الجماعة الحوثية في مواجهة القيادة الجديدة في سوريا
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
أثار تصدُّر القيادة السورية الجديدة للمشهد بعد سيطرتها على دمشق ردود فعل متباينة، يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع: المؤيد، والمتوجس، والرافض.
النوع الأخير بدأ في تطوير استراتيجية هجومية خلال الأيام القليلة الماضية، بهدف الانتقاص مما حدث، ليس فقط عبر التقليل من أهمية سقوط نظام بشار الأسد والسيطرة على العاصمة دمشق، بل أيضًا من خلال التحريض على ثورة مضادة وإفراغ ما يجري من أي قيمة أخلاقية أو سياسية.
قد تبدو هذه الردود متوقعة، خاصة إذا كانت صادرة عن دول محيطة بسوريا أو أطراف لها صلة مباشرة بالصراع الذي بدأ عام 2011 في ظل الانقسام الإقليمي بين محورين متنازعين.
لكن ما يلفت الانتباه هو ردود فعل الجماعة الحوثية في اليمن، فهي منذ اليوم الأول عملت على تشويه ما حدث والانتقاص منه وتوجيه الفعل بمقياس الصراع مع إسرائيل. جرى ذلك على أكثر من شكل إعلامي وعلى أكثر من مستوى داخل أصوات الجماعة الحوثية، من زعيم الجماعة إلى أصغر شخص أو صاحبة حساب على منصة إكس أو فيسبوك.
هناك من يقدم نصائح في إدارة المرحلة ويطلب – بمفارقة ساخرة- الاقتداء بنموذج الحوثيين، وهناك من يُبرز – حقًا أو عن زيف – انتهاكات طائفية بحق علويين أو جماعات شيعية أو أقليات. ومنهم من يرى الأمر مؤامرة وصولًا إلى اعتبار ما حدث استمرارًا لما يسمونه بالهيمنة الإسرائيلية.
فلماذا كانت ردود فعل الحوثيين على هذا النحو؟
برأينا. هناك ثلاثة أسباب تفسر هذا الموقف وهي: طبيعة الجماعة الطائفية، مركزية البعد الطائفي في تصوراتها، وثالثاً اعتبارات إعلامية ورمزية.
وسنأتي على توضيح هذه الأسباب.
أولا”: تنتمي الجماعة الحوثية إلى المحور الإيراني طائفي الجوهر، وبالتالي ترى أن خسارة أي بقعة جغرافية أو استراتيجية من هذا المحور تمثل انتكاسة شاملة. هذا يدفع جميع أطراف المحور إلى “التداعي” بـ “السهر والحمى” لمواجهة الخسائر. وحالة الحوثيين ترشحهم ليكونوا اول المتداعين.
ثانياً: وقياسا بـ أولاً، بموجب الاعتبارات الطائفية – كمحرك أولي لوجود الجماعة الحوثية – تنظر الجماعة الحوثية إلى التحولات في سوريا من منظور طائفي بحت، بعيدًا عن زاوية الحرية والاضطهاد، أو انتهاء لتشطير سوريا، أو ضمن صيرورة الدولة العربية منذ قرابة قرن. لذا، الجماعة الحوثية في هذه المرحلة تدعي دفاعها عن الطائفة العلوية والشيعية في سوريا وتحصر ما حدث باعتباره انتصاراً أموياً لتعيد تأكيد الطبيعة التاريخية المذهبية للصراع الدائر في البلدان العربية. وهنا تحضر في خطاب أتباع الجماعة ثنائيات: الأموى مقابل النبوي، أو الأموى مقابل الحسيني.
ثالثاً: كانت الصورة الإعلامية قد وضعت الحوثيين في مستوى متقدم من الاهتمام الدولي منذ أكثر من عام، إلى جانب وبفضل الحرب في غزة. تحولات سوريا أطاحت بهذه الصورة وأعادت الحوثيين إلى مرتبة اعتيادية. وهنا تنشط الجماعة الحوثية – إعلاميًا وربما في وقت لاحق ميدانياً إذا تطورت الأحداث في سوريا نحو اقتتال وظهور بؤر احتراب أهلي – لتقارع قيادة سوريا الجديدة وتبرز عيوبها وتبخس بها، باعتبارها مجرد أداة تنفيذ لاستراتيجية إسرائيل، أو لتعييبها عن عدم مواجهة التمدد الإسرائيلي في هذه المرحلة. وذلك عسى أن تنتزع منها الصدارة أو تشاطرها، حين تقدم نفسها كالنقيض، خصوصاً بعد غياب حزب الله وزعيمه الذي لو كان حيًا لما فوت إلقاء خطاب كل يوم في هذا الاتجاه.
وبهذا، وبسعي الجماعة الحوثية إلى ملء الفراغ ومحاولة مقارعة القيادة السورية الجديدة، فهي تضع نفسها رأسًا برأس لتحشر صورتها في اللوحة الإعلامية الكبيرة. ثم إن ما تفعله الجماعة الحوثية تجاه الشأن السوري لا ينفصل عن السلوك الإيراني. إلا أن المفاجئ هو مبالغة الجماعة الحوثية في انزعاجها من فقدان نظام بشار، رغم أنه لم يكن شريكًا جوهريًا بالنسبة للجماعة ولم يقدم لها خدمات وعونًا مثل ما فعله حزب الله. بالنظر إلى ارتباطات الجماعة الحوثية في اليمن بالنظام السوري الذي لم يمنحها حتى اعترافًا دبلوماسيًا، فإن زوال نظام بشار كان فعليًا خسارة لإيران وليس للحوثيين.
النقطة الجوهرية في إسقاط النظام في سوريا كانت في كشف حجم ومقدار الانتهاكات التي طالت الشعب السوري. وعليه، فإنما حدث في دمشق يقود بداهة إلى عقد مقارنات معقولة مع وتجاه أكثر من طرف. ومن أوجه هذه المقارنات المنطقية مع نظام بشار الأسد هي المقارنة بسلوك ذراع آخر من أذرع محور إيران وهي الجماعة الحوثية .
سقوط نظام بشار الأسد ساعد اليمنيين على إحياء ذاكرتهم الجماعية فيما يتعلق بالانتهاكات التي يتعرضون لها في عهد سيطرة الجماعة الحوثية. هذه الانتهاكات شملت القتل، والاعتقالات، والسجون، والطبيعة الطائفية للسلطة، فضلًا عن السياسات التمييزية والتشريعات السلالية التي مزّقت المجتمع وأمعنت في الترويع والممارسات الاستخباراتية.
مجرد المقارنة بين ممارسات نظام بشار الأسد والجماعة الحوثية كفيل ببث الخوف في نفوس الحوثيين، الذين تُوثَّق انتهاكاتهم بشكل كبير.
وأخيراً، زوال نظام بشار يحمل أملًا متجددًا في إمكانية التخلص من أنظمة طائفية مشابهة، ما يبشر بالخلاص من المعادلات الطائفية الجاثمة فوق كاهل كثير من الشعوب العربية. هذا التغيير قد ينعكس عملياً في اليمن أيضًا، حيث يمكن أن تبرز فرصة طي صفحة السلوك الطائفي، وهي إحدى أبرز المخاوف التي تؤرق الجماعة الحوثية.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الجماعة الحوثية سوريا مصطفى ناجي الجماعة الحوثیة فی نظام بشار الأسد فی سوریا أکثر من ما حدث
إقرأ أيضاً:
اختيار بشار الأسد شخصية العام في مجال الجريمة والفساد لعام 2024
أعلن مشروع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد "OCCRP" (أو سي سي آر بي)، عن اختيار الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد كـ "شخصية العام" لعام 2024 في مجال الجريمة والفساد، وذلك بسبب دوره في تدمير سوريا والمنطقة عبر ممارسات نظامه في الجريمة المنظمة والفساد.
ويتم منح هذه الجائزة منذ عام 2012 للشخصيات التي تسببت في أكبر قدر من الأضرار على مستوى العالم من خلال الأنشطة المرتبطة بالفساد والجريمة المنظمة، ويتم اختيار الفائزين من قبل لجنة تحكيم تتألف من خبراء في مجالات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والصحافة.
ويُعرف نظام الأسد باستخدامه جهازا أمنيا قويا لفرض السيطرة المركزية على سوريا وقمع المعارضة. وقد اتهمت قواته بارتكاب العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث تشمل هذه الانتهاكات التعذيب في السجون والمعتقلات، القتل الجماعي، بما في ذلك الإعدامات خارج نطاق القانون، بالإضافة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.
كما تم توجيه اتهامات إلى النظام بالقيام باعتقالات جماعية واسعة النطاق واستهداف الأحياء السكنية والبنية التحتية المدنية بشكل مباشر.
وفيما يتعلق بالفساد والجريمة، يعتمد تمويل نظام الأسد على مجموعة من الأنشطة الإجرامية واسعة النطاق التي تشمل إنتاج وتصدير مخدر الكبتاغون.
وقاد بشار الأسد شبكة دولية للإنتاج والتهريب لهذه المادة، التي أصبحت مصدر دخل رئيسي للنظام، مع عائدات سنوية تصل إلى مليارات الدولارات، حسب تقارير.
كما تورط النظام في عمليات تهريب البشر والسجائر، بالإضافة إلى سرقة الآثار وتجارة الأسلحة. وجمعت هذه الأنشطة مئات الملايين من الدولارات، التي استخدمها النظام للحفاظ على حكمه الاستبدادي، ما ساهم في نشر العنف والجريمة في المنطقة.
وفي تعليقه على هذه الجائزة، أكدت علياء إبراهيم، الشريكة المؤسسة لموقع "دراج دوت كوم" وعضو لجنة التحكيم، أن بشار الأسد تسبب في دمار واسع النطاق على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضافت أن "الأضرار التي ألحقها نظام الأسد بسوريا والمنطقة ستحتاج إلى عقود من الجهد لتجاوزها. فقد أدخل أبعادا لا يمكن تصورها من الجريمة والفساد، مما دمر حياة الملايين من الناس".
وفجر الأحد 8 كانون الأول/ ديسمبر عام 2024، دخلت فصائل المعارضة السورية إلى العاصمة دمشق، وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وقبلها في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بدأت معارك بين قوات النظام السوري وفصائل معارضة، في الريف الغربي لمحافظة حلب، استطاعت الفصائل خلالها بسط سيطرتها على مدينة حلب ومحافظة إدلب، وفي الأيام التالية سيطرت على مدن حماة ودرعا والسويداء وحمص، وأخيرا دمشق.