الربيع أيضا مؤامرة (دبرتها الأرصاد الجوية)
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
لم يكن عديم الدلالة أن يستهل الرئيس ماكرون تهنئته للشعب السوري بالقول: «أخيرا، سقطت دولة الهمجية». ذلك أن «دولة الهمجية» عبارة غير معروفة في بريطانيا وأمريكا، مثلا، ولكنها متداولة لدى النخبة السياسية والإعلامية في فرنسا منذ أن أطلق هذا التوصيفَ الدقيق على دولة آل الأسد الباحثُ الفرنسي الجنسية التونسي النشأة ميشال سورا الذي اغتيل في بيروت أوائل الثمانينيات.
والواقع أن نجاح الشعب السوري في انتزاع حريته من بين براثن نصف قرن من الطغيان الوحشي قد فتح مشكاة أنوار مضيئة في ظلام التشاؤم والإحباط الذي خيم على معظم البلاد العربية في الأعوام الأخيرة لأن هذا النجاح أثبت صحة الرأي القائل (ولو أنه لم يكن يقول به إلا القلائل) بأن الثورات الشعبية التي اندلعت عامي 2010 و2011 قد دشنت حقبة تاريخية متعددة الاحتمالات منفتحة الأفق، وأن ما يبدو من فشلها لا ينبغي أن يجعلنا نغفل عن حقيقة أن الثورات زلازل سياسية طويلة الأمد لها اهتزازات ارتدادية لا تقع إلا بعد سنين أو عقود.
كما يمكن تشبيه الثورات الشعبية بتسونامي كاسح يأتي في شكل موجات. ولهذا كان ثمة موجة 2010 و2011 في تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن، ثم موجة 2018 و2019 في السودان والجزائر ولبنان، وها هي موجة 2024 و2025 تبدأ في سوريا، ومن يدري لعلها تمتد إلى غيرها.
والذي حدث في سوريا أوائل ديسمبر دليل على أن مقولة «النظام الإقليمي العربي» السائدة في الأدبيات السياسية ربما كانت مفيدة في فهم بعض الأمور، ولكنها تتطلب تنسيبا عندما يتعلق الشأن بالثورات الشعبية. ذلك أن تشابه الأنظمة العربية في الطبيعة لا يعني أنها كانت تتساوى في درجة الاستبداد. فشتان بين أنظمة بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح من جهة وبين نظامي آل القذافي وآل الأسد من جهة أخرى.
إذ إن السمة المشتركة بين المجموعة الأولى هي وظيفيّة الاستبداد، أي استخدامه أداة بالمقدار اللازم لتحقيق الغايات السياسية والمنفعية. أما النظامان الليبي والسوري، نظاما جبهة الصمود والتصدي والنظرية الثالثة والكتاب الأخضر والمقاومة والممانعة الخ، فقد كان استبدادهما شموليا متجاوزا للحد الوظيفي المحقق للغايات لأنه كان استبدادا مزاجيا عشوائيا، وعبثيا مجانيا. ولذلك فإن الحاكميْن الوحيدين اللذين كانا مستعدين لـ«إحراق البلد» بِدكّ المدن دكّا أو باستخدام الدبابات والطائرات والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية، هما «الأخ القائد» وطبيب العيون.
وقد أخذ الغربيون تهديدات القذافي مأخذ الجد فتدخلوا لتعجيل سقوطه. أما السفاح الضحّاك المُقهقه أبدا، فإنه مَدين بطول عمره في السلطة للقذافي ذاته لأن تقاعس أوباما عن تنفيذ وعيده بشأن الخط الأحمر قد أتاح لبوتين أن يملأ الفراغ ويعلن عدم السماح بأن يكرر الغربيون في سوريا ما فعلوه في ليبيا، زاعما أنهم خدعوه عندما برروا تدخلهم في ليبيا بحماية المدنيين بينما الواقع أنهم كانوا يريدون تغيير النظام.
وكان عام 2011 قد دشن نهاية حالة الاستثناء العربي. إذ كان الظن قبلا أن العالم العربي هو نموذج «الاستقرار» أي منطقة الركود والجمود الوحيدة على وجه الأرض وأن الدكتاتوريات الجاثمة على صدرها قد قطعت أنفاسها واستلّت منها الروح. فإذا بالشعوب العربية، التي كان يُظن أنها مستسلمة يائسة هامدة، تنتفض بشرف وعنفوان وتثبت أنها شعوب حية، أي شعوب عادية على غرار بقية شعوب العالم، تتوق للكرامة وتحب الحرية وتريد أن تكون سيدة في أوطانها.
ولا تزال بعض الأطراف تنكر إلى اليوم أن العرب يمكن أن ينتفضوا بمحض إرادتهم، بدليل أن المرشد الإيراني قال إن سقوط بشار مؤامرة حاكتها أمريكا وإسرائيل (ناسيا أن إسرائيل كانت تترجّى أوباما الإبقاء عليه) تماما كما كان يُزعم أن الثورة السورية السلمية عام 2011 صنيعة مؤامرة إمبريالية، بل وأن «الربيع العربي» كله ما هو إلا مكيدة من تدبير الأرصاد الجوية التابعة للاستخبارات الغربية!
ولكن بما أن تشاؤم الفكر حالة سائدة عممها فشل الثورات العربية، فإن الأمل هو أن تصير سوريا هي بلد الاستثناء الناجح، بحُكم ألم المحنة الرهيبة والعِبَر المستخلصة، وبرغم عظم التحديات المتطاولة كالجبال أخطارا داخلية وأطماعا إقليمية. إذ يكفي أن يفلح بلد عربي واحد في إنشاء ممارسة ديمقراطية ليبرالية رشيدة، جامعة للشمل الوطني، حتى يصير مثالا ملهما لسائر البلاد العربية ومثبتا أن الحرية ليست ممكنة فحسب، بل إنها واجبة لأنها في متناول تفاؤل الإرادة.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الربيع العربي سوريا الربيع العربي سقوط الاسد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة عالم الفن صحافة سياسة صحافة من هنا وهناك من هنا وهناك سياسة اقتصاد من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الأرصاد الجوية: أمطار متوسطة على الغرب يومي الخميس والجمعة
توقع المركز الوطني للأرصاد الجوية اتساع رقعة الأمطار على مناطق الغرب بشكل واضح ابتداء من غد الخميس مع انخفاض في درجات الحرارة ورياح نشطة على بعض المناطق.
وقال مدير الإعلام بالمركز محيي الدين رمضان في تصريح لليبيا الأحرار، إن الأمطار ستصل حتى مدينة مصراتة وما جاورها، إلى جانب بعض مدن الدواخل كغدامس والجفرة ومحيطها.
وأشار المركز إلى أن مناطق أقصى الغرب خاصة الحدودية مع تونس ستشهد سقوط أمطارا غزيرة مما تتسبب في جريان بعض الأودية وتجمع المياه في الأماكن المنخفضة.
ووفقا للمركز، تقل فاعلية الأمطار غربا ابتداء من مساء الجمعة، وتستقر الأجواء بشكل كامل يومي السبت والأحد المقبلين، وكذلك بالمنطقة الشرقية تبقى مستقرة حتى منتصف الأسبوع المقبل، بعدها ستشهد مناطق الشمال وخاصة شرق البلاد أمطار متفرقة.
جنوبا أكد المركز استقرار الطقس مع درجات حرارة معتدل نهارا وباردة ليلا وفي الصباح الباكر مع بحر مضطرب على كامل الساحل الليبي.
المصدر: ليبيا الأحرار
أمطارالمركز الوطني للأرصاد الجوية Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0