أدلى رئيس حزب الرفاه من جديد، فاتح أربكان، الأحد، بتصريحات حول دور تركيا في سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

 

وقال فاتح أربكان، بأن تركيا لم تلعب دورًا كبيرًا في سقوط نظام بشار الأسد، حيث ظلت أنقرة في موقف المتفرج خلال السنوات الماضية من الأزمة السورية.

 

وأضاف أربكان :”لا أعتقد أن لتركيا تأثيرًا كبيرًا على سقوط نظام الأسد، وأعتقد أن تركيا بقيت متفرجة خلال الأزمة السورية”.

 

اقرأ أيضا

حقبة جديدة بقطاع الكهرباء في تركيا: تغييرات تؤثر على جميع…

الأحد 29 ديسمبر 2024

وأكد أن مواقف تركيا تجاه النظام السوري اتسمت بالمراقبة أكثر من اتخاذ خطوات فعلية لدعم التغيير في سوريا.

المصدر: تركيا الآن

كلمات دلالية: تركيا بشار الأسد فاتح أربكان

إقرأ أيضاً:

سوريا الجديدة.. نقاط الضعف وأوراق التفاوض.. في الطريق إلى الدولة

التطورات التي تعيشها سوريا الجديدة، تعيد تركيب عدد من الأسئلة الفكرية حول الثورة، ومفاعيلها، وطرف استحالة الثورة إلى دولة، ومنهجية الانتقال المؤسساتي، وإدارة التعدد الطائفي، وبناء التعاقدات المجتمعية والسياسية، وجدل الداخلي والخارجي، وحدود توطين الخيارات الثورية في ظل الضغط الخارجي، وترتيب الجواب عن التحديات بين الداخلي والخارجي،  وقواعد المشروع المجتمعي الجديد، وغيرها من  الأسئلة التي ظل مثقفو النهضة يناقشونها دون أن يخرجوا منعا بطائل، وتعثرات تجارب نهضوية وثورية عربية دون أن تنجح في إرساء تجربة ناجحة، لا يتحول ربيعها إلى خريف  بمناهضة جيوب المقاومة أو ما يسمى بالثورات المضادة.

كما يثار سؤال آخر مهم، حول مفهوم الدولة الراعية، الذي تفتقت مفرداته مع التجربة الماركسية والماوية، واستلهمته الثورة الإيرانية، وحاولت أن تحدث عليه تحيينات كثيرة، فانتقل من مفهوم تصدير الثورة إلى مفهوم الأذرع الثورية الإقليمية، ليستقر في المراحل الأخيرة على مفهوم محاور المقاومة.

من السابق لأوانه اليوم، أن نتحدث عن نسق فكري نضج في الحالة السورية بأجوبته المركبة عن هذه الإشكالات المفاهيمية، لكن الأسلوب العملي الذي يتم انتهاجه في مواجهة التحديات، وتصنيفها (داخلي وخارجي) وترتيب أولوياتها، فضلا عن منهجية الانتقال من الثورة إلى الدولة،  وطريقة التفاعل مع الفاعل الأجنبي، هذه كلها تشي بأن هذه التجربة، جديرة بأن توضع ضمن مشرحة التأمل الفكري، حتى يتم نقل هذا الأسلوب العملي البراغماتي إلى صياغة فكرية ونسق  عام، يمكن دراسته ضمن الدراسات المقارنة سواء تلك التي تقارب طرق الانتقال من الثورة إلى الدولة، أو التي تعنى  بالانتقال إلى الديمقراطية، أو التي تعنى بمنهجية إدارة التعدد الطائفي، وكيفية بناء التعاقدات المجتمعية الكبرى.

تعيش سوريا اليوم أربعة تحديات داخلية رئيسة، أولها، تثبيت شرعية الدولة في كل التراب السوري، وتوحيد الجهاز الأمني والعسكري، وبناء الاقتصاد السوري، وترتيب خطوات العملية السياسية بما يسمح بالمرور من العملية الانتقالية إلى تأسيس البنيان الدستوري والمؤسساتي بناء على التقاعدات المجتمعية الجديدة.سنقدم في هذا المقال، بعض ملامح هذا النسق، وكيف يتصور التحديات التي تواجهه، والأولويات التي يشتغل عليها، والتحديات التي امانعه، وكيف يصنفها ويرتبها، وكيف يتعاطى معها..

سوريا الجديدة والتحديات الأربعة

تعيش سوريا اليوم أربعة تحديات داخلية رئيسة، أولها، تثبيت شرعية الدولة في كل التراب السوري، وتوحيد الجهاز الأمني والعسكري، وبناء الاقتصاد السوري، وترتيب خطوات العملية السياسية بما يسمح بالمرور من العملية الانتقالية إلى تأسيس البنيان الدستوري والمؤسساتي بناء على التقاعدات المجتمعية الجديدة.

بيد أن هذه التحديات، التي تبدو كلها داخلية، ترتبط بالجوهر باستحقاقات تتعلق بالسياسة الخارجية، أو بنوع المقاربة التي ستنهجها الإدارة الانتقالية لكسب هذه التحديات الأربعة، فتثبيت شرعية الدولة على كل التراب السوري، يطرح سؤال التعاطي مع قوات سوريا الديمقراطية، وهي الورقة التي تمسك بها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي (باسم حق الأقليات)، لضمان الأمن القومي الإسرائيلي من جهة، والحيلولة دون تعزيز النفوذ الإقليمي لتركيا.  كما أن بناء الاقتصاد السوري مرتبط أساسا برفع العقوبات عن سوريا، وهي ورقة تمسك بها الدول الغربية للضغط على سوريا في اتجاهات متعددة، سندقق فيها خلال هذا المقال، كما أن تحدي تأسيس البنيان الدستوري والمؤسساتي في سوريا وتوحيد الجهاز الأمني والعسكري، هو الآخر يخضع للاعتبارات السابقة، مما يعني في المحصلة، أن مشكلة سوريا الأساسية، هي مشكلة سياسة خارجية، في وسط جد معقد، لا يسمح بخيارات مفتوحة وبهامش أكبر للمناورة.

في هذا المقال، سنحاول أن نعرض للمعادلات التي كانت تحكم سوريا قبل الإطاحة بالنظام، وبأهم التحولات التي عرفتها هذه المعادلات بعد الإطاحة به،  وبنقاط الضعف التي يمسك بها الفاعل الدولي لرفض أجندته على الإدارة الجديدة، وبالخيارات التفاوضية التي تملكها  سوريا الجديدة لبناء سياسة خارجية متوازنة تؤهلها لرفع العقوبات الدولية، وعودتها إلى محيطها الإقليمي والدولي.

معادلات ما قبل الإطاحة بنظام الأسد

قبل الإطاحة بنظام بشار الأسد، كانت المعادلة معقدة، بسبب ضعف النظام السياسي، وحاجته لتبرير استمراره في ظل تحولات دولية وإقليمية متسارعة،  فقد كان نظام بشار  الأسد يشتغل بتكتيكين متناقضين تماما: تكتيك تقليدي، يراهن فيه على تحالفه مع إيران وروسيا، وبمقتضاه، يسمح النظام  السوري لإيران بنفوذ أمني وعسكري كبير مع تـأمين تدفق السلاح إلى حزب الله، الذي بدوره استثمر ضعف النظام السياسي في مواجهة المعارضة والمناخ الدولي، وأصبح فاعلا ميدانيا قويا في  القصير وحمص وحلب ما بين 2012 و 2019، إلى أن فرضت عليه الحرب الإسرائيلية على لبنان عودة مقاتليه إلى جنوبه. التكتيك الثاني، ظهر بالتحديد مع إعلان الإمارات العربية المتحدة تطبيع علاقتها مع دمشق، وإعادة فتح سفارتها بها سنة 2018، إذ كانت نية الإمارات، أن تفتح للنظام السوري خيارا آخر، للحفاظ على وجوده، دون السقوط الكلي في الحضن الإيراني، وبدأ الاستثمار من تلك الفترة بورقة تحالف سوري عربي، بدعم أمريكي إسرائيلي، ينهي عزلة النظام السوري من خلال عودة دمشق إلى الجامعة العربية.

وهكذا، فقد باركت كل كن البحرين وعمان عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتبنت الأردن، جزءا من هذه الرؤية، لكن أفق نظرها، كان يتجه أكثر إلى تقليص النفوذ الإيراني، ودفع الدول الغربية إلى تخفيف العقوبات الدولية على دمشق، ودعم عودتها للجامعة العربية مقابل تعاونها في التحرر من الهيمنة الإيرانية خاصة في المجال الأمني والعسكري، وقد ظهر ذلك بوضوح في خارطة الطريق الذي اقترحها الملك عبد الله الثاني على الرئيس الأمريكي جو بايدن، في واشنطن في تموز 2021، وضمنت هذه الخارطة ضرورة تعاون روسيا في هذا السيناريو.

وقد كان المؤمل في القمة العربية بالجزائر أن تنهي مشكلة وجود دمشق خارج الجامعة العربية بحكم التحركات العربية الكثيفة التي سبقت القمة، لكن الظاهر أن بشار الأسد لم يقدم التزامات واضحة بشأن فتح النسق السياسي وإشراك المعارضة السورية، مما دفع كلا من السعودية ومصر وقطر للتحفظ، فلم تنجح قمة الجزائر المنعقدة في 2022 في إعادة دمشق للجامعة العربية.

من المرجح أن تغير الموقف السعودي، بعد اتفاقها لاستئناف العلاقات مع إيران بوساطة صينية في مارس 2023، ساعد في الدفع بقوة في اتجاه استعادة دمشق لمكانها في الجامعة العربية، وهي الخطوة التي تطورت بشكل تدريجي، إلى أن أصبحت حقيقة في قمة جدة التي انعقدت في ماي 2023. تلك القمة، التي-وإن رسمت حضور نظام الأسد فيها-إلا أنها أبقت الباب مفتوحا لمواقف عربية تتأرجح بين والتطبيع وعودة العلاقات بشكل سلس، وبين التطبيع المشروط بالتزامات واضحة من لدن نظام الأسد بإشراك المعارضة السورية في الحكم وإحداث مصالحة سياسية شاملة.

من الواضح أن التحول في الموقف العربي، الذي قد يبدو مندرجا ضمن التكتيك الثاني، لم يكن كله، على نسق واحد من الرؤية الاستراتيجية، فالإمارات، لم تكن معنية كثيرا بفكرة المصالحة السياسية وإشراك المعارضة السياسية في الحكم، وإنما كانت معنية بدرجة أولى باستبدال وجهة النظام السوري من إيران إلى إسرائيل، بينما توحد الموقف العربي بجميع مكوناته على مستوى هدف تقليص النفوذ الإيراني، مع تقديم التزامات سورية واضحة بخصوص العملية السياسية، وموقع المعارضة فيها، وقضية المصالحة السياسية.

الموقف التركي في سوريا، تدرج هو الآخر بشكل كبير إلى أن وصل إلى لحظة إسناد كلي للمعارضة المسلحة، فمن المطالبة بإصلاحات جذرية في النظام مع بداية الثورة السورية 2011، انتقل إلى دعم المعارضة، والدفع بحل سياسي مشروط برحيل رأس النظام بشار الأسد، ليتغير الموقف بشكل سريع إلى تدخل عسكري مباشر في الأراضي سنة 2016 ضمن ما أسمته تركيا بعملية "درع الفرات" تحت حجة حماية أمنها القومي من الإرهابين: إرهاب تنظيم الدولة والإرهاب الذي تشكله قوات سريا الديمقراطية.

وقد شكلت محادثات أستانا2017 محطة أساسية لتغير آخر في الموقف التركي، لجهة التخلي عن شرط سوريا من غير بشار الأسد. وعلى الرغم من انخراط تركيا في لقاءات مع سوريا على عدة مستويات عسكرية وأمنية واستخباراتية برعاية روسية، إلا أن اشتراط بشار الأسد في كل لقاء إمكان التوصل إلى خارطة طريق تنهي التوتر بين البلدين شريطة انسحاب انقرة من جميع الأراضي السورية، لم يكن يجد صدى لدى أنقرة، التي كانت تنظر لتدخل جيشها في سوريا على اعتبار أنه يمثل جوابا استراتيجيا عن أمنها القومي ضد الإرهاب، وقوات سوريا الديمقراطية، التي كانت في حالة تنسيق كلي مع نظام الأسد وواشنطن وإيران لزعزعة استقرار تركيا.

سوريا الجديدة تحررت بإطاحتها لنظام الأسد من عدد من العراقيل التي كانت تمنع عودتها وانفتاحها الإيجابي مع محطيها الإقليمي والدولي، فقد زال أو تقلص إلى حد كبير محذوران: يتعلق الأول، بالخطر الإرهابي، والثاني، بالنفوذ الإيراني، وكسبت في المقابل، الدعم العربي الواسع، ثم انفتاح المجتمع الدولي عليهافي المحصلة، حصل تغيير آخر في الموقف التركي، لجهة دعوة الرئيس التركي طيب رجب أردوغان الرئيس السوري بشار الأسد للقاء مباشر لطي صفحة الخلاف وتطبيع العلاقات مع أنقرة، إلا أن إصرار بشار الأسد على رؤيته السابقة، لم تسمح له بالتقاط الإشارة، وأن أنقرة، كانت في الجوهر، بصدد إرسال الإنذار الأخير له قبل وقوع العاصفة.

الموقف الأمريكي، الذي استغل الظاهرة الإرهابية، لتثبيت وجوده في سوريا، يلعب في الظاهر على أكثر من واجهة: الأولى، استثمار الخطر الإرهابي لتثبيت شرعية وجوده  العسكري في سوريا بحجة مواجهة الدولة الإسلامية ومكافحة بقايا القاعدة، والثانية، توجيه البوصلة إلى مصادر الطاقة في سوريا، ثم الثالثة العمل على تقليص النفوذ العسكري الإيراني عبر توجيه الضربات العسكرية لبعض مواقعه في سوريا، والرابعة، منع أي توسع للنفوذ الروسي بسوريا، والخامسة منع  تركيا من التوسع الإقليمي بتشغيل ورقة قوات سوريا الديمقراطية،  وهذا ما يفسر انتشار معظم القواعد والنقاط العسكرية الأمريكية بشكل رئيسي في المنطقة الشمالية الشرقية.

بالنسبة للموقف الروسي، فلم يكن رهان موسكو على أكثر من الحفاظ على قاعدتها العسكرية في حميحيم، ومراكز نفوذها في طرطوس، وقد ربطت حمايتها للنظام، بدرجة دفاع النظام عن نفسه، وجاهزية جيشه لهذه المهمة، ودخلت في تفاهمات مع كل من إيران وتركيا وسوريا (اتفاق أستانا)، لترسيم نفوذ كل طرف على حدة، ومنع تحول الصراع إلى الواجهة العسكرية.

بالنسبة للموقف الإسرائيلي، فمن الواضح، أنه كان الأعقد، فقد كان من جهة يخشى من تغول النفوذ الإيراني في سوريا، وتحويلها إلى ممر لتدفق الأسلحة إلى حزب الله، كما كانت في قمة الانزعاج من وجود حزب الله على الأراضي السورية المحاذية للحدود اللبنانية. ومن جهة ثانية، كانت لا تخفي انزعاجها من توسع النفوذ التركي في سوريا عبر حجة المنطقة الأمنية العازلة، وأبقت في الجهة الثالثة، على حبل الاتصال مفتوحا مع موسكو، لإبقاء النظام في دائرة الحياد اتجاه إسرائيل، ومع واشنطن لدعم قوات سوريا الديمقراطية بما يسمح لتقويض الأهداف الاستراتيجية التركية في المنطقة. وفي المحصلة، فإن تل أبيب كانت لا تريد استبدال خطر شيعي ترعاه إيران، بخطر سني ترعاه تركيا.

في الواقع، اختار نظام بشار الأسد في مواجهة هذه المعادلات ثلاثة خطوط رئيسة: الإبقاء على خط التحالف الأمني والعسكري والاستخباراتي مفتوحا مع كل من إيران وروسيا لكن دون تحويل سوريا إلى جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية، ووحدة الهدف مع كل من إيران واشنطن وإسرائيل وإيران لدعم قوات سوريا الديمقراطية ضد الأهداف الاستراتيجية التركية، والاشتغال على فتح قنوات التواصل مع العرب، وأيضا مع إسرائيل بشكل سري  وبوساطة إماراتية، لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، عبر ورقة التحرر من التغول الإيراني بديلا عن تقديم التزامات سياسية بإشراك المعارضة  السورية.

سوريا الجديدة.. نقاط الضعف وأوراق التفاوض

من المؤكد بأن سوريا الجديدة تحررت بإطاحتها لنظام الأسد من عدد من العراقيل التي كانت تمنع عودتها وانفتاحها الإيجابي مع محطيها الإقليمي والدولي، فقد زال أو تقلص إلى حد كبير محذوران: يتعلق الأول، بالخطر الإرهابي، والثاني، بالنفوذ الإيراني، وكسبت في المقابل، الدعم العربي  الواسع، ثم انفتاح المجتمع الدولي عليها، وعلى إمكان دعمها لتجاوز المرحلة الانتقالية، ووضع الأساس المتين لبنيانها الدستوري والمؤسساتي والسياسي، لكن، مع ذلك، ثمة عدد من النقاط التي لا تزال تشكل  نقاط ضعف، تحاول الأطراف الدولية السابقة استثمارها في المرحلة السابقة، فالمجتمع الدولي على سبيل المثال، وإن تم تحقيق هدف تقليص النفوذ الإيراني، وحتى الروسي، فإنه، أصبح يضع في مقابل رفع العقوبات على سوريا شروطا أخرى سياسية واجتماعية وثقافية وحقوقية، تصل في أحيان كثيرة حد التدخل في المرجعية الثقافية للمجتمع، وفرض مرجعية أخرى بديلة.

على أن قضية رفع العقوبات الدولية ليست هي نقطة الضعف الوحيدة، فثمة إلى جانبها، نقطة ضعف أخرى، تتمثل في الشروط الاقتصادية والاجتماعية، فسوريا الجديدة، أطاحت بنظام بشار الأسد، ووجدت أمامها واقع انهيار البنية التحتية، وتدهورا في العملة والناتج الزراعي والصناعي، وأيضا في مجال الطاقة وما يتركه ذلك من آثار اجتماعية. فسوريا التي تملك إمكانات كبيرة على مستوى النفط والغاز، تعاني أزمة البنيات التقليدية في قطاع الطاقة، وتعاني من جهة تأثير العقوبات الدولية التي تمنع دخول الشركات الدولية لإعادة تهيئة آبار النفط.

نقطة الضعف الثالثة، تتمثل في ضيق الخيارات، فهي من جهة بين المحور الغربي (واشنطن والاتحاد الأوربي)، وبين المحور الشرقي (روسيا والصين)، وفي الوقت الذي يشترط المحور الغربي، عليها تقليص النفوذ الروسي، واختبار النموذج السوري في كل مستوياته، وبخاص مستواه الإيديولوجي، تحرص موسكو من خلال زيارة نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، على إبداء مرونة كبيرة، من أجل الحفاظ على امتيازاتها اقتصادية ووجودها العسكري بسوريا. أما الصين، فتبدو الأكثر مرونة، فهي مستعدة لتقديم دعمها لسوريا من غير شروط، فرؤية الصين، تراهن أكثر على المدى البعيد، وبالأخص على تطوير العلاقات بين البلدين في كل مستوياتها، وبالخص المستوى الاقتصادي والتجاري.

نقاط ضعف لا تمنع تحريك أوراق تفاوض مهمة

ومما يزيد من ضيق هذه الخيارات، أن سوريا الجديدة مرتبطة بشكل أو بآخر بتركيا، وهي بهذا الاعتبار، لا يمكن أن تؤسس لمفردات سياسية خارجية جديدة، بعيدا عن السياسة الخارجية التركية نفسها.

ومع أن نقاط ضعف كهذه، تكبل يد الخارجية السورية، وتعيق فاعليتها، فإن ذلك لا يمنع الإدارة السورية الجديدة من تحريك أوراق تفاوض عدة، بعضها أقوى من بعض بحسب الفاعل الدولي أو الإقليمي الذي تتفاعل معه.

سوريا الجديدة تحتاج الإبقاء على علاقة استراتيجية مع روسيا لاعتبارين اثنين، أولهما حتى تمارس لعبة التوازن مع المحور الغربي، والثانية، لأن روسيا ظلت تمثل الممون الأساسي للترسانة العسكرية السورية، مما يعني أن هناك حاجة إليها لصيانة هذه الترسانة وتقويتها، قبل أن يتقوى اقتصاد سوريا وتحدد وجهتها الجديدة لتلبية حاجتها من السلاح.فروسيا على سبيل المثال، والذي تصر أن ترسم وضعها النهائي مع سوريا الجديدة خلال هذا الأسبوع من خلال زيارة نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، حركت معها الإدارة الجديدة ورقتين ثقيلتين: الأولى، إلغاء عقد مع شركة روسية لإدارة وتشغيل ميناء طرطوس (غربي البلاد) تم توقيعه في عهد الرئيس بشار المطاح به بشار الأسد، والثانية، هو مطالبة روسيا برأس الأسد.

سوريا الجديدة تحتاج الإبقاء على علاقة استراتيجية مع روسيا لاعتبارين اثنين، أولهما حتى تمارس لعبة التوازن مع المحور الغربي، والثانية، لأن روسيا ظلت تمثل الممون الأساسي للترسانة العسكرية السورية، مما يعني أن هناك حاجة إليها لصيانة هذه الترسانة وتقويتها، قبل أن يتقوى اقتصاد سوريا وتحدد وجهتها الجديدة لتلبية حاجتها من السلاح.

سوريا الجديدة، عقدت بدون شك بعض أهداف واشنطن، خاصة ما يتعلق بأدوار قوات سوريا الديمقراطية، فالإدارة الجديدة، تبدو مصرة أكثر من أي وجه ومضى على خوض معركة حاسمة مع هذه القوات التي رفضت أن تلقي بسلاحها، وهي ورقة قوية أثبتت نجاعتها في التعاطي مع واشنطن، إذ لم يعد لواشنطن من ورقة لممارسة الضغط على سوريا،  فقد عزلت قوات سوريا الديمقراطية نفسها حين رفضت وحدها تسليم السلاح للإدارة الجديدة، واكتسب الإدارة الجديدة المبرر لمواجهتها باسم وحدة سوريا ووحدة الجهاز العسكري والأمني، وحق الدولة وحدها في احتكار السلاح.، ولعل هذا جزء مما يبرر عزم الإدارة الأمريكية في عهد ترامب سحب الآلاف من الجنود الأمريكيين بسوريا، فهي أضحت مقتنعة أو مصالحها يمكن أن ترعى بشكل أفضل عبر علاقة استراتيجية مع تركيا، وأن الاستثمار في ورقة قوات سوريا الديمقراطية، سيكون على الضد من أهدافها الاستراتيجية.

إسرائيل، فهمت الرسالة مبكرا، ولم تكتف بتحقق هدف تراجع النفوذ الإيراني في سوريا، وتوقف تدفق السلاح من سوريا لحزب الله، بل اتجهت إلى تعويض ورقتها المحترقة (قوات سوريا الديمقراطية) بالسيطرة على جبل الشيخ، واعتبار ذلك ضرورة استراتيجية لأمنها القومي، والإعلان أن وجودها بهذه المنطقة لن يكون مؤقتا بتاريخ محدد.

وإذا كانت هذه الخيارات التفاوضية متاحة، وضمن رؤية إدارة التوازن في العلاقات الخارجية بين محوري الغرب والشرق، فإن أكبر نقطة قوة تملكها سوريا الجديدة، هو علاقتها الاستراتيجية مع تركيا، والمستقبل المفتوح للعلاقة مع العراق، والدعم العربي لعودة سوريا موحدة وقوية إلى حضنها العربي. ما عدا ذلك، فإن الوقت يمثل جزءا أساسيا من الحل.

وبالمناسبة، فالوقت ليس فقط سلاحا بيد الغرب وحده، ولكنه قد يكون أيضا سلاحا سوريا، فسوريا الجديدة، بالتأكيد، لن تبقى مكتوفة اليد إزاء انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لمختلف الاتفاقات الدولية، فقد طالبت خلال استقبالها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان ليار لاكروا، القوات الإسرائيلية بالانسحاب من الأراضي التي توغلت إليها في جنوب البلاد،  كما نقلت وسائل الإعلام عن عدم التوصل لأي اتفاق بينها وبين روسيا، وأن القضية الوحيدة التي تم فيها التوصل إلى اتفاق هو إبقاء المجال مفتوحا للنقاش السياسي بين الطرفين، مما يعني بأن هناك وعيا سوريا مهما بأهمية الزمن، سواء في تفويت الفرصة على الأعداء، أو إعطاء  فرصة لبناء العلاقة مع الحلفاء، أو  البحث عن منطقة وسط، لبناء توازن الموقف المطلوب.

من الواضح أن الغرب يلعب بالوقت من أجل ربط العقوبات باستحقاقات غير ذات شرعية دولية، كما تلعب إسرائيل على الورقة نفسها لتبرير سيطرتها على أطراف من اراضي سورية بحجة  ضمان أمنها القومي،  لكن، في حالة إصرار سوريا الجديدة على حقها في رفع العقوبات، وعدم ربط ذلك بأي مشترطات خارج الشرعية الدولية، فإنه من غير الواضح إن كان الغرب سيبقى على نفس موقفه، خاصة وأن الغرب يتخوف من أن يتعمق ارتهان سوريا للمحور الشرقي، ولذلك، ربما كان من حكمة الإدارة السورية، إبطاء الحوار مع روسيا مع إصرار موسكو على حسم جميع الملفات مع الإدارة السورية، وذلك في رسالة موجهة للمحور الغربي، بأن التلكؤ في عدم رفع العقوبات، يمكن أن يضطر سوريا للذهاب في اتجاه يكون معاكسا تماما للتطلعات الغربية.

مقالات مشابهة

  • سوريا الجديدة.. نقاط الضعف وأوراق التفاوض.. في الطريق إلى الدولة
  • وثائق استخباراتية تكشف اللحظات الأخيرة لانهيار نظام الهارب بشار
  • الطغاة لا ينتصرون : هل اقتربت محاكمة بشار الاسد ونظامه ؟
  • أمير قطر يصل إلى دمشق في أول زيارة إلى سوريا عقب سقوط نظام الأسد
  • أمير قطر يصل سوريا.. أول زعيم عربي يزور دمشق بعد سقوط الأسد
  • سوريا تطالب بانسحاب إسرائيل من مناطق سيطرت عليها بعد سقوط بشار الأسد
  • تركيا تكشف حصيلة السوريين العائدين إلى بلادهم منذ سقوط نظام الأسد
  • سوريا.. الأمن العام يعتقل عناصر من نظام الأسد
  • أحمد الشرع يطلب من روسيا رسميًا تسليم بشار الأسد
  • ماذا حققت الحملات الأمنية ضد فلول نظام الأسد في حمص؟