يمانيون../
قالت العرب قديماً: “ما حكّ جلدك مثل ظفرك “، وهذا القول في حقيقة الأمر يعبّر عن حاجة الإنسان أو المجتمع أو الدولة إلى معالجة مشكلاتهم بأنفسهم، إذ إنهم في معظم الأحيان يكونون الأقدر على فعل ذلك، بدلاً من الاستعانة بالآخرين، بغض النظر عن حجم قربهم أو بعدهم منهم.

في “إسرائيل” التي تهشّمت الكثير من أظفارها في السنوات الأخيرة نتيجة الكثير من المتغيّرات، وبعد أن سقطت نظرية الردع التي كانت تسمح لها بالانتصار على أعدائها في غضون أيام قليلة، وفي ظل بروز الكثير من التحدّيات التي تُوصف إسرائيلياً بأنها صعبة ومعقّدة وغير مسبوقة، بات “للكيان ” العبري تبحث عن أظفار غيرها لتحكّ جلدها الذي لا يحتاج فقط إلى أظفار لتحكّه بها، بل إلى أكثر من ذلك، إذ إن ما مسّه من القرح والأذى والجروح بفعل الضربات التي تلقّتها منذ صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام المنصرم بحاجة إلى علاج طويل المدى، وقد باتت حسب ما تقول الوقائع عاجزة عن فعل ذلك بنفسها، على الرغم من كل ما تتلقّاه من دعم ومساعدة من معظم قوى محور الشر في العالم.

في مواجهة التحدّيات التي نشأت مع المقاومة في قطاع غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر المجيد، احتاجت “إسرائيل” إلى كل أظفار محور الشر في العالم، وعلى رأسه قلب هذا المحور ورأسه الولايات المتحدة الأميركية، التي استنفرت بوارجها العسكرية الضخمة، وجنّدت رئيسها ووزيري خارجيتها ودفاعها اللذين قدما إليها على عجل، واستخدمت كل ما تستطيع من قوّتها السياسية وعلاقاتها الخارجية لمنع سقوط “الكيان ” العبري، والتي عانت في تلك الساعات الحاسمة حالة من الإرباك وفقدان السيطرة كادت أن تدفعها إلى السقوط والتفكّك.

في الضفة الغربية المحتلة، والتي يتمدّد فيها الاستيطان طولاً وعرضاً، وتدخل إليها وحدات العدو الخاصة صباح مساء من دون أن يمنعها أحد، احتاجت “إسرائيل” إلى أظفار فلسطينية لحك جلدها الذي أصابه الأذى بفعل ضربات قوى المقاومة الشريفة في جنين ونابلس وطولكرم وطوباس، وباقي مدن ومخيمات الضفة المحتلة، وما يحدث في جنين خلال الأيام الأخيرة خير شاهد على ما نقول.

بالطريقة نفسها تقريباً لجأت “إسرائيل ” إلى الأظفار الأميركية لمواجهة جبهات الإسناد التي انطلقت لمساندة غزة، والتي كان من أهمها الجبهة اللبنانية، والتي تحوّلت بعد تفجيرات “البيجر” واغتيال قيادات حزب الله إلى جبهة قتال أساسية، انتهت ولو بشكل مؤقت بوقف إطلاق النار لمدة ستين يوماً، بعد أن ذاقت فيها المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة وصولاً إلى “تل أبيب” الكبرى الأمرّين نتيجة الضربات الصاروخية من لبنان، وهي ما زالت حتى الآن تفشل في استعادة الحياة شبه الطبيعية فيها، على العكس تماماً من قرى الجنوب اللبناني الصامدة والأبيّة، والتي على الرغم من الدمار الهائل الذي لحق بها، وحوّل بعض قراها إلى كومة من الركام، تعمل بكل قوّة لإعادة الحياة إلى طبيعتها، رغم أنف دبابات المحتل التي تحاول التنغيص على الناس هناك.

في لبنان احتاج الكيان العبري إلى أظفار فرنسية وبريطانية وألمانية لحك جلده، بل وإلى أخرى داخلية حاول من خلالها تأليب الداخل اللبناني على المقاومة، وفتح ملفات سبق إغلاقها إلى حدٍّ كبير مثل النزاع الطائفي على سبيل المثال.

على صعيد المواجهة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي اتخذت مساراً أكثر وضوحاً بعد “طوفان الأقصى”، لم تحتج “إسرائيل” الأظفار فقط، بل احتاجت الأيادي والأرجل والرؤوس الغربية منها والعربية للدفاع عنها في مواجهة الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، والتي دكّت القواعد العسكرية الكبيرة، وبعض الأهداف الأخرى الحسّاسة في تطوّر لافت ومفاجئ، كان الكثيرون يعتقدون باستحالته أو بصعوبته على أقل تقدير.

في مواجهة عمليتي الوعد الصادق الإيرانيتين ظهر “الكيان” العبري في أضعف حالاتها، فهي وعلى الرغم من عنجهيّتها وصلفها وجبروتها ضد المدنيين في غزة ولبنان، والذين استخدمت ضدّهم وما زالت أسلحة محرّمة دولياً، بدت في تلك اللحظات الفارقة مثل الوحش المقطّع اليدين، والذي لا يملك من أمره شيئاً، وهو ما تطلّب تدخّلاً “عالمياً” وإقليمياً للدفاع عنها، وحفظ ماء وجهها الذي أُريق أمام الجميع، وهو الأمر الذي لم يلقَ نجاحاً يُذكر، وشاهد كل العالم الصواريخ الإيرانية وهي تضرب في أكثر من موقع حيوي في قلب “إسرائيل العظمى”.

أما في سوريا، التي كانت حصناً مهماً وحيوياً لمحور المقاومة في المنطقة، والتي رفضت كل الإغراءات لقطع علاقتها بفصائل وجماعات المحور المقاوم ودوله في الإقليم، على الرغم من كل ما عانته من عدوان وحرب كونية أكلت فيها الأخضر واليابس، وحوّلتها من دولة لديها اكتفاء ذاتي قلّ نظيره بين الدول العربية البعيدة والقريبة، إلى دولة شبه فاشلة، تعاني من الحرمان والفقر وقلة ذات اليد.

في سوريا، وبعد أن فشلت الأظفار الإسرائيلية والأميركية في إحداث أي تغيير يُذكر على موقف هذه الدولة العزيزة، لجأ العدو إلى أظفار قوات متعدّدة الجنسيات، جاءت من خلف الحدود، وقُدّم لها كل ما تحتاجه من أموال وسلاح ووسائل إعلام لتنفيذ المخطط المعدّ سلفاً، والذي حوّل هذه الدولة التي كانت يوماً ما قوية ومتماسكة، إلى مجرد أشلاء تحوم في سمائها الطائرات الإسرائيلية لتدمّر مطاراتها وقواعدها وأسلحتها النوعية، ولتصل دبابات “الميركافا” إلى مشارف عاصمتها الفيحاء، التي كانت في يوم ما محرّمة على كل الأعداء والمجرمين.

أما في جبهتي اليمن والعراق، واللتين كانتا من أهم جبهات الإسناد للشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة، فالبحث الإسرائيلي ما زال مستمراً عن أظفار تدفع عنه بأس هاتين الجبهتين، اللتين على الرغم من بعدهما الجغرافي عن فلسطين المحتلة، فإنهما وبكثير من التحدّي والإصرار ما زالتا تسجلان إنجازات مهمة ولافتة في إطار مواجهة عدوان الاحتلال على القطاع المنكوب، وترفضان رغم الكثير من المغريات والإغراءات وقف مساندتهما لإخوانهم الفلسطينيين، وهما مستعدتان لدفع الثمن الذي يتطلبه هذا الموقف الجريء والأصيل.

في ما يخص الساحة اليمنية تحديداً، والتي تشهد خلال الأسبوعين الأخيرين تصعيداً واضحاً وملموساً ضد قلب “الكيان ” العبري في “تل أبيب” وضواحيها، وضد منشآت حيوية أخرى في إيلات وغيرها، يبدو “الكيان” العبري في حيرة من أمرها، وهذا ما تشير إليه الكثير من التقارير الواردة في الصحافة الإسرائيلية، إذ إن تعقيدات المواجهة مع القوات المسلحة اليمنية أكبر من أن يتم تجاوزها بضربة جوية هنا أو هناك كما حدث خلال الأيام الأخيرة، سواء من خلال الطائرات الحربية الصهيونية، أو من خلال الطائرات الأميركية والبريطانية التي تقوم بالعدوان على اليمن منذ أكثر من تسع سنوات.

فالمسافة التي تفصل فلسطين المحتلة عن الأراضي اليمنية، والتي تقترب من الألفي كيلومتر تمثّل عائقاً أساسياً أمام أي عدوان إسرائيلي واسع، إلى جانب الجغرافيا المعقّدة والمترامية الأطراف للأراضي اليمنية، وقلّة المنشآت الاستراتيجية المؤثرة التي يمكن استهدافها هناك، والتي تقلّصت كثيراً خلال فترة العدوان الذي شنّه التحالف الأميركي-السعودي على اليمن، بالإضافة- وهو الأهم- إلى افتقاد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى المعلومات المطلوبة لتوجيه ضربة قاسمة وحاسمة لليمنيين، سواء على صعيد نظام القيادة والسيطرة، أو في ما يخص القدرات الصاروخية التي باتت تمثّل الهاجس الأكبر لأكثر من أربعة مليون مستوطن صهيوني، يضطرّون للركض في منتصف الليل باتجاه الملاجئ، كما تقول الصحافة الإسرائيلية.

في اليمن تبدو الأمور بالنسبة إلى الإسرائيلي أكثر صعوبة من الساحات الأخرى، وهي بحاجة- كما يبدو- إلى جهد أكبر وأشمل وأوسع، وهو يحتاج إلى كثير من الوقت والعمل، وإلى تحالفات إقليمية تكون قادرة على الضغط والتأثير في قرار القيادة اليمنية الحكيمة والشجاعة.

حسب بعض التسريبات التي تُنقل عن المصادر الإسرائيلية والأميركية، فإن الحل الأمثل لمعالجة هذه الأزمة هو من خلال إشعال ساحات القتال اليمنية الداخلية من جديد، واستدعاء كل الأعداء الداخليين والخارجيين لجماعة أنصار الله للبدء في تنفيذ سيناريو قريب جداً مما حدث في سوريا، وهذا الأمر بدا واضحاً في تهديد أحد القادة اليمنيين القاطنين في عاصمة دولة عربية كبيرة مجاورة لليمن، والذي يرغب في العودة إلى الأضواء من جديد بعد أن عرّته غزة كما الكثيرين، ووضعتهم في حجمهم الطبيعي الذي يُظهر عجزهم وتخاذلهم وربما تواطؤهم.

نحن نعتقد أن الساحة اليمنية يمكن أن تشهد بعض التطورات خلال المرحلة القادمة حتى لو تم وقف الحرب على غزة، فما أظهرته هذه الساحة من بأس وقدرة على الفعل، وضعها في مكانة متقدّمة على صعيد قوى المقاومة في الإقليم، وهو ما يعني بالضرورة بذل المزيد من المحاولات من قبل محور الشر لإضعافها ومحاصرتها، ولم لا تفكيكها وإسقاطها.

على كل حال، ومن خلال متابعتنا لأداء الجبهة اليمنية على مدار الشهور الماضية، وفي ضوء ما استطاعت فرضه من معادلات، فشلت كل التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية والأميركية في محاصرة تداعياتها، فإننا نعتقد أن هذه الجبهة لن تكون فريسة سهلة لقوى الشر الداخلية والخارجية، وأنها ستكون بعون الله عصيّة على السقوط أو الانكسار، وأن الأظفار الإسرائيلية ستتكسّر وتتهشّم أمام قوة الموقف اليمني الأصيل وصلابته، وإلى جانبها أظفار الأعداء على خلاف ألوانهم وأسمائهم، ففي اليمن العزيز والشهم رجال أشداء يشهد لهم التاريخ القديم والحديث، وهم قادرون بعنفوانهم وشجاعتهم، وصبرهم وثباتهم على مواجهة وإفشال كل المؤامرات، ودحر كل الأعداء القريبين والبعدين، وكتابة نصر عزيز ومؤزر سيضع اليمن كما كان عبر التاريخ في مكانه الصحيح، مكانة تعبّر عن أصالة هذا الشعب، وحكمة وحيويّة قيادته العزيزة والشريفة.

أحمد عبد الرحمن
الميادين

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: على الرغم من فی مواجهة الکثیر من التی کانت من خلال أکثر من بعد أن

إقرأ أيضاً:

الرئيس اليمني في خطاب للشعب بمناسبة شهر رمضان : الأمة التي تجتمع على الخير لا تهزم أبدا

عدن (الجمهورية اليمنية) - دعا الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ابناء الشعب اليمني، وقواه الوطنية الى وحدة الصف، ونبذ الفرقة، واعلاء قيم التكافل، والتراحم، كما دعا القطاع الخاص ومجتمع المال والاعمال، والمبادرات المجتمعية الى مضاعفة برامجهم الخيرية، ومساعدة المحتاجين، خصوصا خلال شهر رمضان المبارك، حيث تشتد الحاجة الى حشد كافة الامكانيات الحكومية، والاهلية للتخفيف من وطأة الازمة الانسانية التي صنعتها المليشيات الحوثية الارهابية المدعومة من النظام الايراني، وفقا لـ(سبأ).

وهنأ رئيس القيادة الرئاسي اليمني باسمه وإخوانه اعضاء المجلس، والحكومة، في خطاب بمناسبة شهر رمضان المبارك، كافة ابناء الشعب اليمني في الداخل والخارج بحلول الشهر الكريم الذي جعله الله رحمةً لعباده، وفرصةً للتقوى، والتكاتف، والتآزر، سائلا الله سبحانه وتعالى أن يجعله شهر خير وبركة، وأن يعيده وقد تحقق للشعب اليمني كل ما يصبوا إليه من تطلعات في النصر، واستعادة مؤسسات دولته، وامنه، واستقراره.

كما وجه الرئيس العليمي في الخطاب الذي القاه نيابة عنه وزير الاوقاف والارشاد الدكتور محمد شبيبة، تهنئة خاصة لأبطال القوات المسلحة والامن، والمقاومة الشعبية، وكافة التشكيلات العسكرية المرابطين في الجبهات، وميادين العزة والكرامة، والى أولئك المناوبين في مختلف مرافق الخدمة العامة خلال الشهر الفضيل، مجددا الشكر لكافة المكونات الوطنية، والاشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، ومنابر الوعي في الداخل والخارج الذين كان لهم جميعا ابلغ الأثر في تعزيز الصمود الاسطوري.

وقال فخامة الرئيس اليمني:" في هذه الأيام والليالي المباركة، ندعو الجميع وفي المقدمة فاعلي الخير من رجال الاعمال والقطاع الخاص إلى اعلاء قيم التراحم، وإغاثة الملهوفين، ومضاعفة تدخلاتهم الانسانية للأسر المتضررة، فالأمة التي تجتمع على الخير، والتكافل لا تُهزم أبدًا".

اضاف:" يحل علينا هذا الشهر الفضيل، وما يزال شعبنا يعاني تداعيات حربٍ ظالمة، فرضتها مليشيات إرهابية انقلابية بدعم من النظام الإيراني، مسخرة في ذلك كل وسائل الترهيب، والتخريب لتجريف سبل العيش، واعاقة أي فرصة من جانب الحكومة، والمجتمع الإقليمي والدولي لتخفيف المعاناة الإنسانية المؤلمة".

واكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي بأنه واخوانه أعضاء المجلس، على إدراك تام بهول آثار الازمة الاقتصادية، والخدمية، والوجع المتفاقم المعبر عنه في الفعاليات السلمية، والاصوات الحرة، وأنات الأمهات والأطفال في كل شبر من ربوع وطننا الحبيب، مجددا العهد بعدم ادخار أي جهد في سبيل التخفيف من المعاناة التي صنعتها المليشيات الارهابية الحوثية التي كانت تراهن بتدمير المنشآت النفطية وايقافها عن التصدير، على انهيار كامل للأوضاع في غضون أيام.

ونوه العليمي بقوة، وصلابة ابناء الشعب اليمني وصمودهم في وجه ذلك المخطط الإرهابي الذي باء بالفشل رغم ما خلفه من ازمة تمويلية، جراء فقدان الدولة أكثر من 60 بالمائة من مواردها العامة، ومصدرها الرئيسي لتغذية إحتياطياتها من النقد الأجنبي.

وقال:" ها نحن اليوم أكثر صمودا بعد نحو عامين ونصف من تلك الهجمات الاجرامية، وباقون على العهد والوعد بتحويل الازمات الى فرص للنصر الناجز بعونه تعالى".

وجدد  الرئيس اليمني في هذا الشهر الكريم تذكير المواطنين في المناطق التي ترزح غصبا تحت سلطة المليشيات الارهابية، بأن الحكومة بذلت كل جهد، وقدمت كل التنازلات الممكنة، من أجل تحسين أوضاعهم، واستئناف دفع مرتباتهم.

استدرك قائلا:" لكن هذه الجماعة لا تريد للشعب اليمني إلا الفقر، والقهر، والهوان"، مجددا التأكيد على الوقوف الى جانب المواطنين في المناطق الخاضعة بالقوة للمليشيات الارهابية، ودعم ارادتهم، واحلامهم بأن هذا القيد آن له ان ينكسر.
وقال" إننا نؤمن أن الليل مهما طال، فإن الفجر قادم، وأن اليمن سينهض رغم كل المحن".

على الصعيد القومي، اشار فخامة الرئيس الى تلبيته دعوة اخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة لحضور القمة العربية غير العادية المرتقبة بالقاهرة في 4 مارس المقبل، وذلك تأكيدا لموقف اليمن الثابت الى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض كافة المشاريع الرامية الى تهجيره، وتصفية قضيته العادلة.

كما شدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي على توجيهاته بهذه المناسبة الدينية العظيمة، الى الجهات المعنية بالإفراج الفوري عن السجناء الذين امضوا ثلاثة أرباع مدة العقوبة او نصفها، والنظر في الإفراج بالضمان التجاري عن المحبوسين على ذمة الحقوق الخاصة، مع تشكيل لجان في المحافظات من النيابات، والسلطات المحلية والغرف التجارية لمساعدة المعسرين.

وفيما يلي نص الخطاب:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”. والصلاة والسلام على اصدق انبيائه المرسلين.

أيها الإخوة المواطنون، أيتها الأخوات المواطنات، في الداخل والخارج،،

أهنئكم جميعًا، باسمي، وإخواني اعضاء مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة، والغفران، والعتق من النار.. الشهر الذي جعله الله رحمةً لعباده، وفرصةً للتقوى، والتكاتف، والتآزر.

وهي تهنئة خاصة لأبطال القوات المسلحة والامن، والمقاومة الشعبية، وكافة التشكيلات العسكرية المرابطين في الجبهات، وميادين العزة والكرامة، والى أولئك المناوبين في مختلف مرافق الخدمة العامة خلال الشهر الفضيل الذي نسأله سبحانه وتعالى أن يجعله شهر خير وبركة، وأن يعيده علينا وقد تحقق لشعبنا كل ما يصبو إليه من تطلعات في النصر، واستعادة مؤسسات دولته، وامنه، واستقراره.

وأنها فرصة أيضا ان نجدد في كل مناسبة الشكر لكافة المكونات الوطنية، واشقائنا في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، ومنابر الوعي في الداخل والخارج الذين كان لهم جميعا ابلغ الأثر في تعزيز هذا الصمود الاسطوري.

أيها الإخوة والأخوات المواطنون،،
هذا الشهر العظيم اختصه الله بفضائل جليلة، وجعله ميدانًا للطاعات، والتقرب اليه سبحانه وتعالى، وسبيلاً لمغفرة الذنوب ورفع الدرجات، فطوبى لمن استغله في مرضاته تعالى بالخيرات، والأعمال الصالحات.
"شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون".

إن شهر رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب والملذات، بل هو مدرسة إيمانية يتربى فيها المسلم على الصبر، والتقوى، ويزداد فيها التقرب من الله عز وجل بالصيام والقيام، وقراءة القرآن، والإحسان إلى الفقراء، والمحتاجين.

وهو فرصة عظيمة لتجديد العهد مع الله، ولإحياء قيمنا الإسلامية النبيلة التي تدعو إلى التكافل والتراحم والتآخي بين أبناء المجتمع.

أيتها الأخوات أيها الإخوة الاحرار في كل مكان،،
يحل علينا هذا الشهر الفضيل، ومايزال شعبنا يعاني تداعيات حربٍ ظالمة، فرضتها مليشيات إرهابية انقلابية بدعم من النظام الإيراني، مسخرة في ذلك كل وسائل الترهيب، والتخريب لتجريف سبل العيش، واعاقة أي فرصة من جانب الحكومة، والمجتمع الإقليمي والدولي لتخفيف المعاناة الإنسانية المؤلمة.
انني واخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، على إدراك تام بهول آثار الازمة الاقتصادية، والخدمية، والوجع المتفاقم المعبر عنه في فعالياتكم السلمية، واصواتكم الحرة، وأنات الأمهات والأطفال في كل شبر من ربوع وطننا الحبيب.

لقد كانت المليشيات الارهابية تراهن بتدمير المنشآت النفطية وايقافها عن التصدير، على انهيار كامل للأوضاع في غضون بضعة أيام، بعدما فقدت الدولة أكثر من 60 بالمائة من مواردها العامة، ومصدرها الرئيسي لتغذية احتياطياتها من النقد الأجنبي.

لكن ذلك المخطط الإرهابي رغم ما خلفه من ازمة تمويلية، باء بالفشل بفضل صبركم، ووعيكم، ودعم الاشقاء والأصدقاء.. وها نحن اليوم أكثر صمود بعد نحو عامين ونصف من تلك الهجمات الاجرامية، وباقون على العهد والوعد بتحويل الازمات الى فرص للنصر الناجز بعونه تعالى.

اعلم ان هذا هو ليس الوقت المناسب للحديث عن المزيد من الوعود، لان الأولوية هي الان للخبز والماء، والدواء، والخدمات الحيوية، وهو ما نعمل عليه اليوم، ولن ندخر أي جهد في سبيل التخفيف من المعاناة، دون النكوص عن التزامات المعركة الوطنية لاستعادة مؤسسات الدولة، واسقاط الانقلاب باعتباره جذر الازمة، وصانعها.

ونحن اليوم أكثر يقينًا بأن النصر قادم، وأن هذا المشروع العنصري الى زوال، الامر الذي يتطلب منا جميعا الاستعداد لما قد يكون أصعب، واشد في مواجهة الارتدادات المحتملة لأزمة المليشيات الإرهابية، وداعميها في النظام الإيراني.

ايتها المواطنات أيها المواطنون،،
اننا على ثقة ان سنوات الحرب العجاف، كشفت لكم مخططات المليشيات الإرهابية لجعل بلدنا بعيدا عن ركب التطور الهائل الذي يشهده العالم من حولنا.

إن التحديات التي تواجه بلدنا لم تقتصر على تداعيات الانقلاب الغاشم في الداخل فقط، وانما امتدت إلى محاولات جعل اليمن ساحة ابتزاز للمجتمع الدولي، عبر تهديد الممرات المائية في البحر الأحمر، وخليج عدن، ضمن الاجندة الإيرانية المكشوفة لزعزعة امن واستقرار المنطقة، وتصفية قضاياها العادلة.

ولذلك، فقد كانت الازمة الاقتصادية، والتهديدات المتزايدة للأمن البحري في قلب مشاوراتنا مع الحلفاء والأصدقاء، وكافة الفاعلين الإقليميين والدوليين.

اننا في ذلك لا نستجدي الدعم العسكري كما يعتقد البعض، بل كف الأذى الإيراني عن بلدنا، لإن ايماننا بقضيتنا، وثقتنا بعزيمة شعبنا، وشجاعة جيشنا لا حدود لها في صناعة الغد المشرق الذي تستحقون.

ان هذه الاتصالات الدبلوماسية المثمرة، الذي نقودها، واخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، هي جزء اصيل من سياسة الدفاع المشترك، في مواجهة عدو إقليمي مشترك، وحماية مصالح مشتركة.

وبالتالي فقد أكدنا ان هذه الشراكة، يجب ان تبدأ وفقا للالتزامات الدولية، بدعم قدرات الحكومة، العضو في الأمم المتحدة في حماية أراضيها، ومنع تحويلها الى منصة تهديد للسلم، والامن الدوليين.

وعلى الصعيد القومي فقد لبينا دعوة اخي فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية لحضور القمة العربية غير العادية المرتقبة خلال أيام في القاهرة، تأكيدا لموقف شعبنا الثابت الى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض كافة المشاريع الرامية الى تهجيره، وتصفية قضيته العادلة، التي سنواصل بكل اخلاص الدفاع عنها، وحق شعبها المناضل في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة.

أيها اليمنيون الأحرار في كل مكان،،
نجدد في هذا الشهر الكريم تذكير أهلنا في المناطق التي ترزح غصبا تحت سلطة المليشيات الارهابية، اننا بذلنا كل جهد، وقدمنا كل التنازلات الممكنة، من أجل تحسين أوضاعكم، واستئناف دفع مرتباتكم، لكن هذه الجماعة لا تريد للشعب اليمني إلا الفقر، والقهر، والهوان.

إن هذه الحرب التي فرضتها المليشيات عليكم، وهذه الجبايات التي تستنزفكم، والجرائم، والاعتقالات التي ترتكبها بحقكم، ليست إلا جزءًا صغيرا من مشروعها الاوسع، القائم على العبودية، والعنصرية، والاستبداد، وإعادة اليمن قرون الى الوراء.

لذلك فإن أحد المداخل الحاسمة لأنهاء هذا العبث، الذي يصادر أحلامكم، ومستقبل ابنائكم، يرتكز على وقف تغذية المجهود الحربي للمليشيات بالمال، والرجال، والسلاح، والتمسك بمبادئ الحق، والعدل، والحرية، والمواطنة المتساوية.

ولعلكم تشاهدون الحراك الاجتماعي الواسع في المحافظات المحررة، كمؤشر للحياة والحريات المكفولة بموجب الدستور والقانون، وليس تعبيرا عن الفوضى كما تحاول ان تصورها منابر المليشيات.. وأننا هنا لا نحملكم فوق طاقتكم تحت ضغط القوة الغاشمة، وانما لتأكيد الوقوف الى جانبكم، ودعم ارادتكم، واحلامكم بأن هذا القيد آن له ان ينكسر.

أيتها الإخوات.. ايها الاخوة المواطنون،،
يعلمنا هذا الشهر الفضيل الصبر في المحن، والانصاف، وقول الحق، وصون اللسان، والأقلام عن الخوض في الاشاعات، والتضليل، وعدم استخدام نعمة التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي في التحريض، وتكريس الفرقة والشقاق، بل توظيفها فيما ينفع الناس، وتجديد الأمل بمستقبل أفضل تتحقق فيه تطلعاتهم في إنهاء كابوس الإمامة، واستعادة الأمن والاستقرار، والسلام بمشيئته تعالى.

وفي هذه الأيام والليالي المباركة، ندعو الجميع وفي المقدمة فاعلي الخير من رجال الاعمال والقطاع الخاص إلى اعلاء قيم التراحم، وإغاثة الملهوفين، ومضاعفة تدخلاتهم الانسانية للأسر المتضررة، فالأمة التي تجتمع على الخير، والتكافل لا تُهزم أبدًا.

وقد وجهنا بهذه المناسبة الدينية العظيمة، الجهات المعنية بالإفراج الفوري عن السجناء الذين امضوا ثلاثة أرباع مدة العقوبة او نصفها، والنظر في الإفراج بالضمان التجاري عن المحبوسين على ذمة الحقوق الخاصة، مع تشكيل لجان في المحافظات من النيابات، والسلطات المحلية والغرف التجارية لمساعدة المعسرين.

أيها الشعب اليمني العظيم،،
إننا نؤمن أن الليل مهما طال، فإن الفجر قادم، وأن اليمن سينهض رغم كل المحن.

وأننا نسأل الله عزّ وجل في هذه الليلة المباركة أن يوفقنا لاغتنام أيام رمضان ولياليه بحسن طاعته، وأن يديم علينا التوفيق والسداد، كما نسأله تعالى الرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى، والحرية للمعتقلين، وان يحفظ بلدنا وشعبنا، وسائر الشعوب والبلدان من كل مكروه وسوء، تقبل الله منا جميعا صيامنا وقيامنا.. إنه سميع مجيب.

رمضان كريم.. وكل عام وأنتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • “النقل” تُعلن فرض عقوبات وغرامات مالية للشاحنات الأجنبية المخالفة التي تُمارس نقل البضائع داخل المملكة
  • سياسات ترامب تجاه اليمن والشرق الأوسط وفق “مشروع 2025..وعد المحافظين”
  • “البرنامج السعودي” يدعم قطاع التعليم في اليمن
  • “المركزي اليمني” يحذر من الإحتفاظ بالودائع المصرفية لدى شركات الصرافة
  • أفغانستان ترد على ترامب: المعدات العسكرية التي تركتها اميركا هي “غنائم حرب”
  • تزامنا مع القلق الذي أثاره “قاتل المدن”.. ناسا ترصد 5 كويكبات اقتربت من الأرض هذا الأسبوع
  • الرئيس اليمني في خطاب للشعب بمناسبة شهر رمضان : الأمة التي تجتمع على الخير لا تهزم أبدا
  • ملتقى مشايخ ووجهاء اليمن يهنئ الشعب اليمني بحلول شهر رمضان المبارك
  • الناطق باسم “حماس”: تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي يطرحها العدو مرفوض
  • هكذا تحولت المباحثات التي دارت بين ترامب وزيلينسكي إلى “كارثة”