لجريدة عمان:
2025-01-01@13:55:14 GMT

حرية الصحافة الإسرائيلية المزعومة

تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT

لم يكن آموس شوكين ناشر صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية يعلم أنّ كلمة «مقاتلون من أجل الحرية»، التي وصف بها الفلسطينيين في كلمته التي ألقاها في حدث نظمته صحيفتُه في لندن في السابع والعشرين من أكتوبر الماضي ستثير تلك الزوبعة ضده وضد صحيفته؛ ففي تلك الكلمة تحدّث عن حكومة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بأنها «لا تكترث بفرض نظام فصل عنصري قاس على السكان الفلسطينيين، وتتجاهل التكلفة التي يتحمّلها الجانبان في الدفاع عن المستوطنات أثناء محاربة المقاتلين من أجل الحرية «الفلسطينيين» الذين تسميهم إسرائيل إرهابيين»، لكن شوكين لم يكتف بذلك، ففي خطابه دعا إلى فرض عقوبات دولية على القادة الإسرائيليين باعتبارها الطريقة الوحيدة لإجبار الحكومة الإسرائيلية على تغيير المسار.

وإذا كان آموس شوكين يرى أنّ الفلسطينيين يقاتلون من أجل الحرية - ولسنا بحاجة لتوضيح الواضح بالقول إنه محق في ذلك - فإنّ مجلس الوزراء الإسرائيلي لم يعجبه ذلك، فصوّت بالإجماع على فرض عقوبات على الصحيفة مستشهدًا بتغطيتها التي تنتقد حرب السابع من أكتوبر 2023، وتعليقاتِ شوكين التي دعا فيها إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين الإسرائيليين. ومن ضمن العقوبات المفروضة على الصحيفة وقف الإعلانات الحكومية فيها وإلغاء جميع الاشتراكات لموظفي الدولة وموظفي الشركات المملوكة للدولة بها، وبررت الحكومة الإسرائيلية قرارها بأنه يأتي ردًا على «الكثير من مقالات هآرتس الافتتاحية التي أضرت بشرعية إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس، وخاصة التصريحات الداعمة للإرهاب التي أدلى بها شوكين»، على حد زعمها.

أمام الضغوط هل تراجع آموس شوكين عن تصريحاته؟! الذي يبدو أنّ ما حدث في «إسرائيل» هو ما يحدث في أيِّ دولة من دول العالم الثالث؛ فقد رأينا مثله كثيرًا في البلدان العربية. صحيحٌ أنّ الصحيفة وصفت قرار مقاطعة الحكومة لها بـ«الانتهازي»، وأكدت أنه مُرِّر دون مراجعة قانونية وأنّ «القرار خطوة أخرى في رحلة نتنياهو لتفكيك الديمقراطية الإسرائيلية، ولن تتراجع هآرتس ولن تتحول إلى كتيب حكومي ينشر رسائل وافقت عليها الحكومة وزعيمها»، إلا أنّ شوكين أوضح أنه «لا يعتقد أنّ مسلحي حماس من المقاتلين من أجل الحرية». وفي محاولة للالتفاف على تصريحات شوكين قالت الصحيفة: إنّ صاحبها «كان يشير إلى الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال والقمع في الضفة الغربية»، وأشارت إلى أن «شوكين أخطأ في صياغته لكنه ظل لسنوات يدعم باستمرار الحل الدبلوماسي غير العنيف الذي من شأنه أن يتوج بإنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل». ومع ذلك قالت الصحيفة: إنّ شوكين «أخطأ» عندما تحدّث عن أيِّ شخص يتعمد إيذاء المدنيين وإرهابهم باعتباره «مقاتلًا من أجل الحرية»، بحجة أنّ المصطلح الصحيح هو «إرهابيون»، وهذا أعاد إلى الأذهان كلّ الاعتذارات والتفسيرات التي يقدّمها الناس في العالم الثالث، بعد أن تكون التصريحات قد أثارت زوبعة.

ورغم أنّ الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ قرارًا بإغلاق الصحيفة إلا أنّ مثل هذه العقوبات تدل على زيف الديمقراطية الإسرائيلية التي ألصقتها إسرائيل لنفسها، بأن تدّعي دائمًا أنها واحة ديمقراطية وسط غابة من الديكتاتوريات؛ فما تنشره الصحف الإسرائيلية لا يمكن أن يُنشر إلا بعد مراجعة وموافقة الرقيب العسكري؛ وخيرُ دليل على ذلك الرقابة الصارمة ضد نشر وتصوير الأهداف التي أصابتها صواريخ المقاومة وحزب الله وإيران.

من المهم هنا الإشارة إلى أنّ صحيفة «هآرتس» تميزت عن الصحف الإسرائيلية الأخرى بتغطياتها التي تنتقد حرب ما بعد السابع من أكتوبر، بما في ذلك التحقيقات في انتهاكات القوات الإسرائيلية مع توسع العمليات العسكرية في أنحاء غزة ولبنان المجاور، حيث ظهرت وكأنها ضد الخط العام، وكان لا بد من عقابها ممّا جعل الصحيفة تصف هذه الخطوة بأنها محاولة «لإسكات صحيفة ناقدة ومستقلة». ولا يعني ذلك أنّ الصحافة الإسرائيلية هي صحافة حرة؛ فالهامش من الحرية الذي تتمتع به هذه الصحف هو الهامش نفسه الذي تتمتع به الصحف العربية، إذ إنّ هناك مساحة متاحة للتعبير عن الحرية. فالحقيقة الواضحة أنّ مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 الذي يصدر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» أظهر تأثيرًا واسعًا للحرب على قطاع غزة فيما يتعلق بحرية العمل الصحفي داخل الكيان. ووفقًا للتقرير فإنه ومنذ 7 أكتوبر 2023، تزايدت الضغوط على الصحفيين داخل الكيان، كما ارتفع مستوى حملات التضليل وتصاعدت القوانين التي تقمع حرية العمل الصحفي، ولم تكن الحرب على قطاع غزة وحدها صاحبة التأثير على الصحافة في «إسرائيل»، وإن كان لها الدور الأبرز، إذ أظهر مؤشر حرية الصحافة ازدياد التدهور في حرية العمل الصحفي خلال العامين الماضيين، وتراجع ترتيب الكيان عالميًّا في حرية الصحافة إلى الترتيب 101 من بين 180 بلدًا على مستوى العالم، وهذا التراجع شيء طبيعي، إذا وضعنا في الاعتبار القوانين الإسرائيلية الصارمة ضد حرية الصحافة، ومن ذلك مثلا أنّ موقع «إنترسبت» الأمريكي نشر في شهر ديسمبر عام 2023، وثيقة صادرة عن الرقابة العسكرية الإسرائيلية بعنوان «عملية السيوف الحديدية، توجيهات رئيس الرقابة الإسرائيلية لوسائل الإعلام»، وتكشف عن توجيه إعلامي بحظر تغطية عدة موضوعات دون موافقة مسبقة من الرقابة العسكرية، منها المحتجزون الإسرائيليون في غزة، والهجمات الصاروخية التي ضربت البنية التحتية الإستراتيجية الإسرائيلية، والهجمات السيبرانية ضد الحكومة أو التي تنفذها إسرائيل ضد خصومها، وتفاصيل الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي بما في ذلك التي استولت عليها المقاومة، وكلُّ هذا يوضح أنّ ما يُنشر في الصحافة الإسرائيلية هو مُوَجّهٌ وأنّ مقص الرقيب العسكري بالمرصاد لكلّ ما يُنشر؛ وليس أدل على ذلك من تقرير قرأته في موقع «الجزيرة - نت»، يشير إلى أنّ الرقابة العسكرية الإسرائيلية تحظر بشكل سنوي حوالي 2240 قصة صحفية وأنها تدخلت بتعديل قرابة 14 ألف خبر بصورة جزئية أو كلية، بما يمثل 20% من المحتوى الذي خضع للمراجعة، وقد توسعت عمليات الرقابة لتشمل المدونات على منصات التواصل الاجتماعي التي جرى إخطار العشرات منها في «فيسبوك» الحصول على موافقة مسبقة على المعلومات المتعلقة بالشؤون العسكرية والأمنية.

ماذا يُتوقع من أخبار وتغطيات ومقالات وتغريدات ومنشورات تُشرف عليها الرقابة العسكرية؟! وما هي الرسائل التي تبثها تلك الوسائل خاصة مواقع التواصل الاجتماعي؟! وفقًا لتقرير صدر في 15 مايو 2024، ذكرت حركة «حرية الإعلام» الإسرائيلية أنّ الرقابة العسكرية الإسرائيلية منعت نشر 613 مقالًا خلال عام 2023، وهو ما يقرب من أربعة أضعاف ما كان عليه في عام 2022، كما تدخلت وحذفت أجزاء في 2703 قصص إخبارية إضافية، أي ما يقترب من ثلاثة أضعاف العام الذي سبقه، وهذه ليست بالنسبة القليلة، مما يؤكد أنّ حرية الصحافة في إسرائيل كذبة وأنّ ديمقراطيتها مزعومة وأنّ كلَّ ما يُنشر إنما هو توجيهات عسكرية فقط وأنّ كلّ التشريعات ضد الصحافة هي توَجّهٌ نحو قمع الرواية المناهضة لروايتها المتعلقة بالحرب في قطاع غزة، لذا لم يسمح الكيان للصحفيين الأجانب بتغطية الحرب على قطاع غزة، إذ منعت السلطات الإسرائيلية معظم وسائل الإعلام الأجنبية من دخول القطاع، وأجبرت تلك الوسائل على تقديم التقارير من تل أبيب أو القدس، وألزمتهم الامتثال لقواعد الرقابة العسكرية الإسرائيلية التي تتطلب أيضًا تقديم المواد الإعلامية لمراجعتها قبل النشر أو البث، هذا إذا لم نغفل اغتيال القوات الإسرائيلية للصحفيين علنًا وجهارًا، والتضييق على القنوات الفضائية التي تنقل الأحداث من الداخل مثل قناة الجزيرة. ولكن هل نجح الكيان في إخفاء الحقيقة؟! ربما يكون قد نجح في الداخل الإسرائيلي أما في الخارج، فقد شهد العالم الكارثة التي لحقت بغزة نتيجة الوحشية الإسرائيلية، وذلك بسبب وسائل التواصل الحديثة التي أصبحت تملك من القوة ما تملك، وأصبحت مؤثرة بما تنقله من وقائع، مما جعل العالم يرى الحقيقة عبر تلك الوسائل، فلا معنى لتشديد الرقابة عن وسائل الإعلام ومنعها من نقل الحقيقة؛ لأنّ البدائل أصبحت قوية وتفوق أحيانًا الوسائل الرسمية.

زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرقابة العسکریة الإسرائیلیة من أجل الحریة حریة الصحافة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

يحيى باجنيد وكلام.. على قد الكلام

ولد الأستاذ يحيى محمد باجنيد عام 1368هـ في حارة الشام بمدينة جدة وفي وسط البلد القديمة وبه تكونت ملامح شخصيته الممتزجة بحياة الناس البسيطة التي يكتنفها دفء العلاقات بين الجيران وتكاتفهم وتلاحمهم فجميع من يعيشون فيها يعرف بعضهم بعضا ويلتقون صباحًا ومساءً فتتقاطع أعمالهم وحكاياتهم ومصالحهم، وذلك ما ترك لديه أثرًا عميقًا

وفي مقال نشر له بجريدة الرياض يصف نفسه قائلا : أنا وسطي الهوى أطرب لهذه النداءات.. والأصوات.. يموج مزاجي الشعبي، المتلبّس بالحداثة، مع حركة (البسكليتات) ذات الرفارف التي يزينها (الشطرطون) بألوان الأندية.. وعربات الكارُّو التي يجرها أصبر خلق الله على الناس.. أضحك من شقاوة الطفولة كلما تعثّر أو تزحلق أو اصطدم رأس أو كتف بآخر..

أو كلما نهر الكبار أحدًا من الصغار، حاد عن الجادّة بحركة بسيطة أو كبيسة.!. تلك أيام خلت أستبقيها على سبيل التّذكّر.. أتملّى بفوحها وبوحها بين وقت وآخر ..”..كانت بدايتة مع الصحافة انطلاقا من شغفه بالقراءة التي ورثها عن والده، وتشجيع امه التي كان لها دورا مؤثرا في حياته، والتي من خلال حكاياتها تكون لديه مخزون من الحكايات الشعبية التي قام بنسجها عن المجتمع والناس في براعة وحرارة هاوي متمكن لايعرف الادعاء، كما قادته هوايته للرسم السفر إلى إيطاليا لاستكمال دراسته باكاديمية الفنون لصقل شغفه الفني، وحينما عاد منها التحق بالعمل بمعشوقته الأولى الصحافة التي يقول عنها:

“الصحافة بيتي والإذاعة معشوقتي.. وما تزال الإذاعة غرامي، لكونها تتيح لسامعها أن يشارك فيما يسمع، “وقادته الصحافة في دروبها من محطة صحفية إلى أخرى واستطاع أن يكون له عبر كل محطة أثرا لايمحى، بداية من عمله { رساما} بجريدة البلاد عام 1384 هجرية وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، ثم محررا لصفحة { فنية } قبل أن يسافر إلى إيطاليا للدراسة والتي عاد منها بعد أربع سنوات ليعمل مدير تحرير تنفيذي بجريدة المدينة، ثم نائبا لرئيس التحرير، قبل أن يتولى رئاسة تحريرها لمدة وجيزة غادرها بعد ذلك ليرأس تحرير مجلة «اقرأ»، ومنها إلى رئاسة تحرير مجلة الحج والعمرة، وكان عموده الصحفي الشهير [حسبنا الله] ينتقل معه، بل مرَّ بأغلب الصحف والمجلات المحلية، التي كتب في العديد منها، كما كتب في مجلة “كاريكاتير” وجريدة “الجمهورية” المصرية ، ومنح درع الاستحقاق كرائد في رسم الكاريكاتير في مهرجان الكاريكاتير العربي الأول في المملكة العربية السعودية. وقد أتاح له عمله المبكر في الصحافة كما يقول، الالتقاء بالعديد من رموزها في الفترة الماضية حيث تأثر بهم وتعلم منهم ووجد منهم كل تشجيع وثناء، ومن بينهم الأساتذة حسن كتبي، ومحمد حسين زيدان، وأبو تراب الظاهري، وأبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، وعبدالله بن إدريس، وعبدالله الجفري وغيرهم، وكما يفخر الأستاذ يحى باجنيد بعمله الصحفي، فإنه يعتز بما قدمه عبر الإذاعة السعوديه من برامج ناجحة كانت تحظى بمتابعة كبيرة من المستمعين، إضافة إلى ماكتبه من تمثليات اذاعية اجتماعية، قام بأداء أدوارها كوكبة من الممثلين الكبار يتقدمهم الأساتذه سعيد بصيري وخالد زارع وعلي البعداني رحمهم الله رحمة واسعه وكذلك برامجه الإذاعية (كلام على قد الكلام) مع فريدة عبدالستار، وبرنامج (مساحة للراحة) مع أمل سراج و(نهار آخر) من إخراج سلطان الروقي، وبرنامج (همسة) للمخرج عبدالله منشي، و(عباس وعباسية) وغيرها.

ويحكي باجنيد في حوار له مع جريدة (المدينة) قصة طريفة حدثت له في صغره عندما التقى الأستاذ عباس غزاوي في برنامج الأطفال الشهير {بابا عباس} الذي يبث من استوديوهات الإذاعة السعوديه بشارع المطار القديم حيث سأله: «لمّا تكبر تحب تشتغل إيه يا شاطر»؟، فأجابه: «أفتح دكان وأبيع سكّر وشاي». فضحك يومها الإذاعي الجميل. ويقول يحي باجنيد معلقًا: “بالأمانة أنا اليوم أقول ليتني بعت سكّر وشاي!”

صدر للأستاذ يحيى باجنيد العديد من الكتب منها: (راجل ونص)، (راجل نكد)، (هذا زمن العقل)، (حسبنا الله)، (تفاحة آدم وثلاجة الخواجات)، (البازان وسيل البغدادية) وأيضًا (ومن الحب ما أحيا) وغيرها الكثير، وله العديد من الكتابات الساخرة والقصص القصيرة والزجل الشعبي والحكايات القصيرة،

يجمعها أسلوبه الساخر الذي تتميز به كتاباته سواء كانت مقالات أو حوارات أو قصص وحكايات، لغة بسيطة سهلة لاتحجب المعنى، والفاظ تقول أكثر من معناها، وتعبر عن صفاء النفس والبعد عن التعقيدات، يكتب كما يتكلم، ويكشف عن حس شعبي ودود يكره التكلف.

مقالات مشابهة

  • الصحافة الفرنسية: بيلينجهام يسرق دور مبابي
  • إعلام 2.0.. هل تهدد فوضى شات جي بي تي مصداقية الصحافة؟
  • الأهلي يمنح كهربا حرية الاختيار.. ماذا سيقرر بشأن السويحلي؟
  • الصحافة الفرنسية: بيلينغهام يسرق دور مبابي!
  • يحيى باجنيد وكلام.. على قد الكلام
  • 2024 عام إبادة الإعلام في غزة
  • "اليونيفيل" تطالب جيش الاحتلال ضمان حرية حركتها بجنوب لبنان
  • محلل سياسي: مصر الدولة الوحيدة التي تقف عقبة أمام حلم دولة إسرائيل الكبرى
  • "اليونيفيل" تطالب الجيش الإسرائيلي بضمان حرية حركتها بمنطقة عملياتها في جنوب لبنان