم عاجزون عن أن يقوموا بِأيّ موقف؛ ولأنهم في مواقع مسؤوليات، دُعاة وخطباء، وعلماء، ولهم أتباع يقولون لهم ماذا نعمل؟
لماذا لا تشدوننا إلى مواقف كما يفعل الحوثيون؟؟
وَمِنْ كبْرهِمْ لا يجدوا إلا أن يقولوا هؤلاء كاذبون، ويُشككوا ويُثبطوا.
وَلوْ تواضعوا وأدركوا خطورة الكبر أنّه خلقُ الشيطان لاهتدوا.
ولكنهم يقدمون شاهدًا على عظمة الله القائل: (فَلَنْ يهتدوا إذًا أبَدَاً)
وأيضاً هي دعوة لكل أُولئك الأتباع المساكين أن يتبرّؤوا من المضلين في هذه الدنيا قبل أن يتبرؤوا منهم في الآخرة، حَيثُ لا ينفع الإنسان هناك لا ندمٌ ولا حزنٌ.
هناك، حَيثُ الخسارةُ الكبيرةُ
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
الآية اليمانية…
مقالات:
بقلم/ د. محمد البحيصي
أخطأت أمريكا خطأها الاستراتيجي حين قررت الدخول في الحرب المباشرة على اليمن…لماذا؟
شطر قوة أمريكا يتمثل في هيبتها وفي قوة ردعها النفسي الذي نجحت في إسقاط قوى كبرى في حبائله فسحرت أعين الناس واسترهبتهم.. وانطلى ذلك الوهم على الناس، فكان يكفي أمريكا أن تلوح بالقوة لهذا البلد أو ذاك فيذعن ذلك البلد ويستجيب وهو يبرر لنفسه بأنه يواجه القوة التي لا يمكن لأحد دفعها..
وكم سمعنا من هذا الحاكم أو ذاك مقولة ” هذه أمريكا” وكأنها الإله الذي لا راد لقضائه…
وكما سقط حكام الهزائم تحت تأثير هذا الوهم فقد سقطت شعوب…
وهذا لا يعني أبدا أن أمريكا ليست قوية.. بل هي قوية وقادرة على القتل والتدمير وتمتلك أكبر ترسانة لذلك في تاريخ البشرية…
لكنه يعني أكثر أن أمريكا وظفت عنصر الوهم لإرهاب الشعوب القابلة والمستعدة للإيمان بهذا الوهم ونجحت في ذلك…
الصدمة الكبرى لأمريكا كانت في حربها المباشرة على اليمن والتي سبقها الحروب الفاشلة لوكلائها في المنطقة وآخرهم إسرائيل ظنا منها أنها قادرة على تحقيق ما لم تحققه كل تلك الحروب..
وهنا كانت الآية الكبرى ” المعجزة” كثمرة للإلتجاء والتوكل الحق على الله وثمرة الانتصار لله وثمرة الاعداد الصادق والجدي والدؤوب.. وثمرة الصبر واليقين…وثمرة الولاية الحلقة.. وثمرة المعية الإلهية….
وكانت المفاجأة الصدمة وهي أن أمريكا ليست أحسن حالا ممن سبقها من مسعري الحروب وأنها في طريقها لفشل جديد وخيبة وهزيمة تهون أمامها هزيمتها في فيتنام وأفغانستان….
غطرسة القوة أعمت الأمريكي وحالت بينه وبين التعلم وأخذ العبرة مما مضى..
وهوان الحكام والشعوب أغراها للتمادي والاستكبار والفرعنة وقادها إلى خطأ التقدير والحساب.. والله لا يصلح عمل المفسدين..
هو الله الذي استدرج أمريكا من حيث لا تعلم للمستنقع اليمني، بل لجحيم اليمن الذي أعده الله لكل متكبر جبار…
وحدهم العملاء الخونة والمرتزقة لا يريدون رؤية هذه الحقيقة رغم أن إلههم الأمريكي بات يتحدث عنها ويحذر من تبعاتها على مكانة أمريكا وهيمنتها …
أربعون يوما من القصف المتواصل على اليمن كانت كفيلة بفضح السوبرمان الأمريكي وتهشيم صورته وإسقاط هيبته…
وللعلم فإن هناك عواصم عربية سقطت في أيام معدودة أمام الوحش الأمريكي. وعواصم تأهبت واستعدت للسقوط لمجرد تغريدة، كما رأينا بعد حادثة ١١ سبتمبر…
فرعون المستكبر وجنوده أصروا على اتباع موسى – عليه السلام – ومعه المستضعفين من بني إسرائيل واستدرجه الله إلى هلاكه ومن معه.. ولو أنه استبصر واتعظ لما فعل ذلك.. وكان يكفيه أن يظل على عرشه موهما الناس بأنه ربهم الأعلى وأنهم لا إله لهم غيره ..
هكذا هي أمريكا كان يكفيها أن تظل بعيدة عن اليمن لتظل محتفظة بكذبتها وسطوتها وهنجمتها على الآخرين…
أما وقد أقبلت بخيلائها لتطفئ نور الله في اليمن، فذلك ما لن يكون …
“ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون” …
هو الله الذي بيده مقاليد السموات والأرض.. الذي جعل تدمير الطغاة في تدبيرهم.. ورد كيدهم إلى نحورهم ..وكفى عباده المجاهدين.. ونصر جنده وجعلهم الغالبين….