أثار تصدُّر القيادة السورية الجديدة للمشهد بعد سيطرتها على دمشق ردود فعل متباينة، يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع: المؤيد، والمتوجس، والرافض.

النوع الأخير بدأ في تطوير استراتيجية هجومية خلال الأيام القليلة الماضية، بهدف الانتقاص مما حدث، ليس فقط عبر التقليل من أهمية سقوط نظام بشار الأسد والسيطرة على العاصمة دمشق، بل أيضًا من خلال التحريض على ثورة مضادة وإفراغ ما يجري من أي قيمة أخلاقية أو سياسية.

قد تبدو هذه الردود متوقعة، خاصة إذا كانت صادرة عن دول محيطة بسوريا أو أطراف لها صلة مباشرة بالصراع الذي بدأ عام 2011 في ظل الانقسام الإقليمي بين محورين متنازعين.

لكن ما يلفت الانتباه هو ردود فعل الجماعة الحوثية في اليمن، فهي منذ اليوم الأول عملت على تشويه ما حدث والانتقاص منه وتوجيه الفعل بمقياس الصراع مع إسرائيل. جرى ذلك على أكثر من شكل إعلامي وعلى أكثر من مستوى داخل أصوات الجماعة الحوثية، من زعيم الجماعة إلى أصغر شخص أو صاحبة حساب على منصة إكس أو فيسبوك.

هناك من يقدم نصائح في إدارة المرحلة ويطلب – بمفارقة ساخرة- الاقتداء بنموذج الحوثيين، وهناك من يُبرز – حقًا أو عن زيف – انتهاكات طائفية بحق علويين أو جماعات شيعية أو أقليات. ومنهم من يرى الأمر مؤامرة وصولًا إلى اعتبار ما حدث استمرارًا لما يسمونه بالهيمنة الإسرائيلية.

فلماذا كانت ردود فعل الحوثيين على هذا النحو؟

برأينا. هناك ثلاثة أسباب تفسر هذا الموقف وهي: طبيعة الجماعة الطائفية، مركزية البعد الطائفي في تصوراتها، وثالثاً اعتبارات إعلامية ورمزية.

وسنأتي على توضيح هذه الأسباب.

أولا”:  تنتمي الجماعة الحوثية إلى المحور الإيراني طائفي الجوهر، وبالتالي ترى أن خسارة أي بقعة جغرافية أو استراتيجية من هذا المحور تمثل انتكاسة شاملة. هذا يدفع جميع أطراف المحور إلى “التداعي” بـ “السهر والحمى” لمواجهة الخسائر. وحالة الحوثيين ترشحهم ليكونوا اول المتداعين.

ثانياً:  وقياسا بـ أولاً، بموجب الاعتبارات الطائفية – كمحرك أولي لوجود الجماعة الحوثية – تنظر الجماعة الحوثية إلى التحولات في سوريا من منظور طائفي بحت، بعيدًا عن زاوية الحرية والاضطهاد، أو انتهاء لتشطير سوريا، أو ضمن صيرورة الدولة العربية منذ قرابة قرن. لذا، الجماعة الحوثية في هذه المرحلة تدعي دفاعها عن الطائفة العلوية والشيعية في سوريا وتحصر ما حدث باعتباره انتصاراً أموياً لتعيد تأكيد الطبيعة التاريخية المذهبية للصراع الدائر في البلدان العربية. وهنا تحضر في خطاب أتباع الجماعة ثنائيات: الأموى مقابل النبوي، أو الأموى مقابل الحسيني.

ثالثاً: كانت الصورة الإعلامية قد وضعت الحوثيين في مستوى متقدم من الاهتمام الدولي منذ أكثر من عام، إلى جانب وبفضل الحرب في غزة. تحولات سوريا أطاحت بهذه الصورة وأعادت الحوثيين إلى مرتبة اعتيادية. وهنا تنشط الجماعة الحوثية – إعلاميًا وربما في وقت لاحق ميدانياً إذا تطورت الأحداث في سوريا نحو اقتتال وظهور بؤر احتراب أهلي – لتقارع قيادة سوريا الجديدة وتبرز عيوبها وتبخس بها، باعتبارها مجرد أداة تنفيذ لاستراتيجية إسرائيل، أو لتعييبها عن عدم مواجهة التمدد الإسرائيلي في هذه المرحلة. وذلك عسى أن تنتزع منها الصدارة أو تشاطرها، حين تقدم نفسها كالنقيض، خصوصاً بعد غياب حزب الله وزعيمه الذي لو كان حيًا لما فوت إلقاء خطاب كل يوم في هذا الاتجاه.

وبهذا، وبسعي الجماعة الحوثية إلى ملء الفراغ ومحاولة مقارعة القيادة السورية الجديدة، فهي تضع نفسها رأسًا برأس لتحشر صورتها في اللوحة الإعلامية الكبيرة. ثم إن ما تفعله الجماعة الحوثية تجاه الشأن السوري لا ينفصل عن السلوك الإيراني. إلا أن المفاجئ هو مبالغة الجماعة الحوثية في انزعاجها من فقدان نظام بشار، رغم أنه لم يكن شريكًا جوهريًا بالنسبة للجماعة ولم يقدم لها خدمات وعونًا مثل ما فعله حزب الله. بالنظر إلى ارتباطات الجماعة الحوثية في اليمن بالنظام السوري الذي لم يمنحها حتى اعترافًا دبلوماسيًا، فإن زوال نظام بشار كان فعليًا خسارة لإيران وليس للحوثيين.

النقطة الجوهرية في إسقاط النظام في سوريا كانت في كشف حجم ومقدار الانتهاكات التي طالت الشعب السوري. وعليه، فإنما حدث في دمشق يقود بداهة إلى عقد مقارنات معقولة مع وتجاه أكثر من طرف. ومن أوجه هذه المقارنات المنطقية مع نظام بشار الأسد هي المقارنة بسلوك ذراع آخر من أذرع محور إيران وهي الجماعة الحوثية .

سقوط نظام بشار الأسد ساعد اليمنيين على إحياء ذاكرتهم الجماعية فيما يتعلق بالانتهاكات التي يتعرضون لها في عهد سيطرة الجماعة الحوثية. هذه الانتهاكات شملت القتل، والاعتقالات، والسجون، والطبيعة الطائفية للسلطة، فضلًا عن السياسات التمييزية والتشريعات السلالية التي مزّقت المجتمع وأمعنت في الترويع والممارسات الاستخباراتية.

مجرد المقارنة بين ممارسات نظام بشار الأسد والجماعة الحوثية كفيل ببث الخوف في نفوس الحوثيين، الذين تُوثَّق انتهاكاتهم بشكل كبير.

وأخيراً، زوال نظام بشار يحمل أملًا متجددًا في إمكانية التخلص من أنظمة طائفية مشابهة، ما يبشر بالخلاص من المعادلات الطائفية الجاثمة فوق كاهل كثير من الشعوب العربية. هذا التغيير قد ينعكس عملياً في اليمن أيضًا، حيث يمكن أن تبرز فرصة طي صفحة السلوك الطائفي، وهي إحدى أبرز المخاوف التي تؤرق الجماعة الحوثية.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الجماعة الحوثية سوريا مصطفى ناجي الجماعة الحوثیة فی نظام بشار الأسد فی سوریا أکثر من ما حدث

إقرأ أيضاً:

مقتل عميد في نظام الأسد وإصابات في انفجار مسيرة بحدود سوريا ولبنان

أكد مصدر أمني مقتل عميد طيار في نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، فيما أُصيب عدد من اللاجئين السوريين في انفجار مسيرة مفخخة ببلدة لبنانية حدودية مع سوريا، وتزامن ذلك مع اشتباكات بين الجيش السوري وعناصر من حزب الله اللبناني.

ونقلت وكالة الأنباء السورية عن مصدر أمني تأكيده مقتل العميد طيار بالنظام المخلوع علي الشلهوب في اشتباك مع قوات الأمن، أسفر عن إصابة 4 أفراد من الأمن العام.

كما أعلنت وزارة الداخلية السورية أن الأمن العام في اللاذقية ألقى القبض على عروة سليمان لتورطه بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين.

وأوضح بيان الداخلية السورية أن سليمان شارك مع مجموعته في الحملة العسكرية على الشمال السوري عام 2019، وفي الهجوم على نقاط الجيش والأمن في مارس/آذار الماضي.

وأشار بيان الداخلية السورية إلى أن القبض على سليمان "نُفذ بكمين محكم، وتمت إحالته إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات".

إصابات واشتباكات

من جانب آخر، قالت وكالة الأنباء الرسمية اللبنانية إن 8 من اللاجئين السوريين أُصيبوا جراء انفجار مسيرة مفخخة في بلدة "حوش السيد علي"، المتاخمة للحدود السورية في منطقة البقاع شرقي لبنان.

وأوضحت الوكالة أن الجيش اللبناني أرسل تعزيزات إلى المنطقة الحدودية بعد سماع أصوات إطلاق نار واشتباكات.

إعلان

في المقابل، قال مصدر بوزارة الدفاع السورية إن ما وصفها بمليشيات حزب الله اللبناني أطلقت قذائف مدفعية من الأراضي اللبنانية باتجاه نقاط تابعة للجيش السوري في منطقة القصير غرب حمص.

وأضاف المصدر أن الجيش السوري استهدف على الفور مصادر النيران.

وأكد المصدر أن الجيش السوري تواصل مع نظيره اللبناني لتقييم الحدث، وتم وقف استهداف مصادر النيران داخل الأراضي اللبنانية بطلب من الجيش اللبناني، الذي تكفل بتمشيط المكان وملاحقة المجموعات المسلحة المسؤولة عن استهداف الأراضي السورية.

وشهدت سوريا ولبنان توترا أمنيا على حدودهما منتصف مارس/آذار الماضي، على خلفية اتهام وزارة الدفاع السورية حزب الله باختطاف وقتل 3 من عناصرها.

وفي اجتماع عُقد بالسعودية في 28 مارس/آذار الماضي، اتفق وزيرا الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، واللبناني ميشال منسى، على الأهمية الإستراتيجية لترسيم الحدود بين البلدين، والتنسيق فيما بينهما للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية.

ووقّع أبو قصرة ومنسى، خلال الاجتماع، اتفاقا لتشكيل لجان قانونية ومتخصصة بينهما في عدد من المجالات، وتفعيل آليات التنسيق للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية.

وتسعى الحكومة السورية الجديدة إلى ضبط الأوضاع الأمنية في البلاد، وتعزيز قبضتها على الحدود مع دول الجوار ومنها لبنان، بما يشمل ملاحقة مهربي المخدرات وفلول النظام السابق.

وتتسم الحدود اللبنانية السورية بتداخلها الجغرافي، إذ تتكون من جبال وأودية وسهول دون علامات أو إشارات تدل على الحد الفاصل بين البلدين اللذين يرتبطان بـ6 معابر حدودية برية على طول نحو 375 كيلومترا، إضافة إلى عدد من المعابر غير الشرعية التي تُستَخدم غالبا لتهريب الأفراد والسلع والسلاح.

مقالات مشابهة

  • مواصفات رينو كارديان 2025 الجديدة.. وأسعار فئات السيارة في مصر
  • العدالة والتنمية المغربي.. تجديد القيادة وتثبيت الديمقراطية في مواجهة الأزمات
  • تظاهرات عارمة ضد جبايات الحوثيين الجائرة.. محافظة حجه تنفجر سخطاً
  • تأجيل محاكمة 64 متهما بقضية خلية القاهرة الجديدة لجلسة 14 مايو
  • محطات العلاقة بين سوريا والعراق منذ انهيار نظام الأسد
  • خلال ساعات.. سماع مرافعة النيابة فى محاكمة 64 متهما بقضية خلية القاهرة الجديدة
  • اعتراف امريكي جديد.. لم نصل الى “بنية القيادة والتحكم لـ”الحوثيين”
  • القيادة المركزية الأمريكية: انخفاض إطلاق الصواريخ البالستية الحوثية بنسبة 87%
  • الوزير الشيباني: أنا هنا اليوم لأمثل سوريا الجديدة وسنظل نعمل بلا كلل لتحقيق السلام والعدالة لكل متضرر من نظام الأسد
  • مقتل عميد في نظام الأسد وإصابات في انفجار مسيرة بحدود سوريا ولبنان