خطة جهنمية تمهد لـ«نكبة جديدة».. ضم الضفة الغربية لإسرائيل يقترب مع عودة ترامب
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
اتفاق ضم الضفة الغربية تم كتابيًا بين نتنياهو وسموتريش في 2022.. والعمل مستمر فى الإنشاءات وتوسيع الطرق بين المستوطنات
الحكومة الإسرائيلية تستغل التوترات فى المنطقة وتسرع فى إجراءاتها رغم فتوى محكمة العدل الدولية ضد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة
الوزير اليمينى المتطرف أمام الكنيست: انتخاب الرئيس الجمهورى في الولايات المتحدة ضوء أخضر لتنفيذ الخطة.
. وبدأنا خطوات بسط السيادة
ويعلن: أنشأنا نظامًا مدنيًا لتحطيم الأسطورة القائلة بأن الاحتلال العسكري مؤقت.. وأصبح من السهل ابتلاع الأرض في السياق السياسي والقانوني
منح الفلسطينيين وضع الإقامة دون حق التصويت ويمكنهم أن يصبحوا مواطنين أردنيين!
فلسطينى يتحدى ويرفع العلم وخلفه مستوطنة صهيوينة
شبح الضم يخيم على الضفة الغربية.. وإذا كان سيناريو الضم لم يتم الكشف عنه بشكل رسمى حتى الآن، إلا أن خطوات عديدة تؤكد ذلك، مدعومة بانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، رغم ما حذرت منه محكمة العدل الدولية في فتوى أصدرتها في شهر يوليو الماضى، حيث اعتبرت أن "السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة والقدس الشرقية يقصد منها أن تظل قائمة إلى أجل غير مسمى وأن تخلق آثارًا لا رجعة فيها على الأرض، مما يعادل ضم أجزاء كبيرة من الأرض الفلسطينية المحتلة".
في خضم العدوان المستمر على قطاع غزة، لعب وزير المالية والوزير المسؤول عن شؤون الدفاع في الضفة الغربية بتسلئيل سموتريش، اليمينى المتطرف، عضو ائتلاف بنيامين نتنياهو، دور مشعل الحرائق بإعلانه يوم 13 نوفمبر الماضى أن عام 2025 سيكون عام ضم الضفة الغربية. ومع فوز دونالد ترامب، ينتظر أنصار الاستعمار أن يدعم نهجهم، الذي يتعارض مع القانون الدولي.
أجندة استيطانية
ويرى سموتريش أن انتخاب ترامب في الولايات المتحدة يخلق ديناميكية مواتية لأجندته الاستيطانية لما تبقى من الأراضي الفلسطينية. ولم يصدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلى أي رد فعل، حيث يناقش نتنياهو وحلفاؤه السياسيون هذا الاقتراح منذ عدة سنوات، مع وجود الحزبين اليمينيين المتطرفين، حزب بتسلئيل سموتريتش، وحزب إيتمار بن جفير، وزير الأمن القومي، من أنصار "إسرائيل الكبرى" واللذين يؤكدان دائمًا أنه "لا مجال للتسوية".
وكان سموتريش قد اتفق على برنامج الضم كتابيًا مع بنيامين نتنياهو في نهاية عام 2022. وأكد فى 24 يونيو الماضى أمام الكنيست إصرار الحكومة على تنفيذ خطته، قائلًا: "سنقوم ببسط السيادة في يهودا والسامرة [الضفة الغربية المحتلة]، أولًا على الأرض ثم من خلال التشريع.. أنا لا أخفي نواياي. وسوف أستخدم منصبي لتعزيز هذه السياسة".
وفي 22 نوفمبر الماضى، أعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس أن المستوطنين سيخضعون من الآن فصاعدًا للقانون الإسرائيلي العام وليس للقانون العسكري المعمول به في الضفة الغربية. ويتوافق تصريح كاتس مع ما سبق أن أعلنه وزير المالية والوزير المسؤول عن شؤون الدفاع في الضفة الغربية بتسلئيل سموتريش، القومي المتطرف، في 21 يونيو الماضى، حول بدء نقل جزء من الوظائف الإدارية للأراضي الفلسطينية، التي كانت من مسؤولية الجيش منذ عام 1967، إلى المدنيين، حيث سلط سموتريتش الضوء على التقدم الذي أحرزته حكومته فى خطة ضم المناطق. وأكد خلال مؤتمر في مزرعة للمستوطنين اليهود بالقرب من قلقيلية (شمال)، أن مثل هذه التغييرات تُسقط النظام الإداري الذي يحكم الأراضي الفلسطينية الخاضعة لسلطة جيش الاحتلال منذ عام 1967.
وأعلن سموتريش بوضوح أنه نقل مساحات واسعة من السيادة من أيدي الجيش إلى أيدي الحكومة المدنية: "لقد أنشأنا نظامًا مدنيًا منفصلًا لتحطيم الأسطورة القائلة بأن الاحتلال العسكري سيكون مؤقتًا". وقال: "الحقيقة هي أننا فكرنا في البداية في نقل هذه السلطات ككل خارج وزارة الدفاع. لكن في النهاية، رأينا أنه من السهل ابتلاعها في السياق السياسي والقانوني".
وفى تحدٍ للقانون الدولى الذى ينظم أوضاع الأراضى تحت الحتلال، قال سموتريتش خلال المؤتمر: "كل السلطات في يد هيلل روث: يوقع الأوامر، ويدعو اللجنة العليا للتخطيط إلى الانعقاد، ويؤمم الأراضي، ويوقع على أعمال المصادرة من أجل بناء الطرق(!)..جميع السلطات المدنيةو كل شيء في يديه".
وكان سموتريش قد نجح في 29 مايو الماضى فى تعيين نائب مدني للجنرال الذي يرأس "الإدارة المدنية" للمناطق المحتلة، وهي هيئة عسكرية، على الرغم من اسمها. وجاء النائب المدنى هليل روث من مستعمرة يتسهار المتطرفة، وأحد خريجى مدرسة دينية متطرفة.
مخاطر عالية
ويشير يهودا شاؤول، وهو من منتقدي الاحتلال العسكري، إلى أن روث سيكون المرجعية لوضع الأراضي الخاصة، ومناطق التدريبات العسكرية أو المتنزهات الطبيعية، وما إلى ذلك، وكذلك تخطيط وبناء المباني السكنية والبنية التحتية، أو حتى "الحدائق الوطنية" التي تديرها إسرائيل في الضفة الغربية.
ومن أجل إضفاء الشرعية بشكل أفضل على هذه الخطة، تعتمد إدارة وزير المالية الإسرائيلي على المستشارين القانونيين الذين يستجيبون له بشكل مباشر ويتجاوزون فى عملهم المستشار القانوني العسكري للإدارة المدنية.
إن الضم، وهو مشروع اعتبر محفوفًا بالمخاطر قبل عقد من الزمن فقط، من شأنه أن يضع إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي تحقق في الاستعمار في الضفة الغربية منذ عام 2019.
ويحذر المحامي مايكل سفارد المناهض للاحتلال لما يمثله من عبء على الدولة، قائلًا: "إننا نشهد ثورة في هيكلية الحكومة في الضفة الغربية، ومن خلال إزالة العديد من السلطات الإدارية من الجيش وتفويضها للمدنيين، تقوم إسرائيل بإنجاز الضم بالقانون، وليس فقط بالواقع. وهو بذلك يوحد هذه السلطات الإدارية مباشرة تحت سلطة الحكومة الإسرائيلية والمسؤولين المنتخبين الذين لا يخضعون للمساءلة إلا أمام الناخبين الإسرائيليين. ومن خلال القيام بذلك، فإننا نعزز الفصل العنصري الذي ييسيطر على مجتمعي الضفة الغربية، الإسرائيلي والفلسطيني".
بتسلئيل سموتريتش خلال ما يسمى احتفال "يوم القدس" الذى يتم كل عام منذ ضم المدينة لإسرائيلداخل المستوطنات
وكان لكل ذلك صداه على الأرض فى الضفة الغربية.. لم يصدق "أوري بانك" أذنيه عندما سمع السفير الأمريكي القادم في إسرائيل يتحدث.. هذا الصهيونى المقيم في مستعمرة نيفي دانييل في الضفة الغربية، كان نشطًًا منذ عقود داخل اليمين الإسرائيلي المتطرف. ومع مايك هاكابي، الذي عينه دونالد ترامب حديثًا، وجد فورًا حليفًا متحمسًا. سفير ترامب المقرب من الأوساط الإنجيلية أعرب بصراحة: "أنا أعارض حل الدولتين (إسرائيل وفلسطين) وإذا كان دونالد ترامب يتمسك بهذا الخط، فأنا أعارضه.. أنا لم أستخدم قط مصطلح الضفة الغربية.. لا يوجد شيء من هذا القبيل، وأنا أتحدث عن يهودا والسامرة وأكرر ذلك". وقال لموقع "أروتز 7" الديني الصهيوني: "لا يوجد احتلال. إنها أرض أصحاب الحق هنا منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، منذ زمن إبراهيم".
قال المستوطن أوري بانك مبتهجًا: إنها معجزة حقًا، لم يسبق لمسؤول أمريكي بهذا المستوى أن ذهب إلى هذا الحد"، وكان لدى هذا المستوطن أسباب إضافية للابتهاج لأن إدارة ترامب المستقبلية يهيمن عليها إلى حد كبير مؤيدون بلا شروط لليمين الإسرائيلي المتطرف. على سبيل المثال، عمل وزير الخارجية القادم، ماركو روبيو، منذ فترة طويلة على زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل ويدعو إلى القضاء على حماس. وتميزت إليز ستيفانيك، سفيرة الولايات المتحدة الجديدة لدى الأمم المتحدة، بكفاحها المتواصل ضد معاداة الصهيونية في الجامعات الأمريكية، ودعت إلى وضع حد دائم لتمويل وكالة اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، ناهيك عن بيت هيجسيث، المعين في وزارة الدفاع، والذي يدعو إلى بناء الهيكل الثالث للقدس في ساحة المساجد!.
يقول أوري بانك: "هذه المواقف هي نتاج أعمال التأثير التي قمنا بها لسنوات عديدة في الولايات المتحدة. ستطلق هذه الإدارة الجديدة ثورة، وسنتوقف أخيرًا عن الحديث عن حل الدولتين ونبدأ الحديث عن سيادتنا على أرضنا". وينشط هذا المستوطن ضمن حركةRibonout "السيادة"، وهي مجموعة ضغط تناشد المسؤولين الإسرائيليين والنواب الأمريكيين المنتخبين بالكونجرس لضم الضفة الغربية. وبدلًا من إنشاء دولة فلسطينية على هذه الأرض، التي تم احتلالها خلال حرب الأيام الستة عام 1967 ويديرها الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين، يدعو دعاة الضم إلى ربطها التلقائي بدولة إسرائيل ومنح الفلسطينيين وضع الإقامة الذي يضمن لهم حقوقهم الفردية ولكن لا يضمن لهم حق التصويت في إسرائيل. ويوضح أوري بانك قائلًا: "سيكون بمقدورهم أن يصبحوا مواطنين أردنيين ويصوتوا للبرلمان الأردني بينما لا يزالون يعيشون هنا"!.
ويقول إيمانويل نافون، أستاذ السياسة الدولية ومدير المكتب الإسرائيلي لمنظمة "إلنت" غير الحكومية: "أولئك الذين ما زالوا يتحدثون عن دولة فلسطينية لا يعرفون ما الذي يتحدثون عنه". ويضيف، وهو على مقربة من يمين الوسط، وبالكاد يؤمن بتسوية إقليمية تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية: "لقد فشلت جميع المفاوضات بشأن التقاسم لأن الفلسطينيين يؤيدون خيارًا واحدًا فقط: تدمير دولة إسرائيل".
ولاية ترامب الأولى
إذا كانت معالم الضم المؤسسية غير واضحة بشكل رسمى، فقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل في تمهيد الطريق خلال فترة ولاية ترامب الأولى. في عام 2018، اعترفت واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها، وكان ذلك إقرارًا ضمنيًا بضم إسرائيل للأحياء العربية في القدس الشرقية بعد حرب الأيام الستة عام 1967. وفي مارس 2019، اعترفت الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السورية. وفي يناير 2020، قبل أشهر قليلة من انتهاء ولايته، طرح ترامب على الطاولة "صفقة القرن"، وهي خطة لحل الصراع وضعها صهره جاريد كوشنر بالتشاور مع القوميين الإسرائيليين. وتؤكد الوثيقة ضم القدس الشرقية والجولان، وتضيف الكتل الرئيسية للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية: أرييل ومعالي أدوميم وجوش عتصيون ووادي الأردن، مما يمنح إسرائيل السيطرة على الحدود بين البحر الأبيض المتوسط والأردن.. ويُعرض على الفلسطينيين حكم ذاتي محدود على 70% من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وخطة تنمية اقتصادية بقيمة 50 مليار دولار. لكن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، رفض ذلك رفضًا قاطعًا.
ويعلق غسان الخطيب، الأكاديمي والوزير السابق في السلطة الفلسطينية قائلًا بقلق: "كانت الولاية الأولى لترامب فظيعة بالنسبة لنا، وأخشى أن تكون الثانية أسوأ". ويضيف "نحن غاضبون من تصريحات أعضاء إدارة ترامب المستقبلية، كما أن الواقع على الأرض الذي ينبغي أن يثير قلقنا، بدأ يتشكل بالفعل. وبينما تتجه أنظار العالم نحو الفظائع في غزة أو الدراما اللبنانية، تستغل إسرائيل ذلك لمضاعفة حجمها وفق الحقائق المنجزة في الضفة الغربية، وخاصة بين بيت لحم والخليل".
توسيع الطرق
لقياس التقدم المحرز في عملية الضم، من الضروري استكشاف المناطق المحيطة بهاتين المدينتين الفلسطينيتين الكبيرتين في جنوب الضفة الغربية. يمكنك الوصول إلى هناك من القدس عن طريق اتخاذ الطريق 60 على الطرف الجنوبي للمدينة.. طريق واسع مكون من أربع حارات، يتخلله نفقان طويلان وجسر، يؤدي في حوالي خمس عشرة دقيقة إلى جوش عتصيون، إحدى المناطق الرئيسية للاستيطان الإسرائيلي. ومع الاقتراب من المستوطنات الأولى، يضيق الطريق ولكن عشرات الآلات تعمل على توسيعه. ويقول أحد عمال الموقع: "سيقومون بمضاعفة المسار وسيقومون ببناء تقاطع يخدم بيت لحم عبر نفق".
هذه الطرق الجديدة هي جزء من التطوير المثير في جوش عتصيون. بسرعة وفى هدوء، يشجعون الإسرائيليين من القدس على الاستقرار في هذه المنطقة الرعوية المشهورة بجودة مؤسساتها التعليمية. ويقول يارون روزنتال، رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنة جوش عتصيون: "نحن نخطط لزيادة عدد سكان جوش عتصيون ثلاث مرات في غضون عشرين عامًا. ومع وجود دونالد ترامب، أصبح لدينا أخيرًا إدارة تعترف بشرعيتنا هنا وتشاركنا أهدافنا لبناء 2000 وحدة سكنية سنويًا، سنبني 20000 خلال عشر سنوات".
بعد جوش عتصيون، يتجه الطريق رقم 60 جنوبًا نحو الخليل، أكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية (200 ألف نسمة). وفي هذا القطاع، أصبحت المستوطنات أكثر ندرة وأقل انتشارا، ولكن من أجل تشجيع الاستعمار، تم القيام بأعمال ضخمة. ويتجاوز الطريق الجديد بين جوش عتصيون والخليل، والذي تم افتتاحه في عام 2023، معظم القرى الفلسطينية ويسهل تدفق حركة المرور، مما يوفر شعورًا بالحياة الطبيعية. يتنهد أحمد حسن، أحد سكان قرية العروب الفلسطينية، التي يمتد فوقها جسر على الطريق الجديد، قائلًا "إذا كانوا قد استثمروا الكثير في هذا العمل، فهذا يعني أنهم هنا ليبقوا".
الضم لن يرحم
وفي الطرف الآخر من الضفة الغربية، في منطقة نابلس، أصبحت عملية الضم أكثر تقدمًا. تقع آرييل على بعد حوالي ثلاثين دقيقة من تل أبيب عبر طريق سريع وواسع، ويبلغ عدد سكانها ثلاثين ألف نسمة. يجذب الموقع عائلات الطبقة المتوسطة التي تبحث عن منزل مع حديقة بسعر معقول. مع جامعة مشهورة ونادي ريفي وحوض سباحة ومركز تسوق واسع، تبدو آرييل وكأنها مدينة في إسرائيل من الداخل.
وكما هو الحال في جوش عتصيون، فإن القوة الدافعة وراء الاستعمار هي الانفجار الديموغرافي الذي شهدته البلاد طوال عقدين من الزمن. ومع وجود ثلاثة أطفال لكل امرأة في المتوسط فإن إسرائيل تقترب من التشبع وترغب في الحصول على احتياطيات وفيرة من الأراضي في الضفة الغربية، الواقعة بالقرب من تل أبيب والقدس. ويتوقع يارون روزنتال أن "الشباب الذين يقاتلون في غزة وجنوب لبنان سيشكلون غدًا عائلات كبيرة ستستقر هنا".
وفي انتظار تنصيب دونالد ترامب في يناير المقبل، تواصل الحكومة الإسرائيلية العمل لتحقيق خطتها، فى ظل وصول حليفها إلى البيت الأبيض.. ومع ميزان القوى العسكري مع تدمير قطاع غزة والقصف الهائل للبنان، يشعر مؤيدو الضم بالرياح تأتى بما تشتهى سفنهم في ظل مجتمع دولي مفتت وعاجز؟.
اعتمد هذا العرض على تقارير منشورة فى "لوموند" و"ليكسبريس" و"لوفيجارو" و"ميديا بارت" و"ردايو فرنسا الدولى"جحافل من المستوطنين فى مسيرة داخل الضفة لإرهاب الفلسطينيينفلسطينيون يحتجون على ضم الأراضى المحتلة لإسرائيلالمصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ضم الضفة الغربية لإسرائيل بتسلئيل سموتريش بنيامين نتنياهو ترامب الولایات المتحدة فی الضفة الغربیة ضم الضفة الغربیة دونالد ترامب على الأرض ترامب ا عام 1967 قائل ا رئیس ا
إقرأ أيضاً:
«فتنة» مخيم جنين.. من يشعل الضفة الغربية؟
تحول مُخيم «جنين» الذي يُعتبر أحد أهم مواقع المقاومة الفلسطينية، إلى ساحة صراع معقدة، مؤخرًا، بسبب تباين وجهات النظر حول مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وضرورات الأمن الداخلي التي تحتم على الحكومة الفلسطينية ملاحقة الخارجين عن القانون، ويتزامن التوتر المتفاقم بين السلطة الوطنية وفصائل محلية، مع التحريض الإسرائيلي الواضح بهدف توسيع رقعة الفوضى في أنحاء الضفة الغربية، خاصة منذ إطلاق أجهزة السلطة الفلسطينية العملية الأمنية «حماية وطن» المتواصلة منذ الرابع عشر من ديسمبر الجاري، بحجة فرض النظام والقانون، رغم تساؤلات حول طبيعة الفئات المستهدفة من العملية الأمنية، ونتائجها المحتملة، وأثرها على السلم الأهلي الفلسطيني، فضلاً عن تأثيرها على وحدة الموقف الوطني الفلسطيني.
الناطق الرسمي باسم قوى الأمن الفلسطيني، العميد أنور رجب، يؤكد أن «الهدف من العملية الأمنية استعادة السيطرة من الخارجين عن القانون الذين ينغصون حياة المواطنين»، مشددا على أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة لن تتهاون مع الجرائم التي تهدد أمن المجتمع الفلسطيني، فيما تنفي تصريحات وزير الداخلية، زياد هب الريح، وجود أي دعم خارجي للعملية، في إشارة إلى مزاعم التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي اتهامات يتبناها خصوم السلطة وفصائل مسلحة.
الوزير يؤكد أن العملية الأمنية تستهدف «فرض النظام وحماية المشروع الوطني»، في وقت تواجه فيه السلطة تحديات اقتصادية، وأمنية متزايدة على مستوى الضفة الغربية، فيما يبدو الوضع على الأرض أكثر تعقيدًا مما تصوره التصريحات الرسمية، فالعملية الأمنية التي استهدفت مخيم جنين أدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص، من بينهم «يزيد جعايصة»، وسط روايات متضاربة حوله كونه قائدًا في كتيبة جنين التابعة لحركة «الجهاد الإسلامي»، وتورطه في أنشطة تزعزع الاستقرار، مما يعكس إشكالية تصنيف المستهدفين من العمليات الأمنية.
مقاومون.. ومجرمونالاختلاف حول مفهومي «المقاومة» و«الخروج عن القانون» يوفر أرضية خصبة للتحريض الإسرائيلي ضد السلطة الفلسطينية، التي تجد نفسها في وضع حرج أمام الرأي العام المحلي، وأمام المجتمع الدولي، حيث تحاول حكومة بنيامين نتنياهو، إظهار السلطة في صورة العاجزة عن السيطرة على الأمن في الضفة الغربية، ومن ثم تعمل السلطة على الموازنة بين مستهدفات الحملة الأمنية، وبين الحفاظ على رمزية المقاومة، وإن كان هذا لا يرضي فصائل مسلحة تتهم السلطة بـ«التنسيق مع الاحتلال».
مخطط التحريض الإسرائيلي على المؤسسات الفلسطينية الذي تغذيه أطراف محلية، يأتي ضمن استراتيجية أوسع تشمل التوسع الاستيطاني، وتهويد الضفة الغربية، من خلال محاولات للدفع بمناطق كجنين إلى الاشتعال، وتمدد الفوضى مما يسهّل تنفيذ مخططات إسرائيل، التي تواصل سياسة العقوبات الجماعية، عبر هدم المنازل، إغلاق الطرق، وعمليات التوغل المتكررة، لزيادة الأزمة الإنسانية، وهو ما يفسر مبادرة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، باتخاذ خطوات مهمة خلال الشهرين الأخيرين تهدف إلى تعزيز سيطرتها على الأرض، عبر تغييرات واسعة في الأجهزة الأمنية والإدارية (شملت تعيين محافظين، وتنقلات في قيادات الأجهزة الأمنية، تغييرات في المناصب الدبلوماسية في السفارات الفلسطينية، ومن سيشغلون المناصب الحيوية حال حدوث أي تطور مفاجئ).
هذه الخطوات، التي توصف بأنها إصلاحات، تهدف إلى ضخ دماء جديدة في المؤسسات الفلسطينية، لكنها تواجه صعوبات كبيرة في ظل غياب توافق سياسي داخلي، وضغوط خارجية مستمرة، من واقع ما يحدث، مؤخرًا، في مخيم جنين، الذي يعكس حالة الصراع الدائم بين الحاجة إلى مقاومة الاحتلال، ومتطلبات فرض الأمن والنظام الداخلي، وهذه المعادلة الصعبة تضع السلطة الفلسطينية في مواجهة مع فصائل المقاومة، وفي الوقت نفسه، تحت رحمة التحريض الإسرائيلي الذي يسعى إلى إظهارها كطرف غير قادر على السيطرة على الوضع الداخلي.
رئيس حكومة التكنوقراط الفلسطينية، د.محمد مصطفى، يلعب دورًا محوريًا في توضيح موقف السلطة من الأحداث في جنين، وخلال اجتماعه الأخير مع قادة المؤسسة الأمنية في المدينة، شدد على أهمية العملية الأمنية باعتبارها جزءًا من الجهود الوطنية لحماية المخيم وضمان حقوق المواطنين، وأن «مخيم جنين وكل المخيمات هي رمز عزتنا، ونحن ملتزمون بحمايتها ودعم أهلها» ما يعكس محاولة الحكومة الفلسطينية التأكيد على أن ما يجري ليس استهدافًا للمقاومة، وإنما خطوة ضرورية لإعادة الاستقرار، وضمان الأمن في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، خاصة بعد سقوط النظام السوري، وتجميد جبهة الجنوب اللبناني، وتداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
مبادرة «وفاق»وسط هذه الأجواء المشحونة، أطلقت مؤسسات أهلية وحقوقية وشخصيات سياسية ومن القطاع الخاص الفلسطيني، مبادرة «وفاق» التي تسعى إلى تهدئة التوتر الأمني عبر مجموعة من الإجراءات، من بينها سحب القوات الأمنية من محيط المخيم، وقف المظاهر المسلحة، والبدء بحوار وطني شامل، كما تدعو المبادرة إلى الالتزام بأحكام القانون الفلسطيني، واحترام حقوق المواطنين، والتأكيد على أن مقاومة الاحتلال حق مشروع يُمارس في إطار القانون الدولي الإنساني، لكن المبادرة تواجه تحديات كبيرة، نتيجة أزمة الثقة بين الأطراف الفلسطينية، واستمرار الضغوط الإسرائيلية لعرقلة أي محاولات للمصالحة، والتدهور الاقتصادي الذي يزيد من تعقيد المشهد، فمخيم، جنين، كغيره من المخيمات الفلسطينية، يعاني من ارتفاع معدلات البطالة والفقر نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر.
ولأن مخيم «جنين» يمثل نقطة التقاء بين العديد من القوى السياسية والفصائل المسلحة، فهناك دعم كبير للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصة من فئة الشباب، بينما الشريحة الأكبر المتضررة من الظروف الاقتصادية الصعبة، نتيجة معاناة المخيم من البطالة والفقر والحصار الإسرائيلي المستمر على الضفة الغربية، فهم يرون أن الفصائل المسلحة لا توفر حلولًا عملية لتحسين الوضع الاقتصادي، وأن محاولة ضبط الأمن المدعومة بمبادرة «وفاق» تمهد لتحسين الأوضاع، بشرط ألا تقدم تنازلات في مواجهة الاحتلال.
مبادرة «وفاق» رغم أنها تعكس الرغبة في استعادة الاستقرار الداخلي، فإن تأثيرها على الواقع الأمني والسياسي يعتمد على عدة عوامل معقدة قد تسهم أو تفشل نجاحها، ففيما يتعلق بالتهدئة الأمنية، تشكل عملية انسحاب القوات الأمنية الفلسطينية أحد أهم بنود المبادرة، لكن تبقى عملية التوازن بين سحب القوات وتحقيق التهدئة دون تحقيق أهداف العملية الأمنية يجعل سيناريو الفوضى مرشحًا في أي وقت، خاصة أن البند الثاني من المبادرة يؤكد على وقف المظاهر المسلحة، الذي لن تقبل به القوى والفصائل بسهولة، بحجة التأثير على جهود المقاومة.
من النقاط الرئيسية في مبادرة «وفاق» دعوة السلطة والفصائل المسلحة للحوار الوطني لتقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة، فهناك أزمة الثقة بين القوى والفصائل، كما أن بعض الفصائل ستعتبر أي خطوة من السلطة لفرض النظام تقليصا لنفوذهم وحجم تأثيرهم في الشارع الفلسطيني، إلى جانب عدم وضوح الآليات والرؤية الموحدة خاصة لمواجهة الاحتلال، الذي سيتآمر على المبادرة وأي جهد فلسطيني- فلسطيني يقود إلى المصالحة الداخلية، وستتعرض السلطة الفلسطينية لمزيد من الضغوط من الاحتلال الذي يعتبر التنسيق الأمني جزءًا أساسيًا من استراتيجياته الأمنية.
ملف مصيريالمواقف في الشارع الفلسطيني بمخيم جنين تتراوح بين دعم المقاومة المسلحة والبحث عن الاستقرار الأمني، وبين القبول، أو الرفض للسلطة الفلسطينية بناءً على مواقفها السياسية وأدائها الأمني، وهذه المواقف تتأثر بشكل كبير بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى التحريض الإسرائيلي والضغوط الدولية. فيما يحاول الإعلام الإسرائيلي زيادة التوتر الحاصل، حاليًا، لتعميق الانقسامات الداخلية الفلسطينية، مع مواصلة الحكومة الإسرائيلية التحريض الدولي ضد السلطة.
تصريحات رئيس الحكومة الفلسطينية، د.محمد مصطفى، الذي تولى منصبه في ظروف شديدة التعقيد، تحمل رسائل تطمين للمجتمع الفلسطيني، مشددًا على أن الحكومة لن تقصر في تقديم الدعم لأهالي جنين، سواء على مستوى الخدمات الأساسية أو في حماية حقوقهم أمام التحديات الأمنية، ورغم الانتقادات، يحاول توصيل رسالة مفادها أن يحدث جزء من استراتيجية أوسع تسعى لتعزيز دور السلطة الوطنية في مناطق الضفة الغربية، وتجنيبها مصيرًا مشابهًا لما حدث في قطاع غزة.
التصعيد المستمر في، جنين، لا يمكن عزله عن السياق الأوسع للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حيث تستخدم إسرائيل كل الوسائل الممكنة لتفكيك الوحدة الفلسطينية، بينما تحاول السلطة الحفاظ على نفوذها وسط ظروف شديدة التعقيد، ما يطرح أسئلة كبرى تتعلق بمستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، منها: هل يمكن للسلطة أن تنجح في إعادة فرض النظام دون التفريط في رمزية المقاومة؟ وهل تستطيع الفصائل الفلسطينية تجاوز خلافاتها وتوحيد رؤيتها لمواجهة الاحتلال؟
الإجابة، على هذه الأسئلة ستحدد ليس فقط مصير مخيم جنين، بل أيضاً مصير القضية الفلسطينية برمتها في ظل التحولات الإقليمية والدولية الحالية، يبدو أن القضية الفلسطينية تدخل مرحلة جديدة من التعقيد، تتطلب رؤية موحدة وإرادة سياسية قوية لمواجهة التحديات القائمة والحفاظ على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وما إذا كانت مبادرة «وفاق» ستحقق نتائج ملموسة على الأرض أو ستظل مجرد محاولة غير مكتملة.
اقرأ أيضاًاستشهاد الصحفية شذى صباغ بعد إصابتها برصاصة في الرأس خلال الاشتباكات في مخيم جنين
المتحدث باسم أجهزة الأمن الفلسطينية: بدأنا تنفيذ مرحلة جديدة هدفها استعادة مخيم جنين
الهلال الأحمر الفلسطيني: طواقمنا عجزوا عن تلبية احتياجات المحاصرين في مخيم جنين