مع عودة ترامب..بريكس أمام سيناريوهات مفتوحة
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أدلى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بتصريح قوي عبر منصة إكس قال فيه، إن تجمع دول بريكس يبتعد عن استخدام الدولار "بينما نقف مكتوفي الأيدي ونراقب الأمر".
هذا التصريح لم يأت فقط بعد شهر واحد من حضور ممثلي 36 دولة و6 منظمات دولية قمة بريكس في منتجع كازان الروسي، بل أكد أيضاً أن البلدان تنوي استبدال عملة بريكس أو أي عملة أخرى محل الدولار "ستواجه رسوماً جمركية بـ 100%" على صادراتها إلى الولايات المتحدة.وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية قال ريمون تنوير حسين الباحث المساعد في برنامج التكنولوجيا الاستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط بالولايات المتحدة، إن تهديد ترامب يأتي في لحظة حرجة بالنسبة للعلاقات الاقتصادية الدولية، حيث ينتقد الكثيرون من زعماء العالم مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصراحة استخدام الولايات المتحدة للدولار كسلاح في صراعاتها مع الدول الأخرى.
علاوة على ذلك فإن دعوة الرئيس الأمريكي المنتخب إلى فرض رسوم بنسبة 25% على صادرات كندا والمكسيك و10% إضافية على صادرات الصين، تشير التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحزمة الجديدة من الرسوم الجمركية قادرة على حماية سيادة الدولار والهيمنة المالية الأساسية لمؤسسات مجموعة السبع في حركة الاقتصاد العالمي.
قلق أمريكيوالحقيقة أن القلق الأمريكي من ظهور تحديات لهيمنة الدولار الأمريكي ومؤسسات الاقتصاد الغربي تعود إلى مطلع الألفية الحالية. ففي عام 2001، أثار تقرير للمصرفي جيم أونيل في بنك الاستثمار الأمريكي غولدمان ساكس المخاوف من ظهور تكتل قد يتحدى إن لم يحل محل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. هذا التكتل توسع الآن وأطلق مجموعة من المؤسسات الموازية للدول الصغيرة والمتوسطة لتقديم بديل للنظام الدولي الليبرالي الذي يسيطر عليه الغرب.
وفي العام الحالي أصبحت حصة دول البريكس من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث تعادل القوة الشرائية 34.9% مقابل 30.5% لمجموعة السبع التي كانت حصتها في عام 2000 تبلع 43.28% مقابل 21.37% لمجموعة بريكس.
???? عـاجـل:
مجموعة البريكس توافق على انضمام 10 "دول شريكة" جديدة في البيان الختامي للقمة في قازان. pic.twitter.com/tLblbqhPhB
في الوقت نفسه تثير عودة ترامب إلى البيت الأبيض المخاوف بشأن قدرة دول مجموعة السبع، بقيادة رئيس أمريكي يتبنى سياسات انعزالية حتى مع حلفاء واشنطن، على الصمود في مواجهة كتلة البريكس. ففي إحدى تجمعات حملته الانتخابية في ولاية ويسكونسن في الثامن من سبتمبر (أيلول) الماضي أدان ترامب بشدة محاولات تحرير التجارة العالمية من الاعتماد على الدولار وقال بوضوح: "إذا تركت الدولار فلن تتمكن من التعامل مع الولايات المتحدة لأننا سنفرض تعريفة جمركية بنسبة 100% على بضائعك". وهذا التهديد يفسر سعي الدول المتحالفة مع تكتل البريكس إلى إيجاد بدائل للدولار على مدى السنوات الست عشرة الماضية.
وفي نوفمبر(تشرين الثاني) 2017 أثناء ولاية ترامب الأولى أشار عضو مجلس الدولة الصيني يانغ غيتشي إلى أنه أصبح "من الصعب بشكل متزايد على مفاهيم وأنظمة ونماذج الحكم الغربية مواكبة الوضع الدولي الجديد"، مؤكداً كذلك أن الحكم العالمي بقيادة الغرب "أخفق" ووصل إلى نقطة "لا يمكن إصلاحها".
وبحسب تقرير صادر عن مجموعة "بوسطن كونسالتنغ غروب" الاستشارية فقد تجاوز حجم التجارة بين دول مجموعة بريكس حجم التجارة بين بريكس ومجموعة السبع. كما تمثل دول بريكس نحو نصف سكان العالم وما بين ربع وثلث إجمالي الاقتصاد العالمي. وتستهدف هذه الدول تحقيق أربعة أهداف هي إنشاء نظام مالي بديل للنظام الغربي وتنسيق السياسة الاقتصادية بشكل أفضل والسعي إلى تمثيل أكبر في الحوكمة العالمية، والحد من الاعتماد على الدولار الأمريكي.
????????????كازاخستان حصلت على صفة شريك لمجموعة "بريكس"، وسيبدأ سريان هذا الوضع في 1 يناير 2025. pic.twitter.com/gcqFlx4aHR
— بريكس بالعربية (@BRICSinfoar) December 24, 2024ويقول ريمون تنوير حسين الباحث المساعد في مؤسسة راند كورب للأبحاث، إنه في ضوء نظرية "انتقال القوة" التي صاغها عالم السياسة أيه.إف.كيه أورغانسكي عام 1958 يمكن لروسيا والصين أن تتناوبا في قيادة مهمة الاستفادة من الجغرافيا والسكان والثقل الاقتصادي لإنشاء مجموعة جديدة من المنظمات الدولية التي يمكن أن تكون بديلًا للمؤسسات الغربية بقيادة مجموعة الدول السبع التي تتكون من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا.
وفي سعيها إلى إقامة النظام المالي البديل، أنشأت البريكس، من خلال الثقل الاقتصادي للصين، بنك التنمية الجديد، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، وتكوين الاحتياطي النقدي الطارئ من أجل تحدي الدور المسيطر لكل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويقول الأساتذة ساوري كاتادا وسينثيا روبرتس وليزلي إليوت أرميغو في كتابهم "البريكس والحكم المالي الجماعي"، كيف يوحد هذا النادي الفريد القوى الصاعدة حول مصلحتها المشتركة في "التغيير العالمي" من خلال موارد القوة العسكرية والمالية للتأثير على النتائج الدولية من خلال نظرية النادي.
في الوقت نفسه يشير المتشككون في قدرة مجموعة البريكس ومحور الصين وروسيا في إدارة نظام مالي عالمي بديل إلى التفاوتات الهائلة في القدرات الاقتصادية بين دول مجموعة البريكس ومؤسسات مجموعة السبع السائدة. ويشير أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، باري إيكنغرين، إلى أن اليوان الصيني يمثل أقل من 6% من التعاملات التجارية العالمية، في حين قيمة المعاملات اليومية التي تديرها البنوك الصينية تعادل 3% فقط من إجمالي المعاملات اليومية في الولايات المتحدة، إلى جانب استمرار الغموض المحيط بقدرة بكين على توفير السيولة والخصوصية وقوانين حماية البيانات.
كما أن الخلافات الأمنية والجيوسياسية بين بريكس تثير أيضاً شكوكاً حول ما إذا كان هذا المنتدى يمكن أن يكون مناسباً لأي نوع من التعاون. على سبيل المثال، كانت الصين والهند حذرتين منذ الاشتباكات الحدودية بينهما في 2020 والذي أدى إلى مقتل 20 جندياً هندياً وأربعة جنود صينيين، هذا الحذر دفع الهند رغم عضويتها المؤسسة في بريكس إلى تعاون دفاعي غير مسبوق مع واشنطن حيث قالت وزارة الدفاع الأمريكية أنه قبل 20 عاماً، لم يكن هناك تعاون دفاعي بين الهند والولايات المتحدة على الإطلاق، بينما اعتباراً من عام 2023، تنتج الدولتان وتطوران معا أنظمة رئيسية.
نمر من ورقورغم وجود بعض السمات المشتركة بين أعضاء بريكس مثل أنها دول غير غربية، فإن التنافسات الإقليمية والأمنية بين بعض هذه الدول يمكن أن يمنع تحول التجمع إلى منظمة كاملة العضوية ملتزمة بمعاهدة تضمن الالتزام الأمني المتبادل بين الأعضاء. كما أنه لا توجد معادلة واضحة لتحديد مواصفات الدولة المؤهلة للانضمام إلى التجمع، ولا يوجد مسار واضح لهذه الدول لرسم أي شكل من أشكال التنسيق.
وفي حين مازالت بعض الدوائر تنظر إلى تجمع بريكس باعتباره نمراً من ورق أو بيتاً من رمال كما كانت النظرة إليه في أوائل العقدين الأول والثاني من الألفية الثاثة عندما لم يكن للتجمع تلك المؤسسات المالية متعددة الأطراف بقيادة الصين، فإن دخول ترامب إلى المعادلة بسياساته الانعزالية والصدامية على رأس مجموعة الدول الصناعية السبع يمكن أن يعزز عوامل التماسك والتقارب بين دول بريكس وبخاصة بشأن قضايا مشتركة مثل التعاون في مواجهة التغير المناخي وإيجاد أطر مالية دولية جديدة لصالح الدول التي تعاني من عقوبات أمريكية أو غربية ثقيلة.
معنى هذا أن كل السيناريوهات ستكون مفتوحة بالنسبة لمستقبل تجمع بريكس في ظل الولاية الثانية للرئيس المنتخب ترامب وسياساته شديدة التقلب.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات بريكس ترامب الصين روسيا بريكس الصين روسيا ترامب الولایات المتحدة مجموعة السبع یمکن أن
إقرأ أيضاً:
رسالة مفتوحة إلى يوسف زيدان
كتب: سيروان عبدول
رسالة مفتوحة إلى الدكتور يوسف زيدان، حين يُمنَع مَن أنصفنا من الحديث باسمنا، لا يسعنا إلا أن نكتب.
أكتب إليك، وأنا كرديّ يشعر أن ما جرى لم يكن مجرّد إلغاء، بل طعنة داخلية مؤلمة - ونصرٌ مجانيّ لمشروع لا يعيش إلا بخنق الأصوات.
فالذين أسكتوا صوتك فعلوا ذلك باسمنا، لكنهم ليسوا من صوتنا ولا من جرحنا. إنهم فرسان حصان طروادة - رُكّبوا على رمزيةٍ صُنعت خارج حدودنا، وساروا بها إلى قلب قضيتنا، لا ليحموها، بل ليُسكتوها من الداخل.
وإذا كان ما وصفتموه بـ"الحملة العاصفة المفاجئة" قد جاءكم فجأة، فإنه بالنسبة إلينا امتدادٌ لمسارٍ تصاعديّ من التديين المُمنهج لمجتمعنا الكردي. لقد بات الفكر الإسلاموي، المدعوم إقليميًا من أنظمة تخشى صحوة الأكراد، يخترق نسيجنا الثقافي، ويشوّش وعينا القومي باسم وهم "الأمّة الإسلامية". الإسلامويون الكرد أنفسهم صاروا جسرًا لهذا التسلل، يرفعون رايات الدين ليمنعوا طرح الأسئلة. فالإسلام السياسي الكردي زُرِع في الجسد الكردي كوعي زائف، وتحول إلى أفيونٍ يشلّ الإرادة ويمنح الوهم بدل الصحوة.
ولذلك، فإن منع مفكر مثلكم لم يكن نتاج اختلافٍ طبيعي في الرأي، بل انعكاسٌ لثقافة تُقاس فيها حرية الكلمة بمدى انسجامها مع حساسيات مصنّعة. صار يُراد للكردي أن يغضب إذا ذُكرت رموزه بسؤال، وأن يشعر بالإساءة من التحليل. تُصاغ مشاعره سلفًا، ويوجَّه غضبه سلفًا، ويُربّى على حساسية انتقائية تهدف إلى تعميق التبعية، لا إلى تحرير الوعي.
لكن إذا أصبحت المشاعر معيارًا لما يُقال وما لا يُقال، فقد قُتلت الفكرة قبل أن تولد. الفكر الذي لا يُزعج لا يُنضج، والأمة التي لا تتحمل النقد لا تنهض.
قد تكون الكلمات قاسية، بل جارحة أحيانًا. لكن لا حرية للفكر إن كانت مشروطة بالمجاملات، ولا معنى لحق التعبير إن توقّف عند عتبة المشاعر. فالتاريخ الذي لا يُمسّ، يتحوّل إلى أسطورة، والشخصيات التي لا تُسائل، تُحوَّل إلى أصنام. وإن أغلقنا الباب على الكلمة لأننا لا نحب نبرتها، أغلقنا معه نافذة على الوعي.
ليس الهدف من هذه الرسالة الاتفاق مع كل ما قلتم أو كتبتم. فبيننا، بلا شك، مساحات من الاختلاف، وتقديرات متباينة، بل وربما مواقف متعارضة. لكن الفكر لا تُقاس قيمته بمدى اتساقه مع ما نؤمن به، بل بقدرته على زحزحة ما ظنناه ثابتًا. وحين يُمنع مفكر بوزنكم، وبإسهامكم الطويل في الأدب والفكر، فإن الخسارة لا تطالكم وحدكم، بل تطال مساحة التفكير نفسها.
فكيف يتحوّل الفكر إلى خطر، والكلمة إلى تهديد، والرأي إلى جريمة؟ يحدث ذلك حين تكون الهوية مربوطةً بالسردية لا بالحقيقة، وحين يصبح الدين أداةً لتكميم الأفواه لا لبناء الضمائر. ما أُغلق في أربيل لم يكن مجرد بابٍ لمعرض، بل فرصة لفكرٍ كان يمكن أن يُقال. وما سُكت عنه، لا ينبغي أن يُنسى، لأن الصمت هنا ليس حيادًا، بل انسحاب من الحق.
يزعم الإسلاميون الكرد أنهم يدافعون عن صورة صلاح الدين، لكن ما يحمونه في العمق هو سردية تمنح الشرعية لتاريخ لم يكن منصفًا لنا. سردية اختزلت الهوية الكردية في أدوار ثانوية داخل مشروعٍ أكبر، لم يكن لنا فيه سوى الهامش.
صلاح الدين، لدى كثير من الأكراد، رمزٌ للفخر والعزة. لكن التساؤل المشروع يظل قائمًا: فخرٌ لمن؟ وعزةٌ في أي اتجاه؟ وما معنى الرمز إن لم يكن انعكاسًا لمعاناة شعبٍ يبحث عن ذاته؟
نحن نعلم جيدًا أن مكانته لم تكن نابعة من نضالٍ من أجل الأكراد، بل من دوره داخل مشروعٍ سياسي وديني أوسع. وهذا الدور، مهما بلغ من الأهمية التاريخية، لا يمكن أن يُقدَّم كجزءٍ من وعي كرديّ حرّ يسعى لبناء سرديته المستقلة.
ومع ذلك، لا يزال هناك من يرى في تمجيده نوعًا من التقدير الذاتي، كأن الوجود في سردية الآخر يكفينا. وهذه إحدى تجليات الخلل في الوعي الذي لم يتحرر بعد من الحاجة إلى شرعية مستعارة.
ليس من الغريب أن يشعر كثير من الأكراد بالانزعاج حين يُنتقد صلاح الدين الأيوبي. فالصورة التي رُسِمت له في الوعي الجمعي الكردي ليست مجرد سيرة تاريخية، بل عزاءٌ رمزي في غياب النصر، ومحاولة للعثور على مجدٍ ما، في ظل تاريخٍ مليء بالخذلان.
وهنا تكمن المفارقة المؤلمة: أن يتوهَّم المستعمَر أن عليه أن يكون نسخة عن مستعمِره كي يستحق التاريخ. فيُقنعنا أن بطولتنا ناقصة إن لم تُشبه بطولته، وأن هويتنا باهتة إن لم تُعَمَّد بالدين، وأن روايتنا تافهة إن لم تحتوي على نسخٍ من رموزه. وهكذا، نبحث عن مرآتنا في وجوه من كسرونا.
هذه ليست مجرد قراءة مضلَّلة، بل حالة وعي زائف. وعي تشكّل تحت ضغط قرونٍ من الإخضاع، فصار يُعرّف الذات بما يُرضي الغازي، لا بما يُحرّر المقموع. لقد تبنّى العقل الكردي - دون أن يدري - سردية الإمبراطورية التي كانت بالأمس تحتلّه، وصار يرى في رموزها نصرًا شخصيًا، بينما الحقيقة أنهم كانوا جنودًا في معركة لا تخصّنا، بل كانت على حسابنا.
الإسلام، كما وصل إلينا، لم يكن هُوية روحية بقدر ما كان مشروعًا لابتلاع الهوية. وكان سيفًا يُرفَع لا لتوحيدنا، بل لتفكيكنا. والذين يُدافعون عنه اليوم، لا يُدافعون عن عقيدة، بل عن بنية سيطرة استُنسخت فينا، فصرنا نُحافظ عليها بأنفسنا.
أستاذي الفاضل، كنا نأمل أن تظلوا على موقفكم في الحضور، لا لأننا نبحث عن رموز، بل لأن ما تمثّلونه من فكرٍ نقديّ ومراجعة معرفية هو ما نحتاج إليه في لحظة يتقلّص فيها الفضاء العام.
ندرك أن الظروف كانت ضاغطة، وأن هناك من مارس نفوذًا من وراء الستار. لكن كان في حضوركم المتوقّع بارقةٌ لكسر الصمت. إننا لا نرى في ما حدث نهاية، بل بداية لوعي جديد. وعي يرى أن إعادة النظر في التاريخ ليست رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية. وأن نقد الرموز لا يعني كسرها بقدر ما يعني تحمّل مسؤولية من نرفعهم قدوة.
لأننا - وأقصد بذلك أولئك الذين يتطلّعون إلى كردستان تفكّر وتتحرّر وتنضج - لا نناضل فقط من أجل الأرض والحقوق، بل من أجل استعادة روايتنا. نحن نبحث عن الكلمات التي لم تُقل، وعن الأسئلة التي خُنقت، وعن الحقائق التي استُبدلت بولاءات لسيوفٍ ليست لنا.
ولهذا كان أثر الإسلاموية قاتلًا. لأنها لا تهيمن على سلوك الأفراد فحسب، بل تشكّل الوعي وتعيد تشكيل الهوية ببطء، حتى تصبح القيود جزءًا من الجلد. تخلط بين العقيدة والذاكرة، فتجعل القهر يبدو كوفاء. تقدّم لنا أبطالًا لم يقاتلوا من أجلنا، وتسمّيهم "تاريخنا". تمنحنا دينًا بوصفه هوية، لكن من دون أن تفسح مكانًا لاكتشاف الذات.
ولم تكن الإسلاموية وحدها. فالإسلام ذاته كان أداة هيمنة ناعمة، وهيمنة طويلة. أربعة عشر قرنًا من التغريب، لا عبر السيف وحده، بل عبر المنبر والكتب والسرديات. لقد صوّروا لنا خلاصنا على صورة من غزانا.
الإسلاميون الكرد اليوم ليسوا مجرد دعاة دين، بل أدوات أيديولوجية تهدف إلى إبقاء الكرد في حالة من التشتت الذهني. إنهم يعرفون تمامًا، أن لحظة يبدأ فيها الأكراد بالتساؤل عن سبب تمجيدهم لصلاح الدين، هي اللحظة التي سيتساءلون فيها عن سبب تبعيتهم لروايات الآخرين، وعن مصدر شعورهم بالانتماء، وعن الحق في امتلاك تاريخهم الخاص.
ولهذا كان لابد من إسكات صوتكم. لا لأنكم خصم، بل لأن صوتكم يحرّر. لأنكم جئتم بمرآةٍ تكشف عمق الالتباس، لا سطحه.