#الخرف_المناعي
د. #هاشم_غرايبه
يتعرض جسد الإنسان لكثير من الأمراض والعلل، بعضها ناتج عن غزوه من كائنات دقيقة نسميها الجراثيم، والبعض الآخر ناجم عن خلل في أداء وظائفه الحيوية.
الجراثيم الغازية تتصدى لها المناعة الذاتية المزود بها الجسم، فعاجلا أو آجلا تتمكن من القضاء عليها، الخطورة هي عندما لا يمكن لخلايا الدفاع (التائية) التمييز بين العدو الغازي وخلايا الجسم الطبيعية، فتقوم بمهاجمتها اعتقادا منها أنها عدوة، عندها تصبح العلة الأصعب والتي قد تهلك الجسم، وتسمى هذه الحالة بالأمراض المناعية، وهي كثيرة لكن أشهرها الروماتيزم، ويطلق على العمى الذي أصاب الخلايا المناعية فهاجمت بنات جلدها وأهملت تلك الغازية مسمى “الخرف المناعي”.
تعتبر لبنان من أكثر الأقطار العربية تقدما، بسبب طبيعة شعبها المجتهد، وبسبب موقعها الاستراتيجي كنقطة ارتباط بين الشرق والغرب، وليس كما يظن البعض الى أنها منطقة مسيحية، فلا علاقة للمعتقد بالمهارات المعروفة عن اللبناني، خاصة وأن الطائفة المسيحية لا تشكل اكثر من 35 % من مجموع السكان، ويتركز تواجدها في منطقة الجبل، لكن سلبيات هذا التباين في الانتماء الطائفي هو ما الحق الضرر بهذا القطر، فأصاب النظام السياسي بالشلل. وأسباب ذلك هو التدخل الاستعماري الأوروبي، حيث تولدت لدى فرنسا خطة موازية لخطة بريطانيا في أنشائها للكيان اللقيط في فلسطين، فأرادت فرنسا (بحكم التنافس التاريخي بينها وبين بريطانيا) أن تستغل وجود التجمع السكاني الأكبر للطائفة المارونية في المنطقة العربية فتنشئ كيانا مرتبطا بها في لبنان.
بالطبع لم تسنح الظروف لذلك رغم نجاحها بشق المنطقة سياسيا عن سوريا في اتفاق سايكس – بيكو، فلم يتحمس لتوطيد العلاقة مع فرنسا غير الموارنة من بين الطوائف المسيحية الأخرى التي فضلت البقاء على انتمائها العربي، وسبب ذلك يعود الى كثرة الزعامات الاقطاعية الطامحة للسلطة بين الموارنة.
تخطر ببالي حالة الخرف المناعي هذه دائما كلما طالعت كتابات من يسمون أنفسهم باليساريين اللبنانيين وهم ينتفضون كلما ذكرت تركيا في عهد حزب التنمية والعدالة، مع أنهم لم يكونوا بتلك الحساسية تجاهها عندما كانت تحت حكم الأتاتوركيين الكارهين للعرب، كما تتحرك حميتهم القومية عند الحديث عن (الأطماع!) التركية، لكنها تخمد عن التدخلات الفرنسية في لبنان.
مشكلة الأمة بهؤلاء في إصابتهم بالخرف المناعي، فباتوا لا يفرقون بين العدو الغازي وبين ابناء الأمة الحقيقيين واعتقدوا أن عدو الأمة هو عقيدتها الإسلامية، فركزوا هجومهم عليها وعلى من يتحمسون لها.
استرجعت ذلك عندما تذكرت الإستقبال الحار الذي استقبل به الرئيس الفرنسي في بيروت بعد تفجير مينائها، كان ما أشغل بالهم خبر في الجزيرة قال ان صوامع الحبوب التي تدمرت في ميناء بيروت بناها العثمانيون المسلمون، فانتفضوا غضبا وكذبوا ذلك فقالوا أنها بنيت بمنحة كويتية.
من بناها قضية ليست لها قيمة، فقد دمرت وانتهى أمرها، لكنهم لم يهتموا بمن دمرها، إنما اهتموا بنفي أن يكون للأتراك أي فضل، بل يرون فيهم كلهم شر، وأنهم كانوا مستعمرين، وبالتالي فالفضل والتقدير لمن طردهم من بلادنا واحتلنا.
هذا التعامي هو أخطر أنواع الخرف، فهم تناسوا ما فعله الإستعمار الفرنسي في الأمة في بلاد الشام وشمال أفريقيا، ولم يفطنوا إلا لكون الأتراك قد تولوا الحكم في الدولة الإسلامية في آخر أربعة قرون، فأساء قادتهم في آخر خمسين سنة الإدارة، فما ذكروا من أفعالهم إلا فترة الإنحطاط، وتناسوا أفعالهم الجليلة مثل خط الحديد الحجازي، وتجاهلوا حمايتهم ديار الأمة من الغزاة الأوروبيين، وجعلهم المتوسط بحيرة إسلامية، مما حقق العزة والكرامة للأمة طوال قرون.
أليس الفرنسيون هم من فصلوا لبنان عن سوريا الأم، ثم هم فرضوا النظام السياسي المشلول في عام 1958، ثم نظام المحاصصة الطائفي في اتفاق الطائف عام 1989؟.
بالطبع فمن يعانون من الخرف المناعي هم أصلا مصابون بلوثة الرهاب من الإسلام، فلا يرون في الغطرسة الفرنسية مشكلة، فيتقبلونها، ويسكتون عنها… ولا يسمون ذلك خنوعا، بل تنورا وانفتاحا!.
أما آن لهؤلاء المراهنين على قدرتهم على تجريد الأمة من الإسلام وإعادتها الى الجاهلية أن ييأسوا.
وان يفهوا أننا نحن الذين نمثل 95 % من الأمة لن نعود لما يدعوننا إليه.. فمن ذاق طعم العزة بالهدى لا يقبل العودة للعبودية والجهل. مقالات ذات صلة لماذا محددات سفر الأردنيين إلى سورية؟ 2024/12/29
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
الميز القداسي بين رئيسي حزب الأمة اللواء والإمام (1)
بقلم : محمد صالح البشر تريكو
علاقتي بحزب الأمة القومي وكيان الأنصار علاقة قائمة على جداري التاريخ والبيئة ، إذ أول ما تفتحت عيناي في بيتنا ، على صورة معلقة في غرفة والدي ، لشخص ذي لحية مهذبة لا تشبه لحى الجبهجية -أولئك لهم ذقون تشبه ترتار الخَنْبَة -المرأة المهملة التي لا تبالي ، لهذا سيكون سور بيتها مبني بصورة عشوائية بتفاوت بين مواد البناء (القش)
في وجه الرجل أنف قوادة وعينان تضيق مساحتهما ،الأنف القواد وصغر العينين من مؤشرات الوسامة عند أهلي البقارة في غرب السودان .
عمي ووالدي يقدسان جميع عائلة المهدي ما عدا مبارك الفاضل الذي يسبانه .
صاحب الصورة هو - الصادق المهدي بل يعتقد والدي إن الصورة في مقدورها حماية البيت من الحريق ، كلما زرت عمي يوسف قبل وفاته وفي الأيام الأخيرة يحدثني عن تكرار زيارات الصادق المهدي له في المنام ،فهمت ما يشير اليه عمي بأن الصادق يطلب أن يكون عمي إلى جانبه في الرفيق الأعلى.
نعم علاقتي بالحزب علاقة تاريخ استناداً على نزول الخليفة عبدالله التعايشي ،في إحدى قرانا -منطقة الجبارات- التابعة لوحدة أبي سنيدرة بمحلية الفردوس بولاية شرق دارفور في سبيل بحثه عن مهدي منتظر ،تقول الروايةالشفوية ، بعد مكث ما شاء من الزمن عندنا ، تحرك التعايشي من منطقة الجبارات إلى منطقة ديم زبير بالقرب من راجا بجنوب السودان ، هناك التقى بالزبير ود رحمة كبير النخاسين ،ما دعا الخليفة الذهاب إلى الزبير إلا انتصاراته الباهرة في جميع المعارك التي خاضها بما في ذلك انتصار على قبيلة الرزيقات التي أجمع كتاب التاريخ الأجانب والسودانيين بأنها لم تهزم طوال المائتين عام ، هكذا كتب سلاطين باشا ونعوم شقير والفرنسي روبرت كولنيز ،هؤلاء أشهر من سطر عن تاريخ السودان الحديث .
يبرر قادة الزريقات هزيمة الشيخين منزل وعليان وأتباعهما من قبل الزبير بأن الحرب وقعت من غير ما يتخذ قرارها جماعياً.
لسبب ما اختلف منزل وعليان مع الزبير باشا ربما حول استحقاقات تأمين تجارة الزبير أو بسبب اعتداء منهما وقعت على قوافل للزبير .
سعى التعايشي لاقناع الزبير باشا بأنه المهدي المنتظر دون أن يدري وان انتصاراته ما هي إلا بسبب وقوف السماء معه ،لكن رد الزبير كان حسب الرواية لا يخلو من جلافة ، رفض الزبير فكرة المهدية قائلاً مهدي شنو انا تاجر رقيق .
تنامي الى مسامع الخليفة خبر الحوار الذي اختلف مع شيخه في الجزيرة ، حول حفلات صاخبة لمناسبة ختان أنجال الشيخ ، تلك الأخبار دفعت بالخليفة بأن يهاجر نحو الجزيرة .
الشائع عما جرى بين الإمام المهدي والخليفة في أول لقاء بينهما بأن المهدي أسر الخليفة بمهديته ، ليعلن الخليفة إيمانه في الحال ولكن في رواية أخرى غير مذاعة تقول إن الخليفة هو من أوحى للمهدي بأنه محرر البلاد ومقيم العدل في البلاد بعد أن ملأت جوراً ، لما اختلف الخليفة مع آل بيت المهدي في وقت لاحق ،حاول الأشراف التزييد على التعايشي برؤى منامية للمهدي تأتيهم تتحدث عن الواقع ، رد عليهم الخليفة بقوله (شغلنا مع المهدي حكم ما دين )
في الإسلام الشعبي المهدي ولي صالح ،ملهم يأتي بعد كل مائة عام ليحارب الشرك ويعيد الاسلام الى أصله ، لكن في واقع الدين إن حكاية المهدي المنتظر الذي يجدد الدين بعد كل مائة سنة وهو شخص شكله كذا واسمه محمد واسم ابيه عبدالله تدخل ضمن الخزعبلات ، إذ جميع الأحاديث عنها ظنية غير مسندة للنبي عليه السلام .
على خلفية البيئة والتاريخ أعلاه عندما عتبت سلم الجامعة في أول يوم ، وجدت ركن نقاش للطلاب الأنصار حزب أمة ، تخللت الركن نداءات حماسية (كولنيق) منها : عهدنا معاك كنداب حربة ما بتسلخ ، صرة عين جمل ملوية ما بتتفلخ ، من المسكة كان ايدينا يوم تتملخ ، السماء يتكئ وجلد النمل يتسلخ ، شعر آخر يقول مقطع منه (دقناً ضلالية فجرة وحراميه ،تقتل باسم الدين تسرق باسم الدين)
شخص من بيئة فيها راتب صباح ومساء وصور الإمام ، طبيعي ينضم في الجامعة إلى حزب الأمة.
من ناحية لغوية يرد البعض كلمة انسان إلى النسيان أي ينسى بسرعة ويقول أهلنا شراب النسية نسيان والنسية هي خلط الماء بالروب ، تشرب كوجبة سريعة حال عدم توفر أكل آخر للضيف المستعجل ،أما خلط اللبن والروب في آنٍ واحدٍ ، فتلك تسمى بالرتية ، تعد وجبة دسمة.
بدأ المرحوم الصادق المهدي السياسة بنظرة حداثوية ، برفض الجمع بين الأختين امامة الأنصار ورئاسة الحزب بل دخل مع عمه الهادي المهدي في نزاع حاد رفع الصادق شعار مصرع القداسة في أعتاب السياسة ، ما إن قتل عمه أو استشهد حسب موقفك من الحزب ، نسي الصادق كل شعاراته تلك وتقلد رئاسة الحزب وامامة الأنصار، لكي يعطي الأمر مسحة قداسية ،طفق يتحدث عن كراماته في أكثر من محفل ويمكن الرجوع إلى حلقات برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة ، الذي استضاف من خلاله الصحفي أحمد منصور الإمام الصادق المهدي قال بعظمة لسانه عن سيرة حياته وانا خجلان مما أشاهد واسمع : لما كان هو جنين في بطن أمه يشير عمه يحى إلى البطن باستمرار ويقول إن مهاجراً سيصل يوم الأربعاء ، عندما يسأل من أين يأتي، يجيب يحى من كبكابية -حارة كبكابية دي مش - لشخص رافع شعار سودان جديد يتقدم ، سودان قديم يتحطم ،
بالفعل ولد يوم الأربعاء 25ديسمبر الذي يصادف ميلاد المسيح ،لحظة صراخه بعد استنشاق الأوكسجين أول مرة ، حطت طائر القمرية على كتف جده السيد عبدالرحمن المهدي .
فعلاً هولاء الناس ولدوا في بيئة مليئة بالميثولوجية (علم الأساطير )
في اللغة الأساطير جمع المفرد أسطورة وهي القصة الرمزية ذات الدلالة القدسية ويقول الله (لقد وُعِدْنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الاوليين )
نواصل ....
trikobasher@gmail.com