"الاقتتال بين أمراء الفصائل الإرهابية المسلحة سعيًا وراء المال والسلطة جعل الحياة الطبيعية مستحيلة. لا مهرب من السرقة والنهب، وقد انتشر الشذوذ الجنسي والخيانة في كل مكان. كان أحدهم يتزوج من الفتيات لشهر واحد، ثم يطلقها ويلقي بها في بيت أهلها بلا حقوق. لم يكتفوا بإزعاج المارة وسرقتهم، بل كانوا يغتصبون النساء ثم يقتلونهن.

خنقوا المواطنين من أجل المال والسلطة".. كانت هذه الكلمات بعضًا من الحقائق المرة التي كشف عنها الملّا عبد السلام ضعيف في صفحات من مذكراته الشخصية المهمة.

يُعد كتاب "حياتي مع طالبان" من بين الأعمال الوثائقية التي تقدم شهادة شخصية عن فترة حساسة ومهمة في تاريخ أفغانستان. يروي عبد السلام ضعيف، الوزير السابق في نظام حكم طالبان وسفيرها السابق لدى باكستان وأحد القادة البارزين في الحركة، قصته منذ نشأته في أفغانستان وصولًا إلى الأحداث التي شهدتها البلاد بعد الغزو الأمريكي.

الكتاب يقدم مذكرات حية عن تجربة حركة "طلاب الشريعة"، التي ظهرت في عام 1994 بعد حرب طويلة ضد القوات السوفيتية (1979-1989)، بالتوازي مع اقتتال المجاهدين في صراع على السلطة وخطاياهم التي قادت إلى الفوضى في أفغانستان. في هذا الكتاب، يروي عبد السلام ضعيف الأحداث التي شهدها في مراحل مختلفة من حياته، بدءًا من الجهاد المزعوم ضد الاتحاد السوفيتي، وصولًا إلى حكم طالبان ثم انهيارها بعد الغزو الأمريكي في عام 2001. يعرض الكتاب وجهة نظر داخلية عن تطور الحركة والجرائم التي ارتكبها أمراء فصائل المجاهدين.

عندما تَرَاجع التمويل الأمريكي الأوروبي، تحول "المجاهدون" من مقاتلين "لتحرير البلاد من الاحتلال" إلى مرتكبي جرائم سرقة، سطو مسلح، قطع طرق، واغتصاب، وظهرت مساوئ الانسحاب الروسي من أفغانستان عندما خففت الولايات المتحدة من دعمها للمجاهدين. ففي الفترة الممتدة من أكتوبر 1989 إلى أكتوبر 1990، خفض الكونجرس مخصصاته السرية لبرنامج وكالة الاستخبارات المركزية الموجه لأفغانستان بنسبة 60%. ونتيجة لذلك، بدأت أموال القادة وأسلحتهم تنفد، فراحوا يبحثون عن مصادر أخرى. اتجه بعضهم إلى النظام الشيوعي الجديد طلبًا للمساعدة، بينما لجأ آخرون إلى وسائل أخرى للحصول على المال وإشباع رغباتهم المجنونة، فكانوا يرتكبون جرائم السرقة والنهب في شوارع المدن. ويقتحمون المنازل والمحلات التجارية، ويسرقون ممتلكات الناس دون أي رحمة، مما خلق حالة من الخوف والذعر بين المواطنين.

عبد السلام ضعيف

يروي عبد السلام ضعيف موقفًا تعرض فيه للقهر والقمع قبل أن يصعد إلى المناصب وأضواء السلطة، ويقول: "حين مررت في المنطقة المحاذية للسجن، اعترض طريقنا مجموعة من الرجال ذوي المناظر القذرة، وطلبوا من جميع الركاب الترجل من الباص. أمرونا بحفر الخنادق. فتوجهت إلى أحدهم وأخبرته أني أحمل طفلي المريض، ابن الستة أشهر، من دون أمه، ونحن في طريقنا للطبيب. تابعت طريقي، لكن الرجل صرخ في وجهي وأمرني بالعمل فقط، وبالامتناع عن التكلم بأمور لم أسأل عنها، وهددني بثلاثين رصاصة تخترق جسدي إن تفوهت بكلمة. شتمني وسألني: لِمَ لا أنضم إلى هؤلاء المجاهدين؟"، وتابع ضعيف متجرعًا بعضًا من أحزانه: "بئس هؤلاء المجاهدون. لم يجلبوا سوى العار والسمعة السيئة والإحراج للجهاد".

تتناول المذكرات أيضًا تفاصيل عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين بسبب انتشار عصابات المجاهدين الذين تحالفوا مع اللصوص وتجار المخدرات وقطاع الطرق. كانوا يهاجمون القوافل التجارية والمواطنين العزل، ويأخذون أموالهم وأمتعتهم بالقوة، ولم تتوقف جرائم المجاهدين عند السطو المسلح وفرض الإتاوات والاقتتال على مناطق النفوذ، بل امتدت إلى الاغتصاب والشذوذ. "كانت بعض الفصائل المسلحة تمارس اعتداءات جنسية على النساء في المناطق التي كانت تحت سيطرتها".

عبد السلام ضعيف وُلد في أفغانستان عام 1968، وهو أحد أبرز قادة طالبان في فترة التسعينيات. بدأ حياته السياسية بعد انخراطه في الحرب ضد القوات السوفيتية في الثمانينيات. ثم واصل نشاطه ضمن صفوف طالبان بعد انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي، حيث شغل عدة مناصب، أبرزها منصب السفير الأفغاني لدى باكستان، وبعد سقوط طالبان في عام 2001، اعتقلته القوات الأمريكية لمدة أربع سنوات في جوانتانامو.

تُرجمت مذكراته إلى العديد من اللغات، ومن بينها الإنجليزية، وساهم كل من: إليكس ستريك فان لينشوتن وفيليكس كويهن بشكل كبير في تحرير كتاب "حياتي مع طالبان"، مع الحفاظ على الطابع الشخصي والواقعي للشهادة التي يقدمها ضعيف، ومع توضيح السياقات التاريخية والسياسية التي يذكرها.

لقد بات كتاب "حياتي مع طالبان"، الذي صدرت طبعته الأولى في عام 2010، وثيقة مهمة لفهم تعقيدات المشهد الأفغاني. فهو لا يكشف فقط عن الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية المسلحة تحت ستار الجهاد الزائف والتحرر المزعوم، بل يقدم أيضًا دروسًا تاريخية تنزع أقنعة التدين الزائف عن وجوه أعضاء وقادة الحركات والتنظيمات التي تدّعي الثورية والتمسك بالقيم وهم في حقيقتهم أدوات وظيفية وعصابات مسلحة تخوض حربًا بالوكالة لتمزيق وتفكيك الأوطان ونهب الثروات ونشر الفوضى والدمار.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فی عام

إقرأ أيضاً:

المعارضة أمام تحدي النجاح من داخل السلطة

في مشهدٍ سياسيٍ استثنائي، تمكنت "المعارضة اللبنانية" من تشكيل حكومة نواف سلام بقيادةٍ حاسمةٍ وأغلبيةٍ غير منقوصة، ربما للمرة الأولى منذ عقود ما بعد اتفاق الطائف. هذا التحول يعكس تغييراً جوهرياً في موازين القوى الداخلية، مع تحالفٍ غير مسبوق بين قوى سياسية متنوعة تهدف إلى تجاوز الاستقطابات التقليدية. لكن فرصة النجاح هذه ليست خالية من التحديات، بل تواجه اختباراً وجودياً في ظل أزمات لبنان المتراكمة، من انهيار اقتصادي واجتماعي إلى تحديات أمنية مرتبطة بسيادة الدولة.

أبرز تحدٍّ يواجه هذه المعارضة هو قدرتها على تحويل خطابها الإصلاحي إلى سياسات ملموسة. خطابها الحالي يركز على محاربة الفساد واستعادة الثقة الدولية عبر إصلاحات اقتصادية وقضائية، لكن العقبات هائلة. فبنية النظام الطائفي تعيق أي تحوّل جذري، كما أن الخلافات الداخلية ضمن التحالف الحاكم قد تطفو مع أول اختبار حقيقي، خاصةً حول قضايا مثل العلاقة مع "حزب الله" أو التعامل مع الملف الأمني. إضافة إلى ذلك، فإن توقعات الشارع مرتفعة بعد سنوات من الانهيار، وأي تأخر في تحقيق نتائج قد يُترجم خيبة أمل واسعة.

التحدي الآخر مرتبط بخطاب السيادة وقدرة الدولة على الحماية، وهو محور يُختبر في قضايا مثل تحرير الجنوب من دون الحاجة لسلاح "حزب الله". إذا فشلت الحكومة في تعزيز دور الجيش والأجهزة الأمنية كبديل عن سلاح المقاومة، فإن سردية الحزب عن "مقاومة الاحتلال" ستبقى مسيطرة. هنا، يصبح نجاح الحكومة في توحيد قرار السيادة شرطاً لتفكيك الخطاب الاخر، لكن هذا يتطلب دعمًا دولياً وإقليمياً قد لا يكون متوفراً بسهولة، خاصة في ظل تعقيدات الملف الإقليمي.

أما سيناريو الفشل، فيعني انهيار شرعية التحالف الحاكم قبل الانتخابات المقبلة، مما يعيد ترميم قوى الموالاة التقليدية، ويُعيد إنتاج الأزمة بأبعاد أكثر خطورة. الفشل هنا لن يكون مجرد خسارة سياسية، بل ضربةً لشرعية فكرة التغيير ذاتها، التي التفت حولها شرائح واسعة من اللبنانيين. كما سيعيد ترسيخ السردية التي تقول أن "البديل" غير قادر على الإدارة، مما يفتح الباب لعودة النخب القديمة تحت شعارات الاستقرار الوهمي.

فرصة هذه المعارضة التاريخية مرهونة بقدرتها على تحقيق معادلة مستحيلة: إصلاح النظام من الداخل من دون التفكك تحت وطأة تناقضاته، وإثبات أن الدولة قادرة على الحماية من دون الاعتماد على سلاح خارج مؤسساتها. النجاح، ولو جزئي، قد يغير وجه لبنان السياسي، لكن الفشل سينهي مشروعا سياسيا كاملا، ويُعيد البلاد إلى مربع الاستقطابات المألوف.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • تبادل لإطلاق النار بين القوات الأفغانية والباكستانية عند معبر تورخام الحدودي
  • فرحة رمضان وعيد الأم على صفحات مجلة قطر الندى في عدد مارس
  • كم عدد الطيور التي أمر الله إبراهيم بتوزيعها على الجبل؟
  • طالبان ترد على ترامب بشأن الأسلحة الأميركية والوجود الصيني
  • طالبان ترفض اتهامات ترامب بشأن وجود صيني في مطار باجرام
  • بعد اتهامها بخيانة القيم وإغلاقها.. طالبان تسمح بإعادة بث قناة أريزو
  • كيف نختم القرآن الكريم في شهر رمضان المُبارك
  • المعارضة أمام تحدي النجاح من داخل السلطة
  • نجم ريال مدريد السابق يكشف عن حادثة “سوداء” مع ميسي وسرا عن رونالدو
  • بسبب 278 درهماً.. نزاع قضائي بين شاب وفتاة في محكمة العين