تاق برس – في مشهد تاريخي غير مسبوق، بدأت السبت إمتحانات الشهادة السودانية في ظل ظروف قاسية تكاد تتجاوز التصور.

طالبة تقطع آلاف الأميال من تشاد، وآخرون يغامرون بحياتهم في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر قوارب بدائية، فقط للوصول إلى مراكز الامتحانات. جلسات تُعقد في مواقيت غير تقليدية، والانقطاع المستمر للإنترنت يُضيف عبئًا ثقيلًا على كاهل الطلاب.

في خضم هذه الفوضى، يتصاعد الغضب وتنذر الاحتجاجات بعواقب وخيمة وسط انقسام حاد في صفوف الطلاب وأسرهم.
امتحانات على حافة الموت

ووسط دخان المعارك، حيث تصطف قاعات الامتحانات جنبًا إلى جنب مع ميادين القتال، جلس نحو  343,644 طالبًا لخوض امتحانات مصيرية في 2300 مركز امتحاني، يحيط بها الخوف والتشرد والدمار.

وبين هؤلاء، يقف 120,724 طالبًا يحملون قصصًا من الشتات، هربوا من الجحيم إلى واقع أقل قسوة، فقط ليجدوا أنفسهم في مواجهة اختبار لا يختبر المعرفة فحسب، بل يختبر أيضًا قدرتهم على الصمود.

 

ومع ذلك، تصر وزارة التربية والتعليم على إقامة الامتحانات رغم الانتقادات، وكأنها تصارع الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أملٍ يتلاشى.

 

الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني رئيس مجلس السيادة الانتقالي ونائبه مالك عقار وعدد من المسؤولين في الحكومة بثوا تطمينات في نفوس الطلاب والطالبات الممتحنين اثناء تفقد مراكز الامتحانات.

 

واطمأن رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان السبت على سير امتحانات الشهادة السودانية وجاهزية المراكز في إستقبال الطلاب لآداء الامتحانات.

وتفقد المراكز الرئيسية للامتحانات بمحلية سواكن بولاية البحر الأحمر ـــ شرقي السودان.

كما تفقد أيضاً المراكز الخاصة بالطلاب النازحين من الولايات الأخرى. ووقف على مستوي الخدمات المقدمة لهم.

وأمتدح رئيس مجلس السيادة الدور الذي ظلت تضطلع به وزارة التربية والتعليم في توفير الإحتياجات الفنية واللوجستية من أجل إنجاح امتحانات الشهادة السودانية.

وأشار إلى دور سفارات السودان بالخارج في تهيئة وتنظيم مراكز الامتحانات للطلاب خارج السودان.

و أمتدح البرهان دور الأجهزة الأمنية في تأمين الامتحانات في ظل الظروف الماثلة حالياً في البلاد .

 

في الاثناء ،قرع نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار اير بمدرسة كسلا الثانوية بنات، بولاية كسلا جرس إنطلاق امتحانات الشهادة السودانية ، بحضور والي ولاية كسلا ووزير التربية والتعليم د .أحمد خليفة، والأستاذة سلوى آدم بنيه مفوض عام العون الإنساني، والمدير العام لوزارة التربية والتعليم بكسلا وإدارات المراحل التعليمية بالولاية..

 

وحيا المعلمين والمعلمات الذين بذلوا جهدهم من أجل بلوغ هذه المرحلة مبينا أن الطلاب والطالبات الذين يخوضون هذه الامتحانات هم أمل ومستقبل السودان.

 

وقال إن هذه الامتحانات تأتي في ظل ظروف إستثنائية تمر بها البلاد. واشار الى المجهودات الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية في تأمين امتحانات الشهادة السودانية.

وأشاد عقار بدور سفارات السودان بالخارج في تنظيم مراكز الامتحانات وتهيئتها للطلاب بالخارج واثنى على إستضافة الدول الشقيقة والصديقة للطلاب السودانيين لآداء هذه الامتحانات.

 

واعرب عن أسفه لقرار السلطات التشادية حرمان الطلاب السودانيين المتواجدين في تشاد من آداء الامتحانات.

وأعرب نائب رئيس المجلس السيادي عن أمنياته لكل الطلاب داخل السودان وخارجه بالتوفيق والنجاح.

 

انتفاضة في الدلنج

ففي الدلنج بولاية جنوب كردفان، لم يكن الغضب مجرد كلمات، بل تحول إلى صرخات احتجاج مدوية. الطلاب هناك، المحرومون من الجلوس للامتحانات، يواجهون واقعًا مريرًا، حيث فشلت السلطات في توفير أبسط متطلبات العملية التعليمية.

 

هذا الفشل امتد ليشمل 60% من الطلاب على مستوى البلاد، وفقًا لبيان لجنة المعلمين السودانيين، مع حرمان تام في 8 ولايات، وحرمان جزئي في 3 ولايات أخرى. إنه مشهد يعكس حجم التصدع الذي أصاب جسد السودان التعليمي.
أبطال في زمن الانكسار

ومع كل هذا الظلام، تبرز قصص مضيئة تُعيد الأمل إلى النفوس وفق العربية نت.

الطالبة شمس الحافظ عبد الله، التي قطعت 2662 كيلومترًا من أبشي التشادية إلى الدامر السودانية، أصبحت رمزًا للجرأة والتحدي.

قصتها ليست مجرد رحلة، بل شهادة على أن التعليم في السودان لا يزال يقاوم، حتى في زمن الانكسار.
معارك على النيل

لكن قصة شمس ليست الوحيدة. ففي القطينة، قرر طلاب تحدي الطبيعة والحرب معًا، فركبوا قوارب بدائية لعبور مياه النيل الأبيض الهائجة، متحدين خطر الغرق للوصول إلى الدويم وأداء امتحاناتهم.

وعلى مدار يومين، كانت رحلتهم مغامرة أشبه بفصول من ملحمة بطولية، حيث اختلطت مشاعر الخوف بالأمل في مستقبل أفضل.
قرارات مثيرة للجدل

وفي خطوة تحمل أبعادًا غير مألوفة، قررت وزارة التربية والتعليم تعديل توقيت الامتحانات لتبدأ عند الساعة الثانية والنصف ظهرًا وتنتهي في الخامسة مساءً. هذا التغيير، الذي جاء في ظروف استثنائية، رافقه قرار آخر بقطع الإنترنت يوميًا في وقت الامتحانات، مما زاد من تعقيد حياة الطلاب وأسرهم، وأثار موجة من التساؤلات حول تأثيره على المشهد التعليمي برمته.
سؤال بلا إجابة

ومع كل هذا الصخب، يبقى سؤال واحد بلا إجابة:

هل يمكن لطلاب السودان أن يكتبوا مستقبلهم وسط هذه الكارثة؟

أم أن هذه الامتحانات ستظل مجرد فصل آخر في ملحمة الألم والمعاناة، حيث يواجه التعليم حربًا لا تُرحم؟.

 

إمتحانات الشهادة السودانيةالبرهانحرب السودان

المصدر: تاق برس

كلمات دلالية: إمتحانات الشهادة السودانية البرهان حرب السودان امتحانات الشهادة السودانیة رئیس مجلس السیادة مراکز الامتحانات التربیة والتعلیم هذه الامتحانات

إقرأ أيضاً:

الهوية السودانية بين الغابة والصحراء (1/2)

ali.hag.mohamed@gmail.com

السودان بموقعه المميز فى قلب القارة الإفريقية يشكل معبرا مهما لكل ما هو قادم من الشمال الإفريقى و الشرق الآسيوي، إلى جنوب و غرب و شرق القارة السمراء. و يحتل مساحة تقدر ب 1886000 كيلو مترا مربعا تجعله فى المرتبة الخامسة و الثلاثين عالميآ و الرابعة عربيآ.
على أرضه نشأت أعرق الحضارات العالمية على الإطلاق، و هى الحضارة النوبية و عاصمتها كرمة و التى تؤرخ على أنها أول عاصمة ولأول دولة فى العالم و نظامها الملكى هو الأقدم في التاريخ البشرى.
شيدت هذه الحضارة المعابد و الأهرامات و عرفت الصناعة والتجارة و إستخدمت الحديد و معادن أخرى كأدوات متعددة الأغراض و الإستخدام و كتبت بلغتها قبل اللغة الفرعونية المصرية بعدة قرون .
و إمتد حكم الفراعنة السودانيين إلى مصر و حكموها مئات السنين و تواصل حكمهم و بلغ حتى فلسطين فى العام 3050 قبل الميلاد.

فى عام 1924 عثر فى مدينة سنجة الواقعة على النيل الأزرق على أقدم الهياكل البشرية فى العالم و هو يعرف ب ( إنسان سنجة ) الموجود في المتحف البريطاني، و دلت الدراسات إلى أنه يعود إلى العصر الحجري، أى إلى قبل أكثر من 160000 سنة مما يؤكد بالدليل القاطع أن الإنسان الأول عاش على هذه الأرض و كما تشير خارطة النمو البشرى الموجودة في المتحف الطبيعى فى مدينة ملبورن الأسترالية.

فى عام 1504 تأسست دولة السلطنة الزرقاء و التى عرفت كذلك بالدولة السنارية منسوبة إلى عاصمتها مدينة سنار، نتيجة تحالف بين قبائل الفونج الزنجية على النيل الأزرق بقيادة عمارة دنقس و قبائل العرب في وسط و شمال السودان بقيادة عبد الله جماع، كأول دولة إسلامية و عربية تجسد الواقع الجغرافى و العرقي ، جذورها أفريقية و جوهرها و ملامحها عربية.
و شكلت النواة الأولى للسودان بحدوده الحالية.
وظلت هذه السلطنة متماسكة و قوية حتى عام 1821، و بذلك تعتبر فترة حكمها هى الأطول لدولة عربية إسلامية بعد سقوط الأندلس.

فى عام 1881 قاد الإمام محمد أحمد المهدى - القادم من الشمال النوبى - ثورة شعبية مسلحة ضد الحلم التركى المصرى و المدعوم من بريطانيا و أستطاع أن يجمع حوله رجالا من معظم أقاليم و قبائل السودان فى تحالف و تآذر بديع إختفت خلاله كل الفوارق الإثنية و الجهوية و توحدت الإرادة و الرؤية والرسالة.
و كانت الثورة تهدف فى المقام الأول رفع مظالم ما يعرف الآن ( بسلطة التركية السابقة ) و إسقاطها و من ثم إقامة دولة إسلامية على هدى الخلافة الراشدة تتعدى حدود السودان شمالا إلى مصر و شرقا إلى الحبشة و غربا إلى ليبيا و دول الغرب الإفريقي، تحمل و تبشر بعالمية الدعوة الإسلامية.
بعد معارك عنيفة و خاطفة في مواقع الوجود الإستعماري وصلت الى الخرطوم و التى سقطت بمقتل القائد الإنجليزي الشهير غردون فى عام 1885. و أعلن عن الدولة المهدية و التى أتخذت مدينة أم درمان عاصمة لها. و بعد أشهر وافت المنية الإمام المهدي و خلفه عبد الله التعايشي و كان رجلا ضيق الأفق و تكالبت عليه عدة عوامل لم يحسن التعامل معها و أدت فى النهاية إلى تفكك الدولة الوليدة و إنتهت بالغزو الانجليزي و هزيمتها في معركة كررى في عام 1889.

ومنذ ذلك التاريخ بدأت حقبة جديدة من عصر الإستعمار البريطاني في السودان و الذى مارس سياسته المعروفة ( فرق تسد ) و فى ضرب عناصر القوة المادية و المعنوية للشعب و إعلاء عناصر الهدم و الخنوع. فقام بحملة ممنهجة فى شيطنة العرب و المسلمين لدى القبائل الزنجية و محاربة التعليم الديني فى الخلاوي و تقديم قدر مبسط من التعليم الابتدائي و الأوسط لأبناء المركز فى تجاهل متعمد في تعليم أبناء الأطراف و سعى إلى خلق مراكز قوى فى الأقاليم من زعماء القبائل مقدما العصا و الجزرة.
فصل الجنوب إداريا و جعل منه منطقة مقفولة لا يمكن العبور إليها إلى بإذن خاص. و أستغل واقع العرق الزنجى في الجنوب فى بث روح الكراهية و الحقد تجاه الشمال العربى بروايات و قصص مختلقة و مكن الإرساليات المسيحية و أطلق يدها في التنصير و التبشير و ضيق الخناق على العرب والمسلمين.

هذا الواقع الجديد قاد إلى بروز طبقة نيرة من و السياسيين و الأدباء والكتاب و الشعراء و المبدعين ذوى ثقافة عربية و إنتماء بالكامل للأمة العربية فى الجوهر و المظهر، كردة فعل طبيعية لمحاولة الإستعمار في طمس الهوية الإسلامية و العربية و عزل السودان عن محيطه العربي والإسلامي.
و تشكلت مدارس فكرية مرتبطة إرتباطا وثيقا بمدارس فكرية فى مصر و فى المشرق والمغرب العربيين.
و كانت هذه المدارس نواة لحركة ثقافية وفكرية عارمة ذات أهداف و تطلعات وطنية، إنتظمت معظم مدن السودان الكبرى ، و من رحمها ولد معظم السياسيين و الشعراء والأدباء الذين قادوا حركة الخريجين في نهاية ثلاثينات القرن الماضي و التى إنتهت إلى تكوين الأحزاب السياسية و التى قادت إلى إستقلال السودان فى مطلع عام 1956.

فى السودان المعاصر تعيش فسيفساء من السحنات من القبائل العربية و الزنجية و الغالبية هى هجين بين هذه و تلك. و عددها يصل إلى ما يقارب 570 قبيلة، مقسمة إلى 57 فئة إثنية و يتحدثون حوالى 114 لهجة محلية و يشتركون جميعا فى التحدث باللغة العربية الدارجة السودانية.

هذا التنوع العرقي و الثقافى كان له الأثر الإيجابي في مرحلة ما بعد الإستقلال وقدم دفعة مهمة أثرت في مواطن الإبداع شعرآ و نثرآ و تشكيلآ في تلاقح ، جامع و مزهر للنسيج الاجتماعي في البلاد.
و لم تكن الهوية الوطنية السودانية همآ أو شاغلآ لقادة السودان بعد الإستقلال. و كان الإنتماء العربي و الإسلامي أمرآ لا جدال حوله و يعتبر من البديهيات المسلمات بهما . و قد تكون هناك بعض الأصوات الخافتة و التى تهمس على على إستحياء في الخفاء.
و أول ظهور للعلن يخاطب مسألة الهوية السودانية كان في عام 1962 فى مدرسة الغابة و الصحراء . و هى حركة شعرية ثقافية تمازج بين العنصر العربى و يرمز له بالصحراء و العنصر الإفريقى و يرمز له بالغابة . و من أبرز مؤسسيها النور عثمان أبكر، محمد عبد الحى ، محمد المكى إبراهيم، يوسف عيدابى، إسحاق إبراهيم، عبد الله شابو، على المك، مصطفى سند و صلاح أحمد إبراهيم.
و هذه المدرسة كانت صيحة في واد ، ذهبت أدراج الرياح و لم تترك اثرآ ظاهرآ و خلفت إرتدادات أشبه بما يحدث بعد زلزال عنيف.
و لقد تعرضت لإنتقادات جمة لغلو الطابع اليسارى عليها و ولعدم توافقها على تعريف محدد للهوية.
بعضهم كان يميل إلى إعلاء الأثر و التأثير الإفريقى كالنور عثمان أبكر و بعضهم يغلب الأثر العربى كصلاح أحمد إبراهيم و آخرون يميلون إلى الهجين كمحمد المكى إبراهيم كما جاء في قصيدته الشهيرة ( بعض الرحيق أنا و البرتقالة أنت ) لله يا خلاسية. و التى يقول فى بعض أبياتها ( يا بعض زنجية يا بعض عربية و بعض أقوالى أمام الله ) .
و كتب هؤلاء الشعراء و الأدباء شعرآ ونثرآ راقيا بلغة عربية مبينة و رصينة و زينوها بمفردات و مقولات و تعابير من الموروث الشعبي و اللغوي المحلي في تناسق جميل و غير مخل للفصحى أو للعامية الدارجة. و هذا التداخل المحبب بين اللهجة و اللغة ليس فيه خروج عن المألوف فى الأدب العربي و لا يدل على هوية غير عربية. فالقاص المصرى يحى حقى جسد هذا النهج القويم و عبر عنه في روايته ( قنديل أم هاشم) . و كذلك نحى نحوه الأديب العالمى نجيب محفوظ فى تناوله لشخوص و مسارح رواياته.
و أديبنا السودانى الطيب صالح جعل من رواياته صورة ناطقة عن الريف السودانى بتوصيف دقيق بريشة فنان آخذ فيه العامية في عزف متناسق مع الفصحى. و شاعر إفريقيا محمد الفيتوري و الذى طالما تغنى بها ولها فى معظم قصائده، ظل قوميآ عربيآ و لم يتنكر لعروبته في يوم من الأيام.

أثار مقالي المنشور فى المدار قبل فترة بعنوان ( الوحدة العربية بين الواقع و الأمل ) ردودآ متباينة بين السودانيين. و كانت فى غالبها سلبية تجاه الوحدة العربية و تميل إلى التقوقع في الإطار القطرى، بعضها يدعو إلى قطيعة كاملة مع العرب و يدعو الله أن يكفينا شرهم وتآمرهم .
كتب أحدهم ( نحن مع العرب و تجمعنا المشاعر و الأهداف و لكنى لا أؤمن بالوحدة العربية )
و كتب آخر ( نحن أفارقة أصلآ و لا يهمنا توحد العرب أو تفرقهم ) .
وكتب لى صديق ثالث أعرفه جيدآ و هو مناضل و ناشط سياسي معروف قائلآ ( لقد تصالحت مع نفسى و تخلصت من وهم عروبتى و أنا الآن أكثر تناسقآ من الناحية النفسية من حيث اللون و الشكل و الجينات . فقد وجدت قناعتي بأني سوداني و أفريقي، ناطق بالعربية و ثقافتي أفريقية ممزوجة بشئ من الثقافة العربية و الإسلامية بحكم الجوار ) .
و كتب رابع ( العرب لا يعترفون بنا بحسباننا أفارقة و الأفارقة لا يعترفون بنا بحسباننا عرب و أصبحنا هكذا كالنعامة، لا طائر و لا جمل ) .
بقية الردود على هذا المنوال و الذى يشكل ردة على الإنتماء العربي و الإلتزام القومي لدى السودانيين و الذى كان يهتف على الدوام ( جيش عربي واحد شعب عربي واحد ) .
و يعبر عن إنقلاب فى المفاهيم و المبادئ و القيم التى تخلقت و تشكلت مع نشأة الدولة السودانية الحديثة التي أسسها و رعاها وحافظ عليها جيل الإستقلال .

إن هذا التطور السلبي في مفهوم الوحدة العربية و الإنتماء القومي ، جعل قضية الهوية السودانية حاضرة بقوة و تطرق الأبواب بعنف فى عالم متحرك نحو المجهول و فى إقليم تمزقه الحروب و المنازعات و التناحر و أصبح مسرحا تصفى فيه الخلافات الدولية .
و نحن نعيش الآن ثورة نأمل ان تصل إلى مبتغاها في نظام ديمقراطي تسوده الحرية و السلام و العدالة.

و هذا التطور لم يحدث بغتة و إنما نتيجة تراكمات و مسببات و مبررات، نمت و ترعرعت في العقود الثلاثة الأخيرة. و التى كانت لها أرضية نتنة خفية منذ الفترة الإستعمارية، إستغلها النظام الظلامي للإخوان المسلمين، فأزكى نار الفتنة و الفرقة بين القبائل العربية و الزنجية و أعلى روح القبلية و الجهوية . و أشعلها حربآ دينية قادت إلى إنفصال الجنوب و حربآ عرقية تآكل الأطراف في جنوب كردفان و النيل الأزرق و دارفور.

هل هذا التحول فى مفهوم الوطنية والقومية و الإنتماء الجغرافي شأن سوداني خالص أم له إمتداد و تواصل مع محيطه العربي و الإفريقي ؟
و هل أسبابه و دواعيه و منطلقاته و أهدافه موضوعية و عميقة و مجذرة، أم هى سطحية و طافية على سطح من الأوهام و الخيال و مسنود على الواقع العربي المزري ، و يمكن التغلب عليها و إزالتها و العبور بمستقبل السودان إلى موقعه الطبيعي و المؤثر إيجابيآ في العالم العربي كما حدث عام 1967 في فى مؤتمر اللاءات الثلاث فى الخرطوم.

هذا ما سأجيب عليه فى الجزء الثاني من هذا المقال.

د. علي إبراهيم

   

مقالات مشابهة

  • رئيس المخابرات المصرية يبحث مع البرهان العمل المشترك لإنهاء الحرب السودانية
  • “إنهاء الحرب” .. رئيس المخابرات العامة المصرية يلتقي البرهان
  • التربية: عقد الامتحانات الوزارية لطلبة الصف الحادي عشر لهذا العام ورقيا
  • أستاذ علاقات دولية: القمة الثلاثية اليوم تعقد وسط ظروف غاية فى التعقيد وتعتبر استثنائية
  • للنظامين.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 للشعبة الأدبية
  • الهوية السودانية بين الغابة والصحراء (1/2)
  • أخبار الوادي الجديد.. المحافظ يتفقد مشروعات تطوير العاصمة الادارية.. والتعليم تدعم طلاب الشهادة الإعدادية بنماذج البوكليت
  • لجميع المراحل الدراسية.. موعد امتحانات نهاية العام 2025
  • لطلاب الثانوية الأزهرية.. رابط تحميل نماذج البوكليت التجريبي للعلوم الشرعية والعربية
  • تعليم مطروح: امتحان تجريبي لطلاب الشهادة الإعدادية بنظام البوكليت 16 أبريل