جنين– كانت الساعات الأخيرة شديدة التوتر في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، المشتعل أصلا منذ قرابة 3 أسابيع بسبب الاشتباكات بين عناصر أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية والمقاومين المتحصنين بداخله، والذين تصفهم بـ"الخارجين عن القانون".

وليلة أمس السبت، كانت الضحية الجديدة للحملة الأمنية التي تشنها السلطة صحفية فلسطينية، قُتلت بعد إصابتها بالرصاص الحي في الرأس أثناء تواجدها برفقة عائلتها أمام منزلهم بشارع مهيوب في عمق المخيم.

وبحسب عائلتها، فإن شذى الصباغ ذات الـ21 عاما، كانت متجهة برفقة أطفال شقيقتها إلى بقالة قريبة من منزلها حين فاجأها قناص من عناصر السلطة وبدأ بإطلاق النار باتجاهها.

في حديثه مع الجزيرة نت، شرح شقيقها مصعب الصباغ (20 عاما)، تفاصيل استهدافها، وقال إن عناصر أمن السلطة تتواجد في الحارة التي يسكنون بها منذ نحو أسبوعين بشكل يومي، ويتخذون المنازل العالية موضعا للتمركز، وتنتشر قناصاتهم هناك.

وأضاف "ليلة أمس كنا نسهر في المنزل بشكل طبيعي، برفقة أولاد أختي أم حمزة، الذين طلبوا من شذى أن تشتري لهم بعض السكاكر والحلوى من دكانة صغيرة مجاورة. فخرجت شذى برفقة الصغيرين، وتوجهت للدكان وعند عودتها بدأ القناص بإطلاق النار بشكل كثيف باتجاهها. وكان إطلاق النار شديدا وكثيفا جدا ولمدة طويلة، وأصيبت شذى ولم يتوقف القناص عن إطلاق الرصاص".

إعلان قتل عمد

خرج أهالي الحي على صوت إطلاق الرصاص وصراخ الأطفال، "وطلبوا من عنصر الأمن التوقف عن إطلاق النار، ليتسنّى لهم سحب شذى بعد تأكد إصابتها لكنه لم يستجب واستمر في إطلاق النار لمدة 15 دقيقة"، بحسب مصعب الصباغ.

ويقول شقيق شذا "لم تستطع صاحبة الدكان بداية حماية الأطفال الصغار من كثافة الرصاص، ثم سحبت الأول من رأسه وسحبت الآخر من أذنيه، كان الموقف صعبا جدا وخطيرا على أطفال لم يتجاوز عمر أكبرهم 3 سنوات".

وعلى الرغم من محاولة جاراتنا المتطوعات في إسعاف المخيم، الاقتراب من شذى وإسعافها فإن شظايا الرصاص أصابت إحداهن في ساقها، بحسب الصباغ.

وترى العائلة أن استهداف شذى كان متعمدا، بنية تخويف الناس، لا سيما السيدات، بعد خروجهن في مظاهرات احتجاجية أكثر من مرة للمطالبة بوقف الحملة الأمنية، وفك الحصار عن المخيم وسكانه.

"كان الوقت كافيا للقناص لرؤية شذى وتمييز أنها فتاة من لباسها ومعها طفلان، كما أن الشارع مضاء بشكل كامل، هو كان يعرف أنها فتاة. هدف السلطة إخافة الناس وإسكاتهم بالقتل. هذا هو هدف الحملة الحقيقي"، يقول الصباغ.

وتؤكد عائلة شذى نيتها محاكمة قاتل ابنتهم ورفع دعوى قضائية بحقه، بعد صدور نتائج التشريح المقررة لجثمانها من مركز الطب العدلي في مستشفى النجاح بمدينة نابلس اليوم الأحد.

تشكيك برواية الأمن

وفي حديثها لوسائل الإعلام، قالت أم معتصم، والدة الصحفية شذى، إنها على ثقة "بتعمد" أجهزة السلطة قتل ابنتها، خاصة بعد قيام شذى بمقابلة والدة الشاب مجد زكارنة "الذي قُتل الأسبوع الماضي على يد أجهزة الأمن الفلسطينية"، إضافة لمقابلة مع "إحدى العائلات التي أحرق الأمن منزلهم".

وقالت "يروج الأمن الفلسطيني أن أنور رجب (المتحدث باسم قوى الأمن الفلسطينية) اتصل بي وأوضح ما حدث، وأنني تفهمت أن الحادثة تمت من قبل المقاومين، وأنا أؤكد أن هذا افتراء، حيث لم يتصل بي أحد من السلطة حتى الآن، وأنا متأكدة أن من قتل شذى هم قوات الأمن الفلسطيني".

إعلان

وعلى الرغم من تطابق رواية العائلة مع شهود العيان من أهالي المخيم، فإن الناطق باسم قوى الأمن الفلسطينية العميد أنور رجب قال -في بيان نشر بعد الحادثة بوقت قصير- إن الصحفية شذى الصباغ "قُتلت برصاص الخارجين عن القانون".

وأضاف رجب، في البيان الذي وصل الجزيرة نت نسخة منه، أن "التحقيقات الأولية، ووفقا لشهادات الشهود، تشير لعدم تواجد قوات الأمن في نفس المكان، وإننا نؤكد على ملاحقة مرتكبي هذه الجريمة من الخارجين عن القانون وتقديمهم للعدالة".

ولاقى بيان رجب استنكارا واسعا في الشارع الفلسطيني، سيما في توقيت صدوره، بعد أقل من 40 دقيقة على إعلان المصادر الطبية وفاة شذى. وقال نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي إن هذا البيان يُضعف موقف السلطة وجاء لتبرير الحادثة.

وكانت نقابة الصحفيين الفلسطينيين نعت الصباغ، وطالبت بتشكيل لجنة حقوقية مستقلة للتحقيق في مقتلها.

وتدرس شذى الصباغ بقسم الإعلام الرقمي في جامعة القدس المفتوحة، وكانت تعمل صحفية حُرة مع عدد من وكالات الأنباء المحلية، إضافة لنشاطها في توثيق وتصوير اقتحامات قوات الاحتلال مدينة ومخيم جنين. ونشطت في مساعدة زملائها الصحفيين خلال جولاتهم في المخيم، وتقديم المعلومات والبيانات لهم بشكل يومي.

غضب واسع

ونعى عدد كبير من الصحفيين الفلسطينيين الصباغ، على منصات التواصل الاجتماعي، وسط حالة من الاستنكار والغضب، لما وصل إليه وضع الصحفيين في الضفة الغربية من استهداف بواسطة جيش الإحتلال الإسرائيلي أولا، ثم السلطة الفلسطينية، على حد تعبيرهم.

ونشرت الصحفية راية عروق من جنين على صفحتها في فيسبوك منشورا نعت فيه الصباغ، وقالت "اليوم شذى، بكرة يمكن أنا وبعده زميل آخر، واللي بعده واللي بعده".

وربط عدد من أهالي المخيم ما حدث ليلة أمس مع شذى الصباغ مع ما حدث مع مراسلة قناة الجزيرة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وقارن البعض بين الجريمتين باختلاف الفاعل وتشابه الهدف، على حد قولهم.

إعلان

وكتبت الإعلامية والناشطة الفلسطينية منى حوا في صفحتها على فيسبوك أنه في 11 مايو/أيار عام 2022 "الاحتلال اغتال شيرين أبو عاقلة برصاصة أسكتت صوت مخيم جنين".

وأضافت أنه في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024 "استهدف عنصر من أمن السلطة شذى الصباغ، شقيقة الشهيد معتصم، برصاصة في الرأس بعد دقائق من تصويرها عناصر أمن يزيلون صور شهداء. قُتلت شذى وهي تحمل بين يديها طفلين من أبناء شقيقتها. لمصلحة من كل هذا؟".

وبمقتل شذى الصباغ، يرتفع عدد الضحايا في مخيم جنين منذ بدء العملية الأمنية للسلطة الفلسطينية، التي سمتها "حماية وطن" إلى 11 شخصا، من بينهم 5 من أفراد الأجهزة الأمنية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات إطلاق النار شذى الصباغ من السلطة

إقرأ أيضاً:

الناطق باسم أجهزة السلطة ينسحب من مقابلة بعد مشاركة والدة الصحفية الصباغ (شاهد)‏

انسحب الناطق باسم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في رام الله، أنور رجب من لقاء عبر قناة الجزيرة، بعد ظهور والدة الصحفية شذى الصباغ على الهواء، والتي اتهمت السلطة بقلتها برصاصة قناص في مخيم جنين.

وخلال المقابلة، انضمت والدة الصحفية إلى المقابلة، لتثور ثائرة الناطق باسم أجهزة السلطة، ويبدأ بمهاجمة مذيع البرنامج عبر الجزيرة مباشر، ويتهمه بالخداع والتضليل واستخدام "أسلوب رخيص" وفق وصفه.

ورغم محاولات المذيع، إبقاء رجب على الهواء من أجل الإجابة على والدة الصحفية، التي اتهمت السلطة رسميا بالوقوف وراء قتل ابنتها، لجأ إلى المقاطعة مرارا وعدم السماح لهما بالحديث، وقام بإقفال الاتصال المصور والاختفاء عن الشاشة.

وندد المشاركون في مسيرة التشييع بجريمة قتل الصباغ، وطالبوا بالكشف عن المجرمين ومعاقبتهم؛ حقنا لدماء الفلسطينيين في مخيم جنين، حيث تدور اشتباكات بين أجهزة الأمن والمقاومة منذ 3 أسابيع، أدت إلى ارتفاع عدد الضحايا إلى 11 شخصا.

واستشهدت الصحفية شذى صباغ أول أمس، بعد إصابتها برصاصة في الرأس خلال الاشتباكات في مخيم جنين.



وقالت منصات فلسطينية؛ إن الصباغ، شقيقة الشهيد معتصم الصباغ الذي قتله الاحتلال قبل عامين، استشهدت برصاص قناص تابع لأجهزة السلطة الفلسطينية في المخيم.

من جانبها، قالت عائلة الصباغ في بيان؛ إنها تنعى "الشهيدة التي ارتقت شهيدة برصاصة قناص من أجهزة أمن السلطة، في جريمة مكتملة الأركان ارتكبتها أجهزة السلطة الأمنية في مدينة جنين".

وحمّلت العائلة "السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية المسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة، ونؤكد أن هذا التصعيد الخطير، يعكس تحول هذه الأجهزة إلى أدوات قمعية تُمارس الإرهاب ضد أبناء شعبها، بدلا من حماية كرامتهم والوقوف في وجه الاحتلال".

كما أكدت أن "الشهيدة شذى كانت رفقة والدتها، والدة الشهيد معتصم الصباغ، وتحمل في حضنها أطفالا صغارا، في حيٍّ مضاء بالكامل، وخال من أي اشتباك أو تهديد أمني، وعلى الرغم من ذلك، أصرّ قناصة الأجهزة على إطلاق النار  المباشر عليها، مُستبيحين دماء بريئة، ومُتناسين كل القيم الوطنية والإنسانية".

وبينت أن "هذه الجريمة النكراء هي دليلٌ صارخ على الانحراف الخطير لأجهزة السلطة الأمنية، التي باتت توجه سلاحها نحو صدور أبناء شعبها، بدلا من مواجهة الاحتلال الغاشم. ونحن، عائلة الشهيدة الصحفية شذى الصباغ، نحمّل السلطة وأجهزتها الأمنية المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة الشنيعة".

سؤال حقيقي جدا...
هل كل المرتزقة والعملاء في سلطة الجواسيس من نفس المزبلة؟ pic.twitter.com/zWHhk1IuUj — د. ابراهيم حمامي (@DrHamami) December 29, 2024

مقالات مشابهة

  • ‏وسائل إعلام فلسطينية: تجدد الاشتباكات في مخيم جنين بالضفة الغربية بين أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ومسلحين
  • أجهزة السلطة الفلسطينية تحرق منزلًا في جنين وتواصل حصار المخيم لليوم الـ26 تواليا
  • والدة الشهيدة الصباغ تروي تفاصيل الدقائق الأخيرة لابنتها قبل أن يقتلها “قناص السلطة” / فيديو
  • الناطق باسم أجهزة السلطة ينسحب من مقابلة بعد مشاركة والدة الصحفية الصباغ (شاهد)‏
  • وداع مؤثر لعائلة الشهيدة شذى الصباغ خلال تشييعها في مخيم جنين (شاهد)
  • أهالي مخيم جنين يشيعون جثمان الصحفية شذى الصباغ
  • مقتل شابة بالرصاص خلال اشتباكات بين أجهزة الأمن الفلسطينية ومسلحين بمخيم جنين  
  • مقتل شابة فلسطينية خلال اشتباكات بين أجهزة الأمن الفلسطينية ومسلحين بمخيم جنين في الضفة الغربية
  • برصاصة قناص..عائلة الصحفية شذى الصباغ تتهم السلطة الفلسطينية بمقتلها والسلطة ترد: سنلاحق الجناة