بسبب سد النهضة.. هل يخرج السد العالي عن الخدمة في 2024؟
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
علّق الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، على سد النهضة وتخزين إثيوبيا "المليار الثاني عشر من التخزين الرابع"، ومدى تأثيره على السد العالي في مصر.
قال الدكتور عباس شراقي إن منسوب بحيرة سد النهضة وصل إلى 614 مترا فوق سطح البحر بعد تخزين نحو 12 مليار م3 منذ 14 يوليو الماضي؛ ليصبح إجمالي التخزين الرابع نحو 29 مليار م3، ومن المتوقع أن يستمر التخزين الرابع حتى النصف الأول من سبتمبر طبقاً لارتفاع الممر الأوسط الذي يتراوح بين 621 - 625 م، وكمية تخزين بين 20- 24 مليار م3، وفق صور الأقمار الصناعية.
السد العالي حصن الأمن المائى لمصر
وأكد الدكتور عباس شراقي أن السد العالي يظل دائماً حصن الأمن المائي لمصر، وليس صحيحاً أنه سوف يخرج عن الخدمة في نهاية 2024 كما يروج البعض، وإن شاء الله لن يحدث ذلك أبداً لأسباب جيولوجية في جميع دول المنابع حتى وإن اكتمل سد النهضة، هذا ليس تهويناً لكنها الحقيقة العلمية المقترنة بالتمسك القوي بالحقوق المصرية طبقا للاتفاقيات والأعراف الدولية.
وأشار الدكتور عباس شراقي إلى أن المشكلة أن البعض حصروا سد النهضة منذ البداية فى أضرار مباشرة مثل نقص المياه، على سبيل المثال خسارة 5 مليار متر مكعب معناه توقف مليون فدان عن الزراعة وتعطل 5 مليون مواطن، وانخفاض منسوب نهر النيل، وتوقف محطات مياه الشرب عن العمل، وتملح الأراضى الزراعية وزيادة الهجرة غير الشرعية لأوروبا وغيره وغيره، وكأن السد العالى غير موجود.
ودائما ما يؤكد الدكتور عباس شراقي، في تصريحاته، حتى قبل الإعلان عن سد النهضة 2011، أنه لن يعطش مواطن مصري أو يتوقف قيراط واحد عن الزراعة في مصر بسبب نقص المياه في ظل وجود السد العالي.
وأكد الدكتور عباس شراقي أن مصر سوف تعوض المزارعين من مخزون السد العالى حتى لا يتأثر مباشرة من نقص الايراد السنوي، وفى نفس الوقت يتم معالجة جزء من مياه الصرف الزراعى من خلال بعض محطات المعالجة مثل محطتى المحسمة (365 مليون م3/سنة)، ومحطة بحر البقر (2 مليار م3/سنة) لاعادة استخدامها فى الزراعة، تحديد مساحة الأرز، واستبدال جزء من قصب السكر بمحصول بنجر السكر، والتوسع فى بناء الصوب الزراعية لتوفير مياه، وتطوير الري الحقلي فى الوادى والدلتا، وتبطين بعض الترع، كل ذلك لتعويض جزء من المياه التى تخزنها اثيوبيا وكانت من قبل تتجه إلى مصر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سد النهضة السد العالى عباس شراقي التخزين الرابع مصر الدکتور عباس شراقی السد العالی سد النهضة
إقرأ أيضاً:
طوفانٌ في بلاد البعث
لم أجد عنوانًا معبِرًا عن مشهدية الأيام الأخيرة من سنوات البعث في سوريا سوى العنوان «الاستفزازي» الصارخ الذي تقدم به عُمر أميرلاي إلى لجنة التحكيم في مهرجان قرطاج السينمائي قبل عشرين عامًا في تونس. ففي تلك السنة التي اجتثَّ خلالها طوفانُ قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة نسخةَ البعث الصَّدامية في العراق، كان المخرج السوري الراحل قد أنجز خاتمة أعماله الوثائقية «طوفان في بلاد البعث» الفِلم الذي يُنذر في سخرية داكنة رمزية بعلامات انهيار النظام البعثي الوشيك في سوريا. يومها هاجمت صحيفة «الشروق» التونسية الفِلم، معتبرةً أنه يتساوق مع «الحملة على سوريا التي بدأت منذ أشهر عبر العديد من الافتراءات، وهي تذكّرنا إلى حدّ كبير ببداية التمهيد للعدوان على العراق وغزوه» بل وحرَّضت الصحيفة في مقالها على منع الفِلم من العرض «كي لا تكون أيام قرطاج السينمائية منبراً للدعاية الصهيونية التي تستهدف سوريا»!
لعل وصفنا لذلك الفِلم المتهكم بـ «النبوءة» المبكرة قد يبدو اليوم من «كليشيهات» القول، أو هرولةً مع من تسابقوا منذ فجر الثامن من ديسمبر على إثبات ملكياتهم الفكرية الخاصة بنبوءاتهم السياسية «الاستشرافية» و»السبَّاقة» حول اقتراب موعد سقوط النظام الأسدي في الشام. بيد أن إطلاق التوقعات عن احتمال سقوط النظام في سوريا، إثر أحداث «الربيع العربي» وما تلاها، لم يكن بالأمر المتطلّب حدسًا ثاقبًا أو نباهة سياسية من نوع نادر، وخاصة بعد مسلسل التساقط المتلاحق في تونس ومصر وليبيا واليمن، وصولًا إلى السودان في عام 2019. ربما كان من الصعب التكهن بشكل النهاية وتوقيتها، إلا أنها ظلَّت حدثًا مرتقبًا طيلة الأعوام الثلاثة عشر الماضية. ولكن ما يرفع فِلم أميرلاي حقًا إلى مرتبة النبوءة هو توقيته الذي تزامن آن ذاك مع حالة من الانفراج النسبي والتفاؤل السياسي الحذر بقدوم الشاب «المثقف» و «المنفتح» إلى سدة الحكم في دمشق؛ فأن تعلن عن طوفان وشيك في بلاد البعث السورية، في ذلك التوقيت السياسي الحذر والمتفائل من عمر البلاد، وبعد ثلاث سنوات فقط من وصول بشار الأسد إلى السلطة، فتلك جُرأة غير معهودة لخيالٍ متقدم التوقيت على ساعة الراهن ومزاجه العام.
وصل الأسد الابن إلى السلطة بينما كان سدُّ الفرات يتشقق ببطء منذرًا بالطوفان. وهناك، كانت «الكاميرا المتشيطنة» لعمر أميرلاي، كما يصفها فجر يعقوب، ترصد بتأنٍ وصبر هدوء «بحيرة الأسد».. هدوء ما قبل الكارثة الوشيكة. عبقرية أميرلاي السينمائية ستُحول هذا السد إلى رمز، رمز لقصة سوريا البعثية، ورمز أشمل لبداية القصة ونهايتها، شخصي وعام في آن بالنسبة إلى عُمر. فمشروع السد الذي وقفت عليه الدولة مطلع السبعينيات بمساعدة السوفييت، وتغنى به البعثيون بوصفه الإنجاز التنموي الأعظم، كان النافذة الأولى للمخرج الشاب العائد من دراسة السينما في فرنسا متحمسًا لخطاب البعث الجديد ووعود الحركة التصحيحية. فكان فِلمُه الأول القصير «محاولة عن السد الفرات» محاولة متحمسة سرعان ما انقلب عليها في أعماله اللاحقة التي توَّجها بفلمه الأخير، عائدًا إلى السد- الرمز ذاته.
في مشاهد من الفِلم نرى التلاميذ وهم يقرأون من المنهاج المدرسي قصة حياة نهر الفرات الذي ينبع من تركيا ويقطع الأراضي السورية صوب العراق: «في الخامس من تموز دخل نهر الفرات إلى المدرسة الجديدة ليتعلم كيف يقرأ وكيف يكتب، وكيف يمارس الحب مع الحقول والأشجار بطريقة عصرية. وعلى باب المدرسة نزع الرئيس حافظ الأسد من الفرات عباءته الطينية، وقص له شعره الأشعث وأظافره الطويلة، وأعطاه قلمًا ودفترًا وحبرًا أخضر، ليكتب يومياته كنهر متحضر، وأعلن وهو يحول مجرى النهر أن سد الفرات ليس عملًا هندسيًا خاصًا بسوريا، ولكنه عمل قوميّ من أعمال التحرير، وهذا الكلام يعني بوضوح أن لفلسطين حصتها من السد السوري». هكذا، بزخرفة إنشائية طريفة، تكتب الدولة قصة مشروعها الذي غمر قرى بكامل ذكريات سكانها تحت بحيرة الأسد. إنها لغة التدجين المدرسي وهي التؤنسن النهر بالمجاز والاستعارات وتحوله إلى كائن «متحضر» بأمر من «الزعيم الخالد»، فيما تحشو اللغة ذاكرة الطفل السوري بكلمات لا يفقه أبعادها مثل «القومية» و»التحرير». أما كلمة «فلسطين» فلا تبدو إلا كلمةً زائدةً في قصة النهر، مدفوعة عنوةً في متن النص المدرسي لأسباب تتعلق غالبًا بالتلقين السياسي الأعمى منذ الصغر وبدعاية الدولة الشمولية لنفسها.
رحل عمر أميرلاي عن عالمنا قبل أيام قليلة من انتفاضة المدن السورية التي صدَّعت سد البعث. أقفل المخرج عدسته عن المشهد وغادر، فلم يشهد خراب الإنسان والعمران الذي جرَّه الطوفان على البلاد والعباد حتى آخر لحظة من اليوم الأخير. لكن حكاية السد والطوفان التي صنعها بنباهته الحادة ستظل نبوءة خالدة في ذاكرة السوريين الحالمين بحرية النهر وعودته إلى مجراه الطبيعي.