مهدي قطبي.. فن تفكيك الكتابة
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
محمد نجيم
أخبار ذات صلة الذكاء الاصطناعي.. إلى أين؟ الرُّوبوت العاطفي وأنسنة الآلة أعمال عبد الرحمن رحول.. تأملات فلسفية وجماليةحدث فني مهم وغير مسبوق تشهده أروقة معهد العالم العربي في باريس يتمثل في معرض ضخم لأعمال الفنان التشكيلي المغربي العالمي مهدي قطبي، رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب، هذا المعرض يقف الزائر أمام أعمال فنية وحروفية للفنان والتي أبدعها منذ عقود في فرنسا حيث قضى سنوات طويلة من عمره قبل أن يعود إلى بلده المغرب ويتولى، إدارة متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر.
المعرض يجمع نحو مئة عمل من روائع مهدي قطبي التي أبدعها من لوحات وأعمال حروفية ومنسوجات مزينة وخزفيات، عندما كان الفنان يضع أسس أسلوبه الفريد، وصولاً إلى يومنا هذا، حيث تستمر رؤيته في توسيع آفاقه الفنية، وهو يقول خلال افتتاح المعرض إن الهدف من هذا المعرض هو تسليط الضوء على عالمي كرسام وصنع فضاء للحوار بين الثقافات والعوالم الخيالية.
أعمال الفنان مهدي قطبي، الذي رأى النور في عام 1951 بمدينة الرباط، تمثل بمشاهد تختزنها ذاكرته من أمكنة قضى فيها طفولته وصباه وإعجابه بالعادات المغربية وطقوس الناس في حياتهم اليومية البسيطة، كما لا يخفي إعجابه بالتراث المغربي من قصبات وزخارف والسجاد المغربي والخط المغربي الذي يُعدّ أحد مكونات أعماله الفنية بكل ما تكتنزه من شاعرية وبعد صوفي بأسلوب تجريدي مبتكر. في كُتيّب المعرض كتبت إدارة معهد العالم العربي: على غرار الرسامين الأميركيين جاكسون بولوك ومارك توبي، اللذين يشترك معهما في حب الزخارف الشاملة والتكوينات الحرة، يفضل قطبي لغة بصرية أكثر بديهية تتحول فيها الكتابة إلى شكل آخر.
في حفل افتتاح المعرض قال الفنان مهدي قطبي: «أنا سعيد جداً بهذه الفرصة الفريدة التي أتاحها لي معهد العالم العربي، لأتمكن من استعادة 55 عاماً من الإبداع والألوان والفرح والسعادة، فكل لحظة مثلث لي تجربة ممتعة، كما اشتاق إلى مشاركة الزوار سعادتي بتنظيم هذا المعرض الضخم وعرض أعمالي أمام جمهور معهد العالم العربي».
وإذا كانت لوحات مهدي قطبي تنتمي إلى التقليد الغني لفن الحروفية العربية، فإنه يجدد هذا الفن عبر دمج لغة الشعراء، حيث تتداخل أقلامهم مع ريشته تحت شعار الصداقة. في كتبه المصورة، يضيف العديد من الكُتّاب كلماتهم إلى تدفق الرموزفي أعماله، لتكون بمثابة شراكات إبداعية ثنائية موقعة بأسماء مثل إيف بونفوا، ميشيل بوتور، إيمي سيزير، أندريه شديد، جاك دريدا، إدوارد غليسان، ليوبولد سيدار سنغور، أوكتافيو باث، ناتالي ساروت وغيرهم.
وتقول ناتالي بونديل، مديرة قسم المتحف والمعارض في معهد العالم العربي، والقيمة على معرض مهدي قطبي الذي يستمر حتى يناير 2025، «إذا كان قطبي قد أُعجب بلوحات «زنبق الماء» لكلود مونيه في متحف أورانجيري منذ وصوله إلى فرنسا عام 1972، واستلهم من أعمال فناني المدرسة الأميركية مثل جاكسون بولوك أو مارك توبي، وإذا كان قد تعرف على دائرة التيار الحروفي مع مؤسسها إيزيدور إيسو ورفاقه جان بول ألبينيه وجاك سباكاغنا، فإنه في النهاية ابتعد عن هذا التيار. فنه، الذي يُعبّر عنه بأسلوبه الخاص، يمكن وصفه بـ«تفكيك الكتابة»، كما يقول هو نفسه. على لوحاته، تتراقص وتتلوى الكتابة في إيقاعات موسيقية متدفقة، تنبض بحيوية لا نهائية. وكما يعلق الناقد فيليب داغين، فإن هذا الفن «يعرض نفسه ويختبئ. يعرض نفسه للاستمتاع اللوني ويختبئ من التفسير النقدي. فهو يُعجب دون أن يُفهم تماماً».
النشأة
ولد مهدي قطبي عام 1951 في الرباط ونشأ في بيئة متواضعة. اكتشف شغفه بالرسم عندما قام بتزيين جدار في مدرسته الثانوية في القنيطرة. في عام 1967، قرر متابعة حلمه في الفنون الجميلة في الرباط، حيث تأثر بالفنان الكبير جيلالي الغرباوي (1929-1971)، الذي يعتبر أول فنان تجريدي في المغرب. في عام 1969، غادر إلى فرنسا ليدرس في مدرسة الفنون الجميلة في تولوز، حيث حصل على دبلوم في الرسم عام 1972، ثم أكمل تعليمه في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس. بين عامي 1973 و2007، درّس الفنون التشكيلية في فرنسا والمغرب. خلال هذه الفترة، لم يتوقف قطبي عن مواصلة مسيرته الفنية، حيث عُرضت أعماله في العديد من المتاحف حول العالم وحظي بدعم من نقاد كبار مثل بيير غوديبيرت، أوتو هان، جيلبرت لاسكو، وبيير ريستاني.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الثقافة المغرب المتاحف معهد العالم العربی الذی ی
إقرأ أيضاً:
العراق أمام مفترق طرق.. تفكيك الفصائل المسلحة أو مواجهة الاستهداف
بغداد اليوم - خاص
أصبح العراق اليوم في مواجهة تحدٍ مصيري يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة بشأن التعامل مع الفصائل المسلحة، هذا ما أكده الخبير الأمني والاستراتيجي مخلد حازم، الذي حذر من أن العراق يواجه أحد خيارين لا ثالث لهما: إما حل الفصائل وتفكيك سلاحها أو مواجهة استهداف قد يتجاوز قدرة العراق على التصدي له.
رسائل أمريكية مباشرة وواضحة
يشير الخبير مخلد حازم في تصريحات متلفزة، إلى أن الرسائل الأمريكية المتعلقة بملف الفصائل المسلحة وصلت إلى العراق بوضوح، بل وبالأسماء، وتُظهر أن الوضع الحالي بات يشكل مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، التي ترى في بعض الفصائل المسلحة تهديدًا لاستقرار العراق ومصالحها في المنطقة.
وأوضح حازم أن أي محاولة للعمل بعكس هذه التوجيهات الأمريكية ستقابل باستهداف مباشر، خاصة مع المتغيرات الكبيرة التي طرأت على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وعودة أجواء التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بما يتضمن مصالح متشابكة ومعقدة.
أصل المشكلة
يعاني العراق منذ سنوات طويلة من وجود فصائل مسلحة تعمل خارج إطار الدولة، وتملك أسلحة ثقيلة وخفيفة تمنحها نفوذًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا.
وقد تعزز وجود هذه الفصائل بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث نشأت العديد من المجموعات المسلحة كرد فعل على الاحتلال، ومع الوقت تطورت لتصبح قوى مؤثرة داخليًا وخارجيًا.
بعد القضاء على تنظيم "داعش"، برزت هذه الفصائل كجزء من قوات الحشد الشعبي، الذي اعترف به رسميًا كجزء من المؤسسة الأمنية العراقية.
ضغط أمريكي متزايد وتصعيد محتمل
تصاعدت الضغوط الأمريكية على الحكومة العراقية في السنوات الأخيرة، حيث دعت واشنطن إلى تحجيم دور الفصائل المسلحة، وخصوصًا تلك التي تصنفها "إرهابية" أو ترى أنها تشكل تهديدًا لمصالحها.
وقد نفذت الولايات المتحدة عدة ضربات جوية ضد مواقع الفصائل، كما اغتالت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في أوائل عام 2020، وهو ما أثار توترات كبرى بين الجانبين.
وفي ظل المتغيرات الإقليمية، ترى الولايات المتحدة أن وجود هذه الفصائل يعرقل جهود تحقيق الاستقرار في العراق، ويعقد دور بغداد كطرف محايد في الصراعات الإقليمية، خاصة بين واشنطن وطهران.
تحديات تواجه الحكومة العراقية
الحكومة العراقية تجد نفسها اليوم في موقف حرج، من جهة، يمثل حل الفصائل المسلحة وتفكيك سلاحها تحديًا سياسيًا وأمنيًا هائلًا، إذ تتمتع هذه الفصائل بقاعدة دعم شعبية وسياسية، وقد يؤدي أي تحرك ضدها إلى ردود فعل عنيفة.
ومن جهة أخرى، فإن تجاهل الضغوط الدولية، وخاصة الأمريكية، قد يعرض العراق لعقوبات واستهداف عسكري مباشر، بالإضافة إلى تقويض مكانته الدولية.
بالإضافة، الى أن العراق يعاني من وضع اقتصادي هش وبنية تحتية متدهورة، ما يجعل أي تصعيد جديد عبئًا إضافيًا يصعب تحمله.
خيارات محدودة وآفاق غير واضحة
أمام هذه المعطيات، يبدو أن العراق أمام خيارين كلاهما صعب، الأول، هو محاولة حل الفصائل تدريجيًا من خلال دمج عناصرها في المؤسسات الأمنية أو نزع سلاحها بشكل سلمي، وهي مهمة تحتاج إلى توافق سياسي ودعم دولي واسع.
أما الخيار الثاني، وهو المواجهة المباشرة مع هذه الفصائل، فقد يؤدي إلى انزلاق البلاد نحو صراع داخلي جديد.
ويبقى العراق في مفترق طرق حاسم يتطلب اتخاذ قرارات جريئة ومتكاملة، فالتحديات التي تواجه البلاد ليست أمنية فحسب، بل تمتد إلى الجوانب السياسية والاجتماعية، حيث يجب على الحكومة العراقية أن تعمل على تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن الوطني والضغوط الدولية، مع الحفاظ على سيادة الدولة واستقرارها الداخلي.
السؤال الأهم الآن: هل يمتلك العراق الإرادة السياسية والقدرة العملية لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب؟ أم أن الجمود سيبقي البلاد في دائرة التوترات المستمرة؟، الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
إعداد: قسم الشؤون السياسية في "بغداد اليوم"