الأوراق الثبوتية.. سباق طرفي النزاع نحو الشرعية
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
في خضم الحرب المستمرة في السودان، يتعرض ملايين المواطنين لأزمات إنسانية متفاقمة، حيث أصبح الحصول على الأوراق الثبوتية، بما في ذلك جوازات السفر، من أبرز التحديات التي يواجهها الناس في المناطق المتأثرة بالقتال. في هذا التقرير، نسلط الضوء على الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي لم يقتصر على المعارك العسكرية فقط، بل شمل أيضًا سباقًا نحو الشرعية.
.
التغيير: كمبالا
خوفًا من القتل بذريعة التعاون مع أحد طرفي الصراع ظل محمد شرف الدين (اسم مستعار)، بمنزلهم بإحدى الولايات التي تشهد اشتباكات متكررة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ولم يخرج من المنزل إلا للحصول على وجبة يسد به الرمق”.
يذكر شرف الدين بأنه حاول الخروج أكثر من مرة لغرض استخراج جواز للسفر إلى إحدى دول الخليج بعد أن أرسل له أحد أقاربه “عقد عمل”، ولكن محاولاته باءت بالفشل، ويتم إرجاعه من أقرب ارتكاز يبعد منزلهم أقل 200 كيلومتر”.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إرجاع شرف الدين من الارتكاز، وسبق أن تم اعتقاله يومين بتهمتي التواطؤ والتخابر، لذلك قرر البقاء في مكانه، وقنع من السفر إلى تلك الدولة الخليجية التي كان ينتظر أن يبدأ فيها حياة جديدة”.
“لم يكن محمد الشريف الشاب الوحيد الذي فقد أوراقه الثبوتية، ولم يتمكن من الحصول على أوراق جديدة. فهو جزء من ملايين السودانيين الذين ضاعت أحلامهم بسبب الحرب التي تقترب من عامها الثاني. وعلى الرغم من تمسكهم بالبقاء في وطنهم وعدم الرغبة في النزوح، إلا أن الأحداث المتسارعة قلبت هذه الأمنيات رأسًا على عقب. ليصبح همهم الوحيد الآن هو الحصول على جواز سفر من أجل الهروب من البلاد وبدء حياة جديدة بعيدًا عن ويلات الحرب.”
ومنذ اندلاع الحرب في 15 أبريل من العام الماضي، خرجت جميع مراكز السجل المدني عن الخدمة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على أكثر من (80%) من المدن والأرياف في السودان، وأدى ذلك إلى حرمان ملايين السودانيين من الحصول على حقوقهم التي كفلها لهم الدستور”.
تقديم الخدمات“بعد استعادة الجيش لبعض المناطق، أطلق خدمات للمواطنين في المناطق التي تحت سيطرته، بما في ذلك إصدار أوراق ثبوتية وجوازات سفر. كما شرع بتغيير العملة في حوالي 8 ولايات من أصل 18 ولاية. في المقابل، رحب مستشار قائد قوات الدعم السريع، محمد المختار، بالمقترحات والمبادرات التي تقدمت بها القوى المدنية لتشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع، بهدف تقديم الخدمات للمواطنين في تلك المناطق.”
إذا شُكلت حكومة في مناطق سيطرتنا، سنعالج مشكلات المواطنين والمحرومين من حقوقهم في التعليم والصحة
مستشار قائد قوات الدعم السريع
وقال محمد المختار، لـ«التغيير» “إذا تم تشكيل حكومة في مناطق سيطرتنا، سنعالج كل المشاكل التي يعاني منها المواطنون والمحرومون من حقوقهم في التعليم والصحة والأوراق الثبوتية”.
وأضاف: “هذه الحقوق أصيلة كفلها الدستور والقوانين، لكن “البرهان” ومجموعته في بورتسودان أنهوا أي شكل من أشكال الدولة في مناطق سيطرة الدعم السريع”. حسب قوله.
واتهم المختار “البرهان ومجموعته” بفصل السودان من خلال حرمان المواطنين من المستندات والأوراق الثبوتية والإجراءات المصرفية بإصدار عملة في مناطق معينة.
وأوضح مستشار قائد الدعم السريع أن مجموعة بورتسودان ارتضت أن تكون في (30%) من مساحة الدولة السودانية لممارسة سلطاتها بعيداً عن (70%) من الأراضي التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
إلا أن الشرطة السودانية المناط بها استخراج الأوراق الثبوتية وجوازات السفر، قللت من خطوة قوات الدعم السريع باستخراج أوراق ثبوتية في مناطق سيطرتها حال تشكيل حكومة مدنية في المرحلة المقبلة”.
واعتبر الناطق الرسمي باسم الشرطة، العميد فتح الرحمن محمد التوم، الحصول على الرقم الوطني وشهادة القيد المدني أساس الهُوِيَّة السودانية، ويتم وفق إجراءات قانون الجنسية.
وقال إن القانون حدد من هو السوداني سواء بالميلاد أو التجنس أو عن طريق الأم وهو نظام إلكتروني وسياج يحمي الهُوِيَّة السودانية، وقد تمكنت الشرطة من استعادة هذا النظام بالكامل وتشغيله وفق سمات تأمينية عالية.
وأوضح، العميد التوم، في تصريح لـ«التغيير» أن استخراج الجواز يعتمد على بيانات الرقم الوطني التي تسترجع إلكترونيًا من نظام بيانات السجل المدني.
وشدد على أن استخراج جواز دون بيانات رقم وطني أمر مستحيل، ولا تستطيع قوات الدعم السريع استخراج جواز سفر سوداني وفق المواصفات العالمية وإن امتلكت طابعات.
تقسيم السودانويتخوف البعض من أن تؤدي الخطوة التي تنوي قوات الدعم السريع عليها بتكوين حكومة في المناطق الخاضعة لسيطرتها بعد 20 شهرا من الحرب إلى تقسيم السودان.
فيمَا استبعد الناطق الرسمي باسم القوى المدنية المتحدة (قمم) عثمان عبد الرحمن أن تقود هذه الخطوة إلى تقسيم البلاد، وقال إن من يقسم البلاد هو ما يسعى للتفرقة بين أبناء شعبه. أما الحكومة المرتقبة هي حكومة جامعة تسع كل الشعب، وتخدم المواطن بغض النظر عن الانتماء القبلي أو الجغرافي”.
إلى ذلك يرى مراقبون أن من شأن تشكيل أي حكومة جديدة لإدارة تلك المناطق أن يمثل تحديا للحكومة المعترف بها دوليًا والتي يقودها الجيش، والتي أُجبرت على الخروج من الخرطوم العام الماضي، وتباشر الآن عملها من بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.
وتجد الحكومة في مناطق الدعم السريع تأييداً من بعض الأحزاب السياسية داخل تقدم وبعضها خارجه إلى جانب بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا”.
في مطلع ديسمبر الجاري رفضت القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” المقترح الذي تقدمت به الجبهة الثورية لتشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان في مناطق سيطرة الدعم السريع.
ورغم الرفض الواسع للمقترح، إلا أن المجموعة واصلت فيه، واجتمعت مع قوات الدعم السريع في نيروبي في الأيام الماضية، وتتمسك بتشكيل الحكومة”.
حل القضاياويرى الناطق (قمم)، إن تشكيل الحكومة المرتقبة سيسهم في حل كثير من القضايا على رأسها أزمة الأوراق الثبوتية بكافة أشكالها”.
وقال عثمان لـ«التغيير» إن حكومة بورتسودان ارتكبت خطأ كبيراً بعد حرمانها لبعض المواطنين من الحصول على استخراج أوراقهم الثبوتية أو حتى تجديدها، واستخدمت معايير كثيرة في ذلك منها الانتماء المناطقي والقبلي وهو أكبر مؤشر يؤكد أن حكومة بورتسودان تمثل فئة، ولا تمثل كافة أطياف الشعب السوداني.
وأضاف “هناك حقائق كثيرة وإفادات عن مواطنين استمعنا إليهم أكدوا تعرضهم لمضايقات كثيرة بشأن استخراج أوراقهم الثبوتية”.
فيما، نفى الناطق باسم الشرطة حرمان المواطنين السودانيين من استخراج الجواز والأوراق الثبوتية بدواعي قبيلة، وقال إن الشرطة في كل استماراتها لا يوجد سؤال عن القبيلة.
وأضاف: “إثبات سودانية الشخص تعتمد على وسائل الإثبات الجائزة شرعًا وطرق التحري المعروفة”.
وأوضح الناطق باسم «قمم»، أن تكوين الحكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع، ستحل كل هذه الإشكاليات، وستجد الحكومة المرتقبة شرعية بكل المواصفات والمقاييس؛ لأنها حكومة مدنية تقوم على أسس التحول المدني الديمقراطي”.
اعتراف دوليوبدوره يقول المحلل السياسي محمد تورشين، “إذا نجح الدعم السريع وحلفائه في تشكيل أي حكومة لن تكون لديها أي شرعية أو اعتراف من قبل المجتمع الدولي والإقليمي، حتى يتسنى لها التعامل كحكومة معترف بها، وبالتالي لن يكون لديها أي قدرة على إصدار عملة أو أي أوراق ثبوتية ” وثائق سفر أو شهادات رسمية”.
إذا نجح الدعم السريع وحلفائه في تشكيل أي حكومة لن تكون لديها أي شرعية أو اعتراف من قبل المجتمع الدولي والإقليمي..
محلل سياسي
وأوضح أن هذه المسائل تأتي من خلال الاعتراف الدولي، والاعتراف الدولي يتم بالدول والحكومات وهي التي تمثل الدول”.
وأضاف “بأي حال من الأحوال لا يمكن لهذه الفرضية أن تصبح واقعا، ويتم التعاطي معها بشكل جاد”.
وتابع “هناك الكثير من المجتمعات الانفصالية في أفريقيا، سواء كان في أرض الصومال، أو في الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية “البوليساريو”، كل هذه الجماعات لم تستطع إصدار أي شكل من أشكال الوثائق الرسمية أو العملات”.
وقال “لا أعتقد أن المسألة ستكون منطقية أو قابلة للتنفيذ، حتى مسألة تشكيل الحكومة الدعم السريع وشركائه يهددون بتشكيل حكومة، وهم يعلمون تمامًا إذا فعلوا ذلك ربما تكون النهاية لهم ولكل تصوراتهم المطروحة”.
واعتبر تورشين اتجاه الدعم السريع في مناطق سيطرته بأنها مجرد تهديدات وحديث الغرض منها تحريك الساحة السياسية لإخفاء الجرائم والهزائم التي يتلقاها الدعم السريع”.
وبات تقسيم السودان إلى حكومتين أمر شبه واقع بعد تمسك طرفي النزاع بالشرعية مناطق سيطرتهم، ولا تلوح في الأفق نهاية للحرب التي اندلعت بسبب صراع على السلطة بين قوات الدعم السريع والجيش، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الناس ونزوح 12 مليون شخص ونشر الجوع الحاد والمرض.
الوسوماستبدال العملة تقسيم السودان حرب الجيش والدعم السريع شرعية الحكومةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: استبدال العملة تقسيم السودان حرب الجيش والدعم السريع شرعية الحكومة فی مناطق سیطرة الدعم السریع قوات الدعم السریع الأوراق الثبوتیة حکومة فی مناطق تقسیم السودان تشکیل حکومة الحصول على
إقرأ أيضاً:
هل تحاول قوات الدعم السريع تعويض خسائرها باستخدام المسيرات؟
بعد الهزائم المتلاحقة التي لحقت بها في وسط السودان لا سيما في ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والعاصمة الخرطوم، بدأت قوات الدعم السريع في الانسحاب غربا إلى كردفان ودارفور.
ولا يكاد يكون لها وجود حاليا إلا في جيوب متفرقة في حي الصالحة جنوب أم درمان.
لكن قوات الدعم السريع لجأت خلال الأشهر القليلة الماضية لاستخدام المسيرات بكثافة مستهدفة أعيانا مدنية وأخرى عسكرية في الخرطوم والولايات.
قصف محطات الكهرباءكان لافتا في غضون الشهرين الماضيين تعرض محطات الكهرباء والسدود بمختلف أنحاء السودان إلى ضربات مكثفة بالطيران المسير.
وقال الجيش السوداني في أكثر من بيان صحفي أن مليشيا الدعم السريع استهدفت بالمسيرات البينة التحتية لمحطات الكهرباء في العاصمة والولايات فضلا عن استهدافها بعض المطارات والمواقع المدنية والعسكرية.
ومن أبرز المواقع التي تعرضت للقصف محطة كهرباء أم دباكر، أكبر محطات توليد الكهرباء بالسودان، بمدينة ربك بولاية النيل الأبيض استهدفت أكثر من مرة، مما أدى لخروجها عن الخدمة قبل أن يتم إصلاحها لاحقا.
كما استهدفت مسيرات الدعم السريع محطة كهرباء الشوك بولاية القضارف التي تعتبر مصدرا رئيسيا مغذيا للكهرباء في شرق السودان.
إعلانواستهدف أيضا سد مروي ومحطة كهرباء مروي بالولاية الشمالية شمال السودان، مما أدى لانقطاع الكهرباء في شمال السودان وولاية البحر الأحمر. ويعتبر سد مروي، الذي استهدف أكثر من 3 مرات خلال شهرين، من أكبر مصادر الطاقة في السودان.
كذلك تعرضت محطة كهرباء عطبرة التحويلية للقصف بالمسيرات 3 مرات، مما أدى لانقطاع الكهرباء في ولاية نهر النيل شمال البلاد.
واُستهدفت محطة كهرباء بربر التحويلية في 27 أبريل/نيسان مما أدى لانقطاع الكهرباء في نهر النيل، في حين قصفت المسيرات سد الروصيرص بولاية النيل الأزرق قبل شهر دون خسائر.
ما وراء المسيراتهجمات الدعم السريع بالمسيرات لم تقف على الأهداف المدنية فقط، بل شنت هجمات على مواقع عسكرية في الشهرين الماضيين، حسب مصادر عسكرية تحدثت للجزيرة نت، من بينها قيادة الجيش وسط الخرطوم، وقاعدة وادي سيدنا الجوية، ومقر الكلية الحربية بأم درمان، فضلا عن استهداف القصر الرئاسي ومطار الخرطوم.
ويعتقد بعض المحللين أن قوات الدعم السريع تستخدم المسيرات لمحاولة تعويض الخسائر الميدانية التي تكبدتها في وسط البلاد والعاصمة الخرطوم.
ويقول الخبير العسكري والإستراتيجي العميد متقاعد جمال الشهيد للجزيرة نت إن الدعم السريع تعاني من عجز ميداني دفعها لاستخدام المسيرات في استهداف المواقع المدنية والعسكرية للضرب عن بُعد ومحاولة تعويض فقدان المبادرة.
وأضاف أن استخدام المسيرات نوع من الاستنزاف من خلال استهداف البنية التحتية وإنهاك الدولة والجيش معنويا وماديا، حتى لا تكون الحرب معركة بنادق بل تتحول إلى معركة إرادة طويلة.
وأوضح العميد الشهيد أن مليشيا الدعم السريع حوّلت القتال إلى حرب عصابات باستخدام تكنولوجيا رخيصة مثل المسيرات، مما يؤكّد عجزها ميدانيا، مشددا على أن الغرض من هجمات المسيرات إطالة أمد الحرب وإنهاك الجيش والدولة والمجتمع.
إعلان الدعم السريع تبرريقول الكاتب الصحفي المقرب من الدعم السريع الغالي شيقفات إن قواتهم من حقها امتلاك مسيرات واستهداف مواقع الجيش العسكرية. وأضاف للجزيرة نت من الطبيعي استهداف مواقع الجيش بالمسيرات مثل وادي سيدنا والقيادة.
وقال شقيفات إن الدعم السريع لم تعلن عن استهداف البنية التحتية مثل الكهرباء ومحطات المياه ولمح إلى إمكانية وجود طرف ثالث يستهدف البينة التحتية بالمسيرات.
هل عجز الجيش عن صد المسيرات؟مؤخرا بدأت أصوات تتساءل عن عدم التصدي لهذه المسيرات، مما دفع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أن يقول في تصريحات صحفية إن المسيرات التي تستهدف محطات الكهرباء سيتم التصدي لها قريبا عبر الدفاع الجوي التابع للجيش السوداني.
ويقول الفريق أول صلاح عبد الخالق قائد سلاح الجو السوداني السابق للجزيرة نت إن المسيرات سلاح غير فعال ويمكن التصدي لها بمنظومة دفاع جوي تستخدم الإنذار المبكر واكتشاف الأهداف ومن ثم التعامل معها.
وأضاف أن الدفاع الجوي السوداني كان قادرا على التصدي لكل المسيرات الانقضاضية التي استخدمتها مليشيا الدعم السريع في بداية الحرب.
وأوضح عبد الخالق أن الدعم السريع حاليا تستخدم طائرات بعيدة المدى مشيرا إلى تصريحات رئيس مجلس السيادة البرهان التي أكد فيها أن هنالك منظومة دفاع جوي ستتصدى لهذه المسيرات.
واعتبر أن مليشيا الدعم السريع لا تستخدم المسيرات استخداما عسكريا، بل تستهدف البنية التحتية، وسيكون من السهل جدا التصدي لها وإخراجها من المعركة عبر عدة وسائل دفاعية.