سوريا والصراع على الإسلام
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
سوريا والصراع على الإسلام
عبدالله بن بجاد العتيبي
الواقع السوري الجديد هو حديث الساعة دولياً وإقليمياً، وكما هو نتيجة تراكمات الماضي المعقدة فهو في الوقت نفسه ينسج خيوط المستقبل المتشابكة، ولئن كان نظام الأسد قد نجح في شيء فقد نجح في ضمان أن يبقى مستقبل سوريا من دونه مفتوحاً على خياراتٍ ليست بالضرورة جيدةً.
ما يجري في سوريا اليوم يعبّر عن منطق التاريخ بسقوط نظام «البعث» الطائفي البائد، ولكنه لا يتجاوز ذلك إلى الحاضر فضلاً عن المستقبل، فهذا شأن الشعب السوري الذي لم يزل مغلوباً على أمره، فالمسلحون حين ينتصرون لا يفكرون كثيراً في المدنيين، وهذا حكم «العسكر»، فإذا كانت الآيديولوجيا قائدهم ورائدهم، فهذا حكم «الأصولية»، والحكم «العسكري الأصولي» له نموذج صارخٌ جرى في السودان على مدى ثلاثة عقودٍ، ومن يتابع شأن السودان اليوم يمكنه التنبؤ بمستقبل سوريا إذا تمكن منها الحكم «العسكري الأصولي».
ما الذي يمكن أن يمنع من هذا الحكم «العسكري الأصولي»؟ في الواقع اليوم هو الدولة الإقليمية غير العربية «تركيا» الراعية لهؤلاء العسكر الأصوليين منذ سنواتٍ، وهذا «استعمار» جديدٌ لا يختلف عن الاستعمار البريطاني والفرنسي قديماً، ولا عن تغوّل «الميليشيات الإيرانية» قبل سقوط نظام الأسد، وعرض الحقائق الجيوسياسية كما هي أفضل بما لا يقارن من الصمت والانتظار فضلاً عن التفكير الرغبوي البحت الذي يرسم صوراً ورديةً لسجف الليل القاتم.
السياسيون والدبلوماسيون، والكتَّاب والباحثون، المهتمون بالشأن السوري سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، لن يستطيعوا فهم ما يجري فهماً عميقاً دون اطلاعٍ واضحٍ على «الخطاب الأصولي» المعاصر، آيديولوجيا ومفاهيم، طرائق تفكير وأساليب عمل، جماعاتٍ وتنظيماتٍ، لأنهم دون هذا سيخبطون خبط عشواء في التعامل مع الحدث الضخم.
ليست المشكلة في «الجولاني» أو «أحمد الشرع» الذي أظهر براغماتية عاليةً لا تتناسب مع تاريخه وخطابه، وإنما المشكلة هي في الخطاب السائد لدى أتباعه وشركائه وحلفائه، فهم يردون على «الخرافة» فرادى، ويصدرون عنها شتى، ولهم فيها مشارب متعددة.أحد فروع الخرافات الأصولية هو «أحاديث الفتن والملاحم» أو «أحاديث آخر الزمان»، وهي مزلة أقدامٍ وتيه عقولٍ وضلالة مستحكمة، وفي التاريخ الإسلامي أسقطت دولاً وأقامت أخرى، ونشرت فتناً عمياء وشروراً لا تحصى، ويكفي قراءة تاريخ من ادعوا أنهم «المهدي المنتظر» في شرق العالم الإسلامي وغربه لمعرفة قوة الخرافة حين تستحكم.
تحدث أسامة بن لادن عن «الفسطاطين»، وروّج «تنظيم القاعدة» لأن «الرايات السود» هي حركة «طالبان»، ومن قبل ادعى «جهيمان» أن من معه كان «المهدي المنتظر»، والشواهد كثيرةٌ، واليوم يدور جدلٌ بين الأصوليين حول «الجولاني»، وهل هو «السفياني» الذي سيخرج في آخر الزمان، أو هو «الهاشمي» الذي سيقاتله، و«السفياني» سيخرج في دمشق، و«القحطاني» سيسوق الناس بعصاه، و«المهدي» سيملأ الدنيا، وتأثير الخرافة الملتبسة بالدين شديد الخطورة.
الأصوليون يحتشدون في دمشق، و«الإخوان المسلمون» يبشرون بالعودة بعد عقودٍ من الهروب، والقاعديون ينثرون آيديولوجيتهم من فوق منبر الجامع الأموي، والسلفيون الجهاديون ينازعون الجميع، وغلالة التسامح التي يلبسون رقيقةٌ تشفّ عما تحتها من كل ما يناقض التسامح.
مثل الخوارج قديماً سيتنازع الأصوليون، وستخرج الصقور الأصولية لتفترس الحمائم، ولن يستطيع المحور الإقليمي المنتصر في سوريا ضبط إيقاع الأصوليين مع سيمفونية الزمن، وسيكتفي بضمان ترسيخ مصالحه في الشمال السوري، ويترك الأصوليين يتقاتلون بعيداً عن حدوده.
أما «المناضلون من منازلهم» و«مجاهدو الكيبورد» فقد أخذوا يتوافدون على دمشق زرافاتٍ ووحداناً، ومثل «ميدان التحرير» في مصر قبل عقدٍ ونصف العقد الذي حبب لبعض الصحافيين الصحويين اعتباره محجاً نضالياً يحرمون له بالكوفية الفلسطينية على الأكتاف أصبح «الجامع الأموي» وساحات الشام محجاً لكل ساخطٍ على الدول العربية.
المحلل السياسي يمكنه فهم «الصفقة الكبرى» التي جرت في سوريا، ويمكنه تحليلها بأدواته وتفسير كيف سقط النظام سريعاً في بضعة أيامٍ، ولكن المسلحين الذين صنعوا الحدث وأنصارهم حول العالم لهم رأي آخر يتحدث عن «السفياني» الذي كل «من شاهد رايته انهزم»، وهذان تفسيران لحدثٍ معاصرٍ واحدٍ، فأيهما سيكون الأكثر تأثيراً في قابل الأيام؟
الاحتشاد الأصولي في سوريا مؤشرٌ ذو دلالتين: الأولى، أن الأصوليين مجتمعون لحظة النصر، ولكنهم سيفترقون بعدها، فما الذي يجمع «الإخوان» بـ«السلفيين»، وما الذي يؤلف بين «حزب التحرير» و«تنظيم القاعدة»، والثانية، أن هذا الاجتماع مؤذنٌ بصراعٍ جديدٍ على الإسلام، تمثيلاً وتأويلاً، والإسلام هو «السُّنَّة»، فالصراع سيحتدم على من يمثل «السُّنَّة».
أخيراً، فالبسطاء لا يعرفون قوة الأفكار الهائلة؛ ولذا لا يعنيهم مثل هذا الجدل، ولكن قَدَر الأمم أن تقودها النخب التي تعي هذه القوة، وتحسن التعامل معها.
*نقلا عن الشرق الأوسط
الوسومالاخوان المسلمين الجولاني القاعدة سوريا
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاخوان المسلمين الجولاني القاعدة سوريا
إقرأ أيضاً:
يضع وشم كافر ولا يغسل يديه.. تعرف على وزير الدفاع الأميركي
في يناير/كانون الثاني الماضي 2025 وفي جلسة استماع له في مجلس الشيوخ الأميركي، قال بيت هيغسيث مدافعا عن اختيار دونالد ترامب له: "صحيح أنني لا أملك سيرة ذاتية مشابهة لسير وزراء الدفاع خلال العقود الثلاثة الماضية، لقد وضعنا مرارا وتكرارا أشخاصا على رأس البنتاغون بالمؤهلات الصحيحة المفترضة.. إلى أين أوصلنا هذا؟".
ورغم هذه الروح الساخرة التي أبداها للسائلين له، بل والسخرية من المسار التقليدي لتعيين وزراء الدفاع في تاريخ الولايات المتحدة، واعتراض أعضاء مجلس الشيوخ، فقد ثُبّت تعيين وزير الدفاع بيت هيغسيث أخيرا وسط جدل كبير حول مؤهلاته وتاريخه المثير.
وتحوّل الرجل من جندي في الجيش الأميركي في حروب العراق وأفغانستان إلى معلق سياسي بارز في قناة "فوكس نيوز" ومن ثم المذيع المفضل لترامب كما كان يوصف، ثم أخيرا إلى منصب وزير الدفاع الأميركي.
واللافت أن هيغسيث لم يكن مجرد صوت عابر في الساحة السياسية الأميركية أو مذيع موتور، إذ اتَّسمت تصريحاته بالجرأة والتطرف، الأمر الذي جعله رمزا لتيارٍ محافظ متشدِّد يرى العالم من خلال عدسة صراع حضاري لا هوادة فيه.
فمَن بيت هيغسيث؟ وما أبرز مواقفه وتصريحاته الغريبة تجاه الإسلام والقضية الفلسطينية؟
وُلد بيت هيغسيث في عام 1980 في ولاية مينيسوتا الأميركية، ووفقا لتقرير نشرته الجزيرة نت فإنه تلقى تعليمه الثانوي في مدرسة "فورست ليك" في الولاية ذاتها، قبل أن يلتحق بجامعة برينستون حيث حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 2003، ثم واصل بعدها دراسته العليا في كلية "جون إف. كينيدي" التابعة لجامعة هارفارد، ونال منها درجة الماجستير في السياسات العامة عام 2013.
إعلانبدأت أفكاره السياسية بالبزوغ خلال فترة رئاسة جورج دبليو بوش، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. في تلك الفترة، كان طالبًا جامعيًا، وقد عبّر عن تأييده للتدخل العسكري عبر مقال نشره في صحيفة الجامعة، دافع فيه عن خيار استخدام القوة.
ومن ثم كان هيغسيث من أبرز المؤيدين لغزو العراق عام 2003، ليس فقط من منطلق نظري، بل من خلال مشاركته الفعلية كجندي في صفوف الجيش الأميركي خلال تلك الحرب، إلا أن موقفه من هذا الملف تغيّر جذريًا بمرور الوقت، ليصرّح لاحقا بعد قرابة عقدين بأن الولايات المتحدة "ما كان ينبغي لها أبدًا أن تغزو العراق".
وفي أثناء خدمته في حروب العراق وأفغانستان حصل على ميداليتين برونزيتين لشجاعته، وعقب تركه الخدمة العسكرية اتجه إلى العمل السياسي والإعلامي، ليصبح وجها مألوفا في قناة "فوكس نيوز" منذ عام 2014.
كما ألف كتابًا بعنوان "في الميدان" (In the Arena) في 2016، وفيه عبّر عن آرائه حول القيادة الأميركية والصراعات العالمية.
وبحسب ما ورد في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فإن ترشيحه لمنصب وزير الدفاع جاء كجزء من رؤية ترامب لتعيين شخصيات متشددة في إدارته الجديدة، مما يعكس ثقة الرئيس الأميركي في مواقف هيغسيث الجريئة، بل وصفت الصحيفة هذا التعيين بمثابة استعراض للقوة.
ومن بين هذه المواقف الجريئة التي أعلنها هيغسيث صراحة انتقاده لمفهوم "التنوع هو قوتنا" في الجيش الأميركي، ففي فبراير/شباط 2025، وصف هيغسيث عبارة "التنوع هو قوتنا" بأنها "أغبى عبارة في تاريخ الجيش"، معبرا عن رفضه لسياسات التنوع والشمولية والمساواة في القوات المسلحة.
وقد تساءل ذات مرة عن سبب اختيار الجنرال تشارلز كوينتون براون جونيور المعروف بـ"سي كيو براون"، كأول أميركي من أصل أفريقي يقود هيئة الأركان المشتركة في الفترة ما بين 2023 و2025، وقد أُقيل براون من منصبه مع مجيء هيغسيث، الأمر الذي أثار جدلا واسعا حول مواقفه من التنوع في الجيش.
لكن ما يلفت النظر في هيغسيث ليس فقط خلفيته العسكرية اليمينية أو دوره الإعلامي، بل لغته الحادة التي لا تعرف المهادنة، وخاصة ما يتعلق بتصريحاته حول الإسلام والمسلمين في قضايا مختلفة.
إعلانلم يُخفِ بيت هيغسيث يوما رؤيته المتشددة تجاه الإسلام، وهي رؤية يراها البعض امتدادًا لفكر "الحروب الصليبية" الحديثة، فيقول في كتابه "في الميدان": "الإسلام، وخاصة الإسلاموية، قائم على تقاليد دينية مُغلقة ومُتصلبة".
تبدو هذه النظرة المتشددة تجاه الإسلام بصورة جلية حين نفتش في كتابه السابق عن المؤثرات الفكرية التي اعتنقها وزير الدفاع الأميركي في هذه الرؤية التي تصف الإسلام والإسلاموية على حد وصفه بالانغلاق والتصلب، فسنجد مع النظرة الصليبية التاريخية التقليدية، تأثرا واضحا بأفكار فرانسيس فوكوياما حول نهاية التاريخ، وضرورة صدام الحضارات وخاصة الإسلام الذي يعد مهددا لعصر ما بعد الحداثة.
تظهر أفكار هيغسيث جلية في أثناء انتقاده تقليل عدد القوات الأميركية في العراق بعد 2011، ففي كتابه السابق يرى -وهو الشاهد في الوقت عينه- أن زيادة القوات عام 2007 في العراق وتغيير الإستراتيجية الأميركية كان التطبيق الفعال للقوة الأميركية اللازمة لتحقيق نتيجة جيدة.
يقول: "تُثبت دروس هذا الجهد -بالإضافة إلى فائدة الإدراك المتأخر- أن أميركا المنخرطة والعدائية والقوية أكثر فعالية من أميركا الخجولة والمعتذرة التي تقود من الخلف".
ويبدي هيغسيث موقفا متعصبا من الحركات الإسلامية كافة، ويحذر من خطرها وضرورة الوقوف أمامها، ففي كتابه "في الميدان" نراه يقول: "الإسلاموية الزاحفة -وهي حركة مكرّسة لفرض هيمنة الإسلام ونشره بوسائل سلمية وعنيفة على حد سواء- تتقدم، في حين تتراجع المساواة الأميركية. متى وأين ستتوقف؟ لن تتوقف إلا إذا نهض المواطنون الصالحون وواجهوها".
وهو يدرك أن كثيرا من أطروحاته وتصريحاته تتسم بالعدائية الشديدة والتطرف ويعترف بهذا حين يصفُ النقاد موقفه هذا بالتعصب، ولكن من وصفهم بالمواطنين الصالحين ممن يخوضون غمار الواقع يدركون أن الأمر لا علاقة له بالتعصب، "بل بكل ما يتعلق بالحفاظ على مبادئ جمهوريتنا الهشة وشريان حياتها. المسألة تتعلق بأميركا فقط".
ومع هذه المواقف وفي عام 2020 أصدر بيت هيغسيث كتابه الآخر، والأكثر إثارة للجدل بعنوان "الحملة الصليبية الأميركية" (American Crusade)، وفيه نرى بوضوح لا ريبة فيه أن هيغسيث يصارع بلا هوادة كل من يخالف أفكاره السياسية والدينية التي تنحو منحى التطرف اليميني الجلي، ويرى أن معظم هذه التيارات الفكرية يسارية كانت أم إسلامية أشد خطرا على واقع ومستقبل الولايات المتحدة.
إعلانولهذا السبب يرى أن امتلاك الولايات المتحدة لأقوى اقتصاد وأقوى جيش في العالم لا يُعفي مؤسساتها الثقافية والتعليمية التي يصفها بـ "روح أميركا" من خضوعها "للفساد اليساري"، وأنه لا تكفي القوة العسكرية والثروة العالمية وحدهما للحفاظ على مبادئ أميركا التأسيسية، ومن ثم فإن الحل من وجهة نظره يكمن في "الهزيمة الحاسمة لليسار، لا يمكن، ولن تتمكن أميركا من البقاء على قيد الحياة بطريقة أخرى".
بل يذهب هيغسيث إلى أبعد من ذلك في كتابه هذا، ويعلن أن الحل الشامل للفترة الحالية من التاريخ الأميركي "تستدعي حملة أميركية صليبية. نعم، حرب مقدسة من أجل قضية الحرية الإنسانية العادلة".
وفي الكتاب ذاته يكشف وزير الدفاع الأميركي هيغسيث عن موقفه تجاه الإسلام صراحة، ونراه لا يختلف كثيرا عن كتابه السابق "في الميدان" فهو يرى أن "الإسلاموية المستمدة مباشرة من الإسلام والقرآن، هي النظرة العالمية الأكثر تماسكا وانتشارا، بل والأكثر عدوانية على كوكب الأرض اليوم".
ومن هذا المنطق فهو يرى أن ما وصفهم بالمسلمين المعتدلين "لا يحاربون الإسلاميين فحسب، بل يحاربون أيضًا الجزء الأعظم من العقيدة والتاريخ والتقاليد الإسلامية، وإن جوهر الإسلام الحقيقي أقرب إلى الإسلاميين منه إلى المعتدلين".
وكما دعا إلى إعمال الروح الصليبية الكامنة في المجتمع الأميركي للتخلص من لوثة اليسار المستولي على روح أميركا في مؤسساتها الثقافية والتعليمية والسياسية، فإن الأمر عينه يجب أن يحصل مع من وصفهم بالإسلاميين.
يقول في موضع آخر: "كما تصدى الصليبيون المسيحيون الأوائل جحافل المسلمين في القرن الثاني عشر، سيحتاج الصليبيون الأميركيون اليوم إلى استجماع الشجاعة نفسها ضد الإسلاميين… فإلى جانب الشيوعيين الصينيين وطموحاتهم العالمية، تُعدّ الإسلاموية الخطر الذي يتهدد الحرية في العالم".
إعلانولهذا السبب يرى هيغسيث أن المعركة صفرية "لا يمكن التفاوض معها (أي الإسلاموية) أو التعايش معها أو فهمها، بل يجب تهميشها وسحقها".
أما الأمر الذي أثار الجدل في أواخر مارس/آذار الماضي وسط هذه الغابة من التصريحات والأفكار، حين ظهر وزير الدفاع الأميركي في أثناء زيارته إلى قاعدة بيرل هاربر-هيكام الجوية والبحرية، وفيها شارك مع الجنود في تدريبات اللياقة البدنية، وقد أظهرت إحدى الصور وَشما على ذراع هيغسيث يحمل كلمة "كافر" مكتوبة باللغة العربية خلال مشاركته في التدريبات مع الجنود.
كما ظهرت أسفل كلمة "كافر" عبارة "Deus Vult" باللاتينية التي تعني "إرادة الإله"، وهي الكلمة التي كانت شعارا لعامة الناس من الأوروبيين المتحمسين حين أعلن البابا أوربان الثاني عام 1095 انطلاقة الحملات الصليبية على العالم الإسلامي في مجمع كليرمونت بوسط فرنسا، وهو الأمر الذي يؤكد أن هيغسيث متشبع بعصر الحروب الصليبية على الشرق الإسلامي بحمولاته الثقافية والعقدية إلى حد الثُّمالة.
وإذا كانت مواقف هيغسيث من الإسلام والإسلاميين والتاريخ الإسلامي متشددة إلى هذه الدرجة، فإن نظرته إلى الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لا تقل حدة، إذ يعتبر هيغسيث إسرائيل "حليفا إستراتيجيا لا غنى عنه" للولايات المتحدة، ويدعم بقوة سياساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد زار إسرائيل عدة مرات حيث رصدت الصحافة الإسرائيلية أهم تصريحاته، ففي الزيارة الأولى التي قام بها في يونيو/حزيران 2016 والتقى أثناءها بعدد من كبار الشخصيات الإسرائيلية في فندق الملك داود في القدس ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أن معلق قناة فوكس نيوز الأميركي وقتئذ هيغسيث انتقد حينها السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بزعامة باراك أوباما، ودعا إلى ضرورة الاقتداء بإسرائيل قائلا: "أميركا قادرة على التعلم من إسرائيل" وهو العنوان الذي وضعته الصحيفة في صدارة تقريرها.
إعلانوقصد هيغسيث من وراء تصريحه ذلك بحسب جيروزاليم بوست إلى أن تدرك الولايات المتحدة الأميركية القيم التي تتمتع بها إسرائيل، مثل إدراك الحاجة إلى "الدفاع الجماعي"، أو ثقافة امتلاك الجميع للسلاح، وامتلاك ثقافة واقتصاد قويين، "هي شيء يمكن للولايات المتحدة أن تتعلم منه" بحسب وصفه.
هذا الإلهام الإسرائيلي الذي اقتنع به هيغسيث جعله في زيارته الثانية لها في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 وأثناء الفترة الرئاسية الأولى لزعيمه المفضل دونالد ترامب لأميركا يعلن صراحة أنه "لا يوجد سبب يمنع إعادة بناء الهيكل"، وأن لشعب إسرائيل الحق الكامل في "أرض إسرائيل والحرم القدسي".
أبدى هيغسيث في هذه الزيارة تبنيًا للرواية الصهيونية بحذافيرها، فقد وصف الأراضي الفلسطينية المحتلة بيهودا والسامرة، ورأى أن المعجزات التي تحققت في تاريخ إسرائيل الحديث في إبان النشأة والظهور والانتصارات العسكرية التي حققتها واردة التكرار.
يقول: "كان عام 1917 معجزة، وعام 1948 معجزة، وعام 1967 معجزة، وفي عام 2017، كان إعلان القدس عاصمة لإسرائيل معجزة، ولا يوجد سبب يمنع معجزة إعادة بناء الهيكل في الحرم القدسي الشريف. لا أعرف كيف سيحدث، وأنتم لا تعرفون كيف سيحدث، لكنني أعلم أنه ممكن، هذا كل ما أعرفه".
وختم هيغسيث حديثه قائلا: "إحدى خطوات هذه العملية هي الاعتراف بأهمية الحقائق والأنشطة على الأرض. لهذا السبب، فإن زيارة يهودا والسامرة، مع إدراك أن السيادة على الأراضي الإسرائيلية ومدنها ومواقعها، هي خطوة حاسمة لكي نثبت للعالم أن هذه الأرض هي أرض اليهود، وأرض إسرائيل".
وخلال جلسة استماع تأكيد ترشيحه لمنصب وزير الدفاع في 14 يناير/كانون الثاني 2025، أعرب هيغسيث عن دعمه القوي لإسرائيل في حربها ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، قائلا: "أدعم إسرائيل في تدمير وقتل كل عضو من حماس".
إعلانوعندما سُئل عما إذا كان يعتبر نفسه "صهيونيًا مسيحيا"، أجاب هيغسيث: "أنا مسيحي وأدعم بقوة دولة إسرائيل ودفاعها الوجودي، والطريقة التي تقف بها أميركا بجانبها كحليف عظيم".
وفي مقابلة لاحقة مع قناة فوكس نيوز بتاريخ السادس من فبراير/شباط 2025، ناقش هيغسيث اقتراح الرئيس ترامب بإمكانية تدخل الولايات المتحدة في غزة لإعادة إعمارها، مشيرًا إلى أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة".
ورغم قصر عُمر هيغسيث في وزارة الدفاع الأميركية، ورؤيته اليمينية المتشددة في كتبه ومقابلاته كما مرّ بنا، فإن سلسلة من التصريحات والأفكار الصادمة واللافتة لا يكفيها حجم هذا التقرير، فهو يؤمن بأن "أميركا قوية من جديد" تعني أن مصالحها مقدمة على مصالح الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بل والمؤسسات الدولية كافة.
وهو يتشكك في قضايا المناخ واتفاقياته، ويرى أن المصالح الأميركية الاقتصادية مقدمة على هذا الأمر.
كما يؤمن بأمور أكثر غرابة من ذلك، ففي عام 2019 قال إنه لم يغسل يديه منذ 10 سنوات، بل ولا يعتقد بوجود الجراثيم، وهو ما أثار انتقادا واسعًا حينها، وجاء اعتراف هيغسيث خلال نقاش في برنامجه حول تناوله شريحة بيتزا بقيت خارج الثلاجة ليوم كامل، وهو أمر لم يرَ فيه أي مشكلة على الإطلاق.