شبكة المراقبة الأمنية لنظام الأسد: وثائق تكشف حجم القمع وأبعاده
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
في واحدة من أبرز التسريبات الاستخباراتية التي توثق جرائم نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، كشفت صحيفة "صنداي تايمز" عن آلاف الوثائق التي تفضح الأساليب المرعبة التي اعتمدتها أجهزة الأمن السورية للسيطرة على المواطنين وقمع الحراك الشعبي الذي اندلع في 2011. هذه الوثائق، المكتوبة بخط اليد أو مطبوعة باللغة العربية، تبرز الطريقة التي تسلل بها النظام إلى المجتمع، مستخدمًا شبكة واسعة من المخبرين وتقنيات مراقبة حديثة لرصد كل من شك في ولائهم.
أظهرت الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة البريطانية من قواعد استخباراتية في مدينة حمص، المعروفة بـ "عاصمة الثورة"، مدى التغلغل الأمني الذي مارسه النظام. عبر التنصت على المكالمات الهاتفية، واختراق أجهزة الكمبيوتر، وزرع مخبرين بين صفوف المتظاهرين وحتى داخل العائلات، جمعت الأجهزة الأمنية معلومات شاملة عن الأشخاص.
تضمنت التقارير المراقبة الدقيقة لحياة الأفراد اليومية، مثل الأماكن التي يرتادونها، والأقارب الذين يزورونهم، وحتى تفاصيل دقيقة عن ممتلكاتهم. على سبيل المثال، وردت تقارير عن موقع مرآب للسيارات حيث قامت والدة أحد المشتبه بهم بإصلاح سيارتها، كما أُدرجت معلومات عن عدد الأبنية السكنية التي يمتلكها مشتبه آخر.
دور المخبرين: شبكات تجسس ممتدة في المجتمعاعتمد نظام الأسد بشكل كبير على شبكة ضخمة من المخبرين الذين كانوا يقدمون تقارير عن أصدقائهم وأقاربهم وحتى جيرانهم. الوثائق تشير إلى أن بعض هؤلاء المخبرين كانوا في الأصل جزءًا من حركة الاحتجاج، قبل أن يُجبروا أو يُغَروا للعمل مع أجهزة الأمن.
أحد الأمثلة البارزة كان لمخبرة كانت تتجسس على أحد أفراد عائلتها، حيث أكدت وثيقة سرية أنها قدمت سابقًا معلومات دقيقة عن تحركاته، لكنها أعربت عن خشيتها من زيارتها لمكاتب الأمن خشية اكتشاف أمرها من قبل العائلة. هذا التجسس المتغلغل أدى إلى حالة من الريبة والخوف داخل المجتمع السوري، حيث لم يعد أحد يثق في الآخر، وحتى المخبرون أنفسهم كانوا يخضعون لمراقبة مستمرة من قبل زملائهم.
محاولات طمس الأدلة: حرق السجلات
مع انسحاب القوات التابعة للنظام من بعض المناطق في حمص، حاول ضباط الاستخبارات التخلص من الأدلة التي تدينهم عبر حرق السجلات. لكن الوقت لم يسعفهم لحرق كل الوثائق، مما مكّن المعارضة المسلحة من الوصول إلى آلاف الملفات.
الصحيفة البريطانية التي دخلت إلى أربع قواعد استخباراتية في المدينة حصلت على إذن بالبحث في الوثائق ونسخها ونشرها، بشرط تغيير أسماء الأفراد والمواقع والتواريخ لحماية الجهود القضائية المستقبلية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم.
ضحايا القمع: من الأطفال إلى العاملين في المجال الإنسانيالوثائق التي حللتها الصحيفة سلطت الضوء على قسوة النظام في التعامل مع الجميع، بمن فيهم الأطفال. على سبيل المثال، تضمنت السجلات حالة صبي يبلغ من العمر 12 عامًا تم اعتقاله في حمص عام 2012 بعد أن اتهم بتمزيق ورقة تحمل صورة الرئيس.
وفقًا لتقرير الاستجواب، كان الطفل في فصله الدراسي عندما عثر على الورقة الممزقة تحت مكتبه. أُبلغ المعلم بالأمر، ثم المشرف التربوي، وأخيرًا الشرطة. رغم أن التحقيق أظهر أن الطفل لم يكن ينوي الإساءة، أُرسل للمحاكمة بعد أربعة أيام فقط من الواقعة.
كما كشفت الوثائق عن حالات أخرى مثل اعتقال عامل إنساني اتُّهم بـ "التواصل مع إرهابيين" لمجرد أنه دخل مناطق محاصرة لتقديم المساعدات. تم تجميع الأدلة ضده من خلال مراقبة نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي واختراق جهاز الكمبيوتر الخاص به.
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة قمع
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في قمع المعارضة، حيث استخدمتها الأجهزة الأمنية لرصد نشاط الأفراد. تقارير استخباراتية تضمنت تفصيلًا للمنشورات التي وُصفت بأنها "تحريضية" أو "طائفية".
على سبيل المثال، أشار أحد التقارير إلى أن رجلًا كان يعمل مع منظمة إنسانية نشر تعليقات تنتقد النظام على صفحته على فيسبوك. بعد رصده، تم القبض عليه وتعرض للتعذيب قبل أن يُقتل في السجن.
الطيور: رمز المخبرين في المجتمع
في ظل النظام السوري، كان الناس يستخدمون رموزًا للحديث عن المخبرين، وأبرزها مصطلح "الطيور". تشير الوثائق إلى أن المخبرين كانوا يعملون في جميع المجالات، من الحركة الاحتجاجية إلى الجماعات المسلحة، وكانوا يُجبرون في بعض الأحيان على الإبلاغ حتى عن أفراد عائلاتهم.
مع انهيار نظام الأسد في مناطق متعددة، يبقى السؤال مفتوحًا حول إمكانية تقديم الجناة إلى العدالة. تحدث مسؤولون في هيئة تحرير الشام عن نيتهم محاكمة المتورطين في الجرائم، لكنهم أكدوا أن هذه المحاكمات لن تتم إلا بناءً على أدلة ملموسة.
تكشف هذه الوثائق عن مدى التغلغل الأمني الذي مارسه نظام الأسد لقمع أي محاولة للتغيير. إنها تذكير بأن الأنظمة القمعية تعتمد على الخوف وعدم الثقة لتثبيت سلطتها، لكن هذا التغلغل نفسه يمكن أن يكون سببًا في زوالها عندما تُفضح ممارساتها أمام العالم.
إن الإفراج عن هذه الوثائق وتسليط الضوء على تفاصيلها يمثل خطوة نحو تحقيق العدالة، لكنه في الوقت ذاته يطرح تحديات كبيرة أمام المجتمع السوري في رحلة التعافي وإعادة بناء الثقة التي مزقتها سنوات من القمع والترهيب.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: نظام الأسد وثائق استخباراتية القمع السوري اعتقال الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي الانتهاكات الحقوقية العدالة والمحاسبة انهيار النظام تحقيق العدالة المستقبل السوري نظام الأسد
إقرأ أيضاً:
استخبارات الأسد المخلوع تترك خلفها وثائق سريّة .. ماذا تضمنت؟
سرايا - أطلعت صحيفة "وول ستريت جورنال" على وثائق تمّ التخلي عنها على عجل تظهر كيف كافح جهاز الاستخبارات الضخم التابع للنظام السوري المخلوع لفهم ما يقع على الأرض ووقف التقدم السريع "للمتمردين".
وتذكر الصحيفة الأميركية أن تقريرا مقلقا مكونا من 5 صفحات وصل إلى مكاتب ضباط الاستخبارات العسكرية في دمشق بعد أيام من هزيمة الجيش السوري في حلب بالشمال على يدّ قوات المعارضة.
وتنسب لتلك الوثائق أن القوات النخبوية التي أرسلت لتعزيز دفاعات المدينة اضطرت إلى الانسحاب حيث تراجع الجيش بطريقة جنونية وفرّ الجنود بشكل هستيري تاركين خلفهم أسلحة ومركبات عسكرية.
وتقول إن كنزا يتضمن آلافا من وثائق الاستخبارات السرية للغاية التي اكتشفها مراسلو صحيفة "
وول ستريت جورنال" في أحد المباني في كانون الأول يوثق الانهيار السريع بشكل ملحوظ للنظام الاستبدادي الذي حكم سوريا بقبضة من حديد عقودا من الزمن.
وتشير الصحيفة إلى أن نظام بشار الأسد حاول عبر تصريحاته الرسمية التقليل من مكاسب قوات المعارضة لكن الاتصالات الداخلية بين القوات الموالية للنظام عكست حالة من الذعر المتزايد.
ومن بين ما كشفته تلك الوثائق أن جهاز الاستخبارات حذر من أن "المتمردين" سوف يتنكرون في هيئة قوات النظام من خلال حمل صور الأسد ورفع العلم السوري، كما ارتفعت في تلك الأثناء مخاوف التدخل الأجنبي مع ضعف قبضة النظام.
وفي تقرير صدر في 30 تشرين الثاني، حذر الجهاز من أنه "تلقى معلومات عن اتصالات وتنسيق بين الجماعات الإرهابية في شمال سوريا وخلايا نائمة إرهابية في المنطقة الجنوبية ومحيط دمشق"، داعيا إلى تشديد المراقبة والتدابير الأمنية.
ومع تقدم قوات المعارضة، اقترح أحد تقارير الاستخبارات أن يشن الجيش السوري هجوما مفاجئا على مؤخرة جيش هيئة تحرير الشام ويضرب قاعدتهم في إدلب، متوقعا أن تزرع هذه العملية الفوضى وتخفف الضغط على القوات السورية حول حماة، لكن ذلك لم يتم، حسب الصحيفة.
ومع استمرار قوات المعارضة في الضغط، ركزت أجهزة الاستخبارات بشكل متزايد على الأمن في العاصمة، حتى إنها ركزت على ما بدا كأنه تفاصيل دقيقة، إذ أفاد أحد فروع الاستخبارات بأن العديد من الأشخاص انتقلوا مؤخرًا من الأراضي التي يسيطر عليها "المتمردون" في الشمال الغربي إلى إحدى ضواحي
دمشق، محذرين من أنهم قد يكوّنون خلايا نائمة، كما أصدرت هيئة تحرير الشام تعليمات لعملائها في ريف دمشق بالاستعداد للتحرك، وفقًا لتقرير آخر.
وتبين الصحيفة أن تقريرا أرسل في 5 كانون الأول 2025 كشف أن مصدرا من "المتمردين" المدعومين من الولايات المتحدة والمتمركزين بالقرب من الحدود الأردنية أبلغ الاستخبارات السورية أن الولايات المتحدة أصدرت لهم تعليمات بالتقدم نحو ريف درعا الشرقي ومدينة تدمر التاريخية.
ومع اقتراب قوات المعارضة من دمشق، قدم المخبرون وفقا لوول ستريت جورنال طوفانًا من المعلومات الاستخبارية عن أماكن وجود "الإرهابيين" المفترضة، وأشار أحدهم إلى أن 20 "إرهابيا" ودبابتين موجودون في مزرعة دواجن بينما لفت آخر إلى أن هيئة تحرير الشام تستخدم كهفًا في ريف إدلب مقرا لها.
وعشية انهيار النظام، توقعت وثيقة اطلعت عليها الصحيفة وصول قوات المعارضة إلى ضواحي
دمشق في غضون يومين والاستيلاء على سجن صيدنايا، وكان التوقيت خاطئًا، لكن التنبؤ الأخير أثبت صحته إذ اقتحمت تلك القوات السجن وأطلقت سراح المعتقلين بعد ساعات من فرار الأسد من البلاد، وفقا للصحيفة.
وختمت وول ستريت بالقول إن موظفي جهاز الاستخبارات السوري ظلوا أوفياء حتى آخر لحظة لنظامهم وحاولوا حمايته من السقوط وهو ما يشي به آخر سطر في آخر وثيقة: "للمراجعة والقيام بما يلزم".
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 546
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 30-01-2025 05:09 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...