ردًا على مقال فيصل محمد صالح حول حكومة السلام والوحدة: توضيح الحقائق
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
د. أحمد التجاني سيد أحمد
في مقاله الأسبوعي، تناول الأستاذ فيصل محمد صالح موضوع استعادة حكومة الثورة، التي تنادي بها قوى سياسية ومدنية وحركات الكفاح المسلح، إضافة إلى النقابات والمستقلين. طرحه أثار جدلًا واسعًا حول طبيعة هذه الدعوة ودوافعها. ومع الاحترام لمكانته كوزير إعلام سابق وكاتب صحفي مرموق، أجد من الضروري توضيح بعض المغالطات التي وردت في مقاله، خاصةً أن هذه الدعوة تهدف إلى استعادة مسار الثورة وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في السلام والحرية والعدالة.
أولاً: استعادة حكومة الثورة دعوة لوحدة السودان وليس للتقسيم
النداء لاستعادة حكومة الثورة لا يهدف إلى إنشاء حكومة جهوية أو انفصالية كما زعم البعض، بل هو دعوة لإعادة المسار المدني الديمقراطي. هذه الحكومة ستعمل على إسكات الأصوات الانفصالية واستعادة شعارات الثورة: **سلام، حرية، وعدالة**، بما يعزز وحدة السودان أرضًا وشعبًا.
ثانيًا: دعوة تشكيل الحكومة ليست مقتصرة على حركات الكفاح المسلح
الأستاذ فيصل ذكر أن دعوة الحكومة الحالية دعت لها حركات الكفاح المسلح فقط. هذا الوصف غير دقيق، إذ أن الدعوة جاءت كمبادرة وطنية شاملة تهدف إلى تجاوز الأزمة الراهنة، وتضم جميع الأطياف السودانية، بما في ذلك الحركات السياسية والمدنية والمستقلين.
ثالثًا: اتهام الداعين للحكومة بالسعي لتقسيم السودان
وصف التنظيمات السياسية والقوى المدنية وقوى الثورة التي تنادي بالحكومة بأنها تسعى لتقسيم السودان، اتهام غير منطقي ولا يستند إلى أدلة. بالعكس، المشروع يسعى إلى جمع شتات السودانيين. أما من يسعون حقًا للتقسيم، فهم من يروّجون لمشاريع مناطقية مثل “دولتي البحر والنهر” و”مثلث حمدي”، ومن قاموا بخطوات فعلية لتفتيت الوطن، مثل تغيير العملة وإقامة امتحانات مناطقية وحرمان السودانيين من حقوقهم.
رابعًا: توصيف قوات الدعم السريع
وصف الأستاذ فيصل قوات الدعم السريع بـ”الاحتلال” يعكس خطابًا مزدوجًا. الوثيقة الدستورية التي حددت الأدوار الأمنية وصفت قوات الدعم السريع كجزء من المنظومة النظامية. هذا التناقض يستدعي مراجعة المواقف بشكل يراعي الحقائق بعيدًا عن الأحكام الجزافية.
خامسًا: ضرب المدنيين بالطيران ودوره في تفتيت الوحدة الوطنية
من يسعى لتقسيم السودان هو من يلجأ إلى قصف المدنيين بالطيران، متسببًا في مآسٍ إنسانية وتعميق جراح الوطن. هذه التصرفات تدفع بعض الأقاليم لاتخاذ مواقف عدائية، لكنها ستفشل في تفتيت وحدة الشعب السوداني الذي يعي خطر هذه المؤامرات.
في الختام
إن حكومة السلام والوحدة ليست مجرد مشروع سياسي، بل هي دعوة صادقة لإعادة بناء السودان على أسس جديدة من السلام والعدالة والحرية. لنعمل جميعًا على تحقيق هذا الهدف النبيل، ولنضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار، فالوطن يتسع للجميع.
إن عدتم عدنا!
د. أحمد التجاني سيد أحمد
٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤، هلسنكي - فنلندا
ahmedsidahmed.contacts@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
جريمة الإفلات من العقاب في السودان
سنظل نوسم يوم الإثنين الثالث من يونيو/حزيران 2019، باليوم الشؤم لأنه في جنح ظلام ذلك اليوم، غزت جحافل تتار السودان ميدان القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية لتمزّق وتشوي أجساد الشباب المعتصمين سلميا، وهم نيام، أمام بوابات القيادة يحدوهم الأمل والعشم أن يحميهم جيشهم من بطش كتائب الموت، ولكنه لم يفعل. لم يكن الهدف الرئيس للغزو هو فض الاعتصام، فهذا كان يمكن أن يتحقق بدون إطلاق رصاصة واحدة، والمعتصمون كانوا عزّلا إلا من سلاح تصميمهم على إنتصار الثورة، وكان يمكن إعتقالهم جميعا فردا فرد، ما داموا نياما وعددهم قليل مقارنة بحجم وعدد وتسليح القوات الغازية. وبالنظر إلى عمليات القتل وإلقاء الجثث، والأحياء أيضا، في النيل وإطلاق الرصاص حتى على المحتمين بالمستشفيات القريبة من موقع الإعتصام، وبالنظر إلى أن هجمات فض وقمع الإعتصام تمت بالتزامن في كل مدن السودان التي إعتصم فيها الثوار، وليس في الخرطوم وحدها، وبالنظر إلى ما تبع المذبحة من عمليات إختطاف وقتل للقيادات من شباب لجان المقاومة في الأحياء، ومن فرض للأحكام العرفية وتحويل العاصمة إلى ثكنة عسكرية ترهب وتقمع، ومن قطع للإنترنت ومنع التجمعات والندوات والمؤتمرات الصحافية، حتى ولو كانت محصورة داخل الأندية والمقار، بالنظر إلى كل هذه الوقائع، فإن الهدف الرئيس من الغزوة، حسب إعتقادنا، لم يكن فض الإعتصام وحسب، وإنما كان محاولة لقتل أي أمل في التغيير عبر سفك دماء أكبر عدد من الشباب المنهمك بهمة وجدية وحيوية في التخطيط لبناء الغد الواعد في بلادنا. كانت المجزرة إنتقاما وتمهيدا لإنقلاب آخر مضاد على الثورة المجيدة، إستهان مخططوه ومنفذوه بشعب السودان العظيم الذي هزم الإنقلاب بعد ثلاثة أسابيع في 30 يونيو/حزيران 2019. يومها كتبنا: لا توصيف لمذبحة فض الإعتصام سوى أنها جريمة قتل عمد مكتملة الأركان، يجب ألا نسمح بإفلات من خطط لها أو نفذها من العقاب وفق أحكام القانون والعدالة. ومن هنا كان دعمنا للجنة التحقيق المُكَلفة من قبل رئيس الوزراء، المعروفة بلجنة نبيل أديب، لكشف أسرار تلك الجريمة النكراء. وفي مواجهة من وصفوا تحرك اللجنة بالسلحفائية، طالبنا بالصبر عليها وعدم التشويش على عملها، وأن ينتظروا تقريرها النهائي، تمسكا بالقانون.
أحد الأضلع الثلاثة لشعار ثورة السودان العظيمة هو العدالة، وفي جوهرها القاعدة القانونية الذهبية المتمثلة في مبدأ عدم الإفلات من العقاب. ونعني بالإفلات من العقاب تلك الحالات التي لا يتم فيها محاسبة الأفراد أو الجماعات على أفعالهم غير القانونية أو غير الأخلاقية، وهي تحدث لعدة أسباب منها: ضعف أو فساد النظام القضائي وأجهزة إنفاذ القانون، امتلاك الأفراد أو الجماعات نفوذاً سياسياً أو مالياً يحميهم من المحاسبة، التحيز في تطبيق القانون لصالح فئة معينة على حساب أخرى، الافتقار إلى الإرادة السياسية وعدم رغبة السلطات في ملاحقة بعض الجرائم لأسباب سياسية أو اجتماعية…، وغير ذلك من الأسباب. وكان ثوار حراك ديسمبر/كانون الأول 2018 في السودان، يشددون على تمسكهم بهذا المبدأ ويحذرون من التحايل والإلتفاف عليه، قياسا على تجاربنا السياسية السابقة، إذ كثيرا ما كان يتم خرقه أو تجاهله، فلا يقدم إلى العدالة سوى حفنة من الذين إرتكبوا جرائم وهم في سدة الحكم، أو يتم التراجع عن المبدأ من خلال التفاوض وغض النظر عن المسؤولية الجنائية والعدالة في مقابل الوصول إلى حل سياسي للأوضاع المتأزمة غداة التغيرات الكبرى، ووفق شعارات تدعي الحكمة والعقلانية كشعار «عفا الله عما سلف» الخادع لظاهرة الإفلات من العقاب، وشعار المصالحة الوطنية الذي يتغاضى عن المساءلة والمحاسبة، في حين أن أي مصالحة وطنية حقيقية تبدأ بتقديم كل من إرتكب جرما في حق الوطن والمواطن إلى العدالة. فالقانون «مثل الموت…، لا يستثني أحدا» كما قال صاحب نظرية الفصل بين السلطات، القاضي والفيلسوف الفرنسي شارل لوي دي سيكوند المعروف باسم مونتيسكيو (1689 ـ 1755).
الكثير يمكن أن يقال نقدا ورفضا لما أسمته حكومة بورتسودان التعديلات على الوثيقة الدستورية، من عدم شرعية هذه التعديلات إلى أنها تكريس لنظام ديكتاتوري جديد في البلاد. ولكني أراها إرتكبت جريمة لا تغتفر بإلغاءها للبند 16 من المادة 8 والخاص باللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في جريمة مذبحة فض إعتصام ميدان القيادة العامة. فهذا الإلغاء في نظري يعني السماح لمرتكبي المجزرة بالإفلات من المحاسبة، مما يزيد الشكوك حول من إرتكب تلك المجزرة ويعمق من عدم الثقة التي هي أصلا مفقودة. وكنا في مقالنا السابق، في معرض مناقشتنا لخطوة تكوين الحكومة الموازية، قد أشرنا إلى أن وجود حكومتين في البلد سيضعف من فرص تحقيق العدالة في البلد، خاصة بالنسبة إلى الجرائم والإنتهاكات الفظيعة التي ارتكبت اثناء الحرب ضد البشر وضد الأعيان المدنية، ويمكّن الإفلات من العقاب على هذه الجرائم، وكل ذلك يصب في إستمرار الحلقة الشريرة في البلد.
أعتقد أن لأرواح شهداء مجزرة فض الإعتصام وأسرهم حقاً على لجنة التحقيق، لجنة الأستاذ نبيل أديب، لتوضيح موقف اللجنة ومصيرها على ضوء هذه التعديلات، خاصة وأن اللجنة قطعت شوطا طويلا في إنجاز مهامها. وفي هذا السياق، فليسمح لنا الأستاذ نبيل بأن نقترح عليه إصدار بيان مفصل حول ما قامت به اللجنة وأثر تعديلات الوثيقة الدستورية على وجودها ونشاطها، لأن الصمت سيعطي فرصة لدمغ اللجنة ورئيسها بتهمة التَّوَاطُؤ.ِ
أخيرا، إذا كانت روح الشهيد لا تعبأ بمتى تنجح الثورة، لأنها تحررت من حساب الزمن، فالباقون معنيون بالحفاظ على الأرواح والعيش الكريم وتحقيق أحلام الشهداء، وهذا يستوجب عملا ملموسا لإنجاز مهام الثورة، يبدأ بمعاقبة من إرتكبوا تلك المجزرة بحق أنضر الشباب في بلادي، والذين كان حبهم الأول ضمان الحياة الكريمة للآخرين.
نقلا عن القدس العربي