حرية الصحافة الإسرائيلية المزعومة
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
لم يكن آموس شوكين ناشر صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية يعلم أنّ كلمة «مقاتلون من أجل الحرية»، التي وصف بها الفلسطينيين في كلمته التي ألقاها في حدث نظمته صحيفتُه في لندن في السابع والعشرين من أكتوبر الماضي ستثير تلك الزوبعة ضده وضد صحيفته؛ ففي تلك الكلمة تحدّث عن حكومة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بأنها «لا تكترث بفرض نظام فصل عنصري قاس على السكان الفلسطينيين، وتتجاهل التكلفة التي يتحمّلها الجانبان في الدفاع عن المستوطنات أثناء محاربة المقاتلين من أجل الحرية «الفلسطينيين» الذين تسميهم إسرائيل إرهابيين»، لكن شوكين لم يكتف بذلك، ففي خطابه دعا إلى فرض عقوبات دولية على القادة الإسرائيليين باعتبارها الطريقة الوحيدة لإجبار الحكومة الإسرائيلية على تغيير المسار.
وإذا كان آموس شوكين يرى أنّ الفلسطينيين يقاتلون من أجل الحرية - ولسنا بحاجة لتوضيح الواضح بالقول إنه محق في ذلك - فإنّ مجلس الوزراء الإسرائيلي لم يعجبه ذلك، فصوّت بالإجماع على فرض عقوبات على الصحيفة مستشهدًا بتغطيتها التي تنتقد حرب السابع من أكتوبر 2023، وتعليقاتِ شوكين التي دعا فيها إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين الإسرائيليين. ومن ضمن العقوبات المفروضة على الصحيفة وقف الإعلانات الحكومية فيها وإلغاء جميع الاشتراكات لموظفي الدولة وموظفي الشركات المملوكة للدولة بها، وبررت الحكومة الإسرائيلية قرارها بأنه يأتي ردًا على «الكثير من مقالات هآرتس الافتتاحية التي أضرت بشرعية إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس، وخاصة التصريحات الداعمة للإرهاب التي أدلى بها شوكين»، على حد زعمها.
أمام الضغوط هل تراجع آموس شوكين عن تصريحاته؟! الذي يبدو أنّ ما حدث في «إسرائيل» هو ما يحدث في أيِّ دولة من دول العالم الثالث؛ فقد رأينا مثله كثيرًا في البلدان العربية. صحيحٌ أنّ الصحيفة وصفت قرار مقاطعة الحكومة لها بـ«الانتهازي»، وأكدت أنه مُرِّر دون مراجعة قانونية وأنّ «القرار خطوة أخرى في رحلة نتنياهو لتفكيك الديمقراطية الإسرائيلية، ولن تتراجع هآرتس ولن تتحول إلى كتيب حكومي ينشر رسائل وافقت عليها الحكومة وزعيمها»، إلا أنّ شوكين أوضح أنه «لا يعتقد أنّ مسلحي حماس من المقاتلين من أجل الحرية». وفي محاولة للالتفاف على تصريحات شوكين قالت الصحيفة: إنّ صاحبها «كان يشير إلى الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال والقمع في الضفة الغربية»، وأشارت إلى أن «شوكين أخطأ في صياغته لكنه ظل لسنوات يدعم باستمرار الحل الدبلوماسي غير العنيف الذي من شأنه أن يتوج بإنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل». ومع ذلك قالت الصحيفة: إنّ شوكين «أخطأ» عندما تحدّث عن أيِّ شخص يتعمد إيذاء المدنيين وإرهابهم باعتباره «مقاتلًا من أجل الحرية»، بحجة أنّ المصطلح الصحيح هو «إرهابيون»، وهذا أعاد إلى الأذهان كلّ الاعتذارات والتفسيرات التي يقدّمها الناس في العالم الثالث، بعد أن تكون التصريحات قد أثارت زوبعة.
ورغم أنّ الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ قرارًا بإغلاق الصحيفة إلا أنّ مثل هذه العقوبات تدل على زيف الديمقراطية الإسرائيلية التي ألصقتها إسرائيل لنفسها، بأن تدّعي دائمًا أنها واحة ديمقراطية وسط غابة من الديكتاتوريات؛ فما تنشره الصحف الإسرائيلية لا يمكن أن يُنشر إلا بعد مراجعة وموافقة الرقيب العسكري؛ وخيرُ دليل على ذلك الرقابة الصارمة ضد نشر وتصوير الأهداف التي أصابتها صواريخ المقاومة وحزب الله وإيران.
من المهم هنا الإشارة إلى أنّ صحيفة «هآرتس» تميزت عن الصحف الإسرائيلية الأخرى بتغطياتها التي تنتقد حرب ما بعد السابع من أكتوبر، بما في ذلك التحقيقات في انتهاكات القوات الإسرائيلية مع توسع العمليات العسكرية في أنحاء غزة ولبنان المجاور، حيث ظهرت وكأنها ضد الخط العام، وكان لا بد من عقابها ممّا جعل الصحيفة تصف هذه الخطوة بأنها محاولة «لإسكات صحيفة ناقدة ومستقلة». ولا يعني ذلك أنّ الصحافة الإسرائيلية هي صحافة حرة؛ فالهامش من الحرية الذي تتمتع به هذه الصحف هو الهامش نفسه الذي تتمتع به الصحف العربية، إذ إنّ هناك مساحة متاحة للتعبير عن الحرية. فالحقيقة الواضحة أنّ مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 الذي يصدر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» أظهر تأثيرًا واسعًا للحرب على قطاع غزة فيما يتعلق بحرية العمل الصحفي داخل الكيان. ووفقًا للتقرير فإنه ومنذ 7 أكتوبر 2023، تزايدت الضغوط على الصحفيين داخل الكيان، كما ارتفع مستوى حملات التضليل وتصاعدت القوانين التي تقمع حرية العمل الصحفي، ولم تكن الحرب على قطاع غزة وحدها صاحبة التأثير على الصحافة في «إسرائيل»، وإن كان لها الدور الأبرز، إذ أظهر مؤشر حرية الصحافة ازدياد التدهور في حرية العمل الصحفي خلال العامين الماضيين، وتراجع ترتيب الكيان عالميًّا في حرية الصحافة إلى الترتيب 101 من بين 180 بلدًا على مستوى العالم، وهذا التراجع شيء طبيعي، إذا وضعنا في الاعتبار القوانين الإسرائيلية الصارمة ضد حرية الصحافة، ومن ذلك مثلا أنّ موقع «إنترسبت» الأمريكي نشر في شهر ديسمبر عام 2023، وثيقة صادرة عن الرقابة العسكرية الإسرائيلية بعنوان «عملية السيوف الحديدية، توجيهات رئيس الرقابة الإسرائيلية لوسائل الإعلام»، وتكشف عن توجيه إعلامي بحظر تغطية عدة موضوعات دون موافقة مسبقة من الرقابة العسكرية، منها المحتجزون الإسرائيليون في غزة، والهجمات الصاروخية التي ضربت البنية التحتية الإستراتيجية الإسرائيلية، والهجمات السيبرانية ضد الحكومة أو التي تنفذها إسرائيل ضد خصومها، وتفاصيل الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي بما في ذلك التي استولت عليها المقاومة، وكلُّ هذا يوضح أنّ ما يُنشر في الصحافة الإسرائيلية هو مُوَجّهٌ وأنّ مقص الرقيب العسكري بالمرصاد لكلّ ما يُنشر؛ وليس أدل على ذلك من تقرير قرأته في موقع «الجزيرة - نت»، يشير إلى أنّ الرقابة العسكرية الإسرائيلية تحظر بشكل سنوي حوالي 2240 قصة صحفية وأنها تدخلت بتعديل قرابة 14 ألف خبر بصورة جزئية أو كلية، بما يمثل 20% من المحتوى الذي خضع للمراجعة، وقد توسعت عمليات الرقابة لتشمل المدونات على منصات التواصل الاجتماعي التي جرى إخطار العشرات منها في «فيسبوك» الحصول على موافقة مسبقة على المعلومات المتعلقة بالشؤون العسكرية والأمنية.
ماذا يُتوقع من أخبار وتغطيات ومقالات وتغريدات ومنشورات تُشرف عليها الرقابة العسكرية؟! وما هي الرسائل التي تبثها تلك الوسائل خاصة مواقع التواصل الاجتماعي؟! وفقًا لتقرير صدر في 15 مايو 2024، ذكرت حركة «حرية الإعلام» الإسرائيلية أنّ الرقابة العسكرية الإسرائيلية منعت نشر 613 مقالًا خلال عام 2023، وهو ما يقرب من أربعة أضعاف ما كان عليه في عام 2022، كما تدخلت وحذفت أجزاء في 2703 قصص إخبارية إضافية، أي ما يقترب من ثلاثة أضعاف العام الذي سبقه، وهذه ليست بالنسبة القليلة، مما يؤكد أنّ حرية الصحافة في إسرائيل كذبة وأنّ ديمقراطيتها مزعومة وأنّ كلَّ ما يُنشر إنما هو توجيهات عسكرية فقط وأنّ كلّ التشريعات ضد الصحافة هي توَجّهٌ نحو قمع الرواية المناهضة لروايتها المتعلقة بالحرب في قطاع غزة، لذا لم يسمح الكيان للصحفيين الأجانب بتغطية الحرب على قطاع غزة، إذ منعت السلطات الإسرائيلية معظم وسائل الإعلام الأجنبية من دخول القطاع، وأجبرت تلك الوسائل على تقديم التقارير من تل أبيب أو القدس، وألزمتهم الامتثال لقواعد الرقابة العسكرية الإسرائيلية التي تتطلب أيضًا تقديم المواد الإعلامية لمراجعتها قبل النشر أو البث، هذا إذا لم نغفل اغتيال القوات الإسرائيلية للصحفيين علنًا وجهارًا، والتضييق على القنوات الفضائية التي تنقل الأحداث من الداخل مثل قناة الجزيرة. ولكن هل نجح الكيان في إخفاء الحقيقة؟! ربما يكون قد نجح في الداخل الإسرائيلي أما في الخارج، فقد شهد العالم الكارثة التي لحقت بغزة نتيجة الوحشية الإسرائيلية، وذلك بسبب وسائل التواصل الحديثة التي أصبحت تملك من القوة ما تملك، وأصبحت مؤثرة بما تنقله من وقائع، مما جعل العالم يرى الحقيقة عبر تلك الوسائل، فلا معنى لتشديد الرقابة عن وسائل الإعلام ومنعها من نقل الحقيقة؛ لأنّ البدائل أصبحت قوية وتفوق أحيانًا الوسائل الرسمية.
زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الرقابة العسکریة الإسرائیلیة من أجل الحریة حریة الصحافة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
بالصور.. رئيس جامعة طنطا يطمئن على حالة مصاب سيرك طنطا ويشيد بدور رجال الصحافة والإعلام في نشر الحقائق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أجرى الدكتور محمد حسين رئيس جامعة طنطا اليوم، جولة تفقدية بمستشفى الطوارئ الجامعي، رافقه الدكتور محمود سليم نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وذلك للاطمئنان على حالة المريض محمد إبراهيم عبد الفتاح، مساعد مدربة السيرك الذي تعرض لهجوم نمر أثناء العرض بمدينة طنطا، بحضور الدكتور محمد حنتيرة وكيل كلية الطب لشئون الدارسات العليا والبحوث، والدكتور حسن التطاوى المشرف العام على المستشفيات الجامعية، والدكتور محمد الشبيني المشرف العام على مستشفى الطوارئ، والدكتور محمد أبو فرحة مدير العيادة الشاملة، والدكتور محمد سرحان نائب مدير المستشفى الرئيسي ومستشفى الجراحات الجديد.
اطمأن الدكتور محمد حسين خلال زيارته على حالة المريض، حيث التقى مع أعضاء الفريق الطبي المعالج، مؤكدًا حرص الجامعة على تقديم كافة أشكال الدعم والرعاية اللازمة لضمان تعافيه بأسرع وقت ممكن، معربا عن تضامنه مع المريض وأسرته، ومؤكدا على توفير بيئة علاجية مثالية ومتكاملة في الخدمات الطبية المقدمة من خلال التنسيق مع المستشفيات الجامعية بكافة أقسامها لضمان أفضل سبل الرعاية الصحية ووفقًا للبروتوكولات الطبية، وحرص رئيس الجامعة خلال الزيارة على الالتقاء مع عدد من المرضى والمترددين على المستشفى للاطمئنان على حالتهم الصحية والاطلاع على آرائهم في جودة الخدمات الطبية المقدمة والاستماع الى مقترحاتهم واحتياجاتهم للعمل على تنفيذها، مثمنًا اهتمام القيادات التنفيذية بمحافظة الغربية وتواصلها المستمر مع إدارة الجامعة والمستشفيات الجامعية وعلى رأسها اللواء أشرف الجندي محافظ الغربية لتقديم كافة صور الدعم النفسي والمادي للمريض.
كما أوضح رئيس الجامعة أنه تم نقل المريض من مستشفى الطوارئ الجامعي لاستكمال علاجه بمستشفى الجراحات الجديد، وذلك بعد استقرار حالته الصحية وعمل الغيارات الجراحية الأولية التي أعقبت الجراحة ووفقا للبروتوكولات الطبية للمستشفيات الجامعية، والذي ينص على تحويل الحالات من أقسام الطوارئ للأقسام الداخلية بعد استقرار الحالة الصحية، وتنفيذا لتعليمات الفريق الطبي المعالج وفريق مكافحة العدوى، موجهًا بتقديم كافة أشكال الدعم النفسي للمريض من خلال الأطباء النفسيين المتخصصين بمستشفيات جامعة طنطا.
كما عقد الدكتور محمد حسين خلال جولته اجتماعا مع مديري المستشفيات الجامعية لمتابعة العمل بالمستشفيات بحضور نائبه لشئون خدمة المجتمع، مشددا خلال الاجتماع على التزام الجامعة بمبادئ الشفافية وحقوق المرضى في التعبير عن أنفسهم، معربا عن تقديره الكامل للدور الحيوي لرجال الصحافة والاعلام والمؤسسات الصحفية والإعلامية في نشر الحقائق، وتوضيح الرؤى وتوفير منصة للمواطنين للتعبير عن القضايا المهمة، لبناء مجتمع واعٍ ومطلع، قادر على مواجهة التحديات والتطورات المختلفة.
من جانبه، قدم المريض وأسرته شكرهم العميق لرئيس الجامعة والوفد المرافق له بعد زيارتهم له في المستشفى للاطمئنان على حالته الصحية، التي كانت لها بالغ الأثر في رفع معنوياته، معربًا عن تقديره للمتابعة الشخصية والاهتمام الذي لقيه من إدارة الجامعة، الذي يعكس مدى الاهتمام الذي توليه الجامعة والدعم الكبير الذي تقدمه للمرضى.
FB_IMG_1743858197042 FB_IMG_1743858194472 FB_IMG_1743858176239 FB_IMG_1743858173005 FB_IMG_1743858163647 FB_IMG_1743858148934