شعبنا واحد.. ومصيرنا واحد
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
د. عبد الله باحجاج
عنوان المقال من أغنية خليجية تتردد في كل مُناسبة سياسية أو ثقافية أو رياضية جماعية، كبطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم التي تجري حاليًا في الكويت، وكل مُتابع لها سينتابه مشاعر وجدانية مُتماهية مع العنوان، وهي حقيقية بعوامل الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا والقرابة المُمتدة بين الدول الخليجية والمصير المشترك.
وعندما نربط هذه العوامل ووجدانياتها بالأحداث المصيرية التي تحدث في العالم، وخاصةً في المنطقة وآخرها سقوط نظام بشار الأسد- من حيث الكيفية وتغيُّر موازين القوى فجأة من إيران وروسيا إلى تركيا وإسرائيل وأمريكا- سنجدُ أنَّ بلورة مفهوم الشعب الواحد والمصير الواحد تتوافر الآن كل استحقاقاته، من حيث النضوج السياسي والاجتماعي، ومن حيث مسوغات داخلية نخشى أن تتقاطع معها مخاطر إقليمية ودولية.
ولا يُمكن لأي دولة أن تطمئن على داخلها إذا ما أصرَّت الاستمرار برؤاها التقليدية، فما كان خياليًا أن يحدُث في دمشق أصبح واقعًا في أقل من أسبوعين، وهذا مردَّه إلى الأسباب الداخلية، وهي ليست حالة استثنائية سورية، وإنما عربية ودولية، وقد سبقها بسنوات سقوط 5 أنظمة أخرى في تونس ومصر واليمن وليبيا والعراق للأسباب الداخلية. وعالميًا تكمُن الأسباب في تصاعد أحزاب اليمين المتطرفة في أوروبا ووصولها للسلطة المحلية والأوروبية، وعودة "الظاهرة الترامبية" في أمريكا، وكلها من نتاج فشل السُلَط الليبيرالية واليسارية الحاكمة، وقد كان الخيار الديمقراطي مُنقِذًا لهذه الدول من تفكيكها؛ لأنه يُشرعِن التَّداول السلمي عن طريق صناديق الانتخابات.
ويُمكننا أن نُطلق على الحقبة الراهنة ببُعديها الإقليمي والدولي بأنها حقبة التحولات والمتغيرات التاريخية من مسوغات داخلية أولًا، وتقاطع الخارج مع الداخل ثانيًا عبر استغلال الأسباب الداخلية كسببٍ لتحقيق أجندات ما كانت تتحقق إلّا بالقوة الخشنة. ومن المعلوم أنَّ المنطقة الخليجية قد أصبحت مُستهدفة من الخارج لتكفيك قوتها الناعمة، بعد أن نجح في تفكيك القوة العربية الخشنة، واستهداف ثرواتها المتجددة، وهذا التوصيف يُحتِّم على الدول الخليجية تغيير مفاهيمها القديمة والانتقال من التفكير الأحادي إلى الجماعي، وبالذات من التنافس الاقتصادي والجيوسياسي إلى التكامل بين الدول الستة. ولن نجد هناك من خيار استراتيجي آمن وضامن للمسير الفردي والجماعي معًا سوى انتقال مجلس التعاون الخليجي من التعاون إلى الاتحاد/ الوحدة؛ فالحقبة الزمنية في الخليج تستوجِب تحقيق فوائد اقتصادية وأمنية وعسكرية جماعية، ومن رؤى استثنائية تعُم خيراتها على الدول الستة، لكي تكون أكثر قوةً في مُواجهة مختلف التحديات والمخاطر، وبالذات الداخلية.
وبالتالي لو تأمَّلنا في المسير الخليجي الجديد في مفاصل أساسية منه، نُلاحظ أنه يُنتِج وضعًا سياسيًا مُلتبِسًا؛ إذ إنَّ دولَهُ إزاء مرحلة انتقالية تنموية لا تزال في بدايتها، وتتأسس على المفهوم النيو-ليبرالي الدراماتيكي، بتراجيديَّة تحتية لم تظهر بصورة شفافة فوق السطح، ويتقاطع معه انفتاح خليجي غير مُقيِّد للحريات والديموغرافيات- مع التباين الكبير- في ظل وعي خليجي عام ومُتزايد بحقوقه الوطنية الشاملة؛ لذلك تظل الرهانات قائمة الآن على الاتحاد/ الوحدة؛ لإقامة كُتلة اقتصادية قوية وواحدة دون الاعتماد على الغرب، والانفتاح الكبير نحو الاقتصاديات الآسيوية، وبالذات الهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان. وذلك يُحقق لها مسألتين؛ هما: الأولى: التماهي مع السياق الدولي الذي يُشير إلى أنَّ المستقبل الدولي سيكون للتكتلات القوية مثل "بريكس"، والثانية: توحيد المواجهة الخليجية للأطماع الخارجية والحد من المخاطر الداخلية المُهدِّدة للاستقرار لكل دولة، والتغلُّب على مشاكل العمالة الأجنبية، وتهديدها الديموغرافي... والقائمة تطول!
الأهم الذي يعنينا هنا، حل المشاكل الداخلية الناجمة عن سياسات واستراتيجيات التحول والانفتاح التي تشهدها الدول الخليجية الستة منذ عام 2021، فقد تقلَّصت فرص العمل للمواطنين، وأصبحت تصنع مسارات للفقر، وفتحت أبواب بلدانها لديموغرافيات أجنبية مُتعددة الجنسيات، ومنحتها حقوق تتماهى مع حقوق المواطنة، وذلك بعد أن جنحت بمفهوم الدولة إلى الليبيرالية الجديدة في مختلف مناحي الحياة في الخليج- مع التباين- وبذلك تتم صناعة بؤر تحتية للاختراقات الأجنبية للشأن الداخلي في كل دولة، مع بروز ظاهرة الهاربين/ اللاجئين من بعض الدول للخارج، وهي مُتصاعِدة قد يستغلها الخارج الذي يلهث خلف ثروات الخليج برؤى مستقبلية؛ مما قد يُحوِّلُها إلى حالة صُداع لأنظمتها بمختلف السيناريوهات، وكذلك مع اتجاه التيارات الفكرية والسياسية الخليجية إلى إعادة تطوير ذاتها؛ لكي تُواكب التفكير العالمي كاليسار الخليجي "المُتطَوِّر".
كبرى الدروس التي نخرج بها من الحالات العربية والغربية سالفة الذكر، تؤكد أنَّ الشأن الداخلي لكل دولة هو مصدر قوتها وضعفها، وكذلك لا ضمانة لاستمرارية الحماية الأجنبية مهما كانت مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في أي دولة، فلو كانت هناك ضمانة لَمَا سقط نظام الأسد فجأة، وبالكيفية المُبسَّطة داخليًا.. لذلك نرى أنَّه ينبغي أن تُسارع المنظومة الخليجية لاستكمال الاتحاد الجمركي والوحدة النقدية والسوق المشتركة، وربط الدول الستة بشبكة قطار وطرق، وتحقيق المواطنة الخليجية باعتبارها خيارًا استراتيجياً من خيارين عاجلين، والآخر إعادة النظر في المفهوم النيو-ليبرالي الذي فشل في موطِنِه، فكيف به ينجح خارجها؟
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عباس يعرب عن تقديره للرئيس السيسي لموقفه الرافض لتهجير الفلسطينيين
أعرب محمود عباس، رئيس دولة فلسطين ، عن بالغ التقدير لموقف الرئيس عبد الفتاح السيسي الثابت الذي أعاد فيه التأكيد على رفض بلاده تهجير شعبنا من قطاع غزة.
الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عدة عمليات في قطاع غزة الفاو: 96% من الثروة الحيوانية في غزة دُمرت بفعل العدوان الإسرائيلي وبحسب وكالة الانباء الفلسطينية"وفا"، أضاف عباس، في برقية بعثها إلى الرئيس المصري بهذا الخصوص، "إننا نعرب عن بالغ تقديرنا لموقف مصر الثابت الذي قمتم اليوم بإعادة التأكيد عليه، وهو تجديد الرفض لتهجير شعبنا من قطاع غزة، ورفض الظلم على الشعب الفلسطيني، وتجديد موقف مصر التاريخي الداعم للقضية الفلسطينية والذي لا يمكن أبداً التنازل عنه بأي شكلٍ من الأشكال، إن هذه الكلمات لها وقعها وأثرها الكبيرين على أبناء شعبنا، وهو الموقف المتوافق مع القانون الدولي، والذي يصر عليه شعبنا، ويتمسك بالبقاء على أرض فلسطين والصمود فيها، ومكافحة أي محاولة لاقتلاع شعبنا من أرضه إلى أي بلد آخر".
وأضاف سيادته: "نثمن كذلك، تأكيد دعم مصر بقيادتكم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ونيل حريته واستقلاله، بإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام المستند لقرارات الشرعية الدولية، ولتنعم دول وشعوب منطقتنا بالأمن والاستقرار، وهو ما نسعى بكل السبل لتحقيقه، مع التأكيد بأن الأولوية الآن لتثبيت وقف إطلاق النار وتوفير المساعدات وبدء استلام السلطة الفلسطينية إدارة معبر رفح، تمهيدا لتولي دولة فلسطين لمهامها في قطاع غزة، كونه جزءا لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين".
وتمنى عباس، للرئيس المصري الصحة والسعادة، ولجمهورية مصر العربية وحكومتها الرشيدة وشعبها الشقيق، المزيد من التقدم والازدهار.