نأسف علمنا الحبيب هذه المرة عزت السارية فأين ترفرف والدور كما تري صارت اطلالا !!..
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
نود أن نتقدم لأهلنا جميعا في النزوح واللجوء في المخيمات والاحراش والصحاري وما وراء البحار والمحيطات وفي الشتات والمجاعة والوباييات وفرار التعليم من الشباك والصحة وقد خرجت ولم تعد حتي الآن والجثث مازالت بالشارع العام وفي البنايات تنتظر الستر بما يليق ولكن الدانات صوتها عال واذانها صماء لا تسمع أنين الضحايا وهم تحت الركام .
حولها غربان الشؤم وتتناوشها الضباع وأبناء أوي والحيات الرقطاء والجرزان والجراد الصحراوي !!..
رغم مرارة الحلق وفداحة المصيبة لما حل بوطننا العزيز نقول كل عام وانتم بخير وعلي خير وربنا يعظم الاجر ويلهمنا الصبر والسلوان علي مصيبتنا في بلدنا الحبيب !!..
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ليس دفاعا عن الكيزان … ولكن احقاقا للحق وكشفاً للزيف *
بسم الله الرحمن الرحيم
أ.د. احمد محمد احمد الجلي
مقدمة: تحت مقاله بعنوان: "الكوز شهوة السلطة وسطوة الإستبداد الشرقي" المنشور على صفحات سودانايل : 26 November, 2024، يستمر طاهر عمر - المسكون بفوبيا الكيزان،وعقدة الدونية والاستصغار،وشعور المهانة امام الغرب - في تكرار اسطوانته المشروخة حول الكيزان ،والاعجاب بالغرب واحتقاره لكل ما هو اسلامي،وللنخب السودانية ،و دعوة الجميع الى اقتفاء اثر الغرب ،إن أرادوا النهضة !!! .
وملخص مقالته المشار اليها ،يدور حول القضايا التالية :1- الاستبداد الشرقي وما نتج عنه من نظم استبدادية،في الصين والهند واليابان ، 2-شهادات بعض الغربيين كمنتسكيو وماكس فيبر، لاثبات الاستبداد في الحضارة الاسلامية وتخلفها، ووصف ماكس فايبر المسلمين، بأنهم يسعون لشهوة السلطة و روح الإستبداد .3- استشهاد الكاتب بآراء طه حسين حول العقلية الشرقية ،والإستبداد الشرقي في مصر 4- ماكس فيبر وأخلاق العمل البروتستانتية،وقوله بغياب الطهرانية عن المسلمين. 5- تطابق أفكار الدكتور الترابي مع ماكس فيبر في وصفه لشهوة السلطة و روح الإستبداد عند الكيزان،وعدم دلالة ذلك على أن الترابي كان محب للحرية والعقلانية.6- وصف الحرب الدائرة في السودان، بانها حرب عبثية، قام بها الكيزان والدعم السريع، نتيجة لافكار الترابي الاستبدادية. .7- ايران تحت ولاية الفقية نموذج للاستبداد الشرقي ، وعقلها عقل تقليدي لا يقارن بعقل اسرائيل المتقدم.8-تحذير الكيزان من مصير حزب الله وحركة حماس ، وتلاشيهم كما تلاشت حماس و تلاشى قبلها حزب الله أسرع من لمح البصر!!!
وفيما يلي سنحاول التعليق على كل من هذه النقاط ، وبيان تهافت الحجج التي أوردها الكاتب ،وضعف الأدلة التي استند عليها، وخطأ الأحكام التي انتهى اليها:
1-الإستبداد الشرقي وما نتج عنه من نظم استبدادية،في الصين والهند واليابان:
• -في تناوله للإستبداد الشرقي، استند الكاتب الى اراء ارسطو، التي قابل فيها بين الإستبداد الشرقي، والعقل الشرقي الذي تسلسلت عنه نظم استبداية ، والعقل الأغريقي الذي ينشد الحرية والديمقراطية.و نمت عنه نظم قادت الى العقل الإغريقي ،الذي مر في تطوره بحقبة القوانيين الرومانية و المسيحية في روما، ثم أعقبها الإصلاح الديني و عقل الأنوار، ثم أتي فلاسفة ما بعد الحداثة بالتفكيك، ثم عاد العقل الغربي من جديد بعد فشل فلاسفة ما بعد الحداثة الى ألق عقل الأنوار و أفكار الحداثة. فوفقا لرأي ارسطو-كما ساقه الكاتب- أن شعوب آسيا معتادة على الخضوع للحكام الأقوياء والمطلقين، بعكس الإغريق الذين فضّلوا النظم القائمة على المشاركة السياسية (الديمقراطية). وأن هذا ناتج عن "طبيعة" تلك الشعوب وظروفهم البيئية والاجتماعية، مما جعلهم أقل ميلاً للحرية وأكثر قبولًا للسلطة المطلقة".
• فرؤية أرسطو، التي رسم منها الكاتب صورة للامم الشرقية، تُعَدّ انعكاسًا لمحدودية معرفة ارسطو بثقافات الشرق، وعدم فهمه العميق لها. كما أنها تعبر عن تحيزات مركزية ثقافية يونانية كانت تصف الآخرين بصفات سلبية لتبرير تفوق اليونان.وبالتالي، فإن رأي أرسطو يعكس تصورات عصره ،ولا يمكن اعتباره تحليلاً موضوعيًا أو دقيقًا للثقافات الآسيوية أو طبيعة الأنظمة السياسية فيها. فآسيا ليست كتلة متجانسة،فهناك الهند، التي لديها تقاليد ديمقراطية عريقة مرتبطة بالثقافة الهندوسية والبوذية،التي تُعزز النقاش والتعددية.،وهناك اليابان التي شهدت توازناً بين قيمها الثقافية والنظم الديمقراطية، مع الاحتفاظ ببعض التقاليد السلطوية في الإدارة.كما أن غالبية الدول الآسيوية تعرضت للاستعمار، مما أثر على نظم حكمها . فالإستبداد في بعض هذه الدول كان نتاج أنظمة الحكم الإستعمارية ،التي ألغت التقاليد المحلية وفرضت نماذج سلطوية.كما ان ظهور الإستبداد في بعض الدول الآسيوية قد يكون مرتبطاً بمراحل التنمية الإقتصادية والإجتماعية أكثر من ارتباطه بالثقافة. وفي حالات كثيرة، كانت النظم الإستبدادية نتيجة لظروف سياسية مضطربة وليس فقط وليدة ثقافة بعينها.واخيرأ فإن الثقافة ليست العامل الوحيد في ظهور الإستبداد، بل هي جزء من شبكة معقدة تشمل الإقتصاد، والسياسة، والتاريخ، والجغرافيا. ومن ثم فإن الحكم على ثقافة بأكملها بأنها تساهم في إنتاج الإستبداد يتجاهل تنوع التجارب الآسيوية، والدور الذي لعبته قوى خارجية في تشكيل نظم الحكم.
• 2- شهادات بعض الغربيين أن الإستبداد كامن في الحضارة العربية الإسلامية التقليدية.
اما بالنسبة للحضارة الإسلامية العربية ،التي يحملها الكاتب وزر تعويق النهضة العربية المعاصرة، ويدرجها ضمن النظم الشرقية الإستبدادية ،فقد ساق -الكاتب-لإثبات ارائه السالبة حولها،آراء بعض فلاسفة الغرب من بينهم الفيلسوف الفرنسى:شارل منتسكيو( 1689-1755م)، أحد فلاسفه عصر التنوير ،الذي يفتخر بعقلانية الحضارة الغربية و الأخلاق التي تجعل تطور الفكر الغربي منفتح على الحرية و الإبتعاد عن الإستبداد. وقد اعتمد مونتسكيو في تكوين تلك الاراء عن الحضارة الإسلامية،على مصادر محدودة، وبعض ملاحظات رحالة أوروبيين، ومن ثم جاءت آراؤه عن "استبداد الشرق"،وعن الحضارة الإسلامية، متأثرة بالتحيزات الثقافية والإستشراقية التي كانت شائعة في عصره،ومن ثم استبعدها كثير من الدارسين لتاريخ الحضارات وتطورها.. لكنّ تفسيره للإستبداد الشرقي أصبح تدريجياً بمثابة حكم تاريخي مبرم على طبيعة المجتمعات «الشرقية» لأجيال من مؤلفي الكتب والدارسين ورواد الرحلات في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر . إنّ الرسالة الحضارية الغربية المعلنة رفعت شعاراتٍ متّصلة بنشر قيم التمدّن والحداثة والديمقراطية ومحاربة الأنظمة الإستبدادية،وقد استقرّ في ذلك الوعي ربط جدلي بين الإستبداد والتخلف من جهة، والإسلام والشرق لمفهوم المواطنة في الفلسفة الأرسطية والآداب البيزنطية.
إنّ الإستبداد ليس قدراً مقدّراً توصف به شعوب دون شعوب، ومنطقة دون منطقة، وعِرق دون عرق، فالإستبداد لا يكمن فقط بالشرق، كما يقول أرسطو، كما أنه ليس قدراً للشرق يصعب الفكاك منه كما يقول مونتسكيو، فالأمة التي لا يشعر بعضها أو أكثرها بالإستبداد لا تستحق الحرية، كما يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد". لذا، إذا أرادت الأمّة الحرية، عليها نبذ الإستبداد بكل أصنافه، وهذا الطريق الوحيد إلى نهضة الأمم بعيداً عن المقولات والتنظيرات الغربية عن الإستبداد.فهذه الرؤية المعممة عن الشرق محض خيال ومواقف مسبقة، تم تسويقها لإضفاء الشرعية بشكل أو بآخر على التوسع الإمبريالي الأوروبي وتبرير جرائمه، وأن حضارات العالم الإسلامي كانت مشعة ومضيئة واساساً للتقدم الذي انتقل إلى أوروبا وانتشلها من الظلام.وكما تقول الكاتبة مارينا راستو " لقد حان الوقت لكي نضع الصورة الكاريكاتورية المتخيّلة عن «الإستبداد الشرقي» جانباً، ونشرع في قراءة جديدة جادّة للتاريخ الإجتماعي والإقتصادي والسياسي للعصور الوسطى كمرحلة لا يجوز إسقاطها من تاريخ تطوّر الحضارة البشريّة لمجرّد أن السادة الأوروبيين كانوا وقتها يعيشون في عهود تفسخ وظلام وبربرية. فهنا، في الشرق، كما أرتنا راستو، كانت لنا دول وحضارة عظيمة فيما قبل الحداثة الأوروبيّة، ومساهمتنا تاريخياً في بناء العالم المعاصر ليست هامشيّة، ولا عابرة بأي شكل من الأشكال." الأرشيف المفقود: آثار دولة الخلافة في كنيس القاهرةThe Lost Archive: Traces of a Caliphate in a Cairo ،Synagogue ،ا : مارينا راستو ، الناشر: مطبعة جامعة برينستون".
• أما آراء ماكس فيبر (1864–1920م )، حول الحضارة الإسلامية فقد كانت مثيرة للجدل في أوساط الدراسات الأكاديمية، خصوصًا عند مقارنة الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية. اذ لم يأخذ فيبر بعين الاعتبار الفارق الزمني بين الحضارتين وهي نقطة مهمة. فالحضارة الإسلامية بدأت في القرن السابع الميلادي وازدهرت في العصور الوسطى،بينما النهضة الأوروبية جاءت بعد عدة قرون.فمقارنة فيبر بين منظومات حضارية في مراحل زمنية مختلفة، أدى إلى تجاهله الظروف التاريخية التي نشأت فيها الحضارة الإسلامية التي كانت متقدمة علمياً وفكرياً مقارنة بأوروبا في العصور الوسطى.كما يرى بعض الدارسين أن فيبر أغفل الجوانب الإقتصادية واٌجتماعية المهمة في الإسلام، مثل نظام الوقف الذي ساهم في تعزيز التكافل الإجتماعي، وابرز دور التجارة الإسلامية في تشكيل الإقتصاد آنذاك.. فالإسلام كديانة وحضارة تطور في بيئات مختلفة عن البيئة الأوروبية المسيحية، ومن ثم فإن المقارنة بينهما غير عادلة. كما أن فيبر ،اعتمد بشكل كبير على الدراسات الإستشراقية السائدة في عصره، مثل أعمال كارل بيكر وغيره ممن كتبوا عن الإسلام من منظور غربي متحيز في تفسيرهم للحضارة الإسلامية.. وأغفل الأدوار التي لعبتها الحضارة الإسلامية في الإقتصاد العالمي في القرون الوسطى، مثل تطوير التجارة والعلوم،كما ذكرنا من قبل.
فالكاتب اذن ،تجاهل أن آراء اولئك الغربيين الذين اعتمد على تقييمهم للحضارة الإسلامية، مطعون فيها ،ومتحيزة للحضارة الغربية،فهم يستقون اراءهم من مصادر عدائية ،كالمستشرقين، والرحالة الغربيين،وكلاهما متأثر بالصراع التاريخي بين الشرق والغرب. ويكفي الإشارة الى ما ورد في كتاب فيبر:" الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية" ،من إفتخار و إعتزاز بأن الحضارة الغربية، قد أنجزت ما عجزت عنه الحضارات التقليدية كالحضارة العربية الإسلامية التقليدية، والحضارة الهندية التقليدية والحضارة الصينية التقليدية،الأمر الذي يكشف عن تحيز ماكس فيبر للحضارة الغربية تجاه الحضارات الأخرى.
وعلى كل فان الحضارة الإسلامية لا تحتاج الى شهادة براءة من ماكس فيبر او غيره من الدارسين المتعصبين للتراث اليوناني، والديانة المسيحية ،والحضارة الغربية ،ويكفي ان نستعرض ما تميزت به الحضارة الإسلامية من خصائص،حتى يتبين للقارئء قيمتها واثرها فيما اعقبها من حضارات،وتميزها على غيرها من الحضارات. فقد تميزت الحضارة الإسلامية بأنَّها حضارة إنسانية أهتمت بالإنسان وبالتراث الإنساني أخذاً وعطاءً. فقد أعلن القرآن وحدة النوع الإنساني بقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " الحجرات:13، وجعل هذه الوحدة الرابط بين الشعوب على صعيد الحق والخير،وجاءت هذه الحضارة متوافقة مع هذا التوجه ، فقد انتظمت في حضارة الإسلام جميع الشعوب والأمم التي خفقت فوقها راية الفتوحات الإسلامية ، وقدم عباقرة هذه الشعوب إسهامات كبيرة في بناء صرح هذه الحضارة التي قدمت للإنسانية أروع ما انتجه الفكر الإنساني السليم.ومن ثم فإن الحضارة الإسلامية شارك في صياغتها علماء من معظم الأجناس والشعوب،المعروفة آنذاك، كما ان علماء المسلمين لم يحتكروا ما توصلوا إليه من علوم ومعارف، و لم يبخلوا حتى على أعدائهم بعلم أو يضنوا عليهم بمعرفة.كما تميزت الحضارة الإسلامية عن غيرها بقيمها ومبادئها الأخلاقية ، ويظهر ذلك في كل نظمها ومختلف ميادين نشاطها ، ومن أبرز تلك القيم قيمة العدل التي صبغت معاملة المسلمين لغيرهم خلال التاريخ.،وأصبح العدل سمة من السمات المميزة للحضارة الإسلامية. ففي الحكم ، وفي العلم ، وفي التشريع ، وفي الحرب ، وفي السلم ، وفي الاقتصاد ، وفي الأسرة ، روعيت المبادئ الأخلاقية تشريعاً وتطبيقاً ، وبلغت في ذلك شأواً بعيداً لم تبلغه حضارة في القديم والحديث .وفوق هذا كله فقد تميزت الحضارة الإسلامية بانها حضارة عالمية مفتوحة ، تقوم على نظرة الإسلام إلى الحضارات الإنسانية نظرة تقدير واحترام،وأنها تمثل جهداً بشرياً على المسلم أن يستفيد مما فيه من خير ونفع.لذلك مثلت الحضارات، التي التقى بها المسلمون في فتوحاتهم، منبعاً ثراً أخذ منه المسلمون ما شاءوا وما احتاجوا اليه. وفتح العرب أبوابهم على اتساعها لاستيعاب معظم معارف عصرهم وثقافات الأمم آنذاك.ونتيجة لذلك ضمت الحضارة الإسلامية بين جوانبها كل ما أنتجه البشر باعتبار أنَّه من الحكمة، التي هي ضالة المؤمن ، وهو أحق بها أنى وجدها ،وفضلا عن ذلك ،فقد طور العرب تلك المعارف الإنسانية، وأضافوا إليها وابتكروا وأبدعوا في كثير من مجالات المعرفة والعلم. ،بل أصبح التراث الإسلامي متاحاً أمام الجميع ينهلون منه ما شاءوا.مما كان له أكبر الأثر في نهضة الأمم لا سيما الأمم الأوربية.و كان من نتائجه ما يعرف بالنهضة الأوربية،والحضارة الغربية الحديثة.وهكذا للحضارة الاسلامية بعد عالمي في الأخذ والعطاء.. (انظر دراسات في الثقافة الاسلامية ، احمد محمد احمد الجلي ، ص:240-241).
3-آراء طه حسين حول العقلية الشرقية والإستبداد الشرقي في مصر:
• ثم يسوق الكاتب -دعماً لرأيه حول الإستبداد الشرقي- بعض آراء لطه حسين، فيقول: " إن طه حسين عميد الأدب العربي في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر، قد أكد بأن مصر لا يمكن أن تخرج من كسادها الفكري ما لم تستعيد عقلها الإغريقي الروماني و ثقافتها الإغريقية الرومانية ،وذهب الى القول بأن طه حسين في هذه الجزئية، يحاول تقديم حلول لمفارقة عقل الإستبداد الشرقي في مصر ،بعد أن ساد ،بسبب فقدان مصر لعقلها الإغريقي الروماني و فقدانها له بعد أن ساد عقل الإستبداد الشرقي الكامن في الحضارة العربية الإسلامية التقليدية، وها هي مصر تحت حكم السيسي الذي يؤسس لنظام حكم تسلطي في مصر ليؤكد على فكرة الإستبداد الشرقي".
• ومما لا شك فيه أن طه حسين(1889-1973م)، يعد من أبرز المفكرين العرب الذين دعوا إلى الاستفادة من الحضارة الغربية ودمجها في سياق النهضة العربية، واشتهر بدعوته إلى التغريب والأخذ بالحضارة الغرببه خيرها وشرها، حلوها ومرها،وما يحب منها وما يكره،وما يحسن منها وما يعاب، وشاعت مقولته :"فأمَّا الآن، وقد عرفنا تاريخنا وأحسسنا أنفسنا،واستشعرنا القوة والكرامة،واستيقنا أنَّ ليس بيننا وبين الأوربيين فرق في الجوهر ولا في الطبع،و لا في المزاج،فإني لا أخاف على المصريين أن يفنوا في الأوربيين". (مستقبل الثقافة في مصر، طه حسين، مطبعة المعارف.القاهرة.1983. ج1 ص:45 ) ، كما كان طه حسين ،يدعو إلى العقلانية والتقدم والإنفتاح على الثقافات الغربية، بما فيها نظم التعليم والفكر.وظهر لا سيما بعد وفاته،من تعصّبوا لآرائه، ووقفوا عند أفكاره ،التي مثّلت مرحلةَ انبهاره بالنموذج الحضاريّ الغربيّ، وتبشيره بهذا النموذج الحضاريّ، وسعيه لإلحاق العقل الشرقيّ بالعقل الغربيّ..
• ويبدو أن الكاتب،من بين هؤلاء المتعصبين ،ومن ثم تعجل في حكمه على طه حسين، ولم يدرس حياته وتطوره الفكري دراسة علمية موثقة،بل اصطف مع بعض الليبراليين الذين مثل طه حسين بالنسبة اليهم ،رائد الدعوة الى الأخذ بما يصدر عن الغرب خيرا كان ذلك او شرا،يتوافق مع قيم المجتمعات العربية والإسلامية او لا يتوافق معها. واحسب انه لم يطلع على كتاب: " طه حسين: من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام،" للدكتور محمد عمارة ) :" ، الذي قدم فيه رؤية تحليلية شاملة لمسيرة طه حسين الفكرية والتحولات التي مر بها، وميز في تطور فكر طه حسين بين أربع مراحل تطور فيها فكره :
• المرحلة الأولى هي بداياته الفكرية (1908-1914م) التي بدأت بالتحاقه بالجامعة الأهلية المصرية، بعد حرمانه من نيل شهادة العالمية الأزهرية, وانتهت بسفره إلى فرنسا عام 1914م، مبعوثاً من الجامعة المصرية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة السوربون.وفي هذه المرحلة بدأ طه حسين متردداً في الهوية الحضارية لمصر، بين من يدعو إلى الوطنية المصرية الرافضة للعروبة القومية ،والإنتماء الحضاري الإسلامي،,والتي يمثلها "حزب الأمة" ومفكره أحمد لطفي السيد. وبين دعاة الهوية الإسلامية والدفاع عن الجامعة الإسلامية والخلافة. والتي يحمل لواءها "الحزب الوطني"، وزعيمه مصطفى كامل.وقد كتب العديد من المقالات تحمل كلا التوجهين وتدافع عنهما.
• المرحلة الثانية "مرحلة الإنبهار الشديد بالغرب"،كما سماها الدكتورعمارة، حيث تأثر طه حسين بمناهج الفكر الغربي، خاصة الفلسفة الوضعية ،ومناهج النقد الأدبي، واتسمت هذه المرحلة بإعجابه بكل ما هو غربي، و الدعوة إلى إلحاق مصر بالنموذج الحضاري الغربي. وشهدت هذه الفترة صدور كتاب "الإسلام وأصول الحكم" "، للشيخ علي عبد الرازق عام 1925 م، وأثار جدلًا واسعًا لدعوته الى فكرة فصل الدين عن الدولة ،وأعادة النظر في طبيعة الخلافة الإسلامية،.وكان طه حسين، من المتحمسين للكتاب، وذهب البعض الى القول بأنه شارك في كتابة بعض فصوله،ويعد من أبرز المدافعين عن الكتاب وعن الأفكار التي طرحها الشيخ علي فيه ،ورأى فيها دعوة جريئة للتفكير العقلاني وإعادة النظر في المسلمات التقليدية. كما دافع عن حرية الرأي والتعبير التي تجلت في الكتاب، واعتبر الهجوم على علي عبد الرازق ضربًا من محاربة الإجتهاد الفكري الدينية والإجتماعية. ولم يلبث ان نشر طه حسين كتابه "في الشعر الجاهلي" عام1926 م،والذي استخدم فيه منهجًا علميًا غربيًا قائمًا على الشك والنقد، مما أدى إلى اتهامه بمحاكاة النهج الغربي دون مراعاة خصوصية التراث الإسلامي والعربي. وأثار الكتاب جدلاً واسعاً وردود فعل قوية على المستويين الثقافي والديني في العالم العربي.،واتُهم طه حسين بالإساءة إلى الإسلام والقرآن، حيث رأى البعض أن تشكيكه في الشعر الجاهلي يطال الروايات المتعلقة بجمع القرآن وصدق النقل التاريخي له. وبسبب الضجة الكبيرة،التي اثارها الكتاب، اضطر طه حسين إلى نشر نسخة منقحة من الكتاب بعنوان :"في الأدب الجاهلي" ، عام 1927م، حاول فيها تلطيف بعض العبارات المثيرة للجدل . ولعل أهم تطور في حياة طه حسين في تلك الفترة زواجه من فتاة فرنسية مسيحية أقنعها عمها القسيس بالزواج منه، فكانت عينه التي يقرأ بها. وزعم البعض انها أثرت كثيرا في قناعاته الفكرية،وهذا موضع نظر،ويحتاج الى اثبات.
• المرحلة الثالثة التي بدأت عام 1932 واستمرت حتى عام 1952م، وقد أطلق عليها عمارة "مرحلة الإياب التدريجي والمخاض الحافل بالتناقضات"، وفيها أصبح طه حسين- -أكثر توازناً في تقييمه للغرب والشرق ، وبدأ يعيد النظر في مواقفه السابقة، متجهًا نحو المصالحة مع الإسلام. ،كما خلت كتاباته- الى حد كبير-من أي إساءة إلى الإسلام ومقدساته ورموزه.وتوجه إلى الكتابة في الإسلاميات، والدفاع عن الإسلام ضد التنصير واكد مرارا على شمول الإسلام للدين والدولة، كمنهاج شامل للحياة. كما تصاعدت نبرة نقده للسياسة الاستعمارية الغربية، مع صعود حركات التحرر الوطني. إلا أنه ورغم ذلك ظل التأثر بالطابع الحضاري الغربي ملحوظاً في عطائه الفكري، وخاصة في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" 1938م، الذي مثل ذروة التأثر بالغرب في مشروعه الفكري. الذي دعا فيه إلى فصل الدين عن الدولة، مما أثار جدلًا كبيرًا في الاوساط المصرية بل العربية، واعتُبر محاولة لتطبيق النمط الغربي في المجتمعات العربية.
• أما المرحلة الرابعة والأخيرة (1952-1960م) فاطلق عليها د.عمارة "مرحلة الإياب والانتصار الحاسم للعروبة والإسلام"، وأهم ملامحها تتجسد في تأكيد طه حسين على "حاكمية القرآن الكريم"، وانحيازه إلى العروبة التي صاغها الإسلام بعيدا عن الفرعونية التي تبناها من قبل.ويشير عمارة إلى أهمية رحلة طه حسين إلى الأراضي الحجازية عام 1955م، وهي الرحلة التي هزته من الأعماق، ومثلت قمة الإياب الروحي إلى أحضان الإسلام، وميلاداً جديداً له بعد مخاض عسير، كما يظهر في كتاباته المتأخرة مثل "الفتنة الكبرى"، :عثمان " 1953 و"علي وبنوه" 1954م،حيث قدم قراءة تاريخية تتسم بالإنصاف للتاريخ الإسلامي،ومع ذلك، أثار الكتاب جدلاً واسعًا، حيث اعتبر البعض أن طه حسين لم يُنصف تماماً الشخصيات التاريخية بسبب بعض استنتاجاته الجريئة أو اختلاف منهجه عن القراءة التقليدية السائدة. بينما رأى آخرون أن عمله كان خطوة مهمة لفهم التاريخ الإسلامي بشكل أكثر نضجًا وتوازنًا، مع التركيز على العوامل البشرية التي شكلت تلك الحقبة. كما أظهر اهتماماً أكبر بالتراث العربي والإسلامي في بعض أعماله المتأخرة، مثل كتابه "مرآة الإسلام"، الذي يبرز فيه جوانب إيجابية من الحضارة الإسلامية ويدعو إلى فهمها وتعزيزها، إذ أقرّ بضرورة الحفاظ على التراث الثقافي العربي والإسلامي بجانب الأخذ من الحضارة الغربية.ويعتبر كتابه "مرآة الإسلام" 1959م، و"الشيخان" 1960م أهم مراجعاته الفكرية. ويُظهر دكتور عمارة بوضوح، أن طه حسين لم يكن يسعى فقط إلى نقد التراث أو الدفاع عنه، بل كان يحاول فهمه وإعادة قراءته بطريقة تخدم تطور المجتمع، إلا أن آخر كتبه والتي تمثل أهم مراحل حياته، لم تلق الاهتمام الصحيح وتغافل عنها "المعجبون به، والكارهون له على السواء". ومن هنا تبرز اهمية كتاب الدكتور عمارة ودراسته لتطور فكر الدكتور طه حسين ،اذ تميزت هذه الدراسة بمحاولة متوازنة لتسليط الضوء على التحولات الفكرية التي مر بها طه حسين: من انبهاره بالثقافة الغربية وتأثره بفكرها، إلى ميله لاحقًا، نحو الدفاع عن القيم الإسلامية والعودة إلى الجذور الثقافية للأمة العربية والإسلامية .ولم يأت بكلام محبيه أو خصومه فيه، بل جاء بكلامه هو نفسه ، وساق نصوصاً من كتبه، ومقالاته، ومقابلاته، وحياته، ورسائله، ما يدل على التحول الحقيقي في فكر طه حسين،كما ان الكتاب يقدم طه حسين كشخصية مركبة، تعكس تناقضات العصر الذي عاش فيه بين تراث أصيل وتأثيرات حداثية، مما يجعله مصدرًا لفهم إشكالية الهوية والتحديث في العالم العربي. ( راجع كتاب :طه حسين: من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام،" للدكتور محمد عمارة ، هدية مجلة الأزهر عدد ذي القعدة 1435 ).
4--ماكس فيبر وأخلاق العمل البروتستانتية،وقوله بغياب الطهرانية عن المسلمين:
• ثم عرض الكاتب واثنى على ماكس فيبر في دراسته لأخلاق العمل البروتستانتية، و خاصة في أفكار كالفن، الذي يرى أن النجاح على الصعيد المادي علامة نعمة إلهية، و هذا ما جعل ظهور الرأسمالية ممكن في وسط بروتستانتي طهراني تقشفي ينتج عبر ساعات عمل طويلة، و متقشف في إستهلاكه ،و هذا ما أدى الى ظهور الرأسمالية في وسط البروتستانت في أوروبا. وآراء فيبر هذه التي اعجب بها الكاتب ، قد سبق اليها الإسلام، الذي اعتبر العمل عبادة ووسيلة لتحقيق التوازن بين الدنيا والآخرة، و أولي قيمة عالية للعمل والإنتاجية، كما يتضح من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تشجع على السعي والعمل والإتقان فيه. كما شجع الاسلام على الزهد في الدنيا والتقشف في متعها ،مما تطور فيما بعد وعرف بالتراث الإسلامي الصوفي ،وهو مفهوم قد يكون قريباً من فكرة الحياة البسيطة التي تبناها البروتستانت.كما أن المسؤولية الفردية والاستقلالية في تحمل نتائج العمل، متأصلة في تعاليم الإسلام، حيث يُعتبر الإنسان مسؤولاً عن أفعاله أمام القانون وامام الله.والسؤال الذي يمكن ان يثار هل تأثرت البروتستنتية بالحضارة الإسلامية،فيما نادت به ؟. وكما هو معلوم فإن الحضارة الإسلامية قد وصلت إلى أوجها، وبدأت في التأثير على أوروبا في مجالات الفكر والفلسفة والعلم منذ القرن الثامن وحتى القرن الرابع عشر،بينما البروتستانتية ظهرت في القرن السادس عشر. الامر الذي يفتح المجال لاحتمال وجود تأثير ثقافي وفكري على كالفن أو مارتن لوثر من قبل الثقافة الإسلامية، وعليه فيمكن أن تكون بعض القيم والأفكار التي ظهرت لاحقاً في الإصلاح البروتستانتي قد تأثرت بشكل مباشر أوغير مباشر بالإسلام ( انظر: أثر الإسلام في حركة الإصلاح البروتستانتية، د. السيد محمد الشاهد،الرابط:،) https://shamela.ws/book/1541/465 )
• واورد الكاتب دراسة ماكس فيبر للوسط الإسلامي التقليدي،وركز على ملاحظته غياب الطهرانية وسط أفكار رجال الدين الإسلامي التقليدي مقارنة بالبروتستانت و خاصة أتباع كالفن، بل أعجب بوصفه لرجال الدين المسلمين التقليديين بأنهم شهوانيين فيما يتعلق بالمال و النساء و ليس لهم أي مقدار من الطهرانية التي يتصف بها البروتستانت و خاصة أتباع كالفن.ولم يبد الكاتب اي اعتراض على مثل هذه الآراء،او تقييم لها، رغم أن ماكس فيبر لم يبن تلك الملاحظات على اسس علمية موثوقة ،اذ انه لم يدرس المجتمعات الإسلامية دراسة ميدانية مباشرة، بل اعتمد على مصادر ثانوية، وتحليلات تاريخية وثقافية لفهم الإسلام والمجتمعات الإسلامية،وعندما كان يبدي ملاحظات عن الإسلام، غالبًا ما كانت ملاحظاته تستند إلى أدبيات تاريخية أو وصفية وليس على دراسة ميدانية مباشرة لمجتمع إسلامي محدد.
5-تطابق أفكار الدكتور الترابي مع ماكس فيبر في وصفه لشهوة السلطة و روح الإستبداد عند الكيزان. وعدم دلالة ذلك على أن الترابي كان محب للحرية و العقلانية.
ولم يقف الكاتب عند وصف ماكس فيبر لافكار رجال الدين الاسلامي وسلوكهم، بل ذهب الى القول بأن هذا هو الوصف نفسه الذي وصف به الدكتور حسن الترابي "كيزان السودان"، و قد تطابقت أفكار الترابي-كما يقول- مع افكار ماكس فيبر في وصفهما لشهوة السلطة و روح الإستبداد عند الكيزان، و بسبب شهوة السلطة وشهوتهم للمال قد إستشرى الفساد و الإستبداد الكيزاني كإنعكاس للإستبداد الشرقي.و قد رأى السودانيين فساد و إستبداد الكيزان، و قد وصفهم الدكتور حسن الترابي نفسه بأنهم فاسديين و قد أفسدتهم شراهتم للسلطة ليؤكد- أي حسن الترابي- على ما قاله ماكس فيبر عن شهوانية رجال الدين التقليديين في ايمانهم التقليدي الكيزاني مقارنة بطهرانية البروتستانت و إتقانهم للعمل و في نفس الوقت الزهد و التقشف الذي أدى لظهور الرأسمالية و إتصافها بالعقلانية."
• ثم مضى الى القول بأن" إلتقاء وصف ماكس فيبر مع وصف الدكتور حسن الترابي لشهوانية الكيزان للسلطة و المال لا يدل على أن الترابي كان محب للحرية و العقلانية، و لكنه كان -أي حسن الترابي نفسه- مستبد بعقل شرقي، و هو نفسه من قضى عمره كله يظن أن الفكر الإسلامي التقليدي يمكن أن يؤسس للحكم، إلا أن أفكاره قد فتحت على نظام حكم إستبدادي ، و كان هو أول ضحايا تلاميذه الكيزان، و بعدها قد تحدث عن شهوة السلطة التي أفسدت الكيزان، و لم يدر الترابي بأن الإستبداد الشرقي كامن في فكره الإسلامي التقليدي المعادي للحرية و العقلانية.
• وغاب عن الكاتب، أن الترابي يتحدث من موقع إصلاحي داخلي، يركز على الأبعاد الدينية والأخلاقية التي يجب أن تضبط سلوك الجماعة الإسلامية. وعندما ينتقد أتباعه بأنهم وقعوا في شهوانية السلطة والمال، فهو يشير إلى انحراف القيم الإسلامية التي من المفترض أن تكون أساس مشروعهم.كما ان نقده يحمل نبرة اشفاق تحذر من فشل تجربة الحركة الاسلامية في تحقيق المثل الأخلاقية، وهو أشبه بنقد من داخل الجماعة للتذكير بأهدافها الأساسية. بينما ماكس فيبر يتحدث عن مجتمعات "شرقية" من منظور استشراقي أوروبي، حيث يرى في الاستبداد بنية متأصلة تاريخياً،بينما الترابي ينطلق من تجربة سياسية وإسلامية محددةـ،وما ابعد الفرق بين الاثنين.
• واحسب ان الكاتب لم يقرأ للترابي بل كون فكرته عنه من الوسائط التي تعج بنقد الترابي والهجوم عليه حتى بعد وفاته،وتحميله وزر ما ارتكبته الانقاذ من موبقات. علما بان الرجل له مكانته العلمية وكسبه السياسي الذي تجاوز السودان، واصبح مصدر اشعاع في مختلف انحاء العالم الاسلامي ،ولا ينكره الا حاقد حاسد او جاهل. فالدكتور الترابي، يعتبر لدى كثير ممن تابعو مسيرته بموضوعية ،واحداً من أهم الشخصيات السودانية ، التي لعبت دوراً مفصلياً في تاريخ السودان الحديث وتوجهه الفكري والحضاري". ويمثلّ في رأي البعض «بوصلة» للحركات السياسية الاسلامية في السودان ،فضلا عن اثره في الحركات الإسلامية في العالم الاسلامي ، وعلى كثير من المسلمين حول العالم.
• ففي السياسة السودانية استطاع الدكتور الترابي -عليه الرحمة- في فترة الخمسة عقود الماضية، أن يضع بصماته الواضحة في إدارة دفة الحكم مشاركا فيه او معارضاً من يتولون ادارة دفته، فعمل على تحويل الحركة الإسلامية من جماعة طلابية دعوية تربوية فحسب ،الى جماعة ناضجة تعمل في فضاء العمل السياسي المفتوح على الجماهير من خلال ما التف حوله من اتباع،,واتخذ العمل السياسي،الذي نشأ ونمى تحت رعايته، عدة واجهات تطورت خلال التاريخ مثل: الحركة الإسلامية، وجبهة الميثاق الإسلامي, والجبهة القومية الإسلامية، والمؤتمر الوطني، ،والمؤتمر الشعبي، وقد تبنت تلك المكونات، أفكاراً متطورة في دعم الديمقراطية او الشورى ،والتمسك بها من منظور إسلامي، كما كانت تلك الحركات ،الأكثر تقدماً بين رصيفاتها في التأصيل للديمقراطية .,وقد كان ذلك انعكاسا لافكار الشيخ التي تمزيت ليس فقط لتقبله للديمقراطية كوسيلة للحكم، بل إصراره على الديمقراطية كأداة للتشريع الإسلامي( ولعل عثرته التاريخية بـاتخاذ العسكر وسيلة للحكم حجبت كل ذلك الانجاز الفكري)،ولكن ظل ما سطره قلمه شاهداً على اسهامه في مجال السياسة،والفكر الاسلامي.
• صحيح ان الترابي انتقد بوضوح ابتعاد بعض اتباعه عن المبادئ الأخلاقية والقيم الإسلامية التي تشدد على الزهد والعدل والشفافية، محذرًا من أن الطموح السياسي قد يؤدي إلى انحراف الحركات الإسلامية عن أهدافها. ولكن وصفه بالإستبداد ايا كان، يدل على جهل الكاتب بتراث الدكتور الترابي ،الذي دعا إلى تطوير الفكر الإسلامي ليتماشى مع متغيرات العصر، وركز على إحياء الاجتهاد الشرعي. وساهم في تطوير مفهوم "التفسير الحركي للإسلام" وربط الدين بالحياة السياسية والإجتماعية، مما جعله أحد أبرز الشخصيات التي دعت إلى التجديد الإسلامي .كما له مؤلفات وأطروحات تُظهر عمقًا فكريًا، مثل كتابه "التفسير التوحيدي ، ،و قدم أفكارًا غير تقليدية في قضايا الشورى ودفاعه عنها ، والديمقراطية، ودور المرأة في المجتمع الإسلامي.
6-وصف الحرب الدائرة في السودان، بانها حرب عبثية، قام بها الكيزان والدعم السريع،ونتيجة لأفكار الترابي الإستبدادية.
• "و يمضي الكاتب الى الهجوم على ( الكيزان )الاسلاميين فيقول :" ما الحرب العبثية إلا ثمرة مرة من حديقة أفكار الكيزان مع صنيعتهم الدعم السريع ،و قد أوصلهم الترابي الى حيث تمكنوا من ممارسة الإستبداد الشرقي" .وبهذا القول يصطف الكاتب مع شلة المخزلين والمثبطين الذي ينظرون الى الحرب بأنها حرب عبثية بين جنرالين اوطرفين ( البرهان وحمديتي) سعياسعياً للسلطة ،ومن ثم رفعت تلك الفيئة شعار لا للحرب،لايقافها.وغاب عنهم عمدا او جهالة أن الحرب حقيقة ، صراع بين فيئة تمردت على الجيش ،وخططت للقيام بانقلاب على الدولة، وتغيير تركيبتها السكانية، واحلال مرتزقة من دول افريقية محلها ,ولكن بعد فشلهم في اغتيال رأس الدولة، او اعتقاله، تبخرت احلامهم، وتحولوا الى عصابات ادخلت البلاد في فوضى ،واصبحت تعتدي على المواطنين بالقتل ومصادرة الاموال واحتلال المساكن وتخريبها،وتعطيل المستشفيات ،وتدمير المنشآت الاقتصادية من بنوك ومصانع ومحال تجارية ،وتعطيل للمرافق الحيوية للمياه والكهرباء ،وتخريب المنشات الاقتصادية،والتعليمية ،والمراكز الثقافية والصحية،وتنهب البنوك، وتحرق المحال التجارية والاسواق ،وتهدف الى محو تاريخ الدولة السودانية وتخريب اثارها وتدمير وثائق ممتلكاتها ..وظلت تلك الممارسات العدوانية التدميرية تجري في كل الاماكن التي دخلتها قوات التمرد، وتعيث فيها فسادا كما حدث في الخرطوم ويحدث في قرى الجزيرة التي دخلتها تلك العصابات وتعدت على مواطنيها العزل.
7- ايران تحت ولاية الفقية نموذج للإستبداد الشرقي ، وعقلها عقل تقليدي لا يقارن بعقل اسرائيل.
• ثم انتقل الكاتب وكشف عن حقيقة موقفه من الحرب الدائرة في غزة ، فشأنه شأن كثير من الليبراليين والعلمانيين والمخزلين والمثبطين عن المقاومة للمحتل الصهيوني ،حاول التهوين من شأن كل من يرفع شعار مقاومة المحتل ،ومن ثم وصف العقل الايراني بأنه عقل تقليدي، وان ايران تمثل نموذجاً للإستبداد الشرقي ,وقال: "نضرب لكم مثل أيران تحت ولاية الفقية كمستبد شرقي، ها هي الآن بعد دمار حزب الله كزراع( صحتها بالطبع ذراع!!! )، لها في لبنان ،ودمار حماس كزراع( ويقصد ايضا ذراع!!! ) ،لها ،في فلسطيين، قد أصبحت في مواجهة لا تستطيع أن تصمد فيها في مواجهة أسرائيل المدعومة من أمريكا، لأن عقلها، أي ايران، عقل تقليدي، و قد رأينا نتاج هجومها على إسرائيل بصواريخ شبيهة بالألعاب النارية مقارنة بعقل إسرائيل و سلاحها و خلفها أمريكا ،التي تمثل قمة ما وصل إليه عقل البشرية اليوم".
• ولا أحسب ان الكاتب على دراية بالدولة الايرانية،او على علم بامكاناتها العلمية والبشرية. فإيران -كما يقول المهتمون بالشأن السياسي ودراسته - تعد واحدة من الدول التي حققت تقدماً ملحوظاً في العديد من المجالات العلمية والتقنية،رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها، ولا تزال تواجهها،وحققت العديد من الإنجازات في مجالات الطاقة النووية، وصناعة الفضاء، الطب والصيدلة، تكنولوجيا النانو، الهندسة والتقنيات الدفاعية، كما انشأت العديد من المراكز البحثية والتعليمية، وأن الجامعات الإيرانية مثل جامعة طهران وجامعة شريف للتكنولوجيا، تُصنف ضمن أفضل الجامعات في العالم من حيث الأبحاث في الهندسة والعلوم التطبيقية. وتحتل إيران مراكز متقدمة عالمياً في إنتاج الأبحاث العلمية، وخاصة في مجالات الفيزياء والكيمياء والهندسة.
• صحيح ان إيران تواجه تحديات كبيرة في مجال الحريات وحقوق الإنسان، وفقًا للتقارير الدولية والمنظمات الحقوقية. وان النظام الإيراني يفرض قيودًا واسعة على الحقوق الأساسية، مثل حرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية التجمع، وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات،ويتهم بعدم استقلالية نظامه القضائي، وان البيئة العامة للحريات وحقوق الإنسان لديه مقيدة إلى حد كبير،كما تقول العديد من المنظمات الدولية،التي تدعو الحكومة الإيرانية إلى تحسين سجلها الحقوقي والالتزام بالمعايير الدولية ، كما تبنت طهران سياسة تصدير الثورة الشيعية إلى الدول الإسلامية السنية، مما أثار كثيراً من خاوف الدول ذات الأغلبية السنية، لا سيما دول الخليج المجاورة لايران،وادى إلى تصاعد التوترات المذهبية ،حيث شجعت إيران الحركات الشيعية في العراق، لبنان، البحرين، واليمن وغيرها من الدول الاسلامية. ولعل من اخطر مواقف و مخازي النظام الايراني ،دعمه للطاغية بشار الاسد،حتى لحظة سقوط نظامه وفراره ،والاستمرار في التحريض على الثورة السورية التي اقتلعت النظام وحررت السوريين من طغيانه ،وتمويل جماعات لافتعال أحداث طائفية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا، والسعي الى اثارة الفتن الطائفية وتحويل اهتمام السوريين من إعادة بناء وطنهم المحطم إلى الدخول في صراعات داخلية وحرب أهلية، بهدف نهب البلاد وتفكيكها وتفتيتها ،كما فعلوا من قبل في العراق،واليمن ولبنان.
• وبصرف النظر عن هذه المواقف المخزية،ورغم العقوبات الإقتصادية التي فرضتها على ايران امريكا والدول الغربية، بسبب برامجها النووي ،فقد طورت برامج تقنية متقدمة في مجالات: الطاقة النووية، وصناعة الطائرات بدون طيار، وتكنولوجيا الصواريخ.،وغيرها من التقنيات. واستطاعت، رغم تلك المعيقات، ان تمتلك أسطولاً جوياً يضم طائرات متنوعة ،وتعتمد بشكل كبير على الطائرات المسيرة (الدرونز)، كما تمتلك ترسانة كبيرة ومتطورة من الصواريخ الباليستية ،و تعتمد على زوارق سريعة وغواصات صغيرة وصواريخ مضادة للسفن، وتستخدم استراتيجيات غير تقليدية ، واثبتت قدرتهاعلى الوصول إلى إسرائيل والقواعد أمريكية في المنطقة.. ومن ثم فإن تصوير الكاتب للصواريخ الإيرانية بالالعاب النارية ،يدل على جهل فاضح. فتلك الصواريخ شكلت تهديدًا أمنيًا كبيرًا لإسرائيل، كما تسببت هذه الهجمات الصاروخية في حالة من القلق والخوف بين الإسرائيليين،وادي إلى تعطيل البنية التحتية واغلاق المطارات ،و اثر على الأنشطة التجارية، و الحياة الاقتصادية داخل الكيان الغاصب.
• 8-يحذر الكاتب "الكيزان" ،من مصير إندثار حزب الله وحماس ، وتلاشيهم كما تلاشت حماس و تلاشى قبلها حزب الله، أسرع من لمح البصر!!!
ويختم الكاتب مقالته البائسة، مخاطبا ومهدداً الإسلاميين السودانيين قائلاً: "فيا كيزان ،يمكنكم أن تستبدوا على الضعفاء من أطياف الشعب السوداني، و لكن مصيركم الإندثار و كل حروبكم العبثية في السودان تدل على أنكم في طريقكم للخروج من التاريخ عاجلاً ام آجلاً. كما رأينا كيف تلاشت حماس،و تلاشى قبلها حزب الله أسرع من لمح البصر".
ولا ادري في أي عالم يعيش الكاتب ،ومن اين يستقي معلوماته ؟،فيتجاهل صمود حماس التي لا زالت تقاتل، وتوقع اصابات في قوات الاحتلال بعد مرور اكثر من 14 شهراً على طوفان الأقصى، الذي شنته المقاومة الفلسطينية، ورد الكيان الصهيوني عليها وما صاحب ردها من دمار شامل وقتل ممنهج ،وهدم للمنازل على رؤوس اصحابها ،وتدمير للمستشفيات والمدارس والمرافق التعليمية، والمساجد والكنائس، وتخريب لمحطات الكهرباء والمياه،الى غير ذلك من التدمير والتخريب الذي وصفته المنظمات الدولية، بأنه جريمة حرب، وتعد على الحقوق الانسانية .وقد عرت حرب غزة، صورة اسرائيل التي روج لها الاعلام الغربي وصدقها بعض العرب للاسف، وجيشها الذي لا يقهر ،ويقاتل بأخلاق عالية ،وبانها واحة الديمقراطية والحفاظ على حقوق الانسان في الشرق الاوسط .وتعيش في محيط تسود فيه الدكتاتورية والاستبداد وانتهاك حقوق الانسان.وانها متقدمة علميا وتكنولوجيا في وسط فاشل .
فكشفت الحرب عن الانتهاكات التي مارسها الكيان الصهيوني في فلسطين ،وقارنت بعض الدراسات بين الكيان الصهيوني وبين نظام الفصل العنصري ( الابارتايد)، الذي مورس في جنوب افريقبا ضد مواطني تلك البلاد ،وتبين ان الكيان الصهيوني لا يختلف عن نظام الفصل العنصري ،في وضع القوانين والسياسات التي تميز بين الاسرائيلي والفلسطيني ، سواء في الأراضي المحتلة أو داخل إسرائيل نفسها، .وان النظام العنصري الصهيوني يعامل الفلسطينيين بطريقة غير متكافئة، من حيث الحقوق المدنية والخدمات المتاحة في الأراضي المحتلة مقارنة بالمستوطنات الإسرائيلية. وقد لقيت ممارسات اسرائيل انتقادات دولية وشجب عالمي لانتهاكاتها الممنهجة .وخرجت المظاهرات المطالبة بوقف الحرب في كل العواصم الغربية والعالمية، وفي كل الجامعات والمؤسسات التعليمية لا سيما في امريكا واروبا، وصدرت الادانات من قبل المنظمات الدولية وهيئة الامم المتحدة ،والمحكمة الجنائية الدولية، وصدرت الاحكام ضد رئيس وزرائها ،ووزير دفاعة بأنهما مجرمي حرب، وطلبت المحكمة جلبهما اليها لمحاكمتهما. "لقد أدّت أحداث السابع من أكتوبر إلى حدوث صدمة عنيفة داخل المجتمع اليهودي؛ فَقَدَ على أثرها المواطنون، بجميع شرائحهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية، شعورهم بالأمان الذي كانوا يعيشون في كنفه؛ وتضعضعت ثقتهم بقوة دولتهم، العسكرية والمخابراتية، وحصانتها التي آمنوا أنها كفيلة بحمايتهم من جميع المخاطر الممكنة. لقد تملّكتهم مشاعر الهلع والقناعة بأن العرب/المسلمين/ الفلسطينيين ما زالوا مصممين على إزالة إسرائيل، وأنهم قادرون عمليا على تحقيق ذلك عسكريا."( انظر:بين فوضى الرصاص وفوضى العجز… دروس في الفاشية، جواد بولس القدس العربي ،5 ديسمبر/2024م).
وللرد على هذا الهراء والغباء السياسي لدى بعض المغيبين والمنهزمين الذين يزعمون بان حماس قد تلاشت -كما زعم الكاتب- نورد مقالاً لاحد الصحفيين الإسرائيليين يصف الوضع في الكيان الصهيوني، وما نتج عن ضربات حماس والمقاومة الفلسطينية من آثار على الكيان المحتل، فيقول:" لو جاء كائن من الفضاء الخارجي ونظر إلينا من أعلى، ماذا سيرى؟ سيرى حرباً تستمر منذ أكثر من سنة، ولا نهاية لها. سيرى بأنه لم يتحقق أي هدف من أهداف الحرب، سواء تحرير المخطوفين، أو عودة المخلين من الشمال إلى بيوتهم، أو تدمير حماس أو حزب الله، أو إبعاد إيران عن وكلائها. سيرى أن اقتصاد إسرائيل في حالة انهيار، والمناعة الاجتماعية في حالة تفكك، وعلى شفا الحرب الأهلية، والعالم المتنور ينفصل عن إسرائيل، والجيش البري يتآكل إلى أقصى درجة.وسيرى بأنه لدينا منذ بداية الحرب حتى الآن 1772 قتيلاً و21744 جريحاً، و787 جندياً قتيلاً، و101 مخطوف (أحياء وأموات) و143 ألف مخل من بيوتهم، وتقريباً 300 ألف من الذين يخدمون في الاحتياط تم تجنيدهم، و26240 إطلاقاً للصواريخ والقذائف والمسيرات نحو أراضينا.(راجع مقال: لا طاقة لنا” … ما الذي يخفيه الجيش عن الإسرائيليين؟- إسحق بريك ،هآرتس، 20/11/2024) نقلا عن القدس العربي).
اما حزب الله -الذي زعم الكاتب- انه تلاشى قبل حماس اسرع من لمح البصر!!!.فرغم مواقف الحزب المخزية في دعمه للنظام السوري البائد، وتبعيته لولاية الفقيه الايرانية،وادخال لبنان في صراعات طائفية عطلت مسيرة البلاد وشلت نموها السياسي والاجتماعي. اضافة الى أن الحزب شكلّ- منذ دخوله الحرب السورية تحت ذريعة «حماية المقدسات الدينية» في 25 مايو 2013،م- عقبة أمام الفصائل السورية المعارضة، وعمل على مهاجمتها ونعتها بالإرهاب، اضافة الى موقف الحزب المخزي إلى جانب النظام في سوريا، ودفاعه عنه في حربه الطويلة،المدمرة على المجتمع السوري .
ولكن رغم تلك المواقف المخزية، فقد أعلن الحزب منذ بداية طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر/2023م، فتح "جبهة إسناد" للمقاومة في غزة، وبدا باطلاق الصواريخ على المنشآت العسكرية الإسرائيلية في مزارع شبعا، وتبادل الطرفان لاحقا، الضربات عبر الحدود اللبنانية -الاسرائلية،على مدى 11 شهرا.ووفقاً للإعلام الإسرائيلي أسفرت صواريخ حزب الله عن مقتل 45 إسرائيلياً و73 عسكرياً في الجبهة الشمالية والجولان السوري المحتل، إلى جانب تدمير 55 ألف فدان من الغابات والمحميات الطبيعية.وقدرت الأضرار التي لحقت بالممتلكات في إسرائيل بما لا يقل عن مليار شيكل (273 مليون دولار)، مع تسجيل خسائر كبيرة في المنازل والمزارع والمشاريع، إضافة إلى تعرض أكثر من 60,000 شخص من سكان مستوطنات الشمال. للتهجير نتيجة إطلاق صواريخ من قبل حزب الله.
وفي 17 سبتمبر 2024 ،حصل تصعيد كبير بين الطرفين بعد انفجار آلاف من أجهزة النداء ( البيجر)،بشكل متزامن كمحاولة لاستهداف عناصر حزب الله، وأدت التفجيرات الى اصابة أكثر من 2750 شخص،، واعقب ذلك استهداف اجتماع لقادة قوة النخبة في الحزب( قوة الرضوان)، أسفر عن مقتل 16 منهم على الأقل ،بينهم قائد القوة، إبراهيم عقيل وسقوط عدد من القتلى، وأعلن حزب الله أن إسرائيل هي المسؤولة عن الهجوم، كما اعلن الكيان نجاحه في مقتل زعيم الحزب "حسن نصر الله" .و منذ 23 سبتمبر 2024، بدأت إسرائيل غاراتها الجوية على لبنان، فقتلت الهجمات الإسرائيلية أكثر من 700 شخص، وأصابت أكثر من 5000 شخص، وأجبرت مئات الآلاف من المدنيين اللبنانيين على النزوح.وبعد أكثر من شهر من اندلاع الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله، استمر الحزب في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة وحتى الصواريخ الدقيقة في عمق الأراضي الإسرائيلية، بالرغم من مقتل معظم قادته السياسيين والعسكريين وعلى رأسهم زعيم الحزب حسن نصر الله .وبعد عمليات عسكرية متبادلة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، عقد اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين تم التوصل إليه بوساطة أميركية وفرنسية، ودخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ،وبموجبه ينسحب الجنود الإسرائيليون من لبنان خلال 60 يوما، مع إلزام حزب الله بإنهاء وجوده المسلح في مساحة واسعة من جنوب لبنان، وان يسحب مقاتليه وأسلحته شمال نهر الليطاني، وتفكيك كل المنشآت العسكرية المعنية بصناعة السلاح في لبنان، ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة بدءا من منطقة جنوب الليطاني ، وقد تضمن الاتفاق تنازلات كبرى من قبل حزب الله، ،ومن ثم راى البعض ان الاتفاق بين الحزب وإسرائيل على أنه "استسلام. ورغم إنتهاء دور الحزب كذراع للمقاومة الفلسطينية، فمن السذاجة الاستهانة بقدرات الحزب والتهوين من دوره القتالي، واهمية تضامنه مع القضية الفلسطينية،كما حاول الكاتب ان يصور موقف الحزب.
فحماس وحزب الله ليسا مجرد حركات عسكرية، بل هما تنظيمات لها قواعد اجتماعية، وسياسية، واقتصادية متجذرة في بيئتيهما. ومن هنا أظهرت هذه التنظيمات -حتى بعد الضربات الاسرائيلية العسكرية القاسية -قدرة على إعادة بناء قوتها العسكرية و بنيتها التنظيمية. و أثبتت قدرتها على التعلم من الصراعات السابقة والتكيف مع الظروف الجديدة. اضافة الى أن استراتيجياتها العسكرية واللوجستية تتطور باستمرار، مما يجعل فكرة "التلاشي السريع" -كما زعم الكاتب -مستبعدة ،وان الحروب غالباً ما تضعف التنظيمات المسلحة مؤقتاً، لكنها نادراً ما تؤدي إلى زوالها الكامل، خاصة إذا كانت متجذرة في نزاعات قومية أو دينية طويلة الأمد. في الواقع، فالحروب -لا تقضي على مثل هذه التنظيمات بل قد تعطيها شرعية إضافية كمقاومة "للاحتلال".
واخيرا فلا يسعني الا أن أرثى لحال الكاتب وتبعيته العمياء لكل ما هو غربي، وعصبيته تجاه أي جهد اسلامي للبناء ،ومقاومة الإحتلال الصهيوني ،وتهوينه من كل عمل ينتصر لمدافعة الغاصب المعتدي ،ويدعو الى دعم المقاومة والإنتصار لها ضد الإحتلال الصهيوني الصليبي .ويتجاهل كل ما قام ويقوم به الصهاينة المجرمون ،من مجازر ،وإبادة جماعية ،وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان الفلسطيني.
اما بالنسبة للإسلام والحضارة الإسلاميةـ،فعلى الكاتب وغيره من دعاة الليبراليه والعلمانية، ان يتواضعوا قليلاً وان لا ينظرو الى الإسلام خصمًا فكريًا للتحديث، أو عقبةً في طريق التقدُّم، بل عليهم ان يعتبروه الهوية الرئيسية التي يتعيَّن الحفاظ عليها، والمرجعية التي تقاس عليها الأفكار الجديدة لدى مليار ونصف المليار من البشر.. فالإسلام كدين ليس كالنصرانية واليهودية،فهو منهج متكامل، يوجه حياة المسلم ،في كل مراحلها ،منذ قبل ميلاده وحتى بعد وفاته ، يتعلم منه المسلم كيف يعيش وكيف يصحو وينام ،وكيف يأكل ويشرب، وكيف يُغسل حين مماته ويصلى عليه، فكيف إذاً يمكن الفصل بين هذا الدين وحياة المسلم.
أما عن الليبرالية، فقد نشأت كردة فعل لتسلط الفكر الكنسي في أوروبا ،وليست رد فعل لتسلط الفكر الإسلامي في عالمنا، فهي فكرة غربية غريبة عن البيئة العربية الإسلامية ونتاج لظروف غربية خاصة بالغرب، وبالتالي فان تطبيقها عندنا كمسلمين لن ينجح لاختلاف الظروف،وتباين البيئات .كما أن ممارسات الليبراليين العرب لا تشجع على تبني العلمانية او الأخذ بالليبرالية،بل يعلمنا التاريخ والممارسة،ان كثيراً من حملة الفكر الليبرالي والعلماني العرب، لو أعطوا الفرصة لإدارة بلد مسلم، لربما صادر الكثيرون منهم حقوق التيارات الدينية تحت مسمى الحرية. ولكانوا على استعداد للتضحية بالديمقراطية التي يتشدقون بها، ليحرموا خصومهم المسلمين من السلطة التي يستحقونها،كما تبين ذلك إبان ثورات ما يعرف بالربيع العربي،حيث اصطف العلمانيون والليبراليون مع مؤامرات الدولة العميقة،وضحوا بالديمقراطية ما دامت تأتي بخصومهم الإسلاميين( او الكيزان) وفقا للاصطلاح السوداني . وعلى كل فإن التيارات الليبرالية والنظم العلمانية ،لا تحظى فعلياً بأي تأثير سياسي داخلي إلا إذا توفر ضغط أو تدخل عسكري وسياسي غربي. ومن جهة ثانية لا يحمل هؤلاء الليبراليون والعلمانيون مشروعاً قابلاً للتحقق ، بل انهم يمثلون مشروعا استبداديا يهدف الى إقصاء الأطراف الوطنية العربية والإسلامية خاصة من العمل السياسي ،مقابل التنازل عن مشروع الدولة الوطنية.ويمارسون نفس النبرة المتوترة وشديدة اللهجة ضد التنظيمات الوطنية والتي يصفونها بـ”الفاشستية” .مقابل التبرير والإشادة بالممارسات الاسرائيلية والأمريكية الاستعمارية والعدوانية. وما ممارسات بعض الفيئات السورية التي لبست لبوساً علمانياً،بعد نجاح الثورة، لتخفي به حقيقة توجهها الطائفي أو العرقي أو الأيديولوجي،وجهرت بمناصبة الثورة السورية الوليدة العداء، وعارضتها على أساس أنها ليست ثورة «علمانية حداثوية ليبرالية»، وإنما ثورة مجموعة من أصحاب «اللحى السوداء» الطويلة-كما اطلقوا عليهم - الذين ستدخل معهم سوريا حقبة مظلمة من الرجعية والتخلف والتشدد الديني وفقا لرؤيتهم البائيسة،الا خير دليل على ما ذكرناه اعلاه من اقضاء لكل مسلم وعداء للإسلام.( انظر: سوريا: علمانية بمواصفات ذقن حليق، د. محمد جميح، القدس العربي ، 25/12/2024م) .
أ.د. احمد محمد احمد الجلي
ahmedm.algali@gmail.com
الاثنين/29/ جمادى الآخرة 1446 هـ
الموافق:30 /ديسمبر/2024م
• تعليق على مقال للطاهر عمر: " الكوز شهوة السلطة وسطوة الإستبداد الشرقي"، المنشور على صفحات سودانايل على الرابط التالي"
https://sudanile.com/%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d8%b2-%d8%b4%d9%87%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%b7%d8%a9-%d9%88%d8%b3%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%aa%d8%a8%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4/