في قاعة مكتبة الدولة في العاصمة برلين ووسط حضور كبير من المهتمين في الثقافة العربية وأدبها ومن طلبة الجامعات، قدم المترجم والمستعرب شتيفان فايدنير كتابه باللغة الألمانية "ديوان العرب. أجمل أشعار ما قبل الإسلامDer arabische Diwan. Die schönsten Gedichte aus vorislamischer Zeit." كما قامت المكتبة بعرض مخطوطات من الشعر العربي من القرنين السادس والسابع عشر.

ودعا مدير المكتبة الباحثين والباحثات لمزيد من العمل والبحث في المخطوطات العربية التي تحتويها مكتبة الدولة في برلين.
يعتبر هذا العمل الأول من نوعه باللغة الألمانية. فقد قام شتيفان فايدنير، مترجم محمود درويش وأدونيس وابن عربي وغيرهم، بترجمة ألف بيت من الشعر لشعراء ما قبل الإسلام إلى اللغة الألمانية بدء بامرؤ القيس مروراً بعلقمة وعنترة والسموأل وحاتم الطائي وأبي كبير الهذلي وتأبط شراً والشنفري والأعشى وعروة بن الورد والخنساء وابي ذؤيب الهذلي وصولاً إلى شعراء الرومانسية مجنون ليلى وجميل بثينة وعمر بن أبي ربيعة ثم ليلى الأخيليّة حتى ذو الرمة، شاعر الحب والصحراء.
صدر الكتاب بطبعة ممتازة قبل بضعة أسابيع عن احدى دور النشر العريقة في ألمانيا (آوفباو فرلاغAufbau Verlag )، وجاء في خمسة إجزاء ومقدمة مهمة، كتبها المترجم نفسه، وملحق يتضمن المراجع والهوامش، توزعت على 420 صفحة.
قبل 200 عام كان الشعر العربي قبل الاسلام على ألسنة الجميع في أوروبا: فقد أشاد غوته (1749 -1832) بالقصائد العربية القديمة في "ديوان الغرب شرق"، ورأى فيها ”كنوزًا رائعة لا تفنى“. كما استلهم بها بوشكين (1799 - 1837) وفيكتور هوغو (1802 - 1885) وهاينريش هاينه (1797 - 1856) وفريدريش روكيرت (1788 - 1866) الذي ترجم القرآن وتغنى بمعانيه ولغته، كما ترجم في منتصف القرن التاسع عشر مجموعة شعرية مهمة إلى اللغة الألمانية. يقول شتيفان فايدنير بأن مصطلح الأدب الكوني الذي تحدث عنه غوته عام 1827، لم يكن ممكناً دون اكتشاف غوته لآداب الشرق القديم وبشكل أساسي الشعر العربي في ذلك العصر. ويضيف: "نقدم الشعر العربي هنا ليس لكونه عربياً، بل لأنه شعراً كونياً ملهماً بامتياز."
عندما ذاع صيت الشعر العربي القديم في أوروبا، اعتُبر الشعر العربي حينها من عجائب الأدب. وبينما تغنى به غوته وغيره من كبار الأدباء الألمان، فإن منهم من تعلم اللغات الشرقية كي يقترب من الشعر العربي. وهو ما حدا بغوته لتقليد القصيدة العربية شكلاً ومضموناً.
لقد سبقت اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والروسية اللغةَ الألمانية في نقلها شعر ما قبل الإسلام العربي وأشعار العهد الاموي والعباسي إلى ثقافاتها. ولم يعرف سوى عدد قليل من المطلعين والمهتمين ماهية هذه القصائد في الثقافة الألمانية. لذا لا بد من القول إن شتيفان فايدنير بترجمته لهذه المجموعة الشعرية يقدم للمكتبة الألمانية عملاً أدبياً هاماً، ويعيد اكتشاف الشعر العربي القديم في الثقافة الألمانية، كما أنه يساهم في تعبيد طريق الترجمة من العربية إلى الألمانية شعراً ونثراً. فهو يأخذ القارئ في رحلة مشوقة إلى أصول الشعر، بل الادب العربي برمته.
إن مواضيع القصائد ليست غريبة على المتلقي الألماني، أكان ناقداً أو باحثاً أو مجرد قارئ، فهي تتناول مواضيع كالصداقة، والكرم، والإخلاص، والكرامة الانسانية، والشجاعة، والحب والصحراء، والحزن.
لقد أعاد شتيفان فايدنير هذه القصائد إلى الحياة من جديد في الثقافة الألمانية. فبفضل هذه الترجمة تتكشف أمام أعين القراء بانوراما يسكنها العشاق وسحر الصحراء بجمالها وجميلاتها، والفروسية والفارس، الحب والكراهية، الوفاء والانتقام، الشهامة والجشع، السياسة والرومانسية، النزاع والمصالحة، والعقل والجسد.
كما أنها لم يغب عن المترجم صوت المرأة العربية الشاعرة، كالخنساء، التي ترجم لها عدة قصائد من بينها قولها في رثاء أخيها:
يا عَينِ جودي بِدَمعٍ مِنكِ مِدرارِ                                                   جُهدَ العَويلِ كَماءِ الجَدوَلِ الجاري
وَاِبكي أَخاكِ وَلا تَنسَي شَمائِلَهُ                                                      وَاِبكي أَخاكِ شُجاعاً غَيرَ خَوّارِ
وَاِبكي أَخاكِ لِأَيتامٍ وَأَرمَلَةٍ                                                              وَاِبكي أَخاكِ لِحَقِّ الضَيفِ وَالجارِ
جَمٌّ فَواضِلُهُ تَندى أَنامِلُهُ                                                              كَالبَدرِ يَجلو وَلا يَخفى عَلى الساري
رَدّادُ عارِيَةٍ فَكّاكُ عانِيَةٍ                                                                 كَضَيغَمٍ باسِلٍ لِلقَرنِ هَصّارِ
أما ليلى الأخيليّة، التي اشتهرت في العصر الاموي ببأسها وشهامتها ورصانة شِعرها وبلاغة لغتها، حتى أصبحت المتحدثة باسم قومها. فيصفها فايدنير في كتابه بالدبلوماسية، في حين كان هذا الدور في العادة مقصوراً في زمنها على الرجال. يشير فايدنير إلى أن الكثير من الشعراء القدامى أشادوا بليلى الأخيلية ورأوا فيها شاعرة فاقت أكثر شعراء عصرها، وشهدوا لها بالفصاحة والإبداع. ويجد القارئ أن من الذين أعجبوا بشعرها الفرزدق، وأبو نواس، وأبو تمام، وأبو العلاء المعري.
لقد اتسم شعرها بالهدوء والايمان بالقدر والعمق الفلسفي والتأمل في الوجود. ويتبين من شعرها تأثير البيئة الأموية التي عادت فيها العصبيات القبلية إلى الظهور، وتفاخر الشعراء بقبائلهم كقولها في إحدى القصائد التي نقلها فايدنير إلى الألمانية:
طَرِبْتُ وما هذا بسَاعَةِ مَطْرَبٍ                                                      إلى الحي حَلّوا بَيْنَ عاذٍ فجُبْجُبِ
قَدِيماً فأَمْسَتْ دارُهُمْ قَدْ تَلَعَّبَتْ                                                 بِها خَرَقاتُ الريحِ من كُلِّ مَلْعَبِ
وكَمْ قَدْ رَأَى رائِيهِمُ وَرَأَيْتُهُ                                                               بِها ليَ مِنْ عمٍّ كَرِيمٍ ومِنْ أَبِ
فَوارِسُ مِنْ آلِ النَّفاضَةِ سادَةٌ                                                      ومِنْ آلِ كَعْبٍ سُؤْدَدٌ غَيْرُ مُعْقَبِ
وحيٍّ حرِيدٍ قد صَبَحْنا بِغارَةٍ                                                          فَلَمْ يُمْسِ بَيْتٌ مِنْهُمُ تَحْتَ كَوْكَبِ
يتميز عمل فايدنير في أنه نقل الشعر العربي القديم بلغة ألمانية حديثة سهلة على المتلقي الألماني، وليست مقصورة على فئة نخبوية من المهتمين بالأدب العربي والمتمكنين من اللغة العربية، مما أضاف لهذا العمل أهمية خاصة. كما قدم شرحاً سلساً لطبيعة القصيدة العربية شكلاً ومضموناً في ذلك العصر، مما يسهل على القارئ فهم السياق الذي أتت به تلك القصيدة.
ولد شتيفان فايدنير، عام 1967، ودرس الدراسات الإسلامية والفلسفة في جامعة غوتنغن وجامعة بون في ألمانيا، ودرس العربية في دمشق. يعمل مؤلفاً ومترجماً وناقداً أدبياً. حصل على جائزة كليمنس برينتانو وجائزة يوهان هاينريش فوس وجائزة الشيخ حمد للترجمة. يعيش فايدنر في مدينة كولونيا وبرلين.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات اللغة الألمانیة الشعر العربی فی الثقافة من الشعر

إقرأ أيضاً:

"غزة".. كتاب فريد من نوعه يوثق بالصور معاناة الأطفال بالقطاع

مسقط- الرؤية

صدر عن دار "السنونو" كتاب "غزة" الفوتوغرافي الذي يروي بالصورة مأساة الأطفال في القطاع الذي يتعرض لحرب إبادة عنيفة، وذلك من خلال توثيق معاناتهم اليومية، منذ 7 أكتوبر 2023 إلى نهاية عام 2024.

وتقول فداء أشتية، صاحبة الدار وهي بريطانية من أصول فلسطينية تعود إلى مدينة يافا الفلسطينية، إنها أنشأت في المهجر دارًا للنشر مخصصة لقصص الأطفال. وعن رسالة الكتاب الفوتوغرافي "غزة" تقول أشتية: "إن الهدف من الكتاب هو توثيق حياة الأطفال خلال هذه الفترة من الحرب على قطاع غزة: كيف يأكلون ويشربون، وما معنى المدرسة والحصول على الماء في تلك الظروف، وكل هذه القضايا تم توثيقها وعرضها في صور".

ويأتي الكتاب في حُلة قشيبة فاخرة، حجمه حجم طاولة القهوة، وقد صمم الغلاف من الكتَّان، وتمت الطباعة على الغلاف من الحرير، والغرض منه أن يبقى الكتاب لتبقى معه قصة معاناة الطفل الفلسطيني، معاناته بهدم مدرسته، ومعاناته بهدم مشفاهُ، ومعاناته بهدم منزله، وقتل وتهجير عائلته.

الكتاب أشبه بالوثيقة المصورة، ومعرض متنقل للصور المأساوية المروعة التي لم يشهد العالم المتحضر مثيلا لها عن قريب. تطمح "فداء" أن ينافس الكتاب "الكوفية" في تذكير العالم بفلسطين بصفتها المأساة الحية الحقيقية التي يشهدها العالم يوميا ويكاد أن ينساها.

وتوضح أشتية: "لقد قمع الاعلام الصورة المأساوية لغزة ومنع نشرها وحاسب من ينشرها وقام بتصفية الصحفيين الذين حاولوا نقل الواقع الغزاوي المأساوي للعالم، وإذا بهذا الكتاب يعيد للعالم الصورة الممنوعة، وليست أية صورة، بل صورة الطفولة في معاناتها في زمن يزعم زعماؤه بأنه أرقى الأوقات التي مرت على الطفولة في نيلها لحقوقها ولأمنها ولحريتها".

وأشارت إلى أنه وبمساعدة كل من أنس عياد وهمام الزيتونية أضيفت المقتطفات التدوينية الموجودة في نهاية الكتاب لكل صورة وما يتعلق بها من معلومات؛ حيث قاما بالتقاط الصور حصريا للكتاب. وثمنت أشتية جهود صابرين الباز، التي وثقت النزوح من خان يونس إلى دير البلح إلى مدرسة النصيرات ومخيم الشاطئ ثم البريج مرة أخرى، وقامت هذه الأم بتدوين حياتها مع بناتها الثلاثة وهن جميعهن دون سن السادسة من العمر، وما زلن مع أمهن في غزة على قيد الحياة.

وجناح "سنونو" رقمه C1-10 في معرض مسقط الدولي الحالي للكتاب، والكتاب غير ربحي، إذ ستعود الأرباح لأجل دعم مؤسسات تعنى بالأطفال في غزة.

مقالات مشابهة

  • فهد بن معيان يروي تفاصيل ضرب والدته له بسبب كتاب شمس المعارف .. فيديو
  • "غزة".. كتاب فريد من نوعه يوثق بالصور معاناة الأطفال بالقطاع
  • 29 أبريل بدء موسم «كنة الثريا» في الجزيرة العربية
  • لأول مرة.. أداء الصلاة البابوية باللغة الصينية في جنازة البابا فرنسيس
  • كاريكاتير| إعلام صهيوني باللغة العربية
  • وزير الخارجية يبحث خلال اجتماع مع السفراء والمندوبين الدائمين للدول العربية لدى مجلس الأمن تعزيز التنسيق العربي المشترك
  • البطولة العربية للرماية.. محمد أيمن يتوج بذهبية العرب في الإسكيت للناشئين برقم قياسي
  • نبوءة الباباوات: كتاب صدر قبل 900 عام يعود الى الواجهة ويتوقع قيام الساعة في2027
  • جلسة حوارية: الترجمة الألمانية الجديدة لرواية الدكتورة جوخة الحارثية الأجرام السماوية
  • «خِلال وظِلال».. ديوان جديد يُضيء سماء الشعر العُماني