كتائب المستنفرين.. مدنيون يحملون السلاح للدفاع عن الفاشر
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
الفاشر- في أحد المواقع العسكرية بمدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور في غرب السودان، يقف الشاب محمد آدم، الذي يبلغ من العمر 30 عاما، ممسكا بسلاحه ومرتديا زيا عسكريا بسيطا، في مواجهة قتال عنيف تشنه قوات الدعم السريع على أحد المحاور الحيوية في المدينة.
وتعتبر هذه اللحظة حاسمة بالنسبة لمحمد ورفاقه، الذين انتقلوا من الحياة المدنية إلى العسكرية للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم.
ويشعر محمد بعبء هذا القرار، حيث يواجه خيارا صعبا بين الاستسلام للخوف أو اتخاذ موقف يضمن سلامته وأمن عائلته. وفي ظل هذه الظروف القاسية، أصبح الانخراط في القتال ضرورة ملحة تفرضها الأحداث اليومية، وهذا يعكس تحولا جذريا في حياة هؤلاء الشباب.
يقول محمد للجزيرة نت: "كنت طالبا في جامعة الفاشر، وعضوا في حركة العدل والمساواة السودانية، ولم أكن قد حملت السلاح من قبل. لكننا اليوم أُجبرنا على ذلك للدفاع عن أنفسنا. نحن نواجه وضعا مأساويا يستدعي اتخاذ موقف حازم".
ويضيف: "لم يكن اتخاذ هذا القرار سهلا، لكننا نشعر بالحاجة الملحة لحماية كرامتنا وحقوقنا. لقد عايشنا انتهاكات مروعة من قبل المليشيات، حيث تعرض المدنيون للقتل والنهب والقصف المدفعي المتعمد، وهذا دفعنا للقتال من أجل البقاء".
ويواصل: "الأمر لا يقتصر على القتال، بل يتعلق بالحفاظ على هويتنا وثقافتنا. نريد أن نعيش بكرامة، ونُعلم أطفالنا أن لديهم مستقبلا آمنا"، ويؤكد: "رغم كل الصعوبات، نحن مصممون على الصمود والتضحية من أجل أرضنا، ولن نسمح لهذه المليشيات والدول الداعمة لهم بسرقة أحلامنا أو القضاء على مستقبلنا".
إعلانومن جهته، يقول ربيع آدم، الذي كان سابقا تاجر سيارات، إنه قرر حمل السلاح بعد أن شهد انتهاكات مروعة تعرض لها أقاربه في المدينة، ويضيف: "لقد عشت لحظات قاسية لا تُنسى، فقد رأيت كيف تعرض أهلي وأصدقائي للظلم والاعتداء. هذا الواقع المؤلم دفعني لاتخاذ قرار حمل السلاح والدفاع عن المدينة".
ويضيف: "سأظل صامدا في الفاشر، حيث أصبحت قضية تحريرها بالنسبة لي مسألة حياة أو موت. إن الظلم الذي عانينا منه لا يمكن أن يستمر، وسأبذل قصارى جهدي للدفاع عن أرضي وأحبائي". ويختتم بالقول: "رغم كل الصعوبات، أومن بأن النصر قريب، وأن صوت الحق سيعلو في النهاية. لا يمكن أن تستمر المعاناة إلى الأبد، وسأظل أدافع عن قضيتي حتى آخر نفس".
وكشفت فاطمة الطاهر، وهي نازحة تعيش في مخيم زمزم، في حديثها للجزيرة نت، أن ابنها الثاني، سليمان، انخرط في معسكر تدريب لفترة من الزمن، ويحمل الآن البندقية ويقاتل مع الجيش في الصفوف الأمامية.
وأوضحت أنها تشعر بقلق عميق على سلامته، ومع ذلك، أكدت أن ابنها يعتبر نفسه ملتزما بالدفاع عن عائلته ومجتمعه، ولا يمكنه تركهم فريسة للنهب والقتل. وأشارت إلى أن هذا القرار لم يكن سهلا، لكن، في الوقت نفسه، ترى فاطمة أن للقتال من أجل الوطن معنى كبيرا، وتابعت قائلة: "نحن نعيش في حالة من القلق والترقب، لكن الأمل في مستقبل أفضل لا يزال يضيء".
كتائب المستنفرينومنذ العاشر من مايو/أيار الماضي، زادت قوات الدعم السريع من نشاطها العسكري في اتجاه مدينة الفاشر، حيث استهدفت المستشفيات والمرافق الحيوية بالقصف المدفعي، رغم التحذيرات الدولية.
وفي هذا السياق، أبدى عدد كبير من المدنيين رغبتهم في التطوع للدفاع عن المدينة، وتجمعوا في معسكرات تدريب تحت اسم "كتائب مستنفرين ومجاهدين للدفاع عن العرض والوطن".
وفي كلمته خلال حفل تخريج مجموعة كتائب نصر الفاشر، أكد والي شمال دارفور المكلف، حافظ بخيت، أن المدينة ستظل صامدة بفضل المدافعين عنها من المستنفرين والمجاهدين. وأوضح أن سقوط الفاشر يعني سقوط السودان، وأن ما يقوم به المدنيون هو عمل مبارك، مشيرا إلى أن الوضع في المدينة جيد وأن الجميع يقاوم بصمودهم من دون النزوح إلى مناطق أخرى.
إعلان تفاؤل رغم الصعوباتومن جهة أخرى، أفاد والي جنوب دارفور، بشير مرسال، بأن نحو 14 ألف مواطن من دارفور انضموا طواعية إلى صفوف الدفاع الوطني. وأوضح مرسال في حديث للجزيرة نت أن هؤلاء الأفراد تلقوا تدريبات شاملة في معسكرات خاصة شمال السودان، وأصبحوا جاهزين لحماية مجتمعاتهم من مليشيات الدعم السريع، مع تأكيدهم على التحاقهم بجبهات القتال.
ورغم التحديات، يبقى أهل دارفور متفائلين بمستقبل أفضل. يقول المتطوع الإنساني محمد الفاتح للجزيرة نت: "نحن نؤمن بأن النصر قريب. لا يمكن أن تستمر المعاناة إلى الأبد، وسنقاتل حتى يتحقق السلام".
ويضيف: "كلما زادت التضحيات، زادت قناعتنا بأننا نمضي نحو تحقيق السلام. لن نتخلى عن أحلامنا في بناء وطن آمن لأطفالنا".
ورغم إقراره بأنهم يواجهون "صعوبات كبيرة" يصر على أن "روح التضامن والشجاعة تجعلنا نؤمن بأن الغد سيكون أفضل. سنعيد بناء بلادنا، وسنحقق السلام الذي نستحقه".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات هذا القرار للجزیرة نت للدفاع عن
إقرأ أيضاً:
نازحو الفاشر برمضان بين ذكريات الماضي وظروف المعيشة بالمخيمات
الفاشرـ في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اضطر إلياس حامد وعائلته إلى الفرار من حي "أبو شوك" بمدينة الفاشر غرب السودان إلى مدينة "طويلة" بولاية شمال دارفور غربي السودان، بعد أن دُمّر منزلهم بقذيفة هاون خلال قصف نفّذته قوات الدعم السريع على المدينة.
لم يكن أمام إلياس خيار سوى الهرب، حاملا معه حقيبة صغيرة تحتوي على مستندات شخصية ووصفة طبية لابنته المصابة بالسكري، بالإضافة إلى مفتاح المنزل الذي أصبح رمزا لذكريات الحياة السابقة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تكثر المشاكل العائلية في رمضان؟ وكيف نتجنبها بذكاء؟list 2 of 2باسم ياخور وتيم حسن وبسام كوسا.. نجوم يتصدرون الدراما السورية في رمضان 2025end of listاستغرقت رحلتهم إلى مدينة طويلة التي تقع على بُعد 68 كيلومترا غرب الفاشر، يوما كاملا وكانت مرعبة، حيث تعرضوا خلالها للسرقة على الطريق من قبل مجموعات متحالفة مع قوات الدعم السريع.
الآن، يعيش إلياس وعائلته في خيمة مصنوعة من القش والمشمع في مدينة طويلة، التي لا توفر لهم الحماية من حرارة النهار أو برودة الليل.
يقول إلياس، للجزيرة نت: "لم نكن نتخيل أن نعيش بهذه الطريقة، لكن الحرب لا تترك لنا خيارا"، مضيفا أن شهر رمضان هذا العام مختلف تماما عما "اعتدنا عليه؛ كنا نستعد له بشراء التمر واللحوم وتجهيزات المنزل، لكن اليوم، كل ما نفكر فيه هو كيفية توفير الطعام لأطفالنا، نحاول أن نحافظ على إيماننا".
إعلانوتسعى مئات العائلات في مدينة الفاشر هذه الأيام للعثور على الأمان بمدينة طويلة التي تعاني أيضا من نقص حاد في الغذاء وتكاد تكون معزولة عن جميع سبل الحصول على المساعدات الإنسانية.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن الحصار المفروض على مدينة الفاشر والأعمال العدائية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 782 مدنيا وإصابة أكثر من 1143 آخرين.
وتقدر الأمم المتحدة عدد سكان الفاشر بحوالي 2.8 مليون نسمة، نزح منهم نحو مليون شخص إلى مناطق أخرى أكثر أمانًا، فيما يعاني الباقون من القصف المدفعي وانعدام الأمن الغذائي بشكل متزايد.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصف المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الوضع قائلا: "إن الحصار الحالي على الفاشر والقتال المتواصل يزهق الأرواح على نطاق واسع ولا يمكن أن يستمر، ويجب على قوات الدعم السريع إنهاءه".
ويرى النازحون الناجون في مدينة طويلة أنهم يواجهون ظروفا صعبة في شهر رمضان المبارك، خاصة أنهم بعيدون عن مدنهم ولا يحصلون على الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية لأطفالهم.
تقول ابتهال آدم، إحدى النازحات، للجزيرة نت: "نحن نعيش في ظروف صعبة مع حلول شهر رمضان، حيث ضاقت علينا الدنيا، مع ارتفاع الأسعار ما جعلنا غير قادرين على شراء حتى القليل من المواد الغذائية الأساسية، في ظل شح الموارد المالية".
وتابعت: "الأطفال هنا يشعرون بالجوع ويشتاقون للطعام الذي كانوا يتناولونه سابقًا"، مشيرة إلى أن رمضان كان دائمًا في السابق فرصة لتقوية الروابط الأسرية، لكن هذا العام نشعر بالعزلة في المخيمات التي تحرمنا من اللحظات الجميلة التي كنا نعيشها معا".
وتروي النازحة حواء يعقوب قصتها ومعاناة أطفالها في مدينة طويلة، حيث تتحدث بحزن عميق عن الوضع الصعب الذي يعيشه أبناؤها، موضحة أن "الأطفال يستيقظون قبل الفجر ليتوجهوا على ظهور الحمير إلى نبع الماء، ثم يبيعونها في السوق من أجل توفير لقمة العيش لنا".
إعلانوتضيف بحسرة: "أراهم يتعبون، وهم في الأصل أطفال، وليسوا عمالا، ففي السابق، كانوا يتعلمون في المدارس ويستمتعون باللعب في الحي، لكن الآن، تقع على عاتقهم مسؤوليات تفوق أعمارهم".
وتقول إنها كانت تتمنى أن ترى هؤلاء الأطفال في المدارس، يركضون في الشوارع كما كانوا يفعلون، ويحتفلون بشهر رمضان مع الأصدقاء والعائلة ولكن المعاناة التي نعيشها أثرت على طفولتهم وحياتهم في رمضان.
ويعتبر شهر رمضان في مخيمات النزوح تجربة مختلفة تماما عن تلك التي عاشها النازحون في منازلهم، ففي الوقت الذي كان فيه شهر رمضان فرصة للتجمع الأسري والاحتفالات، أصبحت الأجواء في المخيمات تكتنفها مشاعر فقدان الأحبة والحنين بسبب الحرب التي تشهدها البلاد.
يقول خالد جمعة، وهو ناشط في العمل الطوعي من مدينة طويلة، للجزيرة نت: "يعاني النازحون من الفقر المدقع، حيث لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والدواء".
وأشار إلى وجود أعداد كبيرة من مرضى السكري الذين لا يتوفر لديهم أي حقن للإنسولين، مما يزيد من معاناتهم، موضحا أن المراكز الصحية التي تقدم المتابعة الدورية لهؤلاء المرضى تكاد تكون معدومة ما يتطلب تحركا عاجلا من المنظمات المحلية والدولية لإغاثة المحتاجين.
وتسبب النزوح في زيادة التحديات النفسية بين النازحين حيث تشير التقارير إلى ارتفاع حالات الاكتئاب والقلق بين هؤلاء الأفراد، مما ينعكس على جودة حياتهم اليومية وقدرتهم على التكيف مع الواقع الجديد.
يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفاشر الدكتور آدم حسين إن "الحرب والنزوح يؤديان إلى شعور دائم بالخوف، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للنازحين".
وأضاف حسين، في حديث للجزيرة نت، أن العوامل المرتبطة بالنزوح، مثل فقدان الأمل والعزلة الاجتماعية، تساهم في تفاقم هذه المشكلات، خاصة خلال شهر رمضان، حيث يشتد الشعور بالفقدان والوحدة، داعيا إلى ضرورة توفير الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين.
إعلانوأكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفاشر أن هذه الخطوة تعتبر أساسية لمساعدتهم على تجاوز التحديات التي يواجهونها.