فيصل محمد صالح
هناك شواهد وأدلة كثيرة ومتعددة على أن الدولة السودانية تسير في طريق التقسيم، توقف الناس عند الخطوة الأخيرة لمجموعة من الحركات المسلحة بإعلان حكومة في الأراضي التي تقع تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، بوصفها أكبر الإشارات للتقسيم، لكن هناك شواهد وإشارات أخرى خرجت من الطرفين تسير في الاتجاه نفسه.
كانت أولى الخطوات التي قرعت جرس الإنذار لخطر التقسيم هي سيادة الخطاب العنصري والجهوي لطرفي القتال، حيث حدد كل طرف أن هناك مناطق ومجموعات تشكل حاضنة اجتماعية للطرف الآخر، واعتبرها بالتالي هدفاً مشروعاً للاستهداف والقصف والقتل والترويع.
تمتلئ صفحات السوشيال ميديا التابعة والمؤيدة لـ«قوات الدعم السريع» برسائل وتهديدات لسكان وسط وشمال السودان عموماً، مع تحديد مجموعات بعينها في بعض الأحيان، بوصفهم هدفاً مشروعاً للحرب والقصف بوصفهم مسؤولين عن المظالم التاريخية للمناطق الموصوفة بـ«التهميش»، وبوصفهم يشكلون القوة الضاربة للجيش والمجموعات المسلحة المتحالفة معه. في المقابل فإن تصنيف مناطق ومجموعات قبلية بعينها بوصفها المكون الاجتماعي لمقاتلي «الدعم السريع» يتكرر يومياً حتى على لسان شخصيات مؤثرة في المعسكر المؤيد للجيش، وأحياناً على لسان عسكريين. وأسوأ ما في هذا الاتجاه، من الجانبين، أنه يسوغ لطرفي الحرب استهداف المدنيين وقصفهم سواء بالمسيَّرات والمدافع البعيدة المدى أو بالطيران، بل تقابل صور جثث المدنيين ضحايا القصف العشوائي أحياناً بالسخرية وإطلاق التسميات التي تجردهم من الإنسانية، وتتعامل معهم بوصفهم مجرد كوم لحم.
ثم تبعت ذلك خطوات عملية على الأرض وسياسات وممارسات تعتمد الفرز القبلي والجهوي لتصنيف الأعداء المحتملين، مثل تصنيف «الوجوه الغريبة» الذي اعتمدته بعض الولايات.
ثم جاءت عملية تغيير العملة التي لم يستطع أي مسؤول أن يشرح جدواها الاقتصادية أو السياسية. فقد قررت الحكومة، التي تتخذ من بورتسودان عاصمةً لها، تغيير العملة السودانية، وبسبب الحالة الأمنية، وتعذر الحركة بين المناطق المختلفة فتتم عملية التغيير في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش، وبشرط إيداع المبالغ الكبيرة في حساب بنكي، في حين خرجت منطقة تجارية كبيرة وذات ثقل سكاني كبير مثل إقليم دارفور، بجانب الإقليم الأوسط وبعض مناطق كردفان والعاصمة الخرطوم من هذه العملية، ولا تزال العملة القديمة سارية فيها. خلق هذا الأمر صعوبات عملية في إيصال البضائع والمؤن لسكان هذه المناطق، وفيهم منتجون وتجار، تم إخراجهم بيد الدولة من دائرة الفعل الاقتصادي، ومعاقبتهم على بقائهم في مواقعهم التي تحتلها «قوات الدعم السريع».
ثم جاءت امتحانات الشهادة الثانوية التي تعقد أيضاً في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش، بينما يواجه مئات الآلاف من الطلاب في المناطق الأخرى مصيراً مجهولاً. حسب المعلومات فإن «قوات الدعم السريع» منعت بعض مجموعات الطلاب من التحرك لمراكز الامتحانات، بينما وقفت صعوبات عملية في مواجهة مجموعات أخرى، بجانب التخوفات الأمنية من التصنيف الذي تعتمده المجموعات الأمنية المتعددة العاملة في صفوف قوات الجيش وحلفائها.
هاتان الخطوتان قسَّمتا البلاد اقتصادياً وتعليمياً، مثلما تم تقسيم المكونات الاجتماعية والإثنية إلى موالين ومعادين. فإذا قرأتها مع ما كتبنا عنه أكثر من مرة، وهو خطوة إعلان بعض الحركات المتحالفة مع «الدعم السريع» لحكومة في الأراضي التي تقع خارج سيطرة الجيش، فسيقود هذا الأمر لوجود حكومتين في منطقتين منفصلتين جغرافياً وعسكرياً وإدارياً واقتصادياً وتعليمياً.
الحكومة الجديدة، حال تشكيلها، سيكون عليها اعتماد عملة، وغالباً لن تكون العملة الجديدة السارية في مناطق سيطرة الجيش، وإنما العملة القديمة الموجودة في أيادي الناس، ثم عليها حل مشكلة الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة.
الناظرون للأمر من الخارج، من غير السودانيين طبعاً، قد يستغربون لهذا الواقع، ويظنون أنه، رغم الحرب، كان يمكن تدبير جمع الطلاب في مراكز امتحانات في مناطق محايدة تحت إشراف الصليب الأحمر الدولي مثلاً، أو تيسير تحرك المواطنين والسماح بعبور العملة الجديدة بين المناطق المختلفة، وفي العالم تجارب شبيهة. هذا تفكير منطقي، لكنه لا ينطبق، مع الأسف، على الواقع السوداني. هذه حرب دون أي سقف إنساني أو أخلاقي أو ديني أو قانوني، المواطن فيها أحد الأسلحة التي يستخدمها طرفا الحرب ضد بعضهما بعضاً، ومصلحته آخر ما يفكران فيه. هذه حرب لا يمكن وصفها بغير «القذارة»، يفرح طرف أن يتعرض المواطنون للقتل والتعذيب والقصف، ليسجل نقاطاً على الطرف الآخر، ويعلو صوته في العالم مطالباً بالإدانة، ثم لا يهمه من أمر المواطن شيئاً
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع سیطرة الجیش التی تقع
إقرأ أيضاً:
لا توجد أي منطقة في السودان يمكن أن توصف بأنها تحت سيطرة مليشيات الجنجويد
*أهلي في الضعين، لكم الله! قالوا تشكيل حكومة! يقولون!*
*الفوضى ليست صدفة؛ والجنجويد يصنعون الفوضى*
*محمد جلال أحمد هاشم*
28 ديسمبر 2024م
لفيف من النخب الأغبياء، تجار السياسة والحروب، زعموا أنهم ينوون تشكيل حكومة في مناطق سيطرة مليشيات الجنجويد المجرمة. أوكي! هكذا يقولون!
★★★
أولا، هذا يعني أنه، عملياً حتى الآن، لا توجد أي حالة من حالات نظامية الدولة Order of State في هذه المناطق التي يُزعم بأنها تحت سيطرة مليشيات الجنجويد المجرمة. ما يعني أنها مناطق محكومة بالفوضى وانعدام القانون وبالتالي انعدام الأمن العام والخاص.
★★★
ثانيا، لماذا الآن؟ لماذا لم يحدث هذا منذ لحظة تحقق هذه السيطرة المزعومة؟ الحقيقة الماثلة للعيان والتي عايشناها جميعا هي أنه لا توجد أي منطقة في السودان يمكن أن توصف بأنها تحت سيطرة مليشيات الجنجويد المجرمة.
★★★
ثالثا، التوصيف الحقيقي للوضع في السودان الآن هو على النحو التالي: هناك مناطق لا تزال تتمتع بحالة نظامية الدولة Order of State ويسود فيها حكم القانون وتتواجد بها مختلف مؤسسات الدولة الرسمية وكذلك المؤسسات الاجتماعية والثقافية والسياسية غير الرسمية وتعمل كلها بطريقة روتينية برغم حالة الحرب. ثم هناك مناطق فقدت ميزة التمتع بحالة نظامية الدولة حيث تم استبدالها بحالة لانظامية اللادولة Disorder of Statelessness، ذلك بسبب تواجد مليشيات الجنجويد المجرمة التي ليس فقط لا تعرف كيف تعيش في ظل نظامية الدولة، بل تعمل بحكم طبيعتها على تسييل كل ملامح نظامية الدولة، وبالتالي تسود الفوضى ويغيب أي شكل روتيني لنظامية الدولة وحكم القانون.
★★★
رابعا، بالنسبة للحالمين (لكن ليس الأغبياء والمواهيم) الذين يحلمون بتشكيل حكومة فيما يزعمون أنها مناطق سيطرة مليشيات الجنجويد المجرمة، نقول لهم إنه ليس فقط لا توجد مناطق في أي بقعة في العالم بهذا التوصيف، بل الحقيقة التي يعرفها حتى الأطفال الآن هي أنه أينما وُجدت مليشيات الجنجويد المجرمة غابت كل معالم نظامية الدولة وبالتالي، ليس فقط لا توجد حكومة، بل يستحيل وجود حكومة مع وجود مليشيات الجنجويد المجرمة.
★★★
لقد ظللنا نصف الكيزان بالغباء منذ حسن البنا إلى حسن الترابي إلى ود حسن البشير! وقد تجلى غباؤهم هذا بما لا يمكن حصره، لكن أكثره وضوحا هو تخلفهم عن ركب البشرية بأربعة قرون (على أقل تقدير) حيث إنهم، على شدة طلبهم للسلطة والحكم، عجزوا عن أن يستوعبوا أحد أخطر منجزات البشرية فيما يتعلق بالدولة والحكم، ألا وهو مؤسسة الدولة الوطنية الحديثة وفق الشروط الويستفالية التي تبلورت بعد التوقيع على اتفاقية سلام ويستفاليا عام 1648م. وليثبتوا غباءهم هذا، بعد أن سيطروا على مؤسسة الدولة الوطنية بانقلاب عسكري، أنهم أرادوا أن يصنعوا من الفسيخ شربات، ذلك باستبدال مؤسسات ممارسة العنف الشرعي في الدولة الوطنية الحديثة (الجيش، الشرطة، والأمن) المليشيات. فكان أن اصطنعوا لأنفسهم مليشيات “الدفاع الشعبي” ثم “الشرطة الشعبية” وكذلك “الأمن الشعبي”، فتصوروا!
★★★
وليتهم، الكيزان، اكتفوا بهذه الدرجة من الغباء، لكنهم أرادوا، كما هو العهد بهم، أن يثبتوا للشعب وللتاريخ أنهم فعلا يفوقون سوء الظن العريض. فقد انتهى بهم الأمر من حيث تخلفهم عن ركب البشرية ومن حيث عدم إيمانهم بمؤسسة الدولة الوطنية الحديثة وفق الشروط الويستفالية أن اصطنعوا لأنفسهم المليشيات التي يمثل محض وجودها على الأرض نفياً لمؤسسة الدولة الوطنية الحديثة وفق الشروط الويستفالية وتسييلاً لها، ألا وهي مليشيات الجنجويد المجرمة. لا غرو أن ما نابنا من ذلك، نحن الشعب السوداني، هو حصدُ الشباب: هذه الحرب!
★★★
وبعد؛ لقد ذهب الكيزان (بوصفهم ذلك التنظيم المركزي الذي نفذ انقلاب يونيو 1989م) إلى مزبلة التاريخ ولن يعودون، ولم يبق منهم شيء سوى التركة المثقلة لما خرّبوه، بجانب فوبيا تملأ قلوب الذين ورثوا جائحة الغباء من الكيزان. هؤلاء هم الكيزان الجدد من جنجويد وقحّاتة وتقدميين متأخرين ونَخَر وبَخَر وهلمّ جرّا (والخاء مقصودة). لا غرو أنهم جميعا قد التقوا والتقت كلمتهم كما اجتمع التعيس مع خايب الرجا.
★★★
هؤلاء الكيزان الجدد ليس فقط يعملون بكل ما أوتوا من قوة غاشمة يا طالما عُرف بها الأغبياء لإثبات أنهم فعلا ورثةُ الكيزان، بل ها هم يتفوّقون على الكيزان الأُوَل في التنكيل بالشعب والبطش به باستخدام آخر ما أنتجه الكيزان الأُوَل من مليشيات الجنجويد المجرمة.
★★★
لاااااااا! وكمان إيه؟ إمعانا منهم في الغباء، شوفوهم كيف دايرين يصنعوا من الفسيخ شربات! قالوا إيه؟ دايرين يعملوا حكومة في مناطق سيطرة مليشيات الجنجويد؟ يا أولاد يا عباقرة! معقولة! كدا بسحروكم عدييييييييل (لله درُّك يا عبدالله لرشاقة التعبير)! هوووووي يا أغبياء، خلوكم من الخرطوم! خلوكم من الجزيرة وشرق الجزيرة! خلوكم من النيل الأبيض شرقا وغربا! خلوكم من الجنينة وزالنجي ونيالا! خلوكم من أم روابة …. إلخ. خلووووووكم من دا كووووولو! كدي بالأول اضبطوا لينا الضعين المنكوبة دي وبعدين ورّونا فلاحتكم!
★★★
هذا الفيديو لا يثبت فقط ما ظللنا نقوله ونردده عن طبيعة هذه الحرب وكيف أنها ما بين حالة نظامية الدولة Order of State وما بين حالة لانظامية اللادولة Disorder of Statelessness، بل أكثر من ذلك يثبت أن طبيعة الاجتماع البشري (فيما قاله ابن خلدون منذ قرون) لا تتصالح مع الفوضى! والفوضى ليست صدفة؛ والجنجويد يصنعون الفوضى! (مع الاعتذار لناس لولي، صناع الجودة).
★★★
هذا ما قلناه وظللنا نردده عن مليشيات الجنجويد المجرمة حتى من قبل نشوب الحرب بسنوات، ولكن الأغبياء لا يعقلون.
*MJH*
28 ديسمبر 2024م