التعليم العاطفي للأطفال.. مهارة تفتقر إليها المدارس التقليدية
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لم يعد كافيًا أن تركز المدارس على تعليم المهارات الأكاديمية فحسب، بل يجب أن تتناول الجوانب النفسية والعاطفية للأطفال، التي تلعب دورًا محوريًا في تشكيل شخصياتهم وتحديد قدرتهم على مواجهة الحياة. ومع ذلك، نجد أن معظم المدارس التقليدية ما زالت تغفل عن هذا الجانب المهم، مما يجعل التعليم العاطفي مهارة مفقودة يحتاجها الأطفال بشدة في عصرنا الحالي.
التعليم العاطفي هو العملية التي يتعلم من خلالها الأطفال كيفية التعرف على مشاعرهم، وفهمها، والتعامل معها بطرق صحية. كما يساعدهم على بناء علاقات إيجابية مع الآخرين، واتخاذ قرارات مسؤولة، وإظهار التعاطف مع من حولهم. هذه المهارات ليست مجرد إضافات تجميلية؛ إنها أساسات تُبنى عليها قدرة الطفل على النجاح في الحياة، سواء في علاقاته الشخصية أو في حياته المهنية المستقبلية.
وعندما ننظر إلى الحياة اليومية، نجد أن معظم التحديات التي يواجهها الأفراد لا تتعلق بمهاراتهم الأكاديمية، بل بقدرتهم على إدارة مشاعرهم والتعامل مع مشاعر الآخرين. من هنا، يبرز التعليم العاطفي كضرورة ملحة. الأطفال الذين يفتقرون إلى المهارات العاطفية قد يعانون من صعوبات في التعبير عن أنفسهم أو حل النزاعات، مما قد يؤدي إلى شعورهم بالإحباط أو العزلة.
على النقيض، الأطفال الذين يحصلون على تعليم عاطفي يتعلمون كيف يتعاملون مع الضغوط، ويطورون مهارات اجتماعية قوية تساعدهم على بناء علاقات صحية. هذا لا يؤثر فقط على سعادتهم الشخصية، بل ينعكس أيضًا على أدائهم الأكاديمي. الدراسات تشير إلى أن الأطفال الذين يتلقون تعليمًا عاطفيًا يظهرون مستويات أعلى من التركيز، والانضباط، والتعاون داخل الفصول الدراسية، مما يؤدي إلى نتائج تعليمية أفضل.
ومع الأسف، المدارس التقليدية غالبًا ما تكون بيئة تركز بشكل مفرط على التحصيل الأكاديمي والاختبارات. هذا التركيز الشديد يجعل الوقت المتاح للأنشطة الأخرى محدودًا، مما يؤدي إلى إهمال تعليم الأطفال كيفية التعامل مع مشاعرهم أو فهم مشاعر الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، قد لا يكون لدى المعلمين التدريب الكافي لتقديم التعليم العاطفي بشكل فعال.
علاوة على ذلك، فإن ثقافة بعض المجتمعات تميل إلى التقليل من أهمية التعبير العاطفي، حيث ينظر إلى المشاعر على أنها نقطة ضعف بدلًا من كونها جزءًا طبيعيًا من التجربة الإنسانية. هذا يزيد من صعوبة إدخال التعليم العاطفي إلى المدارس، لأن هناك حاجة لتغيير النظرة العامة أولًا.
ولتعويض هذا النقص، يمكن للمدارس تبني استراتيجيات تدمج التعليم العاطفي في المناهج الدراسية اليومية. على سبيل المثال:
1 جلسات منتظمة لتعليم المشاعر: يمكن تخصيص وقت يومي أو أسبوعي للتحدث عن المشاعر وكيفية التعامل معها. يتم خلال هذه الجلسات تعريف الأطفال بمفردات عاطفية تساعدهم على التعبير عن مشاعرهم بدقة.
2 التعلم من خلال القصص: القصص أداة فعالة لتعليم الأطفال كيفية التعامل مع المواقف العاطفية. يمكن استخدام قصص تتناول قضايا مثل الغضب، والغيرة، والصداقة، لمساعدة الأطفال على فهم هذه المشاعر وكيفية إدارتها.
3 التدريب على حل النزاعات: يمكن تقديم برامج تساعد الأطفال على تطوير مهارات التواصل وحل النزاعات بطرق سلمية وبناءة.
4 تعليم التعاطف: من خلال الأنشطة الجماعية والألعاب التفاعلية، يمكن تعليم الأطفال كيف يضعون أنفسهم في مكان الآخرين ويفهمون مشاعرهم.
5 إشراك الآباء: التعليم العاطفي لا يمكن أن يقتصر على المدرسة فقط؛ يجب أن يكون هناك تعاون مع الأسرة لتعزيز هذه المهارات في المنزل.
إن التعليم العاطفي لا ينتهي بانتهاء المرحلة المدرسية. الأطفال الذين يكتسبون هذه المهارات يحملونها معهم طوال حياتهم، مما يساعدهم على أن يصبحوا بالغين أكثر توازنًا واستقرارًا. فهم أكثر قدرة على بناء علاقات ناجحة، وإدارة الضغوط، واتخاذ قرارات مدروسة.
علاوة على ذلك، المجتمعات التي تركز على التعليم العاطفي تنشئ أجيالًا أكثر تسامحًا وتعاونًا. عندما يتعلم الأطفال كيفية التعامل مع مشاعرهم وفهم مشاعر الآخرين، يصبحون أكثر قدرة على حل النزاعات بطرق سلمية. هذا يقلل من معدلات التنمر والعنف داخل المدارس وخارجها.
فالتعليم العاطفي ليس رفاهية أو خيارًا إضافيًا يمكن الاستغناء عنه، بل هو جزء أساسي من التعليم الشامل الذي يحتاجه كل طفل ليصبح فردًا ناجحًا ومساهمًا في مجتمعه. إذا كنا نسعى لبناء أجيال قوية ومتوازنة، فعلينا أن نبدأ بإعطاء التعليم العاطفي المكانة التي يستحقها داخل مدارسنا. فالأطفال هم المستقبل، ومستقبلهم يعتمد على ما نعلمهم إياه اليوم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: التعليم العاطفي حسن سليم کیفیة التعامل مع الأطفال کیفیة الأطفال الذین تعلیم ا
إقرأ أيضاً:
أزمة التعليم تتفاقم في اليمن مع استمرار إضراب المدارس
يمن مونيتور/من عميـد المهيوبي
لا يزال إضراب المدارس مستمرًا في عدد من المحافظات اليمنية، بما في ذلك تعز وعدن، منذ ديسمبر 2024. هذا الإضراب، الذي حرم الطلاب من التعليم، أثر سلبًا على مستقبلهم الأكاديمي وتحصيلهم العلمي، مما زاد من القلق بين أولياء الأمور.
على الرغم من إعلان وزارة التربية والتعليم في عدن عن استئناف الدراسة بعد عيد الفطر، وتحديد موعد الاختبارات النهائية للطلاب، فإن الأهالي لا يزالون يعبرون عن مخاوفهم بشأن أطفالهم الذين لم يتلقوا أي حصص دراسية منذ بداية الفصل الدراسي الثاني. وتشير تلك المخاوف إلى ضرورة وجود حلول عاجلة لضمان حقوق الطلاب في استكمال المناهج الدراسية.
قلق المواطنين ورفضهم خصخصة التعليم
في حديثه لـ “يمن مونيتور”، أعرب المواطن عارف صبر عن قلقه إزاء قرار استئناف العملية التعليمية، حيث قال: “قرار استئناف العملية التعليمية وتحديد موعد الاختبارات يؤثر بشكل سلبي على الجانب العلمي للطلاب، ويمثل ضغطًا كبيرًا عليهم. إذ لم يدرس الطلاب أي حصة من مقرر الفصل الدراسي الثاني، مما يجعل أبناءنا وبناتنا عرضة للتجهيل ويهمّش العملية التعليمية.”
وأضاف صبر أن إضراب المعلمين تحول إلى صراع بين الحكومة والمعلمين، مؤكدًا أن تصريحات مكتب التربية والتعليم بمحافظة تعز التي تشير إلى عدم إضراب 50% من المدارس لا تعكس الواقع. “معظم المدارس في تعز مغلقة منذ بداية الفصل الدراسي الثاني، لذا فإن هذا يدعو للقلق لدى أولياء الأمور والطلاب على حد سواء.”
كما أشار إلى أن الطلاب يعيشون حالة من القلق، بالنظر إلى تصريحات المعلمين بعدم التدريس وقرار الاختبارات التي اعتمدتها الوزارة. أكد صبر أن أولياء الأمور لن يقبلوا أن يصبح أطفالهم ضحايا لهذا التصعيد، وأنهم بجانب المعلمين في انتزاع حقوقهم.
وأكد صبر إدانته لما يتعرض له المعلمون من تعسفات وتجاهل لمطالبهم، وكذلك الضغوطات التي تواجه الطلاب. “يتعين على الحكومة والجهات المختصة والسلطة المحلية أن تعمل بجد لإيجاد حلول لمشاكل المعلمين والطلاب.”
لجنة جديدة لمحاولة إيجاد حلول
مؤخراً في محافظة تعز، تم تشكيل لجنة للنظر في مطالب المعلمين وخرجت بعدد من القرارات، من أبرزها: “استئناف الدراسة، واستكمال التعليم في المدارس المتوقفة، بدء اختبارات الثانوية العامة في موعدها المحدد، متابعة صرف الرواتب المتأخرة، وتقديم خصومات على الخدمات الصحية للمعلمين.”
ومع ذلك، قوبلت هذه المخرجات بالرفض من قبل اتحاد التربويين في تعز ونقابة المعلمين الجنوبيين، الذين يعتبرون أن هذه اللجنة انقلبت على مطالبهم المشروعة.
تستمر أزمة التعليم في تعز وعدن في التأثير على الكثير من الطلاب، بينما يواصل أولياء الأمور والمعلمون المطالبة بحلول عاجلة تضمن حقوقهم ومستقبلهم الأكاديمي. مع استمرار الإضراب والمعاناة، يبقى مستقبل الطلاب في مهب الريح، مما يستدعي تدخلاً فعّالاً من الحكومة لحل هذه الأزمة التعليمية.
تجاهل حقوق المعلمين وتفاقم أزمة التعليم في اليمن
أبدى رئيس اللجنة التحضيرية لاتحاد التربويين اليمنيين في تعز، الأستاذ أمين المسني، استنكاره لتجاهل الحكومة لحقوق المعلمين وحقوق الطلاب، مشيرًا إلى أن الإضراب المستمر منذ ثلاثة أشهر يدل على عدم جدية الحكومة في التعامل مع قضايا التعليم. وصرح لـ “يمن مونيتور”: “إذا كانت الحكومة تهتم بالتعليم، لما استمر الإضراب طوال هذه الفترة دون تقديم أي حلول فعلية، فهي تكتفي بإصدار القرارات والتوجيهات على الورق دون اعتبار لمطالب المعلمين.”
وأكد المسني على موقف اتحاد التربويين الثابت في مواصلة الإضراب حتى يتم تنفيذ المطالب الحقوقية، مشيرًا إلى أن فرض الاختبارات على الطلاب الذين لم يتلقوا أي حصص دراسية هو مسؤولية الحكومة.
وأعرب عن استغرابه إزاء تصريحات مدير مكتب التربية والتعليم في تعز، عبدالواسع شداد، الذي زعم أن 50% من المدارس لم تضرب، مضيفًا: “الحقيقة أن 80% من المدارس الحكومية لا تزال مغلقة”.
وأشار الاتحاد في مطالباته إلى ضرورة صرف رواتب المعلمين المتأخرة لمدة 9 أشهر وإعادة هيكلة الأجور بما يتماشى مع الوضع المعيشي الحالي، بالإضافة إلى إدانته لأسلوب الجبايات الذي تفرضه السلطة المحلية.
في السياق نفسه، أدانت نقابة المعلمين الجنوبيين الإجراءات العقابية ضد المعلمين، مؤكدة أن المعلم يؤدي رسالته بشرف ولا ينبغي تحميله مسؤولية الفشل الإداري أو السياسي.
رسالة عاجلة للحكومة
من جهة أخرى، انتقد الأستاذ عبدالكريم الخياط، أحد التربويين، تجاهل الحكومة الشرعية لمعاناة المعلمين، مشيرًا إلى عدم نزولها الميداني إلى المدارس أو التعرف على مطالب المعلمين.
وأوضح أن الأوضاع التعليمية والتربوية في مناطقهم المحررة تتطلب تفاعلًا فعّالًا من الحكومة، وخاصة في ظل تفاقم أزمة التعليم وحرمان الطلاب من حقهم في التعليم.
المعاناة المستمرة للمعلمين والطلاب تثير القلق حول مستقبل التعليم في اليمن، وتستدعي خطوات عاجلة من الحكومة لضمان حقوق الجميع واستعادة العملية التعليمية بشكل فعّال.