أسطورة المثالية الأميركية لتشومسكي.. كيف تُهدد السياسة الخارجية الأميركية استقرار العالم؟
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
صدر في الآونة الأخيرة عن دار نشر بنغوين كتاب جديد للمفكر والناشط والأكاديمي الأميركي نعوم تشومسكي، بالتعاون مع ناثان روبنسون، تحت عنوان: "أسطورة المثالية الأميركية: كيف تُعرِّض السياسة الخارجية الأميركية العالم للخطر".
يقدم تشومسكي رفقة زميله بالكتاب، نقدًا عميقًا للسياسة الخارجية الأميركية ومفهوم الاستثنائية الأميركية، مسلطًا الضوء على الكيفية التي أدت بها التدخلات الأميركية المتكررة بالصراعات العالمية إلى تفاقم النزاعات.
ومن الجدير ذكره أن تشومسكي، المعروف بنقده اللاذع لما يسميه "الليبرالية المتوحشة" وللسياسة الخارجية لحكومات بلاده، وخاصة تدخلاتها العسكرية منذ الثلث الأخير من الـ20، الذي بلغ الـ97 من عمره في السابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، قد تعرض لسكتة دماغية وتدهورٍ في صحته خلال العام الحالي.
تم إنجاز الكتاب قبل عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقبل إصابة تشومسكي بالسكتة الدماغية. وقد قام المؤلف المشارك ناثان روبنسون بتحليل هجمات حماس وتداعياتها في ملحق الكتاب، مستخدمًا منهجية تشومسكي التحليلية.
إعلانتعليقا على الكتاب، كتب ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، قائلًا: "لقد أثبت نعوم تشومسكي صحة رؤيته… إن سجل النفاق [للمسؤولين الأميركيين] الذي يسرده المؤلفان صادم ومقنع. ولا يمكن لأي قارئ منفتح الذهن أن يطالع هذا الكتاب ويستمر في تصديق المبررات الزائفة التي يسوقها زعماء الولايات المتحدة لتبرير أفعالهم السافرة".
وأضاف دانيال غيري، أستاذ التاريخ الأميركي في كلية ترينيتي بدبلن، أن تحليل تشومسكي كان "بسيطا ويمكن توقعه"، ولكنه كان "صائبًا في 9 حالات من أصل 10".
على مدى أكثر من 6 عقود، كرَّس نعوم تشومسكي جهوده لكشف الأيديولوجيات الحاكمة وانتقاد استخدام بلاده المنفلت للقوة العسكرية (الفرنسية) العدوانية واللاأخلاقيةيُمثِّل كتاب "أسطورة المثالية الأميركية" نذير خطر عاجل، يُنبِّه إلى التهديد الذي تُشكِّله القوة الأميركية على مستقبل البشرية، هذا فضلا عن كونه اتهاما صريحا للسياسة الخارجية الأميركية وأساطيرها "القومية" الداعمة لها. يُقدِّم الكتاب عرضا شاملا، في توقيتٍ بالغ الأهمية، للانتقادات الحادة للقوة الأميركية التي جعلت من تشومسكي "ظاهرة عالمية"، وأحد أشهر المفكرين على الإطلاق. ومن خلال استعراضٍ تاريخي للنشاط العسكري والاقتصادي الأميركي حول العالم، يتتبع الكتاب الكيفية التي أحدث بها السعي الأميركي للهيمنة العالمية دمارا في بلدٍ تلو الآخر.
ومن المفارقات العجيبة، أن تلك الهيمنة العقيمة لم تجعل الأميركيين أكثر أمانا. كما يستكشف الكتاب كيف روَّجت النخب الأميركية المهيمنة لأساطير أنانية حول التزام أميركا بـ"نشر الديمقراطية"، في حين تنتهج سياسة خارجية متهورة تخدم مصالح فئة قليلة من الناس وتُعرِّض للخطر مئات الملايين.
يجول الكتاب عبر أرجاء العالم، مُقدِّما سردا عميقا لعلاقة واشنطن بدول الجنوب العالمي، ودورها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وغزو العراق وأفغانستان، وكلها مُبرَّرة بحكايات نبيلة عن مهمات وبعثات إنسانية ونوايا خيِّرة لصانعي السياسات الأميركية.
إعلانيرى المؤلفان أن نفس أنواع الأساطير التي أدت إلى حروب كارثية متكررة، تدفعنا الآن نحو صراعات مع روسيا والصين تُعرِّض مستقبل البشرية للخطر. وبفحص قضايا الانتشار النووي وتغير المناخ، يتجلى كيف تُفاقم سياسات الولايات المتحدة التهديدات العالمية.
وعلى مدى أكثر من 6 عقود، كرَّس نعوم تشومسكي جهوده لكشف الأيديولوجيات الحاكمة وانتقاد استخدام بلاده المنفلت للقوة العسكرية. لذا، يُعَدُّ هذا العمل مدخلا سهل القراءة للقناعات التي كوَّنها بعد حياة طويلة من الفكر والنشاط.
يسرد الكتاب قصة شاملة عن العدوانية واللاأخلاقية الأميركية بلغة بسيطة، بل وحتى بريئة. إنه أداة تعليمية قيِّمة وفعَّالة للشباب مع انخراطهم في عالم السياسة. فلطالما كانت موهبة تشومسكي في ردِّ الأفعال الجيوسياسية إلى علاقاتها الأساسية بالمثل والمساواة. وهذا الكتاب حُجَّة شاملة على أن الولايات المتحدة تعمل دائما من موقف الهيمنة والعنف والاستبداد تجاه الأمم الأخرى. إنه وثيقة تمهيدية يمكن الرجوع إليها لفترة طويلة بعد القراءة الأولى.
Have been so proud to work on this book over the last few years, and it’s finally coming into print. It totally destroys self-serving U.S. mythology about our benevolent commitment to freedom and justice, & exposes the true face of American power. Coming from @penguinpress in Oct pic.twitter.com/CeC6m0Uev5
— Nathan J Robinson (@NathanJRobinson) May 15, 2024
خطر الإمبريالية الأميركيةيكتب تشومسكي بوضوح مطلق وسخرية لاذعة، وقراءة أعماله مفيدة حقًا لمن يجهلون الحقائق التي يكشفها، والتي نادرًا ما تُناقَش في وسائل الإعلام الأميركية أو تُدرَّس في مدارسها. يُظهِر تشومسكي كيف ترفض أميركا مرارًا وتكرارًا قبول نفس القيود على سلوكها التي تطالب الآخرين بالالتزام بها، مما يؤدي إلى نتائج كارثية.
إعلانسنجد نقدا قويا لأيديولوجية التدخلات الخارجية الأميركية ومكانتها كقوة عالمية، وأطروحة حول كيفية تهديد سعيها المتغطرس لـ"نشر الديمقراطية" للتوازن الدقيق للسلام العالمي وصحة كوكبنا المتدهورة بالفعل. ويصبح تحليل الكتاب من الأعلى إلى الأسفل ثاقبًا ولافتًا، خاصة في الفصل الأخير الذي يحلل كيف تستفيد النخب العالمية من الوقود الأحفوري القاتل للعالم.
كان تشومسكي ناقدًا صريحًا للإمبراطورية الأميركية طوال حياته، ويركز هنا على الأساطير المؤسسة للتوسع الإمبراطوري، وعلى وجه التحديد فكرة أن انتشار الديمقراطية (بغض النظر عن الأساليب) هو خير خالص. الكارثة تكمن في رجال أقوياء في الغرف المغلقة يعتقدون أنهم حكماء ويرتكبون أكبر قدر من الضرر.
يرى تشومسكي أن أميركا يجب أن تُكبح، وهو يدافع عن هذه الحجة بحماس. ويؤكد أن هذا يجب أن يُفهم كنداء لإنهاء النفاق الأميركي، ولإدخال بُعد مبدئي أكثر اتساقًا في علاقات أميركا بالعالم. وبَدَلًا من افتراض "الإحسان" الأميركي، ينبغي التدقيق النقدي في طريقة ممارسة الحكومة الأميركية لسلطة لا تُضاهى حتى الآن.
تبديد الأسطورةيتحدى الكتاب أسطورة الأهداف والآثار المثالية النبيلة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في النصف الأخير من القرن الـ20، على مدى 300 صفحة (بالإضافة إلى 100 صفحة أخرى من الاقتباسات الدقيقة والملاحظات الختامية).
يقدم هذا الكتاب مسحا نقديا شاملًا، رأسيا وأفقيا، للسياسة الخارجية الأميركية، ويستهدف مباشرة جمهور أميركا الشمالية، ساعيا لتبديد أسطورة أن الولايات المتحدة مكرسة لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويرى المؤلفان أن مثل هذه الفكرة تتعارض مع حقائق السياسة الخارجية الأميركية، بل ويؤكدان أن "الولايات المتحدة غالبا ما تصرفت بتجاهل شبه كامل للمبادئ الأخلاقية وسيادة القانون، باستثناء الحالات التي تخدم فيها هذه المبادئ مصالح النخب الأميركية".
إعلانوفي مواجهة العقيدة السائدة التي تعزو هذا الضرر إلى أخطاء عرضية، يتحدى المؤلفان أهمية وجود مثل هذا "الإحسان" الأميركي المفترض عبر سرد الضرر الملموس الذي ألحقته أميركا بمعظم دول العالم منذ توليها دور الهيمنة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية.
يتجنب المؤلفان الانتقادات التي تعتبرهما معاديين لأميركا ببساطة، وهو هجوم شائع ضد تشومسكي طوال حياته المهنية الطويلة. لكنهم بدلا من ذلك يزعمون ببساطة أن "مطالبهم الأساسية متواضعة. فالولايات المتحدة ليست شريرة على نحو فريد، وليست أسوأ من قوى حاكمة أخرى. بل إنها قوية بشكل خاص، وهي مفتونة بأسطورة زائفة خطيرة".
المنتقدون الذين يقولون إن تشومسكي مهتم بالولايات المتحدة بشكل خاص، ينجحون في رؤية جوهر المسألة لكنهم يغفلونها تماما. صحيح أن تركيزه منصب على جرائم الولايات المتحدة، وبخاصة في ضوء وضعه كمواطن أميركي، لكن هذا التركيز لا يقلل بطبيعته من شأن تصرفات الدول والقادة الآخرين. بل إنهم ببساطة يطبقون على أميركا معايير يرتاح الخطاب السائد في أميركا الشمالية إلى تطبيقها على بلدان أخرى في حين يتجاهل هذا الخطاب جرائم الولايات المتحدة أو يقلل من أهميتها.
يقول المؤلفان:
"لم تفكر أي قوة حاكمة في نفسها على الإطلاق على أنها شريرة. إنها تعتقد أنها طيبة، وأن خصومها هم الأشرار. ويتعين علينا أن نتأكد من أننا لا نقع في فخ الاعتقاد بأننا على الجانب الصحيح لمجرد أنه جرى تلقيننا هذا الأمر"
بدون إنكار أو تبرير جرائم روسيا والصين مثل غزو روسيا لأوكرانيا أو قمع الصين للإيغور يلفت الكتاب الانتباه لتصرفات أميركية لا يمكن الدفاع عنها كذلك في نفس المجالات (رويترز) المثالية قيد التنفيذيحمل الجزء الأول من الكتاب عنوانًا ساخرًا "السجل: المثالية قيد الفعل" أو قيد التنفيذ، ويأخذ القارئ في جولة عبر قائمة طويلة من الفظائع التي قادتها أميركا أو تغاضت عنها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. في الفصل الأول، يناقش المؤلفان دور الولايات المتحدة في الانقلابات العسكرية، والفظائع، وتغيير الأنظمة المختلفة، والتدخلات العسكرية الأميركية في إندونيسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط.
إعلانلا يسلط الكتاب الضوء فقط على التكلفة البشرية المجردة لسياسات أميركية عديدة، مثل عشرات الآلاف الذين قُتلوا أو اختفوا قسرا على يد حكومات دكتاتورية بأميركا اللاتينية مدعومة أميركيا، بل يلفت الانتباه أيضًا إلى الانفصام بين مُثل أميركا وقيمها المعلنة وبين أفعالها، مما يُظهر نمطا متواترًا من تجاهل حقوق الإنسان في دعمها للدكتاتوريات اليمينية بأميركا اللاتينية الموالية لمصالح أميركا الشمالية الجيوسياسية والاقتصادية.
مهما افتقدت هذه الفصول للجِدّة، لكنها تعوض ذلك بوضوح التوليف والتركيب، وتقدم تمهيدًا ممتازًا للمبتدئين من منظور مناهض للإمبريالية. أما بقية الجزء الأول فهو تاريخ لجرائم أخرى قادتها الولايات المتحدة، بما في ذلك حرب الإبادة الجماعية في جنوب شرق آسيا في فيتنام ولاوس وكمبوديا، وغزو العراق وأفغانستان، والدعم الأميركي السياسي والمالي التاريخي المستمر للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
تشكل هذه الفصول، المكتوبة جيدًا والمستندة إلى بحث شامل، المجال الأساسي لتشومسكي، وقد تحدث وكتب كثيرًا عن هذه القضايا. قد يشعر القراء الذين يبحثون عن وجهات نظر جديدة حول هذه القضايا بخيبة أمل، لكن هذا التكرار يتعلق بثبات تشومسكي الذي دام عقودًا وليس بكسلٍ بحثي أو تبسيطٍ وتسطيحٍ فكري.
ولعل من الفصول الأكثر أهمية تلك التي تتناول علاقات الولايات المتحدة بروسيا والصين، وهما قوتان كبريان يتم تقديمهما غالبًا لعامة الناس في أميركا الشمالية كعدوين شريرين. وبدون إنكار أو تبرير جرائمهما الثابتة والشنيعة، مثل "غزو روسيا لأوكرانيا" أو قمع الصين لمواطنيها الإيغور (تركستان الشرقية)، يلفت المؤلفان الانتباه أيضًا لتصرفات أميركية لا يمكن الدفاع عنها كذلك في نفس المجالات.
يلقي المؤلفان ضوءًا على توسع حلف شمال الأطلسي بعد الحرب الباردة باعتباره محفزًا لنزعة المغامرة العسكرية الروسية، ويعيدان صياغة المناقشة حول العدوان العسكري الصيني المزعوم في سياق جهود الولايات المتحدة منذ عقود للسيطرة على المحيط الهادي.
إعلانهذه الفصول تستحق الملاحظة لأنها تقدم وجهات نظر تفتقدها بشدة معظم المناقشات السائدة حول صراع القوى العظمى، أكثر من الوعي العام بالشرق الأوسط، أو أميركا اللاتينية، أو جنوب شرق آسيا. يرى المؤلفان الصراع الغربي مع روسيا والصين أقل شبها بمعركة بين الخير والشر، وأكثر شبها بمسرحية عالمية للعبة مخاطرة، حيث تكون المخاطر التي تفاقمت بسبب تهديدات مزدوجة، من تغير المناخ والحرب النووية، أعلى بكثير.
فهم نظام القوة
يتناول الجزء الثاني من الكتاب، بعنوان "فهم نظام القوة"، بإيجاز الأصول المحلية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، والطرق التي يساعد بها صناع الرأي النخبة في الدعاية بين الجمهور، إما بتحريف المغامرات الأميركية أو بعدم مناقشتها أصلا، وهو الأكثر شيوعا. ويدرس إجمالا الطرق التي يؤثر بها الإعلام الأميركي على الرأي العام بشأن السياسة الخارجية.
يغطي معظم هذا القسم القضايا الأساسية لتشومسكي، حيث يعيد توصيل أفكار نُقلت منذ فترة طويلة، مثل الطرق التي "تصنع بها الصحافة الأميركية الموافقة والإقرار" بين الرأي العام. مرة أخرى، هذا ليس نقدًا بقدر ما هو اعتراف بسيط. ما قد يفتقده الكتاب من أصالة أو جِدّة صرفة، يُعوّض عنه بالوضوح والإيجاز. لذا فإن "أسطورة المثالية الأميركية" هو تحديث مثالي في عام 2024 لأعمال المفكر الأميركي الذي يصف نفسه بـ"النقابي الفوضوي، والليبرالي الاشتراكي".
يخلص المؤلفان إلى أن السياسة الخارجية والداخلية الراهنة للولايات المتحدة تشكل خطرا غير مشروط على رفاهية الحاضر والمستقبل، بل على بقاء البشرية والحضارة الإنسانية. إذا كان لنا أن نحظى بأي فرصة لمستقبل قابل للعيش ومستدام، يجب على الإمبراطورية الأميركية المنحدرة ببطء أن تفسح المجال، ليس لهيمنة أخرى متعطشة للدم أو للسلطة، بل لعالم متعدد الأقطاب يُجنب الدول الصراعات ويقودها للتعاون والتعايش، حيث يتم توزيع القوة على أسس أكثر ديمقراطية ومساواة.
إعلانمن الصعب تصديق مثل هذا الاستنتاج، ولو فقط لأن الآثار المترتبة على نظامنا الحالي قاتمة للغاية. فأثناء قراءة الكتاب، يتساءل المرء كثيرا عما إذا كانت حالة العالم قاتمة تماما كما يصورها تشومسكي. وهل يمكن أن يكون هذا حقيقيًا؟
المؤلفان يزعمان أن الحركات الشعبية المنظمة والمتنورة التي تطالب بالعدالة والسلام لديها وحدها فرصة التغيير (الفرنسية) أنشودة للنضالقد لا تكون الولايات المتحدة بهذا السوء الذي يصوره الكتاب، وربما يكون احتمال وقوع كارثة مناخية أو نووية أقل مما قد يبدو أحيانا، ولو أن مثل هذا التساؤل مجرد تفكير متفائل. المؤكد أن كتاب "أسطورة المثالية الأميركية" يفوق كثيرا ذلك النوع من التفنيد الشامل والاستقصائي. وحتى لو كان الكاتبان يبالغان في تقدير الأمور، وهذا ليس مؤكدا، فإن المبالغة في تقدير المخاطر أفضل كثيرا من تقليلها عندما تكون عالية بهذا القدر.
لا يتوقع المؤلفان معجزات أو ترياقا سحريا: فهما يزعمان أن الحركات الشعبية المنظمة والمتنورة التي تطالب بالعدالة والسلام لديها وحدها فرصة التغيير.
"ولحسن الحظ، لا يفتقد هذا النوع من الشجاعة.
إن تاريخ العالم ليس مجرد مجموعة قاتمة من الفظائع، بل إنه أيضا قصة مقاومة أولئك الذين رفضوا قبول القسوة والقمع باعتبارهما أمرا طبيعيا أو عاديا أو حتميا"
تمثل صفحات الكتاب الأخيرة أنشودة لتاريخ أفراد وحركات جماهيرية تصدت لمكافحة الظلم والنضال لأجل عالم أكثر إنسانية، وتصورهم مصدرا ملهما للأمل والعمل المتواصل. كان يمكن لهذا العرض أن يكون أقوى، نظرا لثراء الموضوع وراهنية الأزمات وإلحاحها، لكن حتى هذه السطور القليلة تُكرّس خاتمة الكتاب، وما تبشر به من أمل جلي مكتسب بشِق الأنفس.
نظرًا لتدهور حالته الصحية مؤخرا، حيث يعاني البروفيسور تشومسكي سكتة دماغية أعجزته عن الكلام، فقد يكون كتاب "أسطورة المثالية الأميركية" إصداره الأخير. إن التحذير الذي يقدمه حول خطر الإمبريالية الأميركية لا يمكن أن يكون رهيبا أكثر، ودعوته للعمل لا يمكن أن تكون واضحة أكثر!.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فكر السیاسة الخارجیة الولایات المتحدة أمیرکا اللاتینیة أمیرکا الشمالیة روسیا والصین نعوم تشومسکی لا یمکن
إقرأ أيضاً:
لم يبدأ مع ترامب.. ترحيل المهاجرين من أميركا معاناة عمرها قرن
أعلن البيت الأبيض الأسبوع الماضي عن بدء تنظيم رحلات جوية مخصصة لترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، في إطار حملة صارمة لتنفيذ وعود الرئيس دونالد ترامب بشأن الهجرة.
وجاء هذا الإعلان بعد أيام قليلة من تنصيب ترامب لولاية رئاسية جديدة، إذ أكدت إدارته التزامها بتأمين الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية.
وأثارت عمليات الترحيل والتوقيف ردود فعل متباينة، فقد ذكرت الأمم المتحدة أن الحق في اللجوء "معترف به عالميا"، ودعت الولايات المتحدة إلى التقيد بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان أثناء تنفيذ سياسات الهجرة.
وقالت الناطقة باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان رافينا شامداساني إن "لكل الدول الحق في ممارسة ولايتها القضائية على حدودها، ولكن يتعين عليها أن تفعل ذلك وفقا لالتزاماتها الدولية".
وقد باشرت واشنطن ترحيل المهاجرين من الأصول اللاتينية إلى عدد من دول أميركا الجنوبية مثل غواتيمالا والبرازيل والمكسيك التي رفضت استقبال طائرة أميركية.
ولطالما اعتبر ترحيل رعايا دول أميركا الجنوبية من الولايات المتحدة الأميركية قضية خلافية ومعقدة على مدى عقود، فهي تنطوي على أوجه متعددة تشمل السياسات المتعلقة بالهجرة في الولايات المتحدة الأميركية، وطرق تنفيذ تلك السياسات، إلى جانب عوامل اقتصادية واجتماعية أخرى.
عمليات الترحيل قوبلت برفض كبير من المهاجرين الذين يعتقدون بأحقيتهم في الحصول على المواطنة الأميركية (الجزيرة)وتسعى الجزيرة نت في التقرير التالي إلى تقديم شرح موجز عن عميات ترحيل المهاجرين اللاتينيين من أميركا، يشمل تاريخها وأسبابها، وتأثيراتها وانعكاس كل ذلك على المرحّلين والعلاقات بين دولهم وبين الولايات المتحدة الأميركية، وتقارب ذلك؛ في مادة شارحة تشتمل على 7 أسئلة وإجاباتها.
إعلان 1-متى بدأت عمليات ترحيل المهاجرين اللاتينيين من الولايات المتحدة؟يمكن القول إن عمليات ترحيل المهاجرين اللاتينيين من الولايات المتحدة الأميركية لها جذور عميقة، ويعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين، فقد حدثت موجة كبيرة خلال عقد الثلاثينيات عندما رحّلت الإدارة الأميركية خلال فترة الكساد الكبير العديد من المهاجرين المكسيكيين منهم حاصلون على المواطنة الأميركية.
ويذكر أن السلطات المعنية أحضرت المهاجرين المكسيكيين للعمل في الولايات المتحدة، وخاصة في مجال الزراعة بسبب نقص العمالة في أوائل 1900.
وقد جاءت عمليات الترحيل ضمن الجهود المبذولة للحد من البطالة داخل الولايات المتحدة الأميركية، وكان أكبرها العملية التي عرفت باسم "العودة إلى المكسيك" والتي شهدت ترحيل مئات الآلاف إلى جانب الضغط على آخرين لإجبارهم على المغادرة.
وفي العقود الأخيرة زادت معدلات الترحيل، لا سيما مع ارتفاع المشاعر المعادية للمهاجرين داخل الولايات المتحدة في الثمانينيات والتسعينيات، وفي ظل السياسات الخاصة بذلك التي تبنّتها الإدارات الأميركية المتعاقبة.
بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، في الولايات المتحدة الأميركية، أصبح إنفاذ قوانين الهجرة مرتبطا بالأمن القومي الأميركي حيث أدى إنشاء وزارة الأمن الداخلي ووكالات مثل الهجرة والجمارك إلى عمليات إنفاذ أكثر صرامة وإلى زيادة في عمليات الترحيل.
2-لماذا يتم ترحيل العديد من مواطني دول أميركا اللاتينية من الولايات المتحدة هذه الأيام؟تستهدف عمليات الترحيل اليوم بشكل أساسي من يسمون بالمهاجرين غير الشرعيين؛ أولئك الذين دخلوا الولايات المتحدة من دون إذن أو تجاوزوا المدة القانونية التي تسمح لهم بالبقاء داخل الولايات المتحدة الأميركية. وتعود أصول العديد من هؤلاء المهاجرين إلى دول أميركا اللاتينية، إذ تعد المكسيك من أبرز الدول التي يأتي منها هؤلاء. وقد أدت سياسات الهجرة التي تتبعها الإدارة الأميركية الحالية إلى زيادة كبيرة في عمليات الترحيل.
إعلان
وفي حين أن هناك جهودا للتركيز على ترحيل المجرمين أو أولئك الذين يشكلون تهديدا للأمن القومي الأميركي، فقد أدى التفسير الواسع لقوانين الهجرة إلى إبعاد العديد من الأفراد الذين تربطهم علاقات طويلة الأمد بالولايات المتحدة، بما في ذلك العائلات التي لديها أطفال ولدوا في أميركا.
3-ما التحديات القانونية والسياسية الناتجة عن عمليات الترحيل؟المشهد القانوني المتعلق بعمليات الترحيل هذه معقد جدا، فغالبا ما تستغرق المسائل المتعلقة بقوانين الهجرة أوقاتا طويلة، ويمكن للأفراد الذين يواجهون الترحيل التقدم بطلب للحصول على اللجوء أو أشكال الإغاثة الأخرى، رغم أن هذه العمليات يمكن أن تكون بطيئة ومعقدة.
سياسيا، كانت قضية الترحيل مثيرة للانقسام إلى حد كبير داخل البيت الأميركي على مدار سنوات، حيث يدعو البعض إلى اتباع نهج أكثر تساهلا مع المهاجرين غير الشرعيين، ولا سيما أولئك الذين ظلوا في أميركا مدة طويلة، في حين يدافع آخرون عن إنفاذ أكثر صرامة لقوانين الهجرة.
4-هل تغيرت السياسات الخاصة بترحيل المهاجرين مع مرور الوقت؟لقد اختلفت سياسات الترحيل بناء على أولويات الإدارات الأميركية المختلفة. ففي عهد الرئيس السابق باراك أوباما، كان هناك تركيز على ترحيل الأفراد ذوي الخلفيات الإجرامية، ومع ذلك قدمت إدارته أيضا برنامج العمل المؤجل للقادمين في مرحلة الطفولة (داكا) الذي كان يحمي بعض الأفراد غير المسجلين الذين أحضروا إلى الولايات المتحدة وهم أطفال.
في الولاية الأولى للرئيس ترامب، تم تكثيف إنفاذ قوانين الهجرة، مع التركيز على ترحيل أي شخص يقيم داخل الولايات المتحدة الأميركية بشكل غير قانوني.
أما إدارة الرئيس السابق جو بايدن فقد ركزت على إعطاء الأولوية لترحيل المجرمين ومن يمثلون تهديدا للأمن القومي الأميركي، بينما سعت إلى توفير مسارات للحصول على الجنسية للمهاجرين غير الشرعيين في مواقف معينة.
عمليات الترحيل هذه لها تأثير عميق على العائلات، وخاصة العائلات ذات الوضع المختلط التي يتمتع بعض أفرادها بحقوق المواطنة الأميركية، بينما يفتقر البعض الآخر إلى الوثائق القانونية التي تسمح له بالبقاء في البلاد.
إعلانوغالبا ما يفارق بعض المرحّلين أزواجا وأطفالا وأفرادا من الأسر الممتدة يبقون في الولايات المتحدة، ويمكن أن يتسبب هذا الانفصال في مشاكل عاطفية وصعوبات اقتصادية. ويضطر أطفال الآباء المرحلين، وخاصة المواطنين الأميركيين، أحيانا إلى الاختيار بين البقاء في الولايات المتحدة أو العودة إلى بلدانهم الأصلية، مما قد يعطل تعليمهم واستقرارهم.
ترحيل المهاجرين غير النظاميين جاء تطبيقا لقرارات الرئيس دونالد ترامب (الجزيرة) 6-ما الآثار الاجتماعية والاقتصادية الأوسع لترحيل المهاجرين من أميركا اللاتينية؟إن ترحيل المهاجرين من أميركا اللاتينية له عواقب اجتماعية واقتصادية كبيرة، فمن الناحية الاقتصادية يسهم العديد من الأفراد المرحلين في قطاعات مثل الزراعة والبناء والخدمات، لذلك يمكن أن يؤدي ترحيلهم إلى نقص في أعداد العمالة في هذه المجالات. ومن الناحية الاجتماعية، يتسبب الترحيل في زعزعة استقرار المجتمعات، إذ تتمزق العائلات ويفقد الأفراد الوصول إلى فرص التعليم والرعاية الصحية والتوظيف. وفضلا عن ذلك، فإن التهديد بالترحيل بحد ذاته يخلق جوا من الخوف وعدم اليقين، يؤثر على الصحة العقلية للمهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة.
7-ما الجهود التي تبذل لمعالجة آثار الترحيل وإصلاح قوانين الهجرة؟دعت المجموعات المناصرة ومنظمات حقوق المهاجرين المختلفة وبعض القادة السياسيين الأميركيين إلى إصلاح شامل لقوانين الهجرة وصولا إلى معالجة الأسباب الجذرية للمسألة.
وغالبا ما تتضمن المقترحات المقدمة في هذا الخصوص مسارات للحصول على الجنسية للأفراد غير المسجلين في الأطر الرسمية، لا سيما أولئك الذين ظلوا يقيمون في الولايات المتحدة سنوات طويلة، بالإضافة إلى حماية الفئات الضعيفة مثل الأفراد غير المسجلين الذين أحضروا إلى الولايات المتحدة وهم أطفال.
وهناك أيضا ضغوط لإصلاح نظام الهجرة وصولا إلى ضمان الإجراءات القانونية الواجبة لأولئك الذين يواجهون الترحيل، وإعطاء الأولوية لترحيل الأفراد الذين يشكلون تهديدا للأمن العام بدلا من الأفراد ذوي المخاطر المنخفضة.
إعلانوعلى العموم، فإن الرأي العام الأميركي منقسم في مسألة ترحيل المهاجرين، لكن المناقشات الجارية في الكونغرس تعكس الحاجة الملحة لإيجاد حل لهذه القضية.
* أنجز هذا التقرير بمساعدة تطبيقي الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي وديب سيك.