ثلاثة طوابق للمدينة.. قصص تبني جسوراً إلى عالم الأسلاف
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
لفترةٍ طويلة بدا أن الكاتب المصري هشام أصلان يدافع عن نفسه ضد اتهامٍ غير معلن، وهو أنه ابن الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، وإذا حقَّق نجاحاً فالمؤكد أن السبب الأساسي فيه هو أبوه وليس موهبته.
ظهر هشام في أكثر من حوارٍ، وفي تدويناتٍ على الفيسبوك، يؤكد فيها أنه خرج من جلباب أبيه، لكنه، بعد سنوات، تخلَّص من ذلك الوسواس، بعد أن حقق نجاحاً في العمل العام، وأصدر مجموعة قصصية متميزة هي "شبح طائرة ورقية"، وجدت صدىً نقدياً كبيراً، وقُرِئت على نطاق واسع، وها هو يصدر مجموعته الثانية بعنوان "ثلاثة طوابق للمدينة"، مراكماً لمشروعه الخاص الذي يتأسَّس بشكل واضح على الإخلاص للقصة القصيرة، والمدهش أن الأب له حضور كثيف فيها، بعكس المجموعة الأولى، بشكل يؤكد على تصالح هشام معه.
هشام يستعيد الأب في أكثر من قصة. في "زيارة ليلية" يحكي عن رحلاته إلى باريس، حيث اشترى ميدالية على شكل برج إيفل، وطاب له أن يذكر، دوماً، أن مصمِّم هذا البرج هو نفسه مصمِّم كوبري أبو العلا الواصل بين الزمالك وبولاق في القاهرة. يستعيد أيضاً حكاياته عن "الرحلة والأصدقاء الذين رافقوه، ومحبة المواطن العادي للقراءة والمتاحف والفنون، ودقائق شجية مع فتاة جميلة تعاملت معه كرجل عظيم"، ويستعيده كذلك في قفلة القصة الرائعة، لحظة وصول نعشه إلى تخوم المقابر، حيث طلبوا من هشام، أو بطل القصة، أن يستقل السيارة معه، فقال إنه لا يعرف الطريق: "كانت حجة ملائمة لعدم مرافقتك في وضعك الجديد".
وفي قصة "المكتبات لا تلائم شقق الإيجار" يُطلِعنا هشام على علاقة الأب بالكتب، وكيف تمدَّدت وزحفت عليهم في الشقة، حتى اضطروا في النهاية إلى تكفينها في صناديق. يمارس الكاتب لعبة الاستدعاء، فحين يرى أغلفة مجلة "الهلال"، يتذكر أن الأب وضعها في مكان بعيد حتى لا تصل إليها يد هشام المراهق، فيتسلَّى بصور النساء العارية المثيرة على الأغلفة الخلفية للمجلة، ويستعيده في موقف طريف، فقد جلس الأب عدَّة ساعات في وضع معين يقرأ رواية ضخمة، ونسي نفسه تماماً، حتى أُصِيب بشدٍّ عضلي، أعاقه عن الحركة، لكن الكبرياء منعه من طلب المساعدة! يمارس هشام لعبة الارتداد بين الماضي والحاضر، يعود إلى نفسه، ويسرِّب لنا فكرة، كأنه يقول لنا إنني لا أنسي الحاضر، لكنه ما يلبث أن يستدعي الأب، كما استدعاه في مشهدٍ طريف آخر، حيث عاد ذات يوم من رحلةٍ إلى بغداد بساعاتٍ فخمة عليها صورة صدام، لكن الأبناء خجلوا من ارتدائها بعد غزو العراق للكويت. يستدرك هشام: "غير أنني استيقظت مرة على صياحه متهلِّلاً بأن صدام قصف تل أبيب بعددٍ معقول من الصواريخ"، وبذلك أعلنها واضحة: "خلاص هانقدر نلبس الساعات من غير كسوف"! الأب أيضاً لا يكتفي بزيارة هشام في أحلام يقظته، ولكنه أيضاً استمر ضيفاً على أحلامه، والمدهش أن هشام يتعامل مع تلك الأحلام كأنها واقع، لدرجة أنه يمثِّل على الأب فكرة الاندهاش أو الفزع أو الخوف كلما أطلَّ عليه في حلم، كأن يظهر برأسه على جسد سمكة، أي أن القصص تزيل الفوارق بين الأحلام والواقع، وتبني جسوراً بين الأحياء والأسلاف، فيصبح كلٌ من الطرفين قادراً على زيارة الآخر وقتما يشاء وبالطريقة التي يفضِّلها! لا أريد أن أستطرد أكثر من هذا عن حضور الأب داخل المجموعة، فهناك كثير من التفاصيل تستحق إشارة، وأولها أن عنوان المجموعة "ثلاثة طوابق للمدينة" ليس عنواناً لقصة، لكنك قد تفهم ضمناً بعد الانتهاء من قراءة القصص، أن البطل يتحرك في الطابق الأرضي لمدينة القاهرة، ابتداء من إمبابة والزمالك (فترة الطفولة والصبا) إلى الطابق العلوي ممثلاً في ضاحية المقطم (فترة الشباب)، وبإمكانه أن يرى المدينة بعين الطائر إذا استقر فوق هضبة المقطم، أما الطابق الثالث فهو الزمن، الذي يتحرك فيه وفق حركة بندولية بين الماضي والحاضر.
يمكنك أن تلحظ في تلك المجموعة ولع هشام بالمدينة أكثر من ولعه بالحكي، فهو قد يترك السرد كما فعل في قصة "مدينة وراء الليل" ولا يقول لنا ماذا حدث للجنازتين اللتين تحركتا في وقت واحد، وينشغل بالكلام عن علاقة القاهرة بالليل: "الليل يعرف أن المدينة تحبه أكثر. يعرف أنها ليست من مدن النهار، حيث تتحول إلى دمية عملاقة تأكل سكانها مبتسمة، متجاوزة دورها كمدينة، تزحف فوق أرواح هؤلاء السكان، متنازلة عن أي معنى للجمال والحياة"، وفي قصة "صاحب كرامة الشتاء" يترك الحكي عن أسطورة الفتاة المحترقة التي دفنوها مع بذور نخلتين، ليسرد لنا ما تغيَّر في المكان، حيث قررت الحكومة ردم الترعة الكبيرة، لتحلَّ محلها إحدى نزلات الطريق الدائري، وتدريجياً زحف الحضر على المنطقة الريفية حتى اختفت ملامح الريف.
يبدو هشام في القصص مشغولاً بالتقاط التحوُّلات في المدينة، وكيف ذابت الحدود بينها وبين ضواحيها، وماذا جرى لقاطنيها، يختار نماذجه بعناية، مصور قديم، إسكافي، زميل دراسة يعلِّمه حمل مطواة قرن غزال، رفيق تكون كل أمنيته من ارتياد حفل هو أن يسلِّم عليه المطرب، امرأة تعطف على الغرباء كأنهم أبناؤها، ويكتب بلغة بسيطة وحسَّاسة ومكثَّفة موزونة على ميزان الذهب، ويلتقط المخفي والمدهش من حياة شديدة العادية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
قفزة نوعية في عالم الإنقاذ البحري
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
دائما ما نجد انفسنا في أمس الحاجة إلى القيام بمراجعات خاطفة لآخر المستجدات والتطورات في عالم البحار والمحيطات، وهو العالم الذي ننتمي اليه مهنيا وحرفيا وروحياً، فقد أفنينا أعمارنا في العمل البحري المضني، ولا نستطيع الابتعاد عن مجالاته المتشعبة والمتعددة. .
وفيما يلي شرح مفصل لطريقة عمل عوامات النجاة الخاضعة للسيطرة عن بعد بواسطة اجهزة التحكم الإلكتروني. .
العوامة الجديدة يطلق عليها: (The Dolphin Smart Lifebuoy). ولها أسم آخر هو: (remote controlled life-saving device). وهي عبارة عن عوامة نجاة ذكية، برتقالية اللون، سهلة الاستخدام، يتم التحكم بها عن بُعد. تعمل برفاسين نفاثين للماء، وتبلغ سرعتها القصوى 10 عقدة، مما يسمح لها بالوصول إلى الأشخاص المنكوبين بسرعة. .
مُجهزة بمصباحين وامضين تسهل رؤيتهما من مسافة طويلة في الضباب الكثيف وفي الظروف الصعبة. الرفاسات مُغلَّفة بغلاف معدني لحماية المستخدم من الإصابات، وتمنعها من التشابك مع النباتات المائية. تتسع كل عوامة لشخصين فقط. .
تعمل العوامة الجديدة بالطاقة الكهربائية عن طريق بطاريات ذاتية التشغيل قابلة للشحن. .
العوامة أكثر دقة وأقل تكلفة في الاستخدام وأكثر أماناً لفرق الإنقاذ. يُمكّن تحريكها للأمام أو الخلف وذلك بتدوير مقبض التحكم الى اليمين أو اليسار. ويُمكن للعاملين في البحر تعلّم تشغيلها في ثوانٍ. .
باستطاعة هذه العوامة اختراق الأمواج والوصول إلى الأشخاص الطافين فوق سطح الماء في غضون دقائق معدودات. .
اما أبعادها الثلاثية فهي: (1.19 م × 0.85 م × 0.2 م). و وزنها 23 كغم فقط، لكنها قادرة على حمل وزن 225 كغم بمعنى انها قادرة على حمل شخصين وزن كل منهما 100 كغم، وتباع كل واحدة بسعر ألفين دولار تقريبا في معظم الاسواق العالمية والخليجية. لكن ثمنها الحقيقي وقيمتها البشرية اعلى بكثير مما تتصوره الجهات ذات العلاقة. لذا نقترح الإسراع بشرائها والتدريب عليها وتوزيعها على السفن المحلية والمحطات الساحلية والشواطئ الترفيهية وأرصفة الموانئ والمرافئ والمنصات والمنشآت النفطية العاملة في عرض البحر . . .