مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «9»
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
استكمالًا لما ورد فـي الحلقة السابقة، فإنه بسبب الأحداث والتَّطورات السياسيَّة على السَّاحة العالميَّة صارت شخصيَّة «الشَّيخ» تترك بصمتها على أفلام الإثارة السيَّاسيَّة [political thrillers] (كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «الصِّيغة [أو] الوصفة» [The Formula]، من إخراج جون جي أيفِلْدْسن John G.
وحقّا، فإنه عبر قرن طويل وزاخر بالأحداث الجسيمة التي مسَّت حيوات كل البشر بصورة خاصَّة وعامَّة، فقد فرشت شخصيَّة «الشَّيخ» الليالي بالكثبان الرَّمليَّة الذَّهبيَّة الفاتنة تحت ضوء القمر والنُّجوم السَّاحرة، والواحات الخضراء المشتهاة التي تلمع فـي ضوء النَّهار بعد طول تيه وظمأ، والحريم الشَّابات الجميلات الرَّاقصات على خلفـيةٍ غنائيَّة وموسيقيَّة ثَمِلَة، والجِمال، والخيول (والبغال أحيانًا)، والسِّجادات السِّحرية الطَّائرة بين الأزمنة والأمكنة، والحسناوات المختَطَفات المغلوبات على أمرهن، والعبيد المُعَذَّبين المأسورين أو الذين يساهمون فـي صنع وتنفـيذ المكائد، وسيَّارات رياضيَّة من آخر الموديلات باهظة الثَّمن، ويخوت فاخرة وطائرات خاصة، وخيام وقصور وبيوت كبيرة فـي الأرياف والمدن العربيَّة الأوروبيَّة والأمريكيَّة، وكذلك بصفقات مشبوهة، ومؤامرات شيطانيَّة محليَّة ودوليَّة، وأفعال وحشيَّة صادرة من شخصيَّات غير سويَّة، وساديَّة صِرْف، وقسوة معتوهة.
ولكن من أين أتى ذلك «الشَّيخ» كي يصيب شاشات الأفلام الأمريكيَّة بالمسِّ ويصيب المتفِّرجين بالفتنة والقلق طوال قرن كامل من تلكم الصُّور والسَّرديات؟
«شيخ» (بالنَّقحرة اللاتينيَّة المعتَمدة: (shaykh ومؤنَّثها «شيخة» ([بالنقحرة اللاتينية المعتَمدة: [shaykah) كلمة عربيَّة فصحى أصليَّة تُتَداول أيضًا فـي الأرجاء الآسيوية والإفريقيَّة غير العربيَّة المرتبطة جغرافـيّا و/أو ثقافـيّا بالعالم العربي والثَّقافة الإسلاميَّة. وبقدر ما أن مفردة «شيخ» كلمة فصحى فإنها تستخدم أيضا فـي دارجات المنطقة العربيَّة بمعانٍ مختلفة. وتعني المفردة فـي دلالاتها المبكِّرة رجل عجوز على وجه العموم. غير أن بعض التَّعريفات القديمة تذهب إلى أن «الشَّيخ» رجلٌ عمره خمسين سنة أو أكثر، أو إحدى وخمسين سنة أو أكثر، وثمَّة تعريفات أخرى تحدِّد «الشَّيخ» بأنه رجل عجوز عمره بين الخمسين والثمانين سنة (1). وإذا كان هذا المعنى العُمريِّ لكلمة «شيخ» لم يعد شائعًا جدًَّا فـي العربيَّة المعاصرة (خاصَّة فـي المحكيِّ منها)، فإن للمفردة أيضًا معناها السِّياسي والفكري القديم الذي ابتدأ فـي الانتشار بحلول القرن السَّابع الميلادي: «ذو المكانة من رئاسة أو علم أو غير ذلك» (2).
-----------------------------------
(1): أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، «لسان العرب»، المجلد الثامن (بيروت: دار صادر، ط 8، 2014)، 173.
تجدر الإشارة هنا إلى أنني كتبت هذا المبحث بالإنجليزية فـي الأصل؛ وبالتالي فقد كان موجَّها إلى قرَّاء لغتهم ومعرفتهم الثقافـيَّة غير عربيَّة، ما توَّجب التَّوقف عند بعض المفردات وإضاءتها وفقا للمتطلَّبات الإجرائيَّة والبروتوكوليَّة للبحث. أما هذه فهي ترجمة عربيَّة أجريتها للنَّص الإنجليزي، وهي ترجمة مُحرَّرة (حذفًا، وإضافةً، وتعديلًا) بما يناسب القارئ العربي ويضعه فـي اعتباره. من هنا فإنه، مع الإبقاء على نفس المصادر والمراجع المذكورة للقارئ الهدف فـي الأصل، فلا شك أن القارئ العربي يتوافر فـي ثقافته (المحليَّة والقوميَّة)، ومعرفته، وقواميسه، ومصادره الأخرى، على أعماق وتشعُّبات غير ما ورد إيجازًا فـي أصل هذا النَّص فـيما يتعلق بأصول مفردة «الشَّيخ»، وتطوراتها، وانزياحاتها، ودلالاتها.
(2): النسخة الإلكترونية من «معجم الدوحة التَّاريخي للغة العربيَّة» https://www.dohadictionary.org/dictionary)). تاريخ دخول إلى الموقع: 18 أكتوبر 2024.
أود أن ألاحظ هنا أن أتباع، وأنصار، والمتعاطفـين مع أسامة بن لادن (الذي كان فـي يومٍ ما «المطلوب رقم واحد فـي العالم») كانوا يلقِّبونه بـ«الشَّيخ»، وذلك لأسباب وجيهة، لناحية ثرائه المادي ومعرفته الدينيَّة. ومن المثير للفضول حقًا أن الإعلام الغربي قد تحاشى تمامًا الإبقاء على هذه الصِّفة لدى ذكر ذلك «الإرهابي» و«المخرِّب» و«المتطرِّف/ المتشدد الإسلامي» و«زعيم تنظيم القاعدة»، بحيث غُيِّب اللقب الثَّقافـي والاجتماعي المحلي المُحاز («الشَّيخ») لصالح أغراض البروباغاندا واصطلاحات الرَّطانة السياسيَّة الدوليَّة وأجندتها.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فـی فـیلم فـی أفلام من إخراج
إقرأ أيضاً:
إذاعة: إسرائيل شكلت فريقا وزاريا لدراسة اعتقال نتنياهو وغالانت
القدس المحتلة- الوكالات
قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الحكومة تشكل فريقا وزاريا لدراسة آليات التعامل مع أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت، والفريق الوزاري يبحث السبل الممكنة لتقليص تداعيات أوامر المحكمة الجنائية الدولية.
وأضافت الإذاعة أن "إسرائيل تبحث السبل الممكنة لإجبار المحكمة الجنائية الدولية على تغيير موقفها"، كما أوصى الفريق بالضغط على دول للانسحاب من المحكمة الجنائية ونظام روما الأساسي، وخشية إسرائيلية من تأثير محتمل لقرارات المحكمة الجنائية الدولية على الجيش.