لماذا استخدمت إسرائيل المقاتلة إف-15 لقصف اليمن؟
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
شنت القوات الجوية الإسرائيلية، أمس الخميس، عددًا من الغارات على اليمن. وخلال الهجمات استخدمت القوات الجوية الإسرائيلية مجموعة من عشرات الطائرات المقاتلة المتقدمة لاستهداف البنية التحتية التي قالت إن جماعة أنصار الله (الحوثيين) تستخدمها في هجماتها ضد إسرائيل.
وكانت وسائل إعلام تابعة للحوثيين قالت إن "العدوان استهدف بسلسلة من الغارات مطار صنعاء ومحطة كهرباء حزيز بمديرية سنحان"، كما استهدف محطة رأس كثيب الكهربائية وميناء رأس عيسى في الحديدة غربي اليمن.
وفي وقت سابق، نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر عسكري أن الغارات الإسرائيلية ضربت أهدافا في صنعاء والحديدة، مشيرا إلى أن هذا الهجوم يختلف عن الهجمات السابقة، وأضاف المصدر العسكري أن الهجمات في اليمن هي جزء من حملة جديدة ستواصل إسرائيل شنها ضد الحوثيين.
لم تعلن إسرائيل بالطبع عن الطائرات التي استخدمتها في الضربة الحالية أو تلك التي تنوي استخدامها مستقبلا، لكن بناء على الضربات الأخيرة في اليمن، والصور التي نشرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، يُرجح استخدام مقاتلات طويلة المدى مثل إف-15 وإف-16، وربما كذلك إف-35، وجميعها أميركية الصنع.
لماذا إف-15؟
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنها تنوي شراء 25 طائرة مقاتلة من طراز "إف-15 آي إيه"، التي تصمم خصيصا لإسرائيل من الشركة المصنعة الأميركية بوينغ مقابل 5.2 مليارات دولار، مع خيار الحصول على 25 طائرة أخرى، وسيبدأ تسليم الطائرات في عام 2031، على أن يتم توريد 4 إلى 6 طائرات سنويا.
تهتم إسرائيل عاما بعد عام بهذه الطائرة تحديدا، والتي يبلغ مدى طيرانها نحو 22 ألف كيلومتر، ولديها القدرة على حمل أكثر من 13 ألف كيلوغرام من الصواريخ والقنابل.
ويرى خبراء في نطاق العلوم العسكرية أن مدى الطيران والحمولة الكبيرة بشكل محدد كانا العامليْن الأهم في مضي إسرائيل قدما في تلك الصفقة، حيث تضع في اعتبارها استهداف مناطق بعيدة مثل إيران أو اليمن.
إلى جانب ما سبق، يمكن زيادة مدى هذه الطائرة عبر إضافة خزانات وقود امتثالية، وهي خزانات وقود خارجية مصممة لتتناسب بشكل وثيق مع محيط جسم الطائرة، مما يحسّن الديناميكية الهوائية مع توفير سعة وقود إضافية، على عكس الخزانات التقليدية التي تحل محل نقاط تثبيت الأسلحة، التي تشغل تلك المساحة في جسم الطائرة.
كذلك يقلل تصميم الخزانات الامتثالية من المقطع العرضي للرادار، وهو أمر مهم بشكل خاص للمهام الخفية، وفي هذا السياق تظل الطائرة محافظة على أداء عالي الكفاءة لمعايير مثل السرعة والقدرة على المناورة.
بالإضافة إلى ذلك، صُممت طائرة إف-15 لتكون متوافقة مع أنظمة التزود بالوقود جوا، مما يوسّع نطاقها التشغيلي بشكل أكبر، وهو أمر بالغ الأهمية للمهام في العمق الجغرافي بعيدًا عن القواعد الرئيسية.
ويمكن لطائرة إف-15 حمل حمولة متنوعة وثقيلة، بما في ذلك الصواريخ جو-جو والذخائر جو-أرض والقنابل الموجهة، وبذلك يمكنها المشاركة في كل من أدوار التفوق الجوي والهجوم الأرضي أثناء مهمة واحدة، مما يقلل من الحاجة إلى طلعات جوية متعددة.
وبشكل خاص يمكن لهذه الطائرة إطلاق صاروخ رامبيج، والذي تم تصميمه خصيصًا لاختراق وتدمير الهياكل المحصنة، وتكمن ميزته الأساسية في قدرته على الصمود لمسافات طويلة وإمكانية إطلاقه من ارتفاعات عالية (حيث يعمل بتوجيه قائم على نظام تحديد المواقع العالمي مع ملاحة الحد الأدنى من الانحراف).
ويسمح هذا للصاروخ بمهاجمة الأهداف من مسافة آمنة، خارج نطاق الدفاعات الجوية لجماعة الحوثيين. أضف لذلك أن الصاروخ أسرع من الصوت، مما يمكنه من تغطية مسافات كبيرة بسرعة مع تقليل وقت استجابة الدفاعات الجوية.
إف-15 مع إف-16
وغالبا ما تستخدم مقاتلات إف-16 مع مقاتلات إف-15 في نفس الضربة، حيث تمتلك الأولى قدرة عالية على المناورة، مما يسمح لها بالأداء بشكل فعال في مجموعة مهام متنوعة، من الدعم الجوي القريب إلى الضربات الدقيقة عالية السرعة.
ومقارنة بالطائرات النفاثة الأكبر حجمًا، فإن طائرة إف-16 أكثر فعالية من حيث التكلفة، مما يسمح بمعدلات طلعات عالية كما أن نشرها وصيانتها أسهل، خاصة عند التشغيل في تضاريس متنوعة.
في هذا السياق فإن الطائرة "إف-15 آي إيه" مزودة بمحركين قويين، يحققان نسب دفع إلى وزن عالية، مما يمكنها من الحفاظ على سرعات تفوق سرعة الصوت حتى عندما تكون محملة بشكل كبير.
ولا يقلل ذلك من قدرتها على الوصول إلى الأهداف بسرعة على مسافات طويلة، ويمكنها كذلك من المناورة وتغيير الارتفاعات بدرجة من المرونة، تحسبا لأي رصد من الدفاع الجوي.
ولمزيد من التأمين فإن الطائرة مزودة بأنظمة رادار متقدمة توفر قدرات الكشف والتتبع بعيدة المدى لكل من الأهداف الجوية والبرية، كما تسمح تقنياتها الإلكترونية بالتنقل والاشتباك مع الأهداف بدقة على مسافات كبيرة.
وبذلك، تتكامل الطائرتان في مهمة واحدة، فتوفر إف-15 القدرة على حمل سلاح ثقيل للضربات والاشتباكات بعيدة المدى، بينما توفر إف-16 المرونة التشغيلية والقدرة على التكيف للهجمات الدقيقة، كما تؤدي أدوارا داعمة.
سماء اليمن قد لا تكون مفتوحة تمامًا
النقطة الأساسية التي يخشى منها الإسرائيليون هي الدفاعات الجوية للحوثيين الذين تمكنوا من تحويل صواريخ جو-جو روسية الصنع الباحثة عن الحرارة مثل "إيه إيه-10 ألامو بي" (AA-10 Alamo-B) و"إيه إيه-11″ لتصبح صواريخ أرض جو، ومنذ عام 2017 مَثَّل هذا النظام خطورة حقيقية وكان السبب في عدد من الضربات القوية للأهداف الجوية، وهو نظام متقدم إلى حدٍّ كبير.
كانت أهم مشكلات هذا الصاروخ أنه قصير المدى بحد أقصى 40 كيلومترا، لكنَّ الحوثيين استخدموه بحرفية، فبعد تحويله ليصبح سلاح أرض جو للدفاع الجوي، صنعوا منه كمائن متخفية في ثنيات الجبال وعلى أطرافها، ما مكَّنهم من ضرب الطائرات والمسيّرات وصواريخ كروز على مسافات قريبة نسبيا.
إلى جانب ذلك، أعلن الحوثيون قبل عدة سنوات عن تطويرهم لـ"برق"، وهو صاروخ دفاع متقدم يأتي في نسختين هما "برق-1" و"برق-2″، ويشبه نظام صواريخ أرض-جو "صياد" الإيراني.
ويمتلك "برق-2" رأسا حربيا متشظيا بوزن 200 كيلوغرام، وهو نوع من الرؤوس الحربية المتفجرة المُصمَّمة لإنتاج وإطلاق الشظايا عند الانفجار، وينطلق من منصة متحركة أو ثابتة يستغرق تحميلها نحو 5 دقائق، ويحلق بسرعة تصل إلى 3600 كيلومتر في الساعة، ويصل مداه إلى 100 كيلومتر.
يأتي ذلك كله في سياق إعلان جماعة أنصار الله (الحوثيين) اليمنية قبل عدة أيام إسقاط مقاتلة أميركية من طراز "إف 18" خلال استهدافها حاملة طائرات في البحر الأحمر، وذلك بعدما قالت واشنطن إن الطائرة سقطت بـ "نيران صديقة".
وصرح المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع بأن جماعة أنصار الله أسقطت طائرة "إف 18" أثناء التصدي للطائرات الأميركية والبريطانية، مضيفا أنهم استهدفوا أيضا حاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان" وعددا من المدمرات التابعة لها، ونجحوا في إفشال هجوم أميركي بريطاني على اليمن.
هل تمثل العملية مقدمة لضرب إيران؟
في 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري، نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن بيني غانتس، وزير الدفاع الأسبق قوله إنه يجب على إسرائيل استهداف إيران بشكل مباشر، في حديثه للصحافة قبل اجتماع فصيل حزب الوحدة الوطنية الأسبوعي في الكنيست.
ويبدو بحسب الصحيفة أن المؤسسة الأمنية تتفق مع غانتس، فوفقًا لتقرير القناة 12 الإسرائيلية، فإن استهداف المنشآت النووية الإيرانية ظهر مرارًا وتكرارًا في اجتماعات مجلس الوزراء الأمني، ونقلت القناة الـ13 عن رئيس الموساد ديفيد برنيع قوله إنهم بحاجة لضربة ضد إيران.
من المؤكد أن إسرائيل ترغب منذ فترة طويلة في توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، وهو ما أكدته تقارير مسربة من مكتب نتنياهو تعود إلى عام 2012، تصف محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي إقناع الإدارة الأميركية بتوجيه ضربة تشل قدرات إيران النووية.
وقد سبق لإسرائيل بالفعل استهداف البرنامج الإيراني على مستويات متعددة منذ تدشينه في أواخر التسعينيات، سواء عبر الهجمات السيبرانية كما حدث في هجوم "ستوكسينت" الشهير عام 2010، أو عبر سرقة الأسرار النووية واغتيال علماء طهران النوويين وآخرهم محسن فخري زاده عام 2020.
لكن مسألة ضرب البرنامج النووي الإيراني عسكريا مختلفة إلى حدٍّ كبير، ففي ضربة كهذه، ستلعب طائرات إف-15 دورا مهما، نظرا لقدراتها سالفة الذكر، وخاصة في سياق تطور الدفاعات الجوية الإيرانية، وفي هذا السياق تحتاج إسرائيل إلى قنابل هائلة القوة من أجل ضرب المنشآت النووية في فوردو ونطنز مثلا.
واحدة من تلك القنابل هي "جي بي يو 28" (GBU-28)، وهي قنبلة قوية موجهة بالليزر وقادرة على اختراق المخابئ، صممتها الولايات المتحدة خصيصًا لاستهداف المخابئ المدفونة على عمق كبير، يصل إلى 30 مترا من الأرض و6 أمتار من الخرسانة، ويمكن حملها وضربها عبر بعض فئات الطائرة إف-15، إلى جانب قاذفة القنابل الأميركية الشهيرة "بي-2 سبيريت".
ويعد ذلك واحدا من أسباب إيلاء إسرائيل الكثير من الاهتمام لهذه الطائرة، إلى جانب سبب آخر وهو عمل إسرائيل على توسيع استخدامها للصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو، مثل "إير لورا" (Air Lora)، والتي يمكن إطلاقها من منصات مقاتلة حديثة مختلفة، بما في ذلك "إف-15 آي إيه".
ويستخدم الصاروخ الباليستي نظام الملاحة بالقصور الذاتي ونظام تحديد المواقع العالمي بجانب أنظمة أخرى لتوجيه ضربات دقيقة، بعيدة المدى، وأسرع من الصوت، بحيث يمكن أن يصل إلى هدفه عبر مسافات شاسعة في دقائق معدودة، ويعد من أقوى الصواريخ جو أرض في ترسانة إسرائيل حاليا، وتكييفه ليتناسب مع مقاتلات إف-15 يشي بأهداف إسرائيل قصيرة وطويلة الأمد من هذه المقاتلة.
لكن جبال إيران أوعر
إلا أن ذلك لا يمثل إلا جزءًا صغيرًا من المطلوب لتنفيذ الضربة الإسرائيلية على إيران، إذ إن إسرائيل بحاجة كذلك إلى قنابل مثل "جي بي يو 57 إيه بي" (GBU-57A/B)، وهي قنبلة تقليدية (غير نووية) موجهة بدقة طوّرتها الولايات المتحدة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض.
وهذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من التربة العادية أو ما يصل إلى 12 مترا من الصخور الصلبة، ولا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بما في ذلك طائرات الجيل الخامس "إف-35" التي تحوزها إسرائيل.
وفي الواقع، فإن هذه القنابل تُحمَل فقط عبر قاذفة الشبح الأميركية "بي 2 سبيريت" التي لا يوجد منها سوى 21 نسخة فقط عالميا تُشغَّل جميعا بواسطة القوات الجوية الأميركية.
وبحسب تقرير للفايننشال تايمز، فإن تعقيدات العملية تتخطى مسألة القنابل، حيث يتطلب الأمر سربا كبيرا من الطائرات لضرب العديد من المنشآت، وفي الوقت نفسه حماية القاذفات الأساسية، وقد يحتاج الأمر إلى عدد من الضربات المتتالية لضمان إيقاف المشروع النووي الإيراني بشكل يمنعه من الاستقرار سريعا.
ووفق تقرير صادر عن دائرة أبحاث الكونغرس الأميركية عام 2012، فإن توجيه مثل تلك الضربة ربما يتطلب مشاركة أكثر من 100 طائرة لضرب أهداف متزامنة.
ويزيد ذلك من تعقيد العملية لوجستيا بفرض أن إسرائيل تمتلك هذا العدد من الطائرات، ويعني ذلك أننا أمام عملية لن تكون سريعة، وتتطلب تدخلا أميركيا صريحا.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن اسرائيل ايران حرب طائرة اف 15 الدفاعات الجویة طائرة إف إلى جانب یصل إلى
إقرأ أيضاً:
محلل سياسي: مصر الدولة الوحيدة التي تقف عقبة أمام حلم دولة إسرائيل الكبرى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال محمد نور، المحلل السياسي، إن 2024 هو العام الأسخن في العقد الأخير، مشيرًا إلى أن عملية السابع من أكتوبر كانت عبارة عن طوفان الخراب للمنطقة، لأنها أدت لخراب الشرق الأوسط؛ حيث ضاعت غزة وتشرذمت القضية الفلسطينية.
وأضاف "نور"، خلال حواره مع الإعلامي هيثم بسام، ببرنامج "حقك مع المشاكس"، المذاع على فضائية "القاهرة والناس"، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي نجحت في تحقيق أهدافها بالكامل في عام 2024؛ مثل تدمير قطاع غزة واجتياح الجنوب اللبناني والسيطرة على الأراضي اللبنانية، فضلا عن السيطرة على مئات الكيلو مترات من سوريا، واستهداف اليمن.
وأوضح أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تقف عقبة أمام تحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى من النيل للفرات، مشيرًا إلى أن دور مصر كان تاريخيًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية ومصالح الشرق الأوسط، حيث تصدت مصر للحرب على قطاع غزة، ودخلت في معركة طاحنة مع دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث اشترطت مصر خروج الرهائن الأمريكان من قطاع غزة من أجل إدخال المساعدات.