ألا تخجل أمة المليارين من نفسها؟
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
الأخبار المفزعة التي تتوالى في الأيام الأخيرة بشأن وفاة عدد من الأطفال حديثي الولادة في رفح بجنوب غزة من شدّة البرد في خيم من البلاستيك والقماش المهترئ، ينبغي أن تشعر أمة الملياري مسلم بالعار والخجل من أنفسهم، فهل بلغ الأمر إلى درجة العجز عن جمع الملايين من الأفرشة والبطانيات وإرسالها إلى غزة، وهو أمر يمكن أن تتكفّل به جمعية خيرية واحدة في بلد مسلم كبير؟
لو حدثت هذه المآسي بشمال غزّة المحاصرة كلّيا منذ 75 يوما، بفعل تطبيق “خطّة الجنرالات” الفاشية الرامية إلى إخلائه من سكانه واستيطانه مجددا، لقلنا إن الاحتلال سيمنع وصول هذه المساعدات إلى هذه المنطقة المحاصرة بشكل إجرامي ولو تدفّقت عليها من مناطق العالم جميعا، لكنّها حصلت في رفح بجنوب غزة على مرمى حجر من مصر، والمساعدات تصل إلى هناك ولو كانت شحيحة قليلة ويتعرّض بعضها للنّهب أيضا، فهي تصل برغم كلّ الظروف وبإمكان الدول العربية والإسلامية وأحرار العالم إذن إرسال الاحتياجات الأساسية للسكان الفلسطينيين بالمنطقة وفي مقدّمتها الأغذية والخيم والأفرشة والبطانيات والأدوية وغيرها… ولا يضرنّهم في ذلك أن ينتظروا أسابيع عديدة أمام معبر رفح قبل السّماح لمساعداتهم بالدخول، فما يعانيه 2.
ويضاف الموت بردا إلى ما يحدث في غزة، وخاصة في شمالها، من الموت جوعا بفعل ندرة الأغذية والمؤونة، وعدم السماح بدخولها، وكذا الموت تحت القصف بشتّى أشكاله في مجازر تتكرّر يوميا أمام بصر العالم وسمعه، ويسقط فيها كلّ يوم عشرات الشهداء والجرحى، ولا أحد يتحرّك لوضع حدّ للمأساة؛ فالدول الغربية متواطئة ومشاركة في هذه الجريمة منذ اليوم الأول للحرب ولم يعد هناك أمل يرجى منها.
والدول العربية والإسلامية استسلمت كلّيا للأمر الواقع، ولم تعد تتداعى لعقد اجتماعات، هل يعقل أن يموت أطفال بالجوع والبرد ولا تعقد الدول الإسلامية اجتماعا عاجلا للنّظر في كيفية الضغط على الدول الكبرى لتضغط بدورها على الاحتلال ليسمح بدخول المساعدات الإنسانية الأكثر استعجالا وإلحاحا؟ هل تحدث هذه المآسي لأشقاء عرب في أرض عربية، أم تحصل في جزيرة معزولة في هذا العالم؟
منذ بضعة أشهر، اشتكى أحد فلسطينيي غزة من خذلان العرب والمسلمين لهم، وعدم اكتراثهم بما يقاسونه من جوع وأمراض ومجازر، وختمها قائلا: “لا تشفع لهم يا رسول الله يوم القيامة”، ولعلّ هذا الفلسطيني المفجوع بخذلان أمة المليارين يكرّر طلبه الآن من الرسول الكريم، صلّى الله عليه وسلم، وهو يرى رضّعا يموتون من شدّة البرد في خان يونس، ولا أحد يتحرّك لإرسال ما فاض عن حاجته من أفرشة وبطانيات لإنقاذ البقيّة في هذا الشّتاء الذي نعيش أيّامه الأولى فقط ولا يزال طويلا، فهل مثل هذه الأمة تستحقّ شفاعة رسولها يوم القيامة وقد تركت 2.3 مليون من أشقائها للموت بشتّى الطرق وأصبحت تتعايش مع ذلك وكأنّ شيئا لم يحدث؟
عزاؤنا، ونحن لا نرى هذه الأيام إلا ما يدمي القلب، أنّ المقاومة لا تزال صامدة في القطاع، ولا ترفع الرّاية البيضاء لهذا الاحتلال المجرم الفاشي الذي يجوّع الأطفال والنساء وينسف البيوت على رؤوسهم ويدمّر المنشآت ويحرق المستشفيات… وهي تنتقم لهم وتقاوم بكلّ ما تملك حتى بالسّكاكين؛ ففي الأسابيع الأخيرة، بدأت المقاومة تلجأ إلى عمليات بالأسلحة البيضاء وتقتل جنودا للاحتلال بجرأة نادرة.
وسواء كان الأمر يتعلّق بنقص في أسلحتها وذخائرها، كما يروّج الاحتلال لذلك، أو أنّه تكتيك جديد لبثّ الرعب في صفوف جنوده، فهو يثبت -في جميع الأحوال- أنّ المقاومة لا تزال موجودة وتحارب بما تستطيع، في إصرار وعزيمة كبيرتين.. وفي ظلّ الخذلان الشّامل الذي يحاصر الفلسطينيين من كلّ جانب، لم يعد هناك من أمل سوى صمود المقاومة في الميدان، وكذا ثبات الفلسطينيين على أرضهم برغم الجوع والبرد والحصار والمجازر، وهو صمود سيذكره التاريخ بأحرف من ذهب.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال الشهداء الخذلان غزة الاحتلال شهداء الخذلان مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة عالم الفن صحافة سياسة صحافة من هنا وهناك من هنا وهناك سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الدويري: فيديو القسام ترجمة لحديث أبو عبيدة وأداء جديد للمقاومة
قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إن المشاهد التي بثتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تأتي ترجمة عملية لما صرح به الناطق باسم القسام أبو عبيدة، حول جاهزية المقاومة على امتداد قطاع غزة واستعدادها للثبات حتى النصر أو الاستشهاد.
وأوضح الدويري -في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة- أن العمليات العسكرية باتت تتوزع بوضوح على طول الحدود الشرقية والشمالية للقطاع، لافتا إلى أن استهداف جنود الاحتلال شرق بلدة بيت حانون يؤكد اتساع رقعة العمل المقاوم واستخدامه تكتيكات ميدانية متجددة وفق المعطيات المتاحة.
وكانت كتائب القسام قد بثت، اليوم السبت، مشاهد وثقت قنص 4 من جنود وضباط الاحتلال ببندقية "الغول" في شارع العودة شرق بيت حانون، ضمن استكمال كمين "كسر السيف"، الذي شهد أيضا استهداف معدات عسكرية بقذائف مضادة للدروع، بحسب مقطع القسام.
وأضاف الدويري أن تطورات العمليات الحالية تشير إلى دخول المقاومة مرحلة جديدة من العمل المسلح، تعتمد فيها على القنص والكمائن بدل المعارك المفتوحة، معتبرا أن الأداء الجديد يمثل جزءا من حرب استنزاف طويلة الأمد لا يستطيع جيش الاحتلال تحملها.
إعلانوأشار إلى أن غياب العمليات الكبرى خلال الأسابيع الماضية كان انعكاسا لحالة التمركز الدفاعي لجيش الاحتلال، الذي فرض منطقة عازلة بعمق يتراوح بين 700 و1100 متر، وأوضح أن الواقع الميداني لم يكن يسمح بتحركات واسعة للمقاومة حتى تمكنت من إعادة بناء قوتها.
استغلال فترة التوقفوبيّن اللواء الدويري أن المقاومة استفادت من فترة وقف القتال، التي امتدت 42 يوما، في ترميم قدراتها البشرية والمادية، مما سمح لها بالعودة إلى ساحة الميدان بأساليب مدروسة تلائم ظروف القتال المحدودة المفروضة عليها.
ولفت إلى أن طبيعة العمليات الحالية، التي تقوم بها مجموعات صغيرة عبر الكمائن والقنص، تهدف إلى إنهاك الاحتلال تدريجيا، مضيفا أن هذه الإستراتيجية تجبر إسرائيل على إعادة حساباتها في ما يتعلق بخططها الميدانية في قطاع غزة.
وأكد أن الشريط الذي ظهر فيه مقاتلو القسام وهم يقنصون جنودا فوق دبابة، يعد بمثابة رسالة واضحة للاحتلال بأن المقاومة قادرة على الوصول إلى أي نقطة داخل المناطق العازلة التي يسيطر عليها، رغم كل الإجراءات الأمنية المشددة.
ورأى الدويري أن تكرار هذه العمليات في مناطق مثل شرق الشجاعية وحي التفاح وشمال بيت حانون، يؤكد أن المقاومة تعتمد على توزيع الجهد العسكري بطريقة ذكية تشتت قوات الاحتلال وتفقده زمام المبادرة.
واعتبر أن استمرار العمليات النوعية، رغم محاولات الاحتلال فرض وقائع ميدانية جديدة، سيشكل أحد العوامل الرئيسية التي ستدفع إسرائيل إلى تقليص وجودها العسكري، مشيرا إلى أن الشارع الذي شهد عملية القنص كان ميدانا سابقا لمسيرات العودة الكبرى.
تغير الخطاب الرسميوتابع اللواء الدويري أن التطورات الميدانية تزامنت مع تغير في الخطاب الإسرائيلي الرسمي، وأشار إلى أن تصريحات رئيس الأركان إيال زامير أصبحت أكثر تحفظا مقارنة ببدايات العدوان، في ظل فشل الأهداف المعلنة لعملية القضاء على المقاومة.
إعلانوأضاف أن المشهد السياسي أيضا بدأ يشهد تحركات جديدة مع زيارة رئيس جهاز الموساد إلى قطر لاستئناف المفاوضات، في وقت تتحدث فيه الإدارة الأميركية عن ضرورة إدخال المساعدات إلى القطاع، في إشارة إلى تراجع الدعم الكامل لنهج الحسم العسكري.
وختم الدويري حديثه بالتأكيد على أن المقاومة الفلسطينية فرضت واقعا ميدانيا وسياسيا جديدا، من شأنه أن يدفع الاحتلال إلى التفكير جديا بمغادرة القطاع تحت ضغط الاستنزاف المستمر وفشل كل محاولات كسر إرادة المقاتلين الفلسطينيين.
وكانت إسرائيل أعلنت استئناف عملياتها العسكرية في غزة بذريعة الضغط على حركة حماس لحملها على تقديم تنازلات في ما يتعلق بملف الأسرى المحتجزين، وذلك بعد أن رفضت حكومة بنيامين نتنياهو الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى سريان الاتفاق، نفذت إسرائيل عدوانا غير مسبوق شمل اجتياحا بريا لقطاع غزة المحاصر والمدمر.