الخليج الجديد:
2024-11-24@14:57:57 GMT

المثقف الخليجي بين السلطة والمجتمع

تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT

المثقف الخليجي بين السلطة والمجتمع

المثقف الخليجي: ما بين السلطة والمجتمع

الأولى بالمثقف الخليجي أن يبقي فعالاً بقربه من الناس وشعوره بهم وتعاطيه مع ما يدور في عقولهم من صراعات وأفكار.

سيكون المثقف الخليجي أكثر قدرة على التوجيه والإرشاد إذا كان مستقلاً، غير مقيد بسلاسل وتفضيلات السلطة أو المجتمع على حد سواء.

لا تؤمّن وظائف الانشغال بالثقافة والمجتمع واصلاحه في الخليج فرصا واعدة للحياة الكريمة فيلجأ مثقفون ومشتغلون بالشأن العام لخيار التودد للسلطة.

سواءً شارك المثقف الخليجي في الشأن العام وأمور السياسة وقضايا المجتمع المعقدة واشتبك معها أو لم يفعل، فعليه تأكيد استقلاليته عن الاصطفافات المطلقة.

كأن رد فعل السلطة على المثقف الحر: "إذا حمل المثقف شجاعة كبيرةً على الدنيا، فعلى السلطة أن تكسره" وذلك بالاغتيال المعنوي وأحيانا المادي ليُسكتوه إلى الأبد.

* * *

لا شك بأن علاقة السلطة مع المثقف هي علاقة محورية امتدت تاريخياً منذ تشكل المجتمعات الإنسانية البدائية وحتى اليوم. لا شك أن ظهور المثقفين كان متأخرًا، لكن لم يكن أي مجتمع من المجتمعات القديمة يخلو من أناسٌ يتفكرون فيما حولهم من عالم محاولين فهمه ومن آخرين يديرون شؤونه.

ولا يصح أن نذكر هذا الامتداد التاريخي دون ذكر سقراط، المفكر والفيلسوف الذي تحدى السلطة المُتمثلة في أعيان مدينة أثينا، مما أدى في نهاية المطاف إلى محاكمته وإعدامه. رفض سقراط أي وساطة تؤدي للعفو عنه ليؤكد رغبته في تطبيق القانون حتى لو كان هذا القانون يخضعُ ويُدار بمزاج الساسة.

لاحقًا، انتقل المثقف من عباءة الفلسفة والتفلسف إلى رداء السياسي والسياسة، ويعد سقراط نموذجاً من نماذج عدة ذكرت عبر التاريخ. شهدت هذه العلاقة صراعات وتطورات أدت إلى انقسام المثقفين إلى نموذجين:

- الأول يصفه ادوارد سعيد في كتابة المثقف والسلطة بأنهم المثقفون المرتبطون بشكل مباشر مع الطبقات الاجتماعية التي تستخدم المثقفين لترسيخ مصالحها،

- الثاني فيحدده جوليان بيندا في كتاباته عن المثقف بأنهم عصبة ضئيلة من الملوك الفلاسفة ذوي المواهب الفائقة والأخلاق الرفيعة الذين يشكلون ضميراً للأمة، ويضيف "عددهم قليلٌ جداً".

فيما يتعلق بالمثقف العربي، والمثقف الخليجي تحديدًا، تمتاز علاقة المثقف بالسلطة بنوعٍ من التعقيد والغرابة، فالسلطة في التجربة الخليجية هي سلطة قبلية بالدرجة الأولى تقوم على طاعة ولاة الأمر، ولذلك، نرى المثقف الخليجي بثوبين، إما معارض شرس أو مثقف يتودد للسلطة ومؤسساتها.

يمكن تقسيم المثقف الذي يتودد للسلطة إلى نوعين:

- الأول يستغل ثقافته ليرتقي عبر سلم المال والثروة مهما كلفه الأمر، حتى لو كان ذلك على حساب مبادئه ومجتمعه، وهو بذلك يمارس هذا الفعل الشنيع حتى على ولي نعمته صاحب السلطة من خلال تقديم المشورة الفاسدة والخاطئة من باب تحقيق المنفعة الشخصية البحتة.

- الثاني هو المثقف الذي تضيق به سبل الحياة مستشعرًا التعب والحرمان والاغتراب عن مجتمعه كُله، يبدو هذا المثقف منبوذًا من السلطة وغالبية مجتمعه على حد سواء.

لا تؤمن وظائف الانشغال بالثقافة والمجتمع واصلاحه في الخليج فرصاً واعدة للحياة أو سبل الحياة الكريمة. بالنتيجة، يلجأ الكثير من المثقفين والمشتغلين بالشأن العام إلى خيار التودد إلى السلطة.

وللسلطة ذاتها دور واضح في إكمال المهمة، حيث أن تهميش دور المثقف في المجتمع واخضاعه لإرادتها يجعلها في مأمن من ظهور أي خصوم جدد، كما أن ذلك يوفر لها أتباعًا من النخبة التي تستند عليها مؤسسات الدولة في تبرير سياساتها والدفاع عنها وتسويقها.

أما عن النوع الذي ذكره جوليان بيندا، فهذا النوع له تفرعان أيضاً، يتموضع الأول كمعارض شرس يعيش في شؤون السياسة ولا يفارقها، فهو غاضب، ويحمل في داخله ضميراً متصلاً بقوة بهموم الناس والمجتمع.

لذلك لا يتوارى عن التغول في تفاصيل السياسة حتى لو كان ذلك مصحوباً بكلفةٍ عالية، ثمنها راحته واستقراره. فهو يعيش في قلق وأرق دائمين خوفاً من تبعات مواقفه وخطاباته.

أما الفرع الثاني، فهو الذي يبتعد كل البعد عن السياسة ولا يشارك في قضايا مجتمعه بل يبقى متقوقعاً على نفسه بمعزلٍ عن كل قضايا مجتمعه الرئيسية التي تتطلب الاشتباك المباشر، يؤمن هذا المثقف بالقوة الناعمة، بقوة الكلمة اللينة وتأثيرها على مدى الزمن، أو ربما لا يؤمن، بل يمارس دور الوصاية فحسب.

يشترك كل هؤلاء المثقفين على اختلاف ميولاتهم بصفةٍ واحدة، وتحديداً في منطقة الخليج، وهي أن مجتمعاتهم تخلت عنهم وعن تصديرهم في ركاب وصفوف المؤثرين، وتحديداً في ظل التطبيقات الحديثة والطفرة التكتولوجية، لذلك لا أحد يعلم يقيناً اذا كان المثقف هو من تخلى عن المجتمع أم أن المجتمع هو من تخلى عنه.

فعليًا، وبعيداً عن هذه التقسيمات والتفرعات تبدو مراقبة المجتمع إحدى وظائف المثقف، ومن الغريب أن يعتقد كثيرون بأن المثقف ملزم بأن يكون مصنفاً ضمن مسارين متناقضين، ضد السلطة أو في جعبتها.

الأصل هو أن المثقف حر، ينتقد أو يشيد بحسب اعتقاداته وتوجهاته وتفضيلاته، أحد أهم إشكالات وتعقيدات المثقف في الخليجي هي في خروجه عن هذا السياق الحر وميله الدائم لأحد الأطراف.

غني عن البيان ضرورة الالتفات إلى أن مجمل الشعوب العربية، وليس الخليجية فقط، هي شعوب عاطفية تميل إلى التصنيفات والقوالب الجامدة، فلا تشعر بالراحة في قرارة نفسها إن لم تصنف البشر، والمثقف يدرك ذلك تماماً أو هو بالأحرى متورط فيه.

تحمل السلطة في شكلها العام شكلاً من أشكال الصراع مع المثقف الذي لا يشعر به جيداً أو يدرك تفصيلاته وملامحه إلا هو، يدرك المثقف السياسات المستترة وكثير مما هو وراء الستار من خلال تحليله الخاص واستطلاعه للمشهد العام، ولذلك، يشعر بالتحدي والسقم في داخله، فيندفع نحو الكتابة أو التعليق.

غالباً ما تكون ردود فعل السلطة على المثقف الحر وكأنها تقول له "إذا حمل المثقف شجاعة كبيرةً على الدنيا، على السلطة أن تكسره" والسبيل إلى ذلك الاغتيال المعنوي وفي بعض الأحيان المادي حتى يُسكتوه إلى الأبد.

في الختام، سواءً شارك المثقف الخليجي في الشأن العام وأمور السياسة وقضايا المجتمع المعقدة واشتبك معها أو لم يشارك، فعليه أن يبني استقلاليته عن الاصطفافات المطلقة، الأولى به هو أن يبقي دوره فعالاً من خلال قربه من الناس وشعوره بهم وتعاطيه مع ما يدور في عقولهم من صراعات وأفكار. سيكون المثقف الخليجي أكثر قدرة على التوجيه والإرشاد إذا كان مستقلاً، غير مقيد بسلاسل وتفضيلات السلطة أو المجتمع على حد سواء.

*علي أبو الملح كاتب كويتي

المصدر | البيت الخليجي للدراسات والنشر

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الخليج السلطة المجتمع استقلال

إقرأ أيضاً:

مستقبل وطن المنيا ينظم ندوه بعنوان "الشائعات وتأثيرها السلبي علي الفرد والمجتمع"

نظمت أمانة الشباب بالإشتراك مع أمانة صناعه المحتوي والتأثير المجتمعي بحزب مستقبل وطن بمحافظة المنيا ندوه توعويه  بعنوان "الشائعات وتأثيرها السلبي علي الفرد والمجتمع " وذلك 
لإعداد قيادات شبابية مؤثرة فى المجتمع و بناءة على أسس سليمة ولزيادة وعى الشباب لإعداد محتوى مؤثر علي وسائل التواصل الإجتماعى وكيفية عمل حملات توعوية مؤثرة وناجحة للرد علي الشائعات والتصدي لها على وسائل التواصل الإجتماعى" والسوشيال ميديا " وطرح نموذج لشائعه والرد عليها.

محافظ المنيا: حضور مميز لمبدعي المحافظة في معرض أيادي مصر بالوادي الجديد «صحة المنيا»: علاج 1205 مواطنين في قافلة طبية مجانية بمركز ملوي

أقيمت الندوه التوعويه بإشراف النائب محمد نشأت العمدة أمين المحافظة ووليد عبدالقوى أمين التنظيم ورحاب سراج الدين أمينة صناعة المحتوى والتأثير المجتمعى و ضياء السيد أمين الشباب وتأتى هذة الندوه ضمن خطة فعاليات حزب مستقبل وطن فى إطار السياسة التى ينتهجها الحزب لبناء وعي الشباب وإعداد قيادات شبابية قادرة علي القيادة و تحمل المسؤلية والحفاظ علي مقدرات الوطن والمشاركة بفاعلية في بناء الجمهورية الجديدة وقامت امانه الإعلام بتغطيه الندوه ورصد المشاركه الفعاله للشباب تجاه المحتوي المقدم والتفاعل معه

مقالات مشابهة

  • ندوة "الحرية وأثرها على الفرد والمجتمع" بكلية التربية النوعية في الفيوم
  • أزمة المثقف أم أزمة النظام؟
  • عُمان تشارك في "المهرجان المسرحي الخليجي لذوي الإعاقة"
  • مطربة تعتدي على زوجها الخليجي وتنقله إلى مصحة إدمان
  • مهرجان القاهرة يختتم دورته الـ 45.. "العام الجديد الذي لم يأت أبدا" يتوج بالهرم الذهبي.. وجائزة الفيبريسي تذهب إلى "دخل الربيع ضحك"
  • يا مثقفو السودان وعقوله النيرة … اتحدوا
  • تبرير المليشيات- منكر في ذهنية المثقف وسقوط أمام الحاضر
  • مستقبل وطن المنيا ينظم ندوه بعنوان "الشائعات وتأثيرها السلبي علي الفرد والمجتمع"
  • أمانة الطائف تنفذ مبادرة “المراقب المجتمعي” لتعزيز التفاعل الإيجابي بين الأمانة والمجتمع المحلي
  • «مستقبل وطن» المنيا ينظم ندوة توعوية بعنوان «الشائعات وتأثيرها السلبي على الفرد والمجتمع».. صور