بثينة تروس

الوقوف في خانة متابعة الحرب اللعينة وتصاعد وتيرة القصف بالطيران والمدافع والمسيرات في مناطق سيطرة الطرفين، مما يؤدي إلى حصد أرواح المواطنين الأبرياء، والتبرير بأنها حرب ولا بد لها من ضحايا، هو موقف غير أخلاقي، ويعكس جهلاً بخطورة استمرار الحرب وطول أمدها في بلد مثل السودان، الذي يشهد اختلافات عرقية ومجتمعية، ويعاني من جذور المظالم والتهميش.

للسودان تاريخ طويل في الاقتتال الداخلي الذي لم يحقق أهدافه في مطالب المواطنة المتساوية والعدالة، إلا في إطار تجزئة القضايا الوطنية، واقتطاع أجزاء من أراضي البلاد لصالح فصائل مسلحة أنشأت حكومات محلية منكفئة على محاورها وخدمة بعض شعوبها. لذلك، من الخطأ التبرير لإقامة حكومة موازية لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان، تلك التي نادت بها بعض القوى المدنية بالاتفاق مع ممثلي الحركات المسلحة. على التحقيق، إذا تم هذا الأمر، لن تشهد البلاد في مستقبلها استقراراً أمنياً ولا استدامة للسلام، بل ستكون دعوات لتقسيم الوطن وتجزئته.

وفي الجهة الأخرى، تجتهد حكومة الأمر الواقع في بورتسودان في تأكيد بعثرة البلد وشرذمته بعد قرار تغيير العملة، والتمييز بين المواطنين والتضييق عليهم بمنعهم من استخراج الأوراق الثبوتية بناءً على التهم المتعلقة بالوجوه الغريبة والسحنات القبلية. كما تم الإصرار على فتح مراكز التعليم وحرمان الآلاف من الطلاب من الجلوس للامتحانات بعد أن أعلنت وزارة التربية والتعليم تحديد امتحانات الشهادة السودانية في 28 ديسمبر الحالي، والذي يفصلنا عنه أيام قليلة، وذلك في مناطق سيطرتها ونفوذها في ولايات الشرق، نهر النيل، الشمالية، القضارف، كسلا، والنيل الأبيض، وبعض من الخرطوم.

لقد تركت هذه القرارات في حواضن مليشيات الدعم السريع المواطنين في خيارات صعبة، حيث أصبح الخيار الوحيد أمامهم هو إما أن يظل أبناؤهم خارج التعليم، أو يتم الدفع بهم إلى التجنيد في صفوف القتال من أجل الحصول على سبل للعيش على حساب أرواحهم ودمائهم. أو يضطرون إلى اللجوء إلى الأقارب وأهل الخير خارج البلاد لتمويلهم في ترحيل الطلاب إلى مراكز الامتحانات عبر رحلة محفوفة بالعنف والمخاطر، والشكوك وتهم العمالة. ولذلك، تتحمل الأمهات عبء هذه الرحلات، باعتبار أن الآباء مجابهون بمخاطر الاعتقالات التعسفية، لكنهن يقعن في حبائل الاستغلال المالي عند العبور بالارتكازات ومواقف التفتيش، مع ما يترتب على ذلك من مشقة وعناء في توفير السكن ومصاريف الترحيل لمراكز الامتحانات المتفرقة.

منذ اندلاع حرب 15 أبريل، حدثت انتهاكات لحقوق هؤلاء الطلاب، بما فيهم الأطفال دون سن الخامسة عشرة، الذين تم إجبارهم على الانضمام إلى صفوف القتال كمقاتلين في مليشيات الدعم السريع، أو تجنيدهم فيما أُطلق عليه “فلول النظام السابق” في حرب الكرامة. إن إصرار وزارة التربية والتعليم في بورتسودان على إقصاء وحرمان الطلاب خارج سيطرتها من مواصلة تعليمهم وجلوسهم لامتحانات الشهادة، يعد امتهاناً لحقوقهم ومعاقبة لهم على واقع حرب هم ضحاياها، ولم يتسببوا فيها، بل فرضت عليهم. كما فرض عليهم النزوح واللجوء. هذه القرارات بجانب الحرمان، إن تمييز الطلاب بين مناطق سيطرة الحكومة والمناطق الأخرى، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة في السودان، يعزز الشعور بالتفرقة والتهميش.

هذا التمييز يظهر في حرمان الطلاب في مناطق معينة من حقهم في التعليم، وعدم السماح لهم بالجلوس لامتحانات الشهادة السودانية، ما يزيد من الإحساس بالظلم، ويؤدي إلى تأصيل الضغائن والأحقاد بينهم، خاصة بين طلاب كردفان ودارفور. من البديهي أن هذا سيؤدي إلى انتشار الأمية، ويعزز الفصل الحاد بين المتعلمين وغير المتعلمين في البلاد، ويؤدي إلى تكرار التجارب المؤلمة للحروب السابقة في جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق والجنوب، وهي كارثة تعليمية جنت منها البلاد الأميّة وانهيار المؤسسة التعليمية برمتها، وفوارق حادة بين أجيال كاملة من شباب السودان، مما يعمق ظواهر النخب والمهمشين.

السبيل لاستمرار التعليم وتفادي انهياره الكامل هو وقف الحرب، وعودة المواطنين إلى دورهم ومساكنهم آمنين، بعد خروج مليشيات الدعم السريع، ووقف الاقتتال، ووفاة التلاميذ بسبب الجوع والأمراض والتجييش، وتغيير الظروف التي دفعت بالكفاءات من المعلمين إلى خارج البلاد طلباً للأمان. كما يجب على الوزارة الالتزام بدفع رواتب المعلمين واستحقاقاتهم، وتحفظ لهم قيمتهم وكرامتهم من التسول بسبب الفقر والفاقة. إن استخدام التعليم كورقة سياسية لن يعود بالنفع على الطلاب ولا خير فيه لمستقبل البلاد.

الوسومبثينة تروس

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

العاصفة الترابية تجتاح محافظة المنيا وتخلي الشوارع من المواطنين

رصدت موقع الفجر من خلال ألبوم صور العاصفة الترابية التي ضربت محافظة المنيا منذ صباح اليوم الأربعاء، وقد تسببت هذه العاصفة في خلو الشوارع من المواطنين، حيث فضل الكثيرون البقاء في منازلهم خوفًا على صحتهم.



تأتي هذه الظاهرة الجوية في وقت يتزايد فيه الاهتمام بالتأثيرات الصحية للعواصف الترابية، مما يستدعي اتخاذ احتياطات ضرورية للحفاظ على سلامة المواطنين.



وجدير بالذكر، أعلن الدكتور عصام فرحات رئيس جامعة المنيا تعليق الدراسة غدا الأربعاء بسبب سوء حالة الطقس، وذلك على مستوى كافة كليات ومعاهد جامعة المنيا الحكومية وجامعة المنيا الأهلية.



​​​​​​وأوضح رئيس الجامعة أن القرار جاء بناء على ما أعلنت عنه هيئة الارصاد الجوية من تعرض البلاد غدا الأربعاء  لظروف جوية سيئة  وحرصا من إدارة  الجامعة على سلامة أبنائنا الطلاب.

وأضاف رئيس الجامعة: إن الجامعة حريصة على سلامة الطلاب، وضمان عدم تعرضهم لأي مخاطر قد تنجم عن الظروف الجوية  وتوفير بيئة تعليمية آمنة بعيدًا عن أي تهديدات قد تؤثر على تحصيلهم الدراسي، لا سيما وأن الجامعة بها عدد كبير من الطلاب من المحافظات الأخرى.



وأكد رئيس الجامعة أن الجامعة تولي سلامة طلابها أولوية قصوى، وتسعى دومًا لتوفير بيئة تعليمية آمنة، مشيرًا إلى أنه سيتم تأجيل أيه اختبارات شفوية أو عملية كان من المقرر إجراؤها غدًا إلى الأسبوع القادم وفقا لظروف كل كلية.

مقالات مشابهة

  • العاصفة الترابية تجتاح محافظة المنيا وتخلي الشوارع من المواطنين
  • بسبب سوء الأحوال الجوية.. أحمد موسى لـ المواطنين: خليكوا في البيت والخروج يكون للضرورة فقط
  • مبتورو الأطراف بغزة.. معاناة تتفاقم مع الحصار والإبادة الإسرائيلية
  • التعليم الأهلي في العراق.. بين حلم الطلاب وتجارة الارباح
  • مبتورو الأطراف بغزة.. معاناة تتفاقم مع الحصار وإبادة الاحتلال
  • طقس الثلاثاء..أجواء حارة نسبيا بمجموعة من مناطق المغرب
  • إليك الشروط والمستندات المطلوبة للاعتراف بمؤهلات التعليم العالي من خارج الإمارات
  • الأرصاد: منخفض خماسيني ورياح تصل لـ90 كم/س وأتربة وأمطار خلال ساعات
  • تحديث منظومة الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي الصادرة من خارج الدولة
  • البرهان في مصر اليوم.. وملفات الحرب وإعادة الإعمار تتصدر المباحثات.. الدعم السريع يفاقم معاناة السودانيين باستهداف البنية التحتية