وترجل جواد المدح فقيدنا أحمد بن حيدر
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
جاسم بن عيسى القرطوبي
كم هو مُؤلم فراق الأحبة وما أصعب العيون حين تنظر مودعة، تختلط مشاعرنا بالبكاء والأنين، ويحترق القلب حسرة وألماً، ونشعر بالاحتراق قد وصل لحناجرنا، يمتنع الكلام من الخروج، وتصبح أنفاسنا مختنقة لا ندري ماذا نفعل أن أردنا الكلام لا يخرج سوى همسات غير مفهومة متقطعة بأنين.
فقيدنا أحمد بن محمد بن عبيد البلوشي والمعروف في صحم بابن حيدر وفي مسقط بأحمد عبيد- كما حكى لي هذا بنفسه عن نفسه- هو إمام مسجد العبور وخطيب جامع المنطيفة بولاية صحم الذي بلغ من تعلقه بها وبحبه لأم القُرى مُساهمته في تسمية فريقها باسم القُرى، بالإضافة إلى جهود الشيخ عامر بن عبدالله الخالدي وأبنائه وقرابته في ذلك.
وبقي متنقلاً بعد تقاعده بين مسقط وصحم وكان في الطريق بينهما ذهابًا وقدومًا لا يمر بمسجد ليصلي فيه أو سوقاً ليتبضع للبيت ولضيوفه منه إلا وله معارف وأصحاب وأرحام لم يهجر زيارتهم أبداً. وكانت مائدته لنا دواء وغذاء وهكذا طعام الصالحين، وبين قوسين كان يحب من السمك السكل أو سكن أو الكوبيا (Rachycentroncanadum). وكان–رحمه الله- يسرد لنا قصص الصالحين كالملا بخيت، مرددا قول الإمام الشافعي رحمه الله:أحبُ الصالحين ولست منهم... لعلي أن أنال بهم شفاعة، وأكره من تجارتهُ المعاصي... وأن كنَّا سواء في البضاعة، فكأننا نسمع رد الإمام أحمد بن حنبل على الإمام الشافعي: تحبُ الصالحين وأنت منهُم.. لعلهُم ينالو بكَ الشفاعة، وتكرهُ من تجارتهُ المعاصي... حماكَ الله من تلك البضاعة. وكان يحكي لنا من قصص البحرين بالتفصيل ويكررها كثيرا، وأجمل منها هنا الشيء اليسير مثلا: كان يحكي عن طريقة حفظ الأخشاب وما هي طريقة التخزين التي إذا حفظت بها الخشب فلن يتلف ولو لعشرات السنين؟ وعن قصة ذلك السفّان الماهر الذي طُلِبَ منه أن يصنع سفينة فاشترط مبلغاً من المال ثم استعانوا بأجنبي لتنفيذ المُهمة فلما أخفق الأجنبي رجعوا لذلك السفان المحلي البارع فصنع لهم أسطورة السفن ولكن طلب منهم مبلغاً أعلى ومضاعفا عن المبلغ السابق ليثبت لهم أنَّ اليد العاملة المحلية تعدل إن لم تفق الأجنبية بكل خير، وكان يحكي لنا عن الحِد وهي منطقة بالبحرين وزيارته للشيخ الحِدّي، وكان يحكي لنا عن جلالي التي زرناها بمعيته ورأينا الإكرام له والإقبال عليه من فناني البحرين ووجهائها على حد سواء، وما سمي السفر هكذا إلا لأنه يُسفر عن أخلاق المرء أي يكشف لك السفر عن أخلاق المرء الطبيعية، فالشاهد أننا لم نرَ منه إلا كل خير وخير وخير فجزاه الله عنَّا خير الجزاء وسمعت منه الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء. وأما عن معرض الكتاب فالمرات التي صحبته فيها كان لا يشتري إلا الموسوعات والمخطوطات والكتب النادرة، واطلبه عينيه فسيعطيك إياهما وهو ضاحك مستبشر وأما عن الكتب فكانت اللائحة موضوعة على مكتبته في صحم: ألا يا مستعيرَ الكُتْبِ دعني - فإنَّ إعارتي للكُتْب عارُ - فمحبوبي من الدنيا كتابي - وهل أبصرتَ محبوبًا يُعارُ؟؟،وأما في مسقط فلديه مكتبة عامرة بمختلف الكتب المقروءة والمرئية بل والمسموعة فكان – رحمه الله – من المعتنيين بالتوثيق وجمع القصاصات بل وكتابة تواريخها عليها، فكم رأيتُ قصاصاتي الشعرية في مكتبته مقيداً عليها المكان والزمان واللقب، رأيت هذا في مكتبة مسجده العبور... تختم السطور وفيه ما لم يكتب، فأذكر طلبه مني متفضلا عليَّ أن أكتب قصيدةً بمناسبة رحلة علاجه بالهند وعودته منها فشاء الحق أن يمرض حتى أتاه اليقين فكتبت مرثيتي الشعرية هذه حفظاً للود والشوق بتبيان ولسان حالي كما قال حافظ لشوقي في التأبين: قد كنت أوثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء لكن سبقت وكل طول سلامة قدر وكل منية بقضاء.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: رحمه الله کان یحکی
إقرأ أيضاً:
16 شهيداً في مجازر جديدة ونسف مباني للعدو الصهيوني في رفح
الثورة نت/وكالات ارتقى 16 فلسطينيًا، بينهم أطفال ونساء، منذ ساعات فجر اليوم الخميس 24 أبريل 2025، في سلسلة غارات جوية إسرائيلية استهدفت مناطق متفرقة من قطاع غزة. وأسفرت إحدى الغارات عن ارتقاء الأسير المحرر علي الصرافيتي وزوجته وأطفاله الأربعة، بعد استهداف منزلهم في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة. وفي غربي النصيرات وسط القطاع، استشهد ثلاثة فلسطينيين وأصيب آخرون جراء قصف استهدف خيمة تؤوي نازحين من عائلة فرج الله في منطقة السوارحة. كما استُشهد فلسطينيان في قصف على منزل لعائلة النجار في منطقة قيزان النجار جنوب خان يونس وهما محمود ياسين النجار/الملقب الحاج ديب (أبو حسام)، وزوجته الحاجة: ليلى حمدي النجار، فيما أدى قصف آخر على خيمة نازحين في منطقة العطار بمواصي خان يونس إلى استشهاد اثنين آخرين، وهما جنى جواد الزاملي (15 عامًا)، ومحمود جواد الزاملي ( 6 أعوام). وارتقى ثلاثة شهداء بينهم طفلة وأصيب آخرون جراء غارة استهدفت منزلًا يعود لعائلة ابو شقير في حي الامل غرب مدينة خانيونس ، الشهداء هم:- عصام محمد عصام احمد، وسوار محمد عصام أحمد، وداليه مروان عيسى الجمل . وواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي نسف مباني سكنية شمال مدينة رفح جنوبي القطاع. وارتفعت حصيلة ضحايا حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 51,305 شهيدًا، في ظل أوضاع إنسانية كارثية يعيشها سكان القطاع المحاصر.