شعر العلويون بالخوف والذعر فى أعقاب المستجدات التى بدأت معالمها مع فجر الثامن من ديسمبر الجارى عندما أعلنت "هيئة تحرير الشام" بقيادة "أحمد الشرع" السيطرة على العاصمة دمشق وإسقاط نظام "بشار الأسد". تملكهم الخوف لكونهم أقلية ولا يعرفون ما ينتظرهم من مصير مجهول. وخشيتهم من أن تغدر المعارضة بهم. لقد جاء سقوط الرئيس السورى بشار كالصاعقة على عائلة "على" التى تعيش منذ نحو عشرين عاما فى محافظة طرطوس ذات الأغلبية العلوية حيث يشكل العلويون نحو 12% من سكان البلاد البالغ عددهم 23 مليونا.
يقول أحد العلويين إنه يشعر الآن بخوف وذعر لم يتوقعهما يوما. وهذا الشعور تفاقم بعد سقوط نظام بشار الذي ينتمي للطائفة ذاتها وحظي بدعم قوى منها طوال 24 عاما من حكمه لسوريا. يقول هذا العلوى: "أول ما سمعت بسقوط حكم الأسد شعرت وكأني فقدت أغلى شىء لدى. ما يخيفنا الآن هو أننا أقلية فى هذا البلد.نحن خائفون من المجهول، ولا نعرف ما الذي ينتظرنا وما مستقبلنا، ومصيرنا كعلويين مجهول تماما. ولقد قال مسؤول فى محافظة اللاذقية: إن المعارضة تسيطر كليا على محافظتيْ طرطوس واللاذقية". وأضاف: "إن القوات المسلحة للمعارضة لا تعتزم اقتحام القواعد العسكرية الروسية التي لا تزال تعمل بشكل طبيعى". ويقول أحد العلويين: " فى زمن الرئيس الأسد لم يعترنا الخوف من أن يأتي أحد ليذبح أفرادا من طائفتنا بدون محاسبة. كان هناك قانون وقتئذٍ، أما الآن فنحن نبقى داخل بيوتنا، ويقول لنا أفراد المعارضة أن لانخاف، وأنهم لن يذبحونا. تتردد هذه الكلمات بكثرة ولكننا لا نعرف إذا كان من الممكن أن يغدر بنا أم لا. فليس هناك ما يضمن لنا تحقيق هذه التطمينات. نحن غير قادرين على أن نفعل أى شيء يجلب لنا الحماية. نشاهد ما يجري ونبكى من الخوف والعجز حيث لا مكان لنا نحتمي فيه".
وكانت قد انتشرت بيانات عدة موقعة من رجال دين ومشايخ علويين فى منطقة القرداحة مسقط رأس الأسد فى شمال محافظة اللاذقية يعربون فيها عن تأييدهم "للنهج الجديد والجيش الوطنى". كذلك للتعاون مع الهيئة والجيش الوطنى الحر لبناء سوريا الجديدة. كما دعا البيان المواطنين فى المنطقة إلى عدم حمل السلاح، والعمل على تسليمه وإزالة جميع التماثيل والصور من الأماكن العامة. غير أن ما زاد الأمور سوءا هو الغارات الجوية الإسرائيلية على مناطق متعددة فى سوريا، ولذا وصف الوضع الحالى للعلويين بأنهم " باتوا عالقين بين مطرقة المعارضة السورية وسندان الهجمات الاسرائيلية".
الجدير بالذكر أن القوات الإسرائيلية شنت غارات كثيرة فى أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسد استهدفت بها مستودعات الذخيرة فى جنوب سوريا، والتي تشمل مواقع بريف درعا ومحافظة القنيطرة جنوب غربى البلاد، هذا إلى جانب محيط مطار المزة العسكري فى دمشق.
ووفقا لوسائل الإعلام الإسرائيلية فإن إسرائيل تسعى لتدمير الأسلحة الاستراتيجية فى سوريا لتحول دون استيلاء المعارضة السورية على مخزون الأسلحة التابع للجيش السورى خشية من استخدامه ضدها في المستقبل.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
تقدير بوجود أكثر من 100 موقع للأسلحة الكيميائية في سوريا بعد سقوط الأسد
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يشتبهون بوجود أكثر من 100 موقع مرتبط ببرنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا، ما يشكل أول تقدير من نوعه منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، ويمثل اختبارا بالغ الخطورة للحكومة السورية الجديدة.
وأكدت الصحيفة أن هذا الرقم يتجاوز بكثير أي تقدير سبق أن قدمه النظام السابق، ويثير مخاوف حقيقية بشأن مصير مخزونات من غازات السارين والكلور والخردل، التي يُخشى أن تكون غير مؤمّنة، وقد تسقط في أيدي جماعات مسلحة.
وأوضحت أن المواقع المشتبه بها تشمل منشآت يُعتقد أنها استخدمت في البحث والتصنيع وتخزين الأسلحة الكيميائية التي استخدمها نظام الأسد، ومنها غاز السارين، وهو "عامل أعصاب قادر على القتل خلال دقائق"، وكذلك غاز الكلور وغاز الخردل اللذان "يحرقان العينين والجلد ويملآن الرئتين بالسوائل، مما يُشبه إغراق الناس على الأرض".
وقالت الصحيفة إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تسعى حاليا إلى دخول سوريا لتقييم هذه المواقع، بينما لا يزال عددها ومواقعها الدقيقة، وما إذا كانت آمنة، "لغزا" منذ الإطاحة بالأسد في أواخر العام الماضي.
وشددت على أن المواد الكيميائية المتبقية "تشكل اختبارا حاسما للحكومة المؤقتة"، لافتة إلى أن "الولايات المتحدة تصنف هيئة تحرير الشام التي تقود الحكومة الجديدة منظمة إرهابية، رغم نفيها أي ارتباط بتنظيم القاعدة".
ونقلت الصحيفة عن رائد الصالح، قائد الدفاع المدني السوري السابق المعروف بـ"الخوذ البيضاء"، قوله إن "هناك العديد من المواقع التي لا نعرف عنها شيئا لأن النظام السابق كان يكذب على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية".
كما قال نضال شيخاني، رئيس مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، إن مجموعته "حددت عشرات المواقع الجديدة التي قد تكون مخزونات للأسلحة الكيميائية أو مواقع بحثية سابقة، بناءً على مقابلات مع علماء حكوميين سوريين يعيشون في أوروبا".
وأضافت الصحيفة أن بعض هذه المواقع "قد تكون مخفية في كهوف أو أماكن يصعب اكتشافها عبر صور الأقمار الصناعية"، مما يزيد من احتمال بقاء كميات من هذه المواد القاتلة دون رقابة.
وفي آذار /مارس الماضي، أجرى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني زيارة مفاجئة إلى مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، حيث قال إن الحكومة "ستدمر أي بقايا من برنامج الأسلحة الكيميائية الذي طُوّر في عهد نظام الأسد" وستلتزم بالقانون الدولي.
ورغم هذا الإعلان، أشارت الصحيفة إلى أن الخبراء "يبقون على تفاؤلهم الحذر"، خاصة أن الحكومة لم تعيّن بعد سفيرا لدى المنظمة، وهي خطوة أساسية تعكس الجدية في التعاون. كما رفضت وزارة الدفاع السورية الرد على أسئلة مكتوبة، مكتفية بالقول إن "الأسئلة ليست من اختصاصها"، حسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وأوضحت الصحيفة أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كانت قد أغلقت سابقا 27 موقعا أعلنت عنها حكومة الأسد خلال السنوات الأولى من الحرب، إلا أن استخدام النظام للأسلحة الكيميائية استمر حتى عام 2018 على الأقل، فيما استمرت واردات المواد الكيميائية الأساسية، بحسب أبحاث دولية.
وبيّنت أن التقدير الجديد، الذي يفوق المئة موقع، استند إلى معلومات من باحثين خارجيين، ومنظمات غير ربحية، ومصادر استخباراتية مشتركة بين الدول الأعضاء في المنظمة.
وفي السياق ذاته، قال شيخاني وآخرون إنهم يخشون من أن الغارات الجوية الإسرائيلية على منشآت كيميائية سورية خلال العام الماضي "لم تُدمّر الأسلحة، بل أدت إلى تلوث بيئي وفقدان لأدلة يمكن أن تسهم في ملاحقات قضائية مستقبلية".
وأكدت ناتاشا هول، الزميلة البارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أن "من المرجح أن الهجمات الإسرائيلية التي وقعت بعد سقوط الأسد مباشرة لم تُحدث أي تأثير يُذكر على بعض هذه الأمور، وربما حجبت أيضا الجهود المبذولة لتحقيق المساءلة".
وكشفت الصحيفة أن برنامج الأسلحة الكيميائية السوري بدأ في سبعينيات القرن الماضي، بدعم من مئات العلماء الذين تلقى عدد كبير منهم تدريبا في أوروبا، لا سيما ألمانيا.
ووفقا لعالم كيميائي سوري سابق تحدث للصحيفة، فإن مركز الدراسات والبحوث العلمية العسكري الخاضع لعقوبات دولية، أشرف على تطوير هذه الأسلحة.
ولفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على أكثر من 300 شخصية وكيان مرتبطين بهذا البرنامج.
ورغم وعود الحكومة الجديدة، أكدت الصحيفة أن "مفتشي الأسلحة لا يزالون حذرين"، مذكرين بتجربتهم السابقة مع نظام الأسد الذي "أعاق عملهم مرارا"، بما في ذلك حادثة عام 2014، حين اصطدمت سيارة تقل المفتشين بقنبلة مزروعة على الطريق.
كما قالت الصحيفة إن "حكومة الأسد تعمّدت التستر على الهجمات الكيميائية ضد المدنيين، وأزالت لاحقا شواهد قبور ضحايا هجوم الغوطة عام 2013 عندما استعادت السيطرة على بلدة زملكا".
وختمت "نيويورك تايمز" تقريرها بالتأكيد على أن العثور على هذه المواقع والسيطرة عليها لا يمثل فقط أولوية أمنية، بل ضرورة لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري.